Connect with us

على مسؤوليتي

مراد بورجى يتساءل: أين حزب الاستقلال من مغرب ولي العهد؟

نشرت

في

* مراد بورجى

نزار بركة مرشح وحيد أوحد للاستمرار على رأس الأمانة العامة لحزب الاستقلال لمدة 12 سنة كاملة، ولكي يكون له ذلك، توافق على عرض لائحة وحيدة تضم نفس أعضاء المكتب التنفيذي مع تغيير طفيف لعرضها على التصديق خلال المؤتمر “التمثيلي” الثامن عشر المرتقب.

ومن أجل “حفنة سنوات زائدة”، عطّل السي نزار انعقاد المؤتمر الـ18 لمدة 18 شهرا كاملة، ظل خلالها يتفاوض خارج القانون، كي يستمرّ الوضع على ما هو عليه، فخرج، عبر بلاغ يوم الأحد 25 فبراير 2024، لـ”يبشّر” الرأي العام المحلي والدولي أنه حقق هذا “الإنجاز الكبير”، وأعطى الضوء الاخضر لتفعيله على أرض الواقع، بـ”تخريجة” (المرشح الفريد)، التي هي “انتصار لصوت الحكمة ولقيم الحزب”، يقول البلاغ المبين… وبنبرة تهديدية، يختم بالقول إن هذا القرار المحسوم في أمره هو “تجاوز جميع العراقيل والخلافات، وصياغة تصور موحد لإنجاح محطة المؤتمر الثامن عشر”، وأكد السي نزار، في تبليغه لـ”التحت والفوق”، أن “هذا الاجتماع يشكل لحظة تاريخية مميزة في حياة الحزب لما تشكله من دلالات رمزية تعكس قدرة الاستقلاليات والاستقلاليين على تجاوز الصعاب” (بين الأعضاء التسعة والعشرين)، وكذا “قدرتهم” على “تدبير شؤونهم الداخلية بالحكمة والرزانة وسداد الرأي والموقف استحضار مصلحة للحزب”.

هذه “القدرة” ظهرت بجلاء في اجتماع المجلس الوطني لحزب الاستقلال ببوزنيقة يوم السبت 2 مارس 2024، الذي شهد واقعة “التصرفيق”، حيث جرى انتخاب أعضاء اللجنة التحضيرية للمؤتمر الثامن عشر للحزب، وتمت المصادقة على تنظيم هذا المؤتمر أيام 26 و27 و28 أبريل المقبل ببوزنيقة، وخرج رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر، عبد الجبار الرشيدي، على الصحافة ليقول إن تكليفه “أمانة ثقيلة” وإنه، وباقي المناضلات والمناضلين بجميع فروع الحزب وهيئاته ومنظماته وجمعياته، مرتاحون “ارتياحا كبيرا” تُجاه ذلك الذي خرجت به اللجنة التنفيذية في اجتماع الأحد الفبرايري..

السي عبد الجبار أقرّ بضرورة تأهيل حزب الاستقلال على جميع المستويات من أجل مواكبة التحولات المجتمعية المتسارعة، واعترف في الأخير بأن المغرب يواجه مجموعة من التحديات الداخلية والخارجية.

نفهم من كل هذا أن المؤتمر المقبل لحزب الاستقلال ليس محطة لاستفسار الأمين العام نزار بركة عن السبع سنوات العجاف، التي عاشها المغاربة، ولا على وعوده الانتخابية التي سرعان ما بلعها مع دخوله الحكومة، ولا على شعاره القوي الذي استقطب تأييد المغاربة عندما أخرج “العين الحمرا” وهو يؤكد على وضع حد لفوضى “التحرير”، إذا تولّى المسؤولية الحكومية، من خلال تطبيق “تسقيف أسعار المحروقات”، ثم ما لبث أن طوى الشعار في ورقة مهملة ورماه في سلّة بجانب مكتبه الباذخ بوزارة التجهيز… بل هو “وقفة” لتزكية نزار ومن معه في مقاعدهم ومناصبهم ومكاسبهم، ومقابل جمود عند باقي مناضلي الحزب لغاية كذبة “أبريل” أخرى سنة 2029، دون تقديم أجوبة عن عدم تنفيذه لما وعد به ملك البلاد عقب انتخابه أمينا عاما للحزب في 7 أكتوبر 2017.

الملك محمد السادس تمنى من نزار بركة، في برقية تهنئته، أن يتوفق في “النهوض بمهامه الدستورية في التأطير الفعلي للمواطنين، وتوطيد مصداقية الممارسة السياسية، باعتباره السبيل الأمثل لتعبئة الطاقات من أجل خدمة الصالح العام”… وزاد الملك، في تأكيده على نزار، قائلاً: “ولاشك أنك لن تذخر جهدا لبلوغ تلك الغايات”… وجاء جواب الأمين العام الجديد سريعا، ببلاغ للجنة التنفيذية، التي أعربت عن “السمع والطاعة” لتوجيهات الملك، أكدت فيه على “أهمية تركيز عمل الحزب على التعبئة وتأطير المواطنين، واعتماد مقاربة جديدة في العمل السياسي”.

واليوم، بعد السبع سنوات عجاف، أين نزار من كل هذه المبادئ والأهداف الملقية على الحزب، والتي هي من صميم الممارسة السياسية وفي صلب الحقوق المواطنية والإنسانية؟ أين حزب الاستقلال الذي كان يُقام له ويُقعد، فإذا به يتحوّل مع السي نزار إلى مجرد رقم بلا هوية، صعد في مؤتمر “الطباصل”، وضَمن التجديد له في مجلس “التصرفيق” المُحضِّر للمؤتمر المقبل؟ أين هو الأمر الملكي الموجّه إلى نزار بركة حول “توطيد مصداقية الممارسة السياسية” و”التأطير الفعلي للمواطنين”، إذا كان الحزب، حسب نزار، كل ما يهمه هو المؤتمر، والترشيحات والتزكيات والمواقع واللجان، كما ظهر في “بلاغ الأحد الفبرايري”، الذي أدرج، في آخر نقطة في البلاغ، مسألة “دعوة جميع الاستقلاليات والاستقلاليين إلى الانخراط والتعبئة لإنجاح المؤتمر الثامن عشر، والانكباب على صياغة المشروع المجتمعي للحزب، من خلال المساهمة الفاعلة في إعداد أوراق المؤتمر، ومطارحة الأفكار وتجديد الرؤى والأسئلة ذات الصلة بمرجعية التعادلية الاقتصادية والاجتماعية للحزب”، وهي نقطة تظهر للقاصي والداني أنها “غير جدية”، إذ كيف يمكن “تجديد الرؤى” و”صياغة المشروع المجتمعي للحزب” في ظرف أقل من شهرين؟! وبصيغة أخرى أكثر وضوحا: كيف أن التفاوض على المناصب والمكاسب تطلّب 18 شهرا من الشد والجذب، فيما اكتفى السي نزار بأقل من شهرين لمناقشة بناء الأساسات للمرحلة المقبلة، مرحلة ولي العهد، أو مغرب الغد، المغرب، الذي سوّق له المستشاران الملكيان عبد اللطيف المنوني وعمر عزيمان سنة 2019، حين قالا، عشية إقفال عشرين سنة من حكم محمد السادس، إن المغرب يتجه نحو ملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم؟ سؤال جارح يضع الحزب في تناقض مهول مع التاريخ النضالي القوي للاستقلاليات والاستقلاليين، الذين كانت لهم كلمتهم، التي لم يكونوا يخافون في قولها لومة لائم، كما يُقال، وتصدّت قياداته لكل المحاكمات السياسية، التي عرفتها البلاد في سنوات الرصاص، دفاعا عن الحرية والكرامة وحق النضال من أجل الديمقراطية، حتى أن العرض الأول لـ”حكم التناوب”، الذي قدّمه الملك الراحل الحسن الثاني، تعرّض للتعثّر بسبب الموقف المبدئي والمخالف الذي رفعه الزعيم الكبير امحمد بوستة في وجه إدريس البصري، باعتباره يجسّد رمز التزوير والقمع في تاريخ البلاد، بل كاد الحزب يقاطع انتخابات 1992 دفاعا عن ضمانات النزاهة والمصداقية الانتخابية ورفضا للتحكّم في صنع الخرائط السياسية، حتى أن الحزب أبدع مصطلحا فريدا في توصيف التزوير هو “المخدوم”، و”النتائج الانتخابية المخدومة”… هذا الحزب هو الذي كان الاستقلاليون والاستقلاليات، ومعهم الكثير من المغاربة، ينتظرون أن يقلب الطاولة على حكومة أخنوش، فإذا كانت المؤاخذات على حكومة بنكيران لا ترقى إلى “التناقض الجوهري”، ومع ذلك انسحب الحزب من حكومة الإسلاميين، فيما مؤاخذات المغاربة على حكومة باطرون المحروقات أدهى وأفدح وأكبر، بل إن الشعارات التي ظل الحزب، وأمينه العام نزار بركة بالخصوص، يرفعها في حال دخوله الحكومة، بقيت كلها حبرا على ورق، بل بلغ الأمر بالسي بركة أن بلع لسانه على كل “الهضرة” التي كان يسوّقها عن تسقيف أسعار المحروقات والتصدي للفساد والريع، بل إن حزب علال الفاسي وامحمد بوستة، الذي ارتبط نضاله الديمقراطي بمطلب “من أين لك هذا؟”، هو نفسه حزب نزار بركة، الذي تواطأ مع الحكومة في سحب مشروع تجريم الإثراء اللامشروع، بل الأدهى هو أن الزمن دار دورة انقلابية مهولة حين سيزكّي حزب الاستقلال موقف حكومة أخنوش الذي اعتبر أن هذا المشروع “مخالف للدستور”.

عمليا، تُظهر الممارسة السياسية لحزب علال الفاسي، خلال السبع سنوات الفارطة، أن أمينه العام “أخلف” مواعيده، ليس مع الاستقلاليات والاستقلاليين ومع المغاربة فقط، بل أيضا مع الجالس على العرش، وخالف توجيهاته في برقية التهنئة، ولم يفِ بوعوده الجوابية، التي اعتبرتْ أن “الرسالة الملكية السامية ستظل نبراسا ومحفزا أساسيا لقيادة الحزب”، وفي المحصلة، يجد السي نزار نفسه من الذين حقّت فيهم وعليهم غضبة الملك على النخبة الحزبية “الخالدة”، حين قال إن “بعض الأحزاب تعتقد أن عملها يقتصر فقط على عقد مؤتمراتها، واجتماع مكاتبها السياسية ولجانها التنفيذية، أو خلال الحملات الانتخابية، أما عندما يتعلق الأمر بالتواصل مع المواطنين، وحل مشاكلهم، فلا دور ولا وجود لها”، ما دعا الملك إلى ترجمة غضبه بالقول إن “هذا شيء غير مقبول، من هيئات مهمتها تمثيل وتأطير المواطنين، وخدمة مصالحهم”…

والمقصود من هذه الغضبة أن الملك عبّر، بطريقة “ملكية” و”غير مباشِرة”، عن تذمّره من فشل الأحزاب في استقطاب وتكوين أطر مؤهّلة قادرة على حسن تدبير مختلف مجالات الشأن العام، مما يجعل الملك يضطر إلى اللجوء إلى خارج الأحزاب يبحث عن الطاقات، ليس لعدم وجود الطاقات بالأحزاب، بل لأن قيادات هذه الأحزاب تحجب الرؤية عنها، وتمارس عليها الإهمال، الذي يصل أحيانا إلى الإقصاء، فيما تضع في الواجهة مقرّبيها المحظوظين كما حصل مع عدة أحزاب، في مقدمتها حزب الاستقلال نفسه، إبّان تشكيل حكومة عباس الفاسي، وما رافقها من جدل وخرجات إعلامية لمسؤولين حزبيين حول مشاورات تشكيل الحكومة، والملاسنات حول طبيعة الحقائب وعددها، والترشيحات “المهزوزة”، التي لم تكن تستجيب لمواصفات تدبير بعض القطاعات، ما دعا القصر، زيادة على وزارات السيادة، إلى إضافة الإشراف على وزارتين لديهما صلة بالمشاريع الملكية المهيكلة، تضمّان الفلاحة والصيد البحري، وكذا الطاقة والمعادن والماء والبيئة، حيث وضع على رأس الأولى عزيز أخنوش (الذي أخفق في كل شيء)، والثانية أمينة بن خضراء، فأراد المستشار الملكي الراحل عبد العزيز مزيان بلفقيه، الذي كلّفه القصر بالحسم في الصيغة النهائية لحكومة عباس الفاسي، التي كانت تشهد كثيرا من الانسدادات، صبغ أخنوش وبنخضرا بلون الحركة الشعبية، ولمّا أبدت الحركة بعض “التمنّع” في قبولهما، سارع بلفقيه إلى الانعراج عن الحركة الشعبية والتوجّه إلى التجمع الوطني للأحرار، ليَدخل المستوزران بمعطف حزب عصمان، واعتُبر “استقلالي السلف” عادل الدويري وافدا جديدا على الحزب ليتقلد وزارة السياحة،، وقبله وفي مثل سنه، وُضع كريم غلاب على رأس قطاع التجهيز والنقل، وصُبغا باللون الوردي، فإذا بشيخ الاستقلال، امحمد الخليفة، يوجّه سهام النقد لقبول قيادة الحزب بصبغ هاذين “الصغيرين”، ومعهما شابان آخران، هما أحمد توفيق احجيرة (الإسكان والتعمير والتنمية المجالية) وياسمينة بادو (الصحة)، معتبرًا أن الجيل القيادي الأول هو الأولى من هؤلاء بالاستوزار، وفق “الاتفاقات التي تخللت اجتماعات قادة الكتلة مع الملك الراحل الحسن الثاني عشية الإعلان عن حكومة اليوسفي”، على حد قوله.

هذه مجرد أمثلة بسيطة جدا، يمكن القياس عليها في باقي الأحزاب وباقي الحكومات، وهي تعني، في الواقع، أن الأحزاب تفتقد إلى الأطر والطاقات والكفاءات اللازمة، أو بالأحرى، كما سبق أن قلت، فإن القيادات المتنفذة، المفتقدة إلى الثقة في النفس والخائفة من المزاحمة أو المنافسة، لا تبذل مجهودا في تكوين الأطر المؤهلة، التي تُشكّل منها حكومات الظل، إذ إنه من وظائف الحزب الدستورية، أيضا، التدافع لتولّي السلطة، لاستعمالها في تحقيق برامجها المجتمعية، التي تعلنها على المغاربة، وتستقطب منهم المؤيدين، وتفتح أمامهم أبواب التدرّج الطبيعي على هياكل الحزب القيادية بناء على الكفاءة والعطاء والمهارات، غير أن العديد من الأحزاب لا تلتفت إلى تأهيل وتجديد النخب إلا في الشعارات والخطابات، في حين تغلق الأسوار على قياداتها، التي تستخلد نفسها ويخلّدها أتباعها ومريدوها في مناصبها، في تعارض تام مع الأفق، الذي نادى به الملك محمد السادس، في معرض تشديده على إعادة الاعتبار للشأن السياسي بالمغرب، والذي “يتطلب تفاعلا كبير للأحزاب مع المشاكل اليومية للمجتمع المغربي، ولاسيما فئة الشباب”.


هذا الأفق لا يغيب عن الأحزاب، وضمنها حزب الاستقلال، باعتباره جزءا من موضوع هذا المقال، كما لا يغيب عن نزار بركة نفسه، حين اعتبر أن دعوة الملك إلى الأحزاب السياسية لاستقطاب نخب جديدة ولتعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي، تستوجب من هذه الأحزاب “مضاعفة الجهد لمواجهة عزوف الشباب عن الشأن السياسي، عبر ربط الفعل بالقول، وترجمة تطلعاتهم وتوقعاتهم لسياسات ملموسة وتجاوز المزايدات والخطابات الشعبوية واعتماد خطاب واقعي مبني على تحليل واقعي وتقديم حلول واقعية”… إن هذا الذي ذهب إليه السي نزار هو تجسيد حيّ لعدم “ربط الفعل بالقول”، ولفشل هذا “الجهد المضاعف” في تحقيق أهداف دعوة الملك إلى الأحزاب، كما يدلّ على ذلك مجموع المستوزرين باسم الاستقلال، خارج الأمين العام طبعا، في حكومة عزيز أخنوش، إذ كلهم كفاءات جرى صبغها باللون الوردي…

هذا الوضع يطرح أكثر من سؤال حول “تعامل الأحزاب والمسؤولين السياسيين والإداريين مع التطلعات والانشغالات الحقيقية للمغاربة”، ما اضطر الجالس على العرش إلى التعبير عن غضبه بصفة علنية من هذا الوضع، الذي لا يخدم، بأي حال، موجبات التأهّل الذاتي والموضوعي لرفع رهانات وتحديات مغرب ولي العهد، مغرب الغد، وهي مهام لا يمكن أن تنهض بها إلا أحزاب مؤهّلة قادرة على النجاح في تمكين المغرب من مؤسسات قوية وقادرة على تحقيق إصلاحات جوهرية في البنيات الأساسية للبلاد.. وهذا بالذات ما عبّر عنه الملك بالقول إنه “أمام هذا الوضع، فمن الحق المواطن أن يتساءل: ما الجدوى من وجود المؤسسات، وإجراء الانتخابات، وتعيين الحكومة والوزراء، والولاة والعمال، والسفراء والقناصلة، إذا كانون هم في واد، والشعب وهمومه في واد آخر؟”… وبلغ الرفض الملكي لهذا الوضع أوجه عندما تساءل: “إذا أصبح ملك المغرب غير مقتنع بالطريقة، التي تُمارس بها السياسة، ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟”، قبل أن يتوجّه إلى هؤلاء السياسيين برسالة مباشرة تضعهم أمام خيارين فقط: “لكل هؤلاء أقول: كفى، واتقوا الله في وطنكم… إما أن تقوموا بمهامكم كاملة، وإما أن تنسحبوا”.

انقر للتعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

على مسؤوليتي

في تجويد التواصل المعرفي بين الحقوقي والقانوني

نشرت

في

” الفرق بين الوجد والهوى والعشق والحب كالفرق بين أسنان المشط ، كذلك المقاربات وزوايا النظر ، فلا تماثل ولا تطابق ، مما يستدعي شرعنة الحق في الاختلاف بدسترة حرية الاعتقاد كمطلب يتهرب منه كثير من دعاة الحق” .
* مصطفى إبن كلثوم

في ظل إرادة الدولة مصالحة ومؤسساتها الدستورية مع المجتمع؛ وخاصة مؤسسة القضاء ؛ نؤكد بأنه لا يمكن لأي مواطن حداثي عاقل إلا أن يثمن الجدال الجاري في المشهد العام والفضاء العمومي وكذا في بعض المجالات الخاصة شبه المغلقة ، وضمن نوزال تنشر على نطاق واسع ، تتحول إلى سجال فيما بين مكونات منظومة العدالة والجامعة وهيئات حقوق الإنسان . غير أن المطلوب ، والحالة هاته ، الارتقاء بهذا الحوار من مجرد حرب بيانات وبلاغات ، أو في صيغة سجالات مجردة من أي وقع ثقافي ؛ يروم تبرير إجراءات أو يستهدف إدانتها ووصفها بالتعسف ، إلى حوار معرفي وسيلته الحقيقة القانونية وغايته الحقيقة القضائية ، فلسنا بصدد الاصطفاف في خندق الموالاة ولا ضمن متاريس المعارضة ، لأن مطلب بناء دولة القانون من أجل حماية الحقوق يتناغم مع مطلب بناء دولة الحق بالقانون ، إن لم يشكلا نفس المطلب بالتماهي ، رغم اختلاف المقاربات ، وبالتالي لا معنى للحديث عن أي حق خارج أو مستقل عن القانون ، وإلا فهو مجرد مطلب أو حرية تروم الاستحقاق بالدسترة او التشريع .

وما دمنا أمام ملفات بين يدي القضاء ، وتفاديا لأية ديماغوجية أمنية رسمية تهدف تسويق الوجه الرسمي وتبييضه ، وتفاديا لأية شعبوية حقوقية تبتغي تبرير أفعال يجرمها القانون قبل أن يقول القضاء كلمته ؛ فإنه مطلوب منا دعم مبدأ قرينة البراءة والعمل على تكريس ضمان شروط المحاكمة العادلة ، ليس إلا .

من هنا نعتبر بأن التنافس ينبغي ان يتم على أساس دعم مقومات هيكلة دولة القانون والمؤسسات ، والتعامل مع جميع الاجراءات او الخروقات بمسافة تراعي تحقيق الأمن القضائي المعزز بمقتضيات الأمن القانوني ، وهي مجادلات ، حتى لا نقول منازعات ، يشارك فيها القانونيون سواء كانوا قضاة او محامين او أكاديميين أو فاعلين وخبراء حقوقيين او مدافعين عن الحقوق والحريات ، لا فرق بينهم سوى في درجة الإيمان بالقانون كأسمى تعبير عن ارادة الأمة وضامن لحماية الحقوق والمكتسبات التي يقرها القانون ، ومدى تمثلهم للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ، وبخلفية ترسيخ أولوية مقتضيات ومعايير القانونين على القانون الوطني ، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون بالحجة بدل منطق الخطاب البلاغي أو الحقيقة الإعلامية السياسوية والتي يعتبر الإفلات من العقاب أحد عواقبها الوخيمة .

* مصطفى المنوزي محام
رئيس أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي

* مقالة تذكيرية وإسترجاعية أعيد.نشرها ، دون حاجة إلى تحيين ، في ظل فزاعة إنتعاش مؤشرات تكرار ماضي الإنتهاكات ، وذلك على هامش إقحام وحشو مقتضى قانوني جنائي ضمن تعليل يروم الحكم بعدم أحقية مجلس هيأة المحامين بسن إجراءات تنظيمية تهم الرفع من قيمة وجيبة الإنخراط في هيأة المحامين ، وإن كان في نظري أن الأمر لا يتعلق بوعيد مضمر ، مادام الأصل هو تنزيه المخاطَبين والمخاطِبين معا ؛ بل إن كل علة زائدة غير منتجة للإنصاف والإعتراف ، في سياق تثبيت المفهوم الجديد للعدل ؛ وفي التزيد غير المبرر ، قرينة على عدم الإقتناع وقصور الحجة ، و النزهاء منزهون عن العبث بما فيه إنتهاك قرينة البراءة ، التي دونت بمداد الفداء والوطنية ، في النسخة السادسة من الدستور المغربي .

أكمل القراءة

على مسؤوليتي

الضرورة تقتضي فتح نقاش حقيقي حول شروط ولوج مهنة المحاماة

نشرت

في

بادر مجلس هيأة مراكش إلى الرفع من قيمة واجب الإنخراط ، أي أن واجب الإنخراط كان محددا من قبل المجلس وتمت مراجعة القيمة برفعها ؛ وإن القراررات التي سبق إتخاذها ، اعتبارا من قرار تحديدها إنتهاء بالقرار ما قبل الأخير ، كلها قرارات تحصنت لعدم الطعن فيها من قبل من له الإختصاص القانوني وذلك بفوات ميعاد الطعن ، أما شرط الصفة والمصلحة فيتعلق بكل قضية على حدة وبالمرشح المعني والمتضرر بصفة شخصية ، وسنعود لمناقشة هذه النقطة بعد الحسم فيما هو مبدئي .

وبالتالي وجب التأكيد على أن كل القرارات السابقة صارت ، ومن باب تحصيل الحاصل المحصن ، حقوقا مكتسبة ولا يمكن التراجع سوى بإلغائها داخل الأجل ، والمادة الثانية (ضمن باب أحكام عامة ) من قانون تنظيم مهنة المحاماة صريحة في كون المهنة تمارس في إطار هذا القانون ( المعدل ) مع مراعاة الحقوق المكتسبة ، أي وفق ما تمت مراكمته في إطار نسخ التشريعات السابقة ، وهو مبدأ دستوري إنساني ترجع الحكمة منه وجوب ضمان الحقوق المكتسبة التي ترتبت على الوقائع الماضية وجعل أصحابها في مأمن من إلغائها أوضياعها ليكون الناس على ثقة بالحقوق القانونية واطمئنانًا إلى القوانين وبالتالي فكل حق مكتسب أثر لقاعدة عدم رجعية القوانين .

وإنه بالبرجوع إلى مقتضيات قانون 1993 فهي تنص على عبارتي ” 1. شروط الإنخراط و 2. واجب الإنخراط ” . وقد درجت مجالس هيئات المحامين على تحديد واجب الإشتراط وكذا تحديد واجب الإشتراك ، منذ على الأقل ظهير 1979 ، في ظل غياب نص عام يحدد قيمة الإنخراط ويمنع صراحة مجالس الهيأة من تحديد واجب الإنخراط ، في حين أجازت المادة 78 من النظام الداخلي الموحد لجمعية هيئات المحامين ذلك بل “” تلزم المترشح بأن يرفق طلبه بوصل يثبت أداء الرسوم المحددة من قبل الهيئة مقابل الانخراط من جهة ومقابل الاشتراك من جهة أخرى””. وهو نص خاص يلزم الهيئات كمجالس منخرطة في الجمعية ، وهي خاضعة أيضا لرقابة النيابة العامة ، وحيث واجبي الإنخراط والإشتراك شرط لصفة العضو وفق ما يفهم من الفصل الرابع من القانون المنظم للجمعيات والذي يشترط ثبوت أداء واجب الإنخراط والإشتراك كشرط لقبول الإستقالة أو الإنسحاب من الجمعية ؛ ناهيك عن مقتضيات الفصل السادس من نفس القانون والذي يعتبر كلا من واجب الإنخراط وواجب الإشتراك الدوري موردا قانونيا لمالية الجمعية .

أما فيما يخص القرار الأخير المطعون فيه فلامناص من مناقشة مدى إختصاص مجلس الهيأة في إتخاذه ؟ وهنا وجب التمييز بين أحقية إتخاذ القرار بالزيادة وهو محل نقاش ساري وجاري وغير محيوم ، وبين أحقية تحديد واجب الإنخراط وهو أمر محسوم باعتباره حقا مكتسبا بقوة عدم رجعية القانون فيما سبق تقريره ، وبدليل أن ضمن مقتضيات إنتقالية من القانون الحالي جاء عبارة ” ينسخ ” القانون السابق ولم ترد عبارة ” يلغى العمل ” بالقانون ” ! والنسخ لا يعني سوى إقرار إيقاف العمل بالقانون القديم ليس إلا ! .

وهنا بيت القصيد والذي يحفزنا إلى اعتبار أن قرار غرفة المشورة قابل للإبطال وذلك لمجرد موجب وحيد ، ناهيك عن اسباب أخرى وجيهة ايضا ، فبمقارنة منطوق القرار مع حيثياته وبما سمي تعليلا ؛ تتجلى مفارقة كبيرة ؛ فالمنطوق يفضي إلى بطلان ” إجراء ” الرفع من رسم الإنخراط ” في حين التعليل يناقش شرعية الحق في تحديد واجب الإنخراط ومدى صلاحية إقراره ؛ وهي مفارقة تؤكد عدم تناغم النتيجة والسبب ؛ والحال التعليل يفترض النطق في المبدأ الذي اتخذ شكلا مطلقا بالتراكم والتواتر كحق مكتسب يستحيل ممارسة تقييده بناء على قاعدة ” لا تقييد لمطلق إلا بنص ” .

فبغض النظر عن كون المجلس أو أي شخصية قانونية ذاتية أو معنوية قررت مقتضيات معينة هي المختصة ، في تعديل ومراجعة او تحيين أو إلغاء القرار حتى ، فهو قرارها وفي ملكها ، وذلك انسجاما مع مبدأ ” توازي الوسائل والشكليات ؛ وكحق مكتسب في العلاقة مع الصلاحية القانونية ؛ ما عدا إذا ثبت ما يوجب إعادة النظر فيه والإشهاد ببطلانه ، ولذلك شروط وإجراءات مسطرية . بغض النظر عن ذلك ؛ فإن القانون خول للمجلس صلاحية تحديد واجب الإنخراط بالنسبة للوافدين الجدد على المهنة حسبما يقرره قانون المهنة ، وبالتالي يبقى النقاش منصبا على مدى أحقية مجلس الهيأة في الرفع من قيمة الإنخراط بالنسبة لما هو مستقلبلي ؟ .

في نظري المتواضع يظل من حق المجالس أن تراجع القيمة ما دام أن الأصل في الأمور الإباحة بإعتباره أن الأمر بتعلق بتعديل في الموقف الذي سبق تقريره ، ولا يمكن أن يمس بحقوق الهيأة والتي هي حقوق عمومية بالنسبة جميع المحامين المنضوين تحت إطار الهيأة ، وعلى اعتبار أن كل وافد جديد على جدول الهيأة يعد مستفيدا وعلى قدم المساواة من الحقوق بل والإمتيازات المتراكمة في وعاء ( المال العمومي الهيأة ) ، والتي لا يمكن فرض أية رقابة عليها إلا في حالة سوء التدبير والإختلالات ، وهذا يعود فيه الإختصاص للمؤسسات الدستورية والعمومية المخولة قانونا .

ومن هنا وجب التأكيد على أن الرقابة القانونية من حق النيابة العامة وتتوفر الصفة لها ما دام قانون مهنة المحاماة يوجب تبليغ كافة القرارات للنيابة العامة في شخص الوكيل العام وكذا تبليغها للمحامين ( الرسميين وكذا المتمرنين المعنيين ) سيما القرارات المتعلقة بوضع القوانين الداخلية أو تعديلها ؛ غير أن المشرع إشترط للطعن من قبل أية جهة أن تتوفر تقترن الصفة بالمصلحة ، وليس أية مصلحة ، إن المطلوب كشرط المقصود كغاية توفر المصلحة القانونية / المشروعة في الإدعاء / الطعن . والمصلحة قد تتوفر في المرشح مثلا وبالتالي يمكنه الطعن ولكن يظل القرار الصادر في حقه او لصالحه نسبيا وخاصا به ، وعلى سبيل المثال قرار إلغاء رسم تعليق لوحة المحامي ، والذي لا يمكن تعميمه فهو شخصي ولت يستفيد منه غيره من المحامين ، مما يعني وقياسا على هذه النسبية ، أن على كل مترشح تم رفض ملفه لعدم أداء قيمة واجب الإنخراط المطلوبة ان يطعن في القرار على حالته وفي حدود نسبيته .

أما بالنسبة لمبادرة النيابة العامة فتنعدم فيها المصلحة القانونية لانعدام الضرر العام ، فهناك ضرر فئوي يخص المترشحين الذي ام يقدموا على الترشح إلا بعد أن تقدموا بطلب موقع وهم يعلمون كافة الشروط المتطلبة وهي محددة في قانون المهنة وحيث عبارة ” أداء واجب الإنخراط ” واضحة وصريحة . المادة 20 ” يبث المجلس داخل أجل أربعة اشهر من تاريخ إيداع الطلب او تاريخ أداء واجب الإنخراط “. و” يعتبر عدم البت داخل أجل 15 يوما بمثابة رفض الطلب ” . ولنفتح قوسا صغيرا ، ولنفترض أن المترشح لم يسدد واجب الإنخراط ، ولم يبت مجلس الهيأة في الطلب بعد إنصرام أجل 15 يوما +اربعة أشهر ، كيف ستتعامل النيابة العامة مع الرفض الضمني ؟ .

نقفل القوس ، وفي ضوء ما سبق بسطه ، ونعود إلى التأكيد على أن من حق مجلس الهيأة أن يحدد قيمة الزيادة في مبلغ الإنخراط ، لكن من حق أي متضرر أن يطعن اعتمادا على قاعدة :” عدم التعسف في إستعمال الحق .” وهي قاعدة تنطبق على الجميع بمن فيهم النيابة العامة ومجلس الهيأة وكذا صاحب مصلحة في الطعن ؛ وهنا تجب الإشارة إلى أن النيابة العامة في النازلة ارتكزت إلى عدم أحقية مجلس الهيأة في سن القانون لأن في ذلك مس بمبدأ فصل السلط واعتداء على إختصاصات السلطة التشريعية ، ونقول بأن موجب تدخل النيابة العامة غير مرتكز على أساس وفيه شطط في إستعمال السلط لعيب التجاوز ، لأن الإدعاء والنظر في الدفع يدخل ضمن قضاء فحص الشرعية ، كما أن تعليل غرفة المشورة تجاوز النظر فيما يخص مدى تطابق القرار مع النظام العام ، لأن القول بالمساس بفصل السلط لعدم الإختصاص في ممارسة التشريع ، قول يحتاج إلى تدقيق حتى لا تتم مواجهة ” إعتداء وتجاوز بإعتداء وتطاول ” .

ولذلك فإن التعليل ناقص خاصة وأن واقعة الإعتداء على إختصاص السلطة التشريعية غير قائم وغير ثابت ، ولا بمكن تصور واجب الإنخراط ضريبة مادام الواجب مشار إليه في قانون المهنة ومنصوص على صلاحية مجلس الهيأة في تدبير شؤون هذه المهنة ، وليس في القانون ما يمنع صراحة تقنين ( تفاديا لحساسية عبارة التشريع في علاقتها بتماهي الإنخراط والإشتراك ) ، خاصة وأن مهمة تحديد واجب الإشتراك جاءت كصلاحية لتدبير مالية الهيأة ضمن صلاحيات المجلس الأخرى التي يتولاها المجلس من إجراء البحث والبت في مدى توفر الشروط بما فيها أداء واجب الإنخراط والذي بصيغة الشرط والاجل معا ، بغض النظر عن كون القانون المستدل به يظل نسبيا في العلاقة مع مبدأ السيادة الوطنية ، ناهيك عن كون بعض منه يتحدث عن الإعفاء صراحة والبعض الآخر لا يشير بتاتا لواجب الإنخراط ، كما أن البعض الآخر المتبقي من المستدل به كنموذج يحدد الجهة التي تتولى تحديده بمقتضى قانون تنظيمي ، والحال أن قانون مهنة المحاماة خول لمجلس هيأة كل صلاحيات التقرير والتشريع الداخليين تنظيما وتفعيلا لشروط الولوج بما فيها اعتبار شرط واجب الإنخراط ولشروط تدبير المالية من صرف وقبض ، وبالتالي شرط المصلحة منعدما والذي هو في عمقه يتجاوز الصفة إلى الإختصاص ، ولأن المناسبة شرط فإنه حان الوقت لتنصيب مجلس الدولة الذي له الصلاحية في فحص شرعية القرارات الصادرة عن الهيئات ذات صبغة المرفق العام وهو مطلب ينبغي أن يتم تفعليه بدسترة مهنة المحاماة كما هو جاري به العمل في الدساتير المقارنة ، إلى جانب دسترة مجلس الدولة كمستار قانوني للدولة ومؤسساتها ، و كأعلى هيأة قضائية مختصة للبت في مدى شرعية القرارات الإدارية بما فيها المتعلقة بالوضعية الفردية للقضاة وبشؤون مهنة المحاماة .

وفي نفس السياق لابد من فتح نقاش حقيقي حول شروط ولوج مهنة المحاماة وترشيده بعيدا عن أية مواطنة إمتيازية وإن الواقع لا يرتفع في العلاقة مع الزبونيات هنا وهناك وإستغلال النفوذ ، وإن العدالة ليست في آخر المطاف سوى توازن وتكافؤ الفرص وإعتراف وإنصاف .

* مصطفى المنوزي
محام بهيأة الدارالبيضاء

أكمل القراءة

على مسؤوليتي

من أجل ترسيخ الشرعية القانونية قبل المشروعية الأخلاقية

نشرت

في

* نقد تناقض المشروعية والتأويل السيء لحالة الضرورة الفقهية (2)
وجب الإعتراف بأن قرار محكمة النقض الذي زعمت الحقيقة الإعلامية بأنه فسح المجال لمزيد من قبول سماع الزوجية خارج الأجل المحدد والحاسم في المادة 16 من مدونة الأسرة ؛ والحال أن القرار نفسه وجب تحويله موضوعا إلى نص للتحليل والتمحيص والإفتحاص ؛ وأفقا لضبط توزان العملية التشريعية ، موضوعا بتحليل عباراته وبافتحاص معناه ، مع الحذر الشديد من عواقب الإستنتاج بعيدا عن الحاجة إلى تضخيمه والتوهيم بجدواه وجودته ( العلمية ) ؛ فلا يعقل أن يتم تأويل نص المادة 16 بغاية التحايل على الأجل ، في حين يقتضي المنطق السليم ألا يتم تأويل نص مؤول ويحيل على نص آخر دون تعليل أو إقناع ، فكل تأويل قراءة ، وكل قراءة إعادة كتابة للنص من جديد.

من هنا وجب التذكير بحكمة المشرع من تمديد أجل سماع دعاوى ثبوت الزوجية ، فالغاية كانت تمكين من فاتتهم الفرصة لتوثيق العلاقة ، مع إشتراط ربط هذا التمكين كشذوذ بوجوب إثبات السبب القاهر ، وإن كان السبب القاهر قد تم التوافق حول تعريفه قضاء ( تجاوزا ) وحصره في البعد عن المراكز الحضرية ، وتسامحا لم يتم التشديد بربطه بمفهوم القوة القاهرة كما هو منصوص عليه في قانون الإلتزامات والعقود المغربي ، وهو ما يثير كثير من الإستغراب في كون أغلب الزيجات غير الموثقة تقع في كبد المدن وبالقرب الشديد من مقرات محاكم الأسرة أو ملحقاتها وكذا دواوين العدول !

وما دمنا توافقنا على ضرورة ” التسامح ” فإنه بالإطلاع على عديد من الأحكام التي قبل فيها سماع دعوى ثبوت الزوجية لا تلتفت ولا تناقش شرط إثبات وجود أسباب قاهرة حالت دون توثيق العقد في وقته ؛ بل إن بعض الأحكام اعتبرت عدم قدرة بعض المدعين على إعداد وثائق إدارية بما فيها أحيانا إدعاء عدم قبول دعاويهم الرامية إلى الإذن لهم بالتعدد ، وكل ذلك لا يعتد به كأسباب قاهرة . كما أن التسامح – أو بعبارة أوضح نقول التساهل إلى درجة المحاباة أو التواطئ موضوعيا (أي دون نية افتعاله حتى لا نقول عن حسن قصد ) – هذا التسامح الذي يتخذ صبغة تأويل لمفهوم الأجل ، بعد الإقرار به كشرط ملزم وقاعدة آمرة ، كما فعل قضاتنا المحترمين في قرار محكمة النقض ، فقد اعتبر القرار وأشير في تعليله إلى أن “” علاقة الطالبين في الدعوى ، تعود إلى سنة 2007 ..” “”وبذلك فهي واقعة تدخل ضمن الفترة الإنتقالية المحددة لتقديم دعوى الزوجية …” . إنه يلاحظ بأن محكمة النقض وإن قبلت بشرط الأجل فإنها – ومن باب التساهل – تجاهلت أن ما قصدته المادة 16 م أسرة ، هو تاريخ تقديم الدعوى وليس تاريخ قيام العلاقة غير الموثقة ؛ وبذلك فالقرار القضائي تعسف في في إستعمال حق ” التسامح ” ؛ وهي عملية تحايل واضحة على أنه تم تسويغ ” عملية تجاوز الأجل القانوني “.

من هنا فإن ” إجتهاد محكمة النقض مس ، ليس فقط بالشرعية القانونية ، بل أيضا بمبدأ المشروعية الأخلاقية ، فبغض عن المساس بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة أمام القانون ، فإن الخلل شاب المشروعية نفسها ، باعتبار أن المشروعية يفترض أن تتأسس على وضوح علاقتها العضوية والسببية بالضرورة ، وإن المقصود هنا حالة الضرورة الفقهية وليس حالة الضرورة القانونية ، فالثانية تخضع للقانون، أو الشريعة ، بالنسبة للدول التي تعتبر هذه الأخيرة مصدرا التشريع ؛ في حين تخضع الأولى أي حالة الضرورة الفقهية للإجتهاد والتخييل أحيانا ( للضرورة السياسية ) ؛ وفي ارتباط جدلي وتفاعلي مع الواقع الإجتماعي والتحولات المتعلقة به ، وهو مجال يتجاوز أحيانا عتبة التسامح إلى سقف التكييف والملاءمة قصد تبرير وشرعنة الممارسات غير الشرعية ( بمفهوم الشرع وليس الشرعية القانونية ) ، وذلك عن طريق إعادة تكييف وتوظيف الممارسات والمؤسسات التي لا تتأطر ضمن الشريعة نفسها أو الفقه أو العرف .

وكاستنتاج منهجي يمكن اعتبار ما بدر من مصدري قرار محكمة النقض ، الذي صار شهيرا دون أن يقرأ ويفهم حق فهمه ، إعتباره خطابا فقهيا في صيغة مقتضى قضائي ، وبإسم حالة الضرورة ، وهي بخلفية سياسية مرتبطة بمطلب تحديث النظام ومؤسساته لضمان حسن التعايش مع التحولات الجيوسياسية / الحقوقية المعولمة ؛ بإسمها تتم محاولة القطيعة مع الشرعية القانونية ومشروعية نفاذه والإمتثال له ، ولكي تصبح الضرورة ( أو حالتها ) مشروعة ، وبذلك تصير الحقيقة القضائية في خدمة الحقيقة الإعلامية / السوسيو -سياسية ، ولنا في مثال معركة ” المرأة السلالية ” العبرة قد يحتدى بها ، وهو ملف إستطاعت الدولة أن تدبره بتدرج يقظ ، فهل بإمكان التخفيف من وطأة ونفوذ الفقه ووكيله القضائي وبخلق توازن بين الممارسات الإجتماعية والتي ما زال بإمكان القانون المدني ( أو الزجري حتى ) ضبطها بعد الإعتراف لها بوجودها كأمر حتمي وواقعي ؛ فلم يعد مقبول أن يستمر القضاء – بعد إصلاحه ومحاولة تحديثه في مجالات جوهرية في حياة المواطنين اليومية – يستمر في مغازلة أطراف على حساب أخرى، بعلة أن الأسبقية لنفوذ الشرع على التاريخ وأن هذه السلطة يمكن أن تمتد إلى الجغرافيا ايضا وإلى معناها الإنساني ، وهو مطمح جميع المغاربة والذين فوضوا القوة العمومية ومهمة تشريع القانون وإنفاذه إلى المؤسسات المختصة دستوريا تحت رقابة الملك كرئيس للدولة ومشرع في إطار مجلس الوزراء ، وكأمير للمؤمنين ومؤسسة وصية على الشأن الديني العمومي ( المشترك ) .

وإذا كانت غاية الدولة نفسها – تحت إشراف اامؤسسة الملكية – هي تحقيق طفرات تقطع مع ماضي دولة التعليمات والأعراف ومظاهر التحكم ، وكذا غاية تحديث التشريع وآلياته بتحقيق وحدته من خلال بلورة قانون وطني منسجم ومتناغم يلبي الطلب المجتمعي على تنمية وتحيين الترسانة القانونية ؛ فهل ستتحق هذه الغاية العامة بتجاوز توجسات التناقض الطاغي والمخيف بين الدور الرمزي للشرعية القانونية من جهة ، ووظيفة تدبير العلاقات الإجتماعية الجارية والمتحولة من جهة ثانية ؛ وهذا إشكال بنيوي يصعب معه إدماج كل المقتضيات ، المعمدة بالتمثلات ذات النفحة الدينية والمكونات الثقافية للهوية الوطنية في باب صك الحقوق والحريات الدستوري ؛ إشكال بنيوي يصعب معه ذلك دون تفادي هيمنة المشروعية الأخلاقية تجاه الشرعية القانونية ؟ ألا يستدعي الأمر تكريس مأسسة المبادرة التشريعية على أساس تأهيل الوظيفة الإجتماعية للقانون كموحد جماعي للإرادات المتعددة المشارب والمتنوعة المصادر الكبرى الثلاثة السوسيو- تاريخية للتشريع : العرف ، الشريعة ، القانون الوضعي ؟ وهل نحن بصدد إستكمال دولة القانون من أجل الحقوق ، مؤهلة لخلق التوازن بين تنازع وتنافس المشروعيات المختلفة المذاهب والمرجعيات الفقهية ، مع الحرص على نقدها وتطويرها حتى لا يسوء تأويل المصالح الخاصة والفئوية بإسم حالة الضرورة و الإستثناء أو الخصوصيات ( الهوياتية أو غيرها ) ؟ .

* مصطفى المنوزي محام
رئيس أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي .

أكمل القراءة

الاكثر مشاهدة