Connect with us

على مسؤوليتي

هل تخلى الغرب عن دعم إفريقيا في مواجهة خطر الإرهاب؟

نشرت

في

* سعيد الكحل
تجمع التقارير الدولية، سواء الصادرة عن الأمم المتحدة أو عن معاهد مختصة مثل «معهد الاقتصاد والسلام» و”مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية” وغيرهما، على تحذيرها من التهديد الخطير الذي بات يشكله الإرهاب على العالم عموما (ارتفع عدد الدول التي شهدت هجمات إرهابية سنة 2024 من 58 إلى 66 دولة ــ شهدت 6 دول هي السويد وأستراليا وفنلندا وهولندا والدنمارك وسويسرا، هجمات إرهابية خلال 2024 رغم أنها لم تسجل أي هجمات خلال السنوات الخمس السابقة ــ بحيث ارتفع معدل الهجمات الإرهابية في الغرب لأول مرة منذ عام 2017؛ إذ تم تسجيل 52 هجومًا في عام 2024، مقابل 32 هجومًا خلال عام 2023، نفذته التنظيمات الإرهابية الأربع الأكثر فتكًا : داعش، جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، حركة طالبان الباكستانية وحركة الشباب الصومالية).

أما على الصعيد الإفريقي، فقد سجل آخر تقرير صدر عن «مؤشر الإرهاب العالمي» أن إجمالي ضحايا الإرهاب في العالم عام 2024 وصل إلى 7555 قتيلاً، وأن منطقة الساحل وحدها سقط فيها 3885 قتيلاً، أي بنسبة 51 في المائة (ارتفعت الوفيات بنحو عشرة أضعاف منذ عام 2019). الأمر الذي جعل التقرير يصف منطقة الساحل بأنها «بؤرة الإرهاب العالمي» للعام الثاني على التوالي.

وأظهرت إحصائيات نشرها “مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية” – مؤسسة بحثية تابعة لوزارة الدفاع الأميركية – سقوط قرابة 4 آلاف شخص في أفريقيا خلال 2023 بسبب الهجمات الإرهابية؛ بزيادة بلغت نحو 19 في المائة مقارنة بالعام 2022؛ وأظهر تقرير “معهد الاقتصاد والسلام” عام 2025، أن عدد الوفيات الناجمة عن الصراعات في منطقة الساحل وصل إلى أعلى مستوى له منذ إنشاء مبادرة مكافحة الإرهاب، متجاوزًا 25 ألف حالة وفاة لأول مرة في عام 2024، منها 4794 حالة وفاة مرتبطة بالإرهاب.

وبذلك وصف الوضع في مالي والنيجر وبوركينا فاسو بأنه «عالي الخطورة»، وأن هذه الدول الثلاث «هي الأكبر تضرراً» من تصاعد خطر الإرهاب. وبإقرار من الأمم المتحدة، فإن نحو نصف بوركينا فاسو أصبح الآن خارج سيطرة الحكومة. وشهد الصومال بدوره، وفقًا للمركز “زيادة بنسبة 22% في الوفيات في عام 2023 – ليصل إلى مستوى قياسي بلغ 7643 حالة وفاة”. وسبق للأمم المتحدة أن أعلنت، بداية عام 2024، أن قارة أفريقيا تمثل أكبر بؤرة للإرهاب على مستوى العالم، وأن نسبة 77 في المئة من الأعمال الإرهابية المقترفة في العالم خلال عام 2023 مسجلة فيها.

جهود دولية دون إستراتيجية محددة.
تتوالى الأصوات المنذرة والمحذرة من تفاقم مخاطر الإرهاب في إفريقيا، وخاصة في منطقة الساحل، بينما يقابلها تجاهل شبه تام من طرف التحالف الدولي ضد الإرهاب، خصوصا بعد سحب فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية قواتهما العسكرية من دول الساحل. وضع تستغله التنظيمات الإرهابية في استقطاب المقاتلين من مختلف جهات العالم وفي تمددها المتواصل أمام هشاشة الدول وضعفها العسكري واحترابها الداخلي. في هذا الإطار قالت المستشارة السياسية لغرب أفريقيا بمؤسسة “كونراد أديناور” لمشروع مكافحة التطرف “آنا واسرفال” إن “جماعة ’نصرة الإسلام والمسلمين‘ و’ولاية غرب أفريقيا‘ وتنظيم ’الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى‘ تعمل على زيادة نفوذها بصورة مطردة، وأصبحت القارة الأفريقية ذات أهمية متزايدة بالنسبة إليها، وأصبحت منطقة الساحل في غرب أفريقيا مركز الإرهاب العالمي منذ عام 2022”.

وتقدر لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة، تراقب أنشطة المنظمتين، أن جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، الفصيل المتحالف مع “القاعدة” الأكثر نشاطاً في منطقة الساحل، لديها نحو 6 آلاف مقاتل، نحو 3 آلاف منهم مرتبطين بتنظيم “داعش”.

عشرات المؤتمرات والقمم التي انعقدت في إفريقيا وخارجها حول سبل محاربة الإرهاب ودعم الدول الإفريقية في حربها ضد الإرهاب دون جدوى. إذ يظل الإرهاب يتمدد رغم الوعود و”الجهود” الغربية والأممية في مواجهة الإرهاب، ومنها:
1 ـ إنشاء بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد (مينوسما) انتهت مهمتها نهاية 2023.
2 ـ عملية برخان لمكافحة التمرد في منطقة الساحل الأفريقي في 2014، في 2022.
3 ـ G5 شكلتها خمس دول في الساحل الأفريقي، سنة 2017، برعاية فرنسية. انتهت مع الانقلابات العسكرية.
4 ـ القيادة العسكرية “أفريكوم” AFRICOM بفروعها الثلاثة:
القيادة المركزية للولايات المتحدة (سنتكوم) وتشمل مصر والسودان وإريتريا وإثيوبيا وجيبوتي والصومال وكنيا وسيشل.
القيادة العسكرية الأمريكية في المحيط الهادي الهندي (باكوم) ويقع ضمن اختصاصاتها مدغشقر والمحيط الهندي.
القيادة العسكرية الأمريكية في أوروبا (إيوكوم) وهي مسؤولة عن باقي الدول الأفريقية وعددها 41 دولة.
5 ـ “مبادرة عموم الساحل” الأمريكية التي تم إنشاؤها في نوفمبر 2002.
6 ــ “مبادرة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء” التي حلت محل “مبادرة عموم الساحل” في 2005.
7 ــ برنامج شراكة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء لفائدة مالي، موريتانيا، تشاد والنيجر.
8 ـ مشروع I-EAC بدأ في دجنبر 2019 واستمر حتى نهاية شتنبر 2023.

كل هذه “الجهود” لم تقض على الإرهاب الذي شهد ارتفاعا كبيرا في معدلات عملياته الإجرامية وأعداد ضحاياه. وقد فسر هذا التناقض بين الجهود وبين النتائج، المبعوث الأميركي الخاص السابق إلى منطقة الساحل، جيه بيتر فام، بقوله: “لقد قمنا بالكثير من الأشياء بشكل جيد على المستوى التكتيكي، بما في ذلك تدريب القوات الخاصة، لكنها لم تكن مرتبطة باستراتيجية أكبر، خاصة أن غرب أفريقيا هي منطقة شاسعة وشبه قاحلة تقع جنوب الصحراء الكبرى حيث تركزت جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب”.

أمام تجدر التنظيمات الإرهابية وتمددها في إفريقيا، من جهة، وعدم جدوى الجهود الدولية، من جهة أخرى، اضطرت بعض دول الساحل إلى إنشاء تكتلات عسكرية لمواجهة خطر الإرهاب. ففي مارس 2024أعلن قادة جيوش النيجر ومالي وبوركينافاسو عن تشكيل “قوة مشتركة” لمحاربة التنظيمات الإرهابية. وفي أبريل 2024، انعقدت بالعاصمة النيجرية أبوجا، قمة أفريقية تحت عنوان «دعم التعاون بين الهيئات الإقليمية لمواجهة تهديدات الإرهاب لأفريقيا» خُصصت لوضع استراتيجية أكثر إحكاما لمواجهة تزايد وتجذر الإرهاب. وتقرر في القمة تأسيس مركز أفريقي لمحاربة الإرهاب مهمته جمع وتبادل المعلومات ودعم قدرات الدول في مواجهة ظاهرة العنف المسلح. إلا أن ضعف الإمكانيات العسكرية واللوجيستية لدول الساحل يحد من قدراتها في التصدي لخطر الإرهاب؛ الأمر الذي يستوجب دعما دوليا حقيقيا عبر تشكيل تحالف عسكري مهمته محاربة التنظيمات الإرهابية في المنطقة على النحو الذي حارب به التحالف الدولي داعش في العراق وقضى على “خلافته” المزعومة.

مبادرات المغرب وجهوده.
ان وعي المغرب بمخاطر الإرهاب جعله ينخرط، مبكرا، في التحالف الدولي ضد الإرهاب. فالمغرب، مدرك، كما قال السيد بوريطة، عند افتتاح مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب بالرباط، أن أفريقيا بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى عمل “فوري وحازم” لتحقيق الاستقرار في القارة وتعزيز أمنها وتمكينها من التركيز على التنمية المستدامة. فالمغرب مستهدف من طرف التنظيمات الإرهابية منذ 2002، وتعاظم هذا التهديد مع تجدر الإرهاب في منطقة الساحل وتورط الجزائر في دعم الإرهابيين وتمويلهم لمهاجمة المغرب (هجوم أطلس أسني، أسلحة خلية أمغالا، أسلحة خلية “أسود الخلافة” بنواحي الرشيدية) ودول الساحل، خاصة مالي التي أدانت، في أكثر من مناسبة، “قرب الجزائر وتواطؤها مع المجموعات الإرهابية التي تزعزع استقرار مالي” (نشر ناشطون ماليون يوم 17 مارس 2025 صورا لشاحنات جزائرية كانت تحمل أسلحة للإرهابيين تم استهدافها بطائرات مسيرة مالية).

لهذا، المغرب معني مباشرة بأمن واستقرار دول الساحل التي تشكل مجاله الأمني الحيوي الذي لا ينبغي أن يُترك لتعبث به التنظيمات الإرهابية ومن يدعمها. لأجل ذلك لا يدخر المغرب جهدا في دعم الجهود الدولية والإفريقية لمحاربة الإرهاب وتشجيع المبادرات، وفي مقدمتها: المبادرات الإفريقية في مكافحة الإرهاب، من قبيل “منصة مراكش لرؤساء وكالات الأمن ومكافحة الإرهاب في إفريقيا”، التي تم تطويرها بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، وكذا “مسلسل أبوجا” و”مبادرة أكرا”؛ بالإضافة إلى التعاون العسكري والأمني بين المغرب ودول الساحل بهدف تأهيل وتدريب الأجهزة الأمنية والعسكرية لمواجهة خطر الإرهاب.

وكان من ثمرات هذا التعاون انعقاد الاجتماع الأول للجنة العسكرية المشتركة بباماكو بين المغرب ومالي في فبراير 2025. كما تم توقيع اتفاقية جديدة لتعزيز التعاون العسكري بين المغرب والكمرون، يوم 18 مارس 2025، تشمل مجالات التكوين والتدريبات العسكرية وتبادل الخبرات وتعزيز التنسيق الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الإقليمية المشتركة. وقبلها، في يوليوز 2024، تم توقيع اتفاق للتعاون العسكري بين المغرب وبوركينا فاسو يشمل مجالات التكوين والتدريبات والتمارين والدعم التقني وتبادل الخبرات والصحة العسكرية. وفي أبريل 2024، استقبلت قيادات في القوات المسلحة الملكية وفدا عسكريا رفيع المستوى من دولة النيجر، حيث تم التشديد على أهمية تبادل الخبرات والمعرفة في سبيل تعزيز القدرات العسكرية ومكافحة التهديدات الأمنية المشتركة. بالموازاة، عزز المغرب تعاونه العسكري مع موريتانيا من أجل ضمان أمن الحدود ومكافحة الهجرة غير النظامية والأنشطة غير المشروعة العابرة للحدود، وهو ما يساهم في تعزيز استقرار المنطقة، خصوصا بعد انضمام موريتانيا للمبادرة الملكية بمنح دول الساحل منفذا إلى المحيط الأطلسي.

دعم إيران للإرهابيين في إفريقيا.
استنادا إلى عدة تقارير صحفية ومعطيات ميدانية، فإن تحالفات برجماتية تمت بين جماعة الحوثي وبين التنظيمات الإرهابية، منها تنظيم القاعدة وحركة الشباب الصومالية. وبمقتضى هذا التحالف يتولى تنظيم القاعدة وحركة الشباب تهريب الأسلحة والمواد اللازمة لفائدة الحوثيين داخل اليمن مقابل حصولهما على طائرات مسيرة من صنع إيراني لتوسيع نفوذهما في القارة الإفريقية. وسبق للجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة أن اتهمت إيران بتورطها في دعم جماعات مسلحة إرهابية في الصومال عبر الحوثيين في اليمن. فإيران تتبادل المنافع مع حركة الشباب بحيث تزودها بالدعم المادي واللوجستي مقابل حصولها على اليورانيوم من المناجم الخاضعة لسيطرتها لاستخدامه في برنامجها النووي.

خطورة الدعم الإيراني كشفت عنه صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في تقرير يكشف عن تطور نوعي في تكنولوجيا الطائرات المسيرة التي يستخدمها الحوثيون في اليمن، مما قد يجعلها أكثر سرية وقادرة على التحليق لمسافات أطول. ووفقًا لتحقيق أجرته منظمة أبحاث تسليح الصراعات (Conflict Armament Research)، وهي منظمة بريطانية متخصصة في تعقب الأسلحة المستخدمة في النزاعات حول العالم، فإن الحوثيين حصلوا على مكونات متطورة لخلايا وقود الهيدروجين يمكن استخدامها في تشغيل الطائرات المسيرة. وبحسب نفس التقرير فإن استخدام خلايا وقود الهيدروجين يجعل الطائرات المسيرة تطير لمسافات أكثر من 2000 ميل.

ولا شك أن إمكانية حصول التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل على هذا النوع من الطائرات وارد جدا بفعل التحالفات بينها وبين جماعة الحوثي. الأمر الذي سيسمح للإرهابيين بمهاجمة أهداف بعيدة المدى، وقد تكون من بينها أهداف مغربية بالأقاليم الصحراوية. وسبق لـ«معهد دراسات الحرب» الأميركي أن رجّح، في تقرير له، أنه رغم الصراع العنيف بين «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» و«داعش» على النفوذ في المنطقة، فإنهما «يتعاونان على الأرجح مع فاعلين محليين في منطقة الساحل والصحراء، من أجل توسيع عملياتهما في المنطقة، ودعم الهجمات الموجهة ضد الجيوش النظامية، خصوصاً في النيجر ومالي». ولعل إدراك المغرب لخطورة هذا التحالف على أمنه، هو الذي جعله يدرس، وفقا لتقرير صحيفة “لاراثون” الإسبانية بتاريخ 3 مارس 2025، إنشاء قاعدة عسكرية في أقصى جنوب الصحراء المغربية، بهدف تنفيذ ضربات جوية ضد الجماعات الإرهابية الناشطة في منطقة الساحل، وذلك بالتنسيق مع الولايات المتحدة وفرنسا، وبالتعاون مع سلطات النيجر ومالي وبوركينا فاسو.

إعلان
انقر للتعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

على مسؤوليتي

“والقلم وما يسطرون”.. عودة سالمة مؤكدة لرفيقي وصديقي سيون أسيدون

نشرت

في

بواسطة

* مراد بورجى
المناضل الكبير العزيز سيون أسيدون، كان ومازال أكثر من رفيق ومن صديق ومن أخ ومن أستاذ ومن مرشد، لأن ما جمعني به أكثر من مجرّد صداقة رفاقية، علاقتنا تعدّت العام والعموميات إلى خصوصيات كُثر، بعضها يعرفه بعض الرفاق والرفيقات، وأغلبه لا يعلمه إلا الراسخون في علم ترجمان أحلامه هو الحياتية الشخصية، وأحلامه الكبرى بالوطن والديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية… وبعض هذه الأحلام والأعمال والأفعال هي أمانة في الصدر المكنون.

كنا في غاية القلق لمّا نقل العزيز سيون إلى غرفة العمليات في حالة صحية حرجة، سنتعرّف على تفاصيلها ودواعيها منه شخصيا، فلدي إحساس داخلي، لا أدري كنهه ولا مصدره، يطمئنني أن سيون سيعود إلينا سالم الجسد والروح بكل تأكيد، حتى ليمكن لي أن أقسم على ذلك بـ”القلم وما يسطرون”… وبسبب هذا القلم استضافته السجون… مرت على العزيز سيون الكثير من المحن في حياته الخاصة والعامة، وكذا الكثير من المصادفات العجيبة، كان تاريخ ميلاده يعود إلى سنة 1948، وهي السنة التي نشأت فيها إسرائيل في قلب أرض فلسطين، فكان أبرز وأشمخ يهودي مغربي سيعادي الاحتلال الإسرائيلي ويناصر الحق الفلسطيني ويناهض المدّ التطبيعي.

ومن الصدف، كذلك، مع هذه السنة (1948)، أنها ستُردف بسنة “مقلوبة” (1984)، سيعانق خلالها، في مثل هذه الأيام تقريبا، وتحديدا بمناسبة ثورة الملك والشعب (20 غشت)، سيعانق الحرية، إثر عفو ملكي على عدد من مناضلي وقادة اليسار السبعيني، بعدما قضى سيون 12 سنة سجنا من أصل 15 سنة، التي كان محكوما عليه بها في المحاكمات السياسية الكبرى لسنة 1973، للإشارة كانت هناك محاكمة مراكش، التي كان أغلب معتقليها من الحركة الاتحادية، فيما سيون كان ضمن محاكمة الدارالبيضاء، التي كان أغلب معتقليها من الحركة الماركسية اللينينية المغربية.

لقد كان سيون مناضلا أمميا بامتياز، إذ كان من أبرز المشاركين المغاربة في الانتفاضة الطلابية في ماي 1968، حيث كان يدرس هناك، وما أن عاد إلى المغرب في 1972، حتى قرّر احتراف “القلم”، فأصدر صحيفة “صوت الكادح”، لكن صوت أسيدون سرعان ما تعرّض للتكميم، إذ تعرّض، في نفس سنة عودته إلى المغرب، للاختطاف ونقله إلى المعتقل السري “دار المقري” في الرباط، حيث سيُذاق شتى أشكال التعذيب والتنكيل، بتهمة التخطيط لقلب نظام الحكم، والقصة في الأصل هي قصة صوت وقلم.

منذ عرفت سيون أسيدون وهو شعلة حركة ونشاط، لا يعرف فسحة ليقعد ويرتاح، حتى في داخل السجن، كان يتحرّك ويخطّط، إلى درجة أن إدارة السجن فرضت عليه حالة قصوى من الحصار والتضييق ليقضي أبشع عقوبة في العزل الانفرادي لمدة سنة كاملة، كان دائما يخطط لشيء ما، حتى أنه خطط للفرار من السجن، وكذلك فعل، وظل حرا طليقا لمدة أربعة أيام في الاختباء والتواري قبل سقوطه من جديد بين يدي الجلاد، ومنذ الإفراج عنه في سنة 1984، وهو لا يكف عن التخطيط، يخطط ويبني إطارات حركية ثورية تقدمية، يخطط ويدعو ويقود مظاهرات شعبية احتجاجية وتضامنية، ويخطط وينخرط في مختلف الأشكال النضالية والحقوقية، بحضور وازن وفاعل في العديد من الإطارات المدنية، من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة (ترانسبارانسي المغرب)، والجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، والحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل (BDS) المغرب.

وفي مختلف هذه الجبهات والواجهات، كان سيون أسيدون يتحرّك في مختلف ميادينها من المغرب إلى لبنان، ومن إفريقيا وأوروبا إلى آسيا، يحلم بالحرية والتحرر والتحرير، ويغني مع مارسيل خليفة العشق الأممي للشمس والحلم والأمل، وأتصوّره الآن، وهو يتماثل للشفاء، يرفع صوته بالغناء، ونهتف ونغني معه:

مناضلون بلا عنوان
مناضلون في أي مكان
نكتب سير الأبطال للأطفال
نحلم بالورد والخبز والزيت
وكتب الحب والنار
ورسم العصافير والتذكار
وعشق المطر والأزهار

صديقي ورفيقي وعزيزي سيون أسيدون.. “جمعْ راسك معانا” لنعانقك وأنت تعود إلينا سليما معافى صامدا صبورا وشامخا، لنتحاكى أحلامنا، ولتتيح لنا فرصة أخرى لنقول ونكرر ونردّد كم نحبك وكم تحبّنا… سلاما عزيزي حتى مطلع كل فجر.

أكمل القراءة

على مسؤوليتي

سعيد الكحل..عملاء في خدمة أجندات الأعداء

نشرت

في

بواسطة

لم تعد العمالة لأعداء المغرب والانخراط في خدمة أجنداتهم أمرا سريا يتوارى مقترفوه من الفضيحة من سوء وخسة ما يفعلونه، بل صار سلوكا علنا يجاهرون به وكأنهم في تحدّ سافر للدولة وقوانينها وللشعب وثوابته الدينية والوطنية. عملاء يتصايحون كذبا وبهتانا أنهم “وطنيون” يناصرون قضايا الوطن والأمة، بينما هم طابور خامس يؤدون الأدوار التخريبية التي رسمها لهم أعداء الوطن. تختلف انتماءاتهم الحزبية والتنظيمية وتتناقض مرجعياتهم الإيديولوجية لدرجة يبدو معها مستحيلا التقاطع أو الالتقاء عند أدنى اتفاق أو تنسيق، لكن يجمعهم العداء للوطن وللنظام ولثوابت الشعب المغربي.

جميعهم تجار المواقف وسماسرة القضايا المدرة للعملة والمنفعة، وأدوات تنفيذية بيد الأعداء. لهذا لا يجدي نفعا جدالُهم ولا يغير الحوارُ نهجَهم. لقد اختاروا لأنفسهم دور الضباع الناهشة والكلاب المسعورة التي لا يأمن الوطن والشعب غدرهم. فبعد أن أعماهم الحقد على النظام وأغراهم الأورو والدولار، تجرّدوا من كل القيم الدينية والوطنية وارتموا في أحضان مموليهم الذين يخططون لتقسيم المغرب جغرافيا، أو إحراقه بنار الفتنة المذهبية والطائفية كما أحرقوا دولا وشعوبا مشرقية تهاونت حكوماتها في التصدي لذات المخططات في مهدها، كما هو حال لبنان وسوريا والعراق واليمن وليبيا.

الكلب النبّاح إلى ما عض ما يرتاح.
ما يغيظ أعداء المغرب وعملاءهم هو نجاحه الكبير في التصدي لمخططاتهم العدائية بفضل إستراتيجيته الأمنية والعسكرية والدبلوماسية المشهود بها دوليا، فضلا عن الحكمة والاقتدار في إدارة القضايا الكبرى وفق ما تمليه المصالح العليا للوطن. فبعد رهانهم على محاصرة المغرب ومنع تمدده إفريقيا بدعم وتمويل وتسليح عصابات البوليساريو لخلق كيان وهمي في خاصرة المغرب بعد انسحاب موريتانيا من إقليم وادي الذهب؛ إلا أن اليقظة والحنكة المغربية أفشلت مخططهم، فكانت فرصة تاريخية لاسترجاع الإقليم الذي تحل ذكراه اليوم. ثم كانت مؤامرتهم لغلق معبر الـﯕرﯕرات قصد خنق الاقتصاد الوطني، فكانت إرادة المغرب أقوى لتدفن مخططهم في رمال الصحراء التي سقاها أبناء المغاربة الأبطال بدمائهم الزكية. نجاحات لم يستسغها الأعداء والعملاء والخونة الذين راهنوا، خاسئين، على جعل الصحراء مقبرة للجيش وللنظام الملكي.

تلك كانت أوهامهم التي عصفت بها وتيرة المشاريع التنموية العملاقة التي تعرفها الأقاليم المسترجعة، وكذا الدعم الدبلوماسي المتواصل لموقف المغرب ولمخطط الحكم الذاتي الذي تعزز بالاعتراف الأمريكي والفرنسي والبريطاني، وهي القوى العظمى دائمة العضوية في مجلس الأمن. فبقدر النجاحات والمكاسب التي يحققها المغرب، بقدر سُعار الكلاب الضالة من عملاء ومرتزقة ومموّليهم الذين يفتحون لهم قنوات وأمواج وصفحات إعلامهم للنباح والعويل.

آش يْضُرْ السحاب من نْبِيحْ الكلاب.
لم يلتفت المغرب لمؤامرات أعدائه ولا لنباح عملائهم، بل استمر في توسيع مكاسبه الدبلوماسية عبر فتح عشرات من القنصليات بالأقاليم المسترجعة وحصد مزيد من الاعتراف بمغربية الصحراء، وكذا مكاسبه العسكرية بتطهير معبر الـﯕرﯕرات من فلول المرتزقة وتنظيف المنطقة العازلة شرق الجدار الأمني من خيام وبراريك البوليساريو فضلا عن تأمينها التام ضد أي تسلل أيا كانت طبيعته بفضل الترسانة العسكرية المتطورة التي حصل عليها المغرب كثمرة لاتفاقية أبراهام التي حققت للمغرب تفوقا عسكريا ومكّنته من امتلاك سلاحه الرادع الذي جعل أعداءه يحسبون ألف حساب لتبعات أي تهور عسكري يستهدون به المغرب.

إن المغرب ماض في تطوير اقتصاده وتأهيل بنياته التحتية وتعزيز قدراته العسكرية دون اكتراث بنباح العملاء والخونة والبيادق المتآمرين على وحدته واستقراره. ومتى كان الخونة والعملاء بناة الأوطان؟؟ وليس غريبا أن تلتقي فلول العملاء والخونة عند شعار “إسقاط المخزن” بعدما فشلوا في استهداف الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية عبر التشهير وترويج الإشاعات الكاذبة واختلاق الأحداث الوهمية.

تختار حتى تعيى وتهز من أولاد الكلبة جرو.
إن تكالب العملاء والخونة ضد الوطن والنظام والشعب لم يكن صدفة ولا نزوة، بل هو مخطط ومؤامرة ضمن إستراتيجيات عدائية تستهدف أمن المغرب واستقراره ووحدته الترابية والمذهبية. لهذا لا غرابة أن يلتقي اليساري المتطرف مع الشيعي المعمم مع لخوانجي لمكلّخ مع القومجي المزيف في “الحسينيات” الشيعية/الإيرانية ليؤدوا جميعهم الولاء لملالي إيران ويرددوا “لبيك يا حسين”، ويترنّموا ببكائيات كربلاء، ثم يتواعدون بتجييش الدهماء عند كل ساحة أو ميناء.

خططهم ضرب الاقتصاد الوطني بمحاصرة الموانئ، وترويع السياح عبر المسيرات والشعارات والاحتجاجات في الساحات العمومية وأمام القنصليات، ثم بتخويف المستثمرين وتحذيرهم من أن المغرب لم يعد بلدا آمنا. وما رفع شعار “إسقاط المخزن” إلا رسالة أريد بها إخافة المستثمرين، ومن ثم ضرب الاستثمارات التي يراهن عليها المغرب في بناء اقتصاد تنافسي يحقق النماء والرخاء للشعب. لكن الدولة تعرف حجمهم ومقْت الشعب لهم، لهذا تتركهم في نباحهم يعْوُون وفي تسكّعهم يهيمون؛ ألا سحقا للخونة والعملاء المأجورين.

أكمل القراءة

على مسؤوليتي

حكومة الائتلاف الوطني لتنظيم المونديال 3/3: أول انتخابات ببصمة ولي العهد

نشرت

في

بواسطة

* مراد بورجى
في الجزء الثاني من هذا المقال (2/3- (ولي العهد.. فاعل دستوري يدخل على الخط)، خلصنا إلى أن قراءة مفتوحة ومرنة للفصل 47 تُقدّم عدّة خِيّارات متاحة أمام الملك لاختيار الشخص الذي يراه مناسباً لقيادة الحكومة المقبلة التي سينحصر دورها في تنزيل البرنامج الملكي، في غياب برامج أخرى يمكن للأحزاب السياسية عرضها في الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2026، نظرا للظرفية الدقيقة والحساسة، المرتبطة أولاً: بالإعداد لدولة اجتماعية، دولة ولي العهد، وثانيا: بتهييء وتهيُّؤ المغرب لاحتضان أكبر حدث رياضي عالمي، إلى جانب إسبانيا والبرتغال، وهو كأس العالم 2030، الذي تكتسي دورته المقبلة طابعا خاصا يتمثل في احتفال الفيفا بمرور قرن على انطلاق منافسات المونديال، مما سيستقطب المزيد من الأضواء الإعلامية على البلدان الثلاثة، وخاصة المغرب البلد الإفريقي الأول الذي سينظم تظاهرة من هذا الحجم مع بلدين أوربيين في حوض البحر الأبيض المتوسط.

هذه الوضعية ستجعل الأحزاب السياسية، وبالخصوص رؤساءَها وقادتها، في محكّ دقيق يضعهم وجها لوجه ليس أمام الملك محمد السادس فقط، بل وأمام ولي عهده الأمير مولاي الحسن، ويعرّي مسؤوليتهم على الفساد الانتخابي المتفشّي، بوسائل عدّة لعلّ أبرزها أداة “التزكيات”، التي تعتبر أخطر عملية في النظام الانتخابي المغربي، وطالما حذّر منها الجالس على العرش، في أكثر من خطاب، وحمّل مسؤوليتها إلى الأحزاب، وهذا ما كلّف وزير الداخلية بإبلاغه للهيئات السياسية في الاجتماع، الذي عقده معها يوم السبت 2 غشت 2025، بعدما “سحب” الملك الثقة من رئيس الحكومة ومن معه ووضعها في وزير السيادة.

نظريا، وفي غياب التسابق نحو تصدر الانتخابات، تعتبر “التزكية” وثيقة تعاقدية يمنحها الحزب للمرشّح الراغب في خوض استحقاق انتخابي، مهني (الغرف المهنية) أو ترابي محلي (مجالس جماعية حضرية أو قروية) أو إقليمي (مجالس العمالات والأقاليم) أو جهوي (مجالس الجهات) أو وطني (البرلمان)… لكن “أمّ الاختلالات” في تدبير الانتخابات، هي أن أغلب التزكيات، لدى أغلب الأحزاب، تتحوّل إلى صلاحية حصرية للأمين العام أو الرئيس، وأن مَنحَها قد يتحوّل إلى أخطر بؤرة للفساد الانتخابي، الذي يلطّخ اليوم الحياة السياسية المغربية، إذ إن وجود العشرات من البرلمانيين، النواب والمستشارين، إما خلف القضبان، وإما ملاحقين بالمتابعات ومهددين بالاعتقال، فضلا عن العشرات، إن لم أقل المئات من رؤساء الجماعات وباقي المنتخبين، الذين يوجدون في أوضاع مماثلة بسبب قضايا ذات صلة بالفساد، كل هؤلاء المدانين أو المتابعين بمحاكم جرائم الأموال هم النموذج الفاضح للتزكيات المنحرفة! والمسؤولون المباشرون هم قادة الأحزاب، الذين يتحرّكون بهاجس اللهث وراء المقعد بأي ثمن (المال الحرام)! ولهذا السبب، لم يعد مثيرا للاستغراب والعجب أن نرى، في كل انتخابات، قادة الأحزاب يمنحون تزكيات لرؤساء جماعات ومنتخبين متابعين أمام محاكم جرائم الأموال، باستعمال “حيلة قانونية” خرق لقرينة البراءة ومس بحق دستوري في غياب صدور أحكام نهائية! فيما نجد في الديمقراطيات، التي تحترم شعوبها وتحسب ألف حساب لناخبيها، أن المرشح أو المنتخب، في أي موقع بوّأته إياه العملية الانتخابية (رئيس حكومة، وزير، برلماني، عمدة، مستشار…)، لا يتردّد في تقديم استقالته لمجرد إثارة شبهات حوله، كيفما كانت طبيعتها ومهما كان حجمها، والنماذج معروفة وشهيرة.

انحراف استعمال التزكيات هو حجر الزاوية في الفساد الحزبي والانتخابي والسياسي، لأنه هو الذي يفتح الباب أمام الفاسدين والمفسدين للاختباء وراء الأحزاب، والتسلّل إلى المناصب والمواقع الرسمية المتقدمة في هياكل الدولة… بل الأدهى من ذلك أن التزكيات المنحرفة تُقصي الكفاءات والأطر النشطاء والمبدعين مقابل إعادة نفس الوجوه الرتيبة المستخلدة، التي بدورها تعيد إنتاج كائنات فاسدة، لا يمكن إلا أن تكون عرقلة وعقبة أمام قيادة البلاد نحو إصلاحات جوهرية.

الملك اختار اليوم، أمام “الظرفية المغربية الدقيقة”، أسلوبا آخر، هو إرداف التوجيهات الملكية بمبعوث مباشر إلى الأحزاب المغربية ليبلّغهم الرسالة الملكية، التي حرص عبد الوافي لفتيت على تبليغها حرفيا، بوثيقة مكتوبة، كان يقرأها سطرا سطرا، تنزيلا لموجبات الفقرتين من خطاب العرش الأخير المتعلقتين بالانتخابات، وفي مقدمتها، ولننتبه جيدا لعبارات الخطاب، التشديد على “وجود إرادة سياسية قوية لمواصلة بناء الصرح الديمقراطي وتعزيز المسار التنموي للمملكة، عبر مؤسسات تحظى بالشرعية والثقة والاحترام، منبثقة عن الإرادة الشعبية الحرة والتعبير الحر عنها”.

الملك، بهذه التوجيهات وما سيليها، يضع الدولة والمجتمع، أمام معركة اليوم والغد: “النزاهة الانتخابية”، لإنتاج مؤسسات قادرة على تحقيق إصلاحات جوهرية في البنيات الأساسية للبلاد.. ولذلك، نجد لفتيت يشدد، في تبليغ رسائل الملك، على “ضرورة التصدي الصارم والحازم لكل ما من شأنه المساس بمصداقية العملية الانتخابية، (استعمال المال)، والعمل على تخليقها في إطار مسؤولية مشتركة”، في إشارة إلى “دور الأحزاب في انتقاء وتزكية المرشحين”، وعلى “التصدي الصارم لكل التجاوزات التي قد تطال العملية الانتخابية، (الرقابة القضائية)، وكل ما يمس التعبير الحر عن إرادة المواطنات والمواطنين”.

رسائل الملك واضحة، وأعتقد أن قادة الأحزاب عليهم اليوم وضع حد لهذا الفساد الانتخابي، بالإقلاع عن منح التزكيات لـ”مالين الشكارة” الفاسدين منهم وغير الفاسدين، ورفع اليد عن القيادة والريادة التي “يحتلها” أشخاص بعينهم، حتى أصبحت المناصب حكراً عليهم لعشرات السنين، وأن يُفتح الباب أمام أجيال جديدة بكفاءات شابة وعقليات مبدعة تشتغل بالأهداف وتعالج المشاكل المستعصية بحلول مبتكرة، فالمغرب اليوم، في حاجة ماسة لإفساح المجال لهذه الأجيال، التي ينتمي إليها ولي العهد، ولكي تشتغل مع ملك الغد.

انتخابات 2026.. حكومة الانتقال إلى الدولة الاجتماعية، دولة ولي العهد
رسائل الملك هي تتويج للتوجيهات، الواردة في العديد من الخطابات والرسائل، الداعية إلى النزاهة الانتخابية، وإلى المشاركة الواسعة للمواطنين من أجل استعمال أصواتهم في مكافأة المجدّين ومعاقبة المفسدين، يقول الملك مخاطبا المواطنين: “عليكم أن تحكّموا ضمائركم وأن تحسنوا الاختيار. لأنه لن يكون من حقكم غدا، أن تشتكوا من سوء التدبير، أو من ضعف الخدمات التي تقدّم لكم”، حيث يعتبر الملك أن الأصوات هي “السلطة التي يتوفر عليها المواطن، للحفاظ على مصالحه، وحل بعض مشاكله، ومحاسبة وتغيير المنتخبين”… ومثلما “يحرّض” الملك المواطنين على محاسبة المنتخبين الفاسدين والفاشلين، فإنه يدعو كل من يهمهم الأمر، من مؤسسات الحكامة إلى مختلف هيئات تدبير الشأن العام، إلى تفعيل المبدأ الدستوري، الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة.

إنها معركة مصيرية، في تقديري، من شأنها التحرّر من “الوجوه المكرورة” أو “الوجوه المخلَّدة” التي تعض على المواقع بالأسنان والنواجد، وإفساح المجال، إذا ما صدقت النيات والإرادات، أمام نخب حزبية جديدة يتصدرها الشباب والكفاءات وذوو الخبرات، ينخرطون في ثورة داخلية سياسية وتنظيمية، قادرة على تحقيق إصلاحات جوهرية ورفع التحديات المصيرية لمغرب الغد، مغرب ولي العهد.

هذه المعركة المصيرية قد تكون أول معركة سياسية يدبّرها الملك محمد السادس ببصمة من ولي العهد الأمير مولاي الحسن، الذي لا نحتاج للإشارة إلى أن ولاية العهد تتبوّأ موقعا حيويا داخل أركان الدولة ونظام الحكم، انطلاقا من رمزيتها القوية باعتبارها تشكل ضمان استمرارية الدولة المغربية.

هذا في ما يتعلّق بالدلالة الدستورية لولي العهد، لكن هناك أيضا دلالة مجتمعية، باعتباره، على الصعيد الشخصي، يرمز إلى جيل مغربي جديد، إذ لا يمكن عزل مولاي الحسن عن المناخ العام الذي يوجد فيه اليوم ملايين الشباب المغاربة، الذين يعيشون “الزمن الرقمي”، الذي يفتح أعينهم على جيل جديد من الإصلاحات، التي تؤمّن الرّفاه والكرامة والعدالة التي تترجم كافة الحقوق المواطنية والإنسانية بكلّ أبعادها الحضارية الكونية… بمعنى أن ولي العهد يعبّر عن آمال أجيال شابّة لم تعد تتحمّل استمرار وتكرار وإعادة إنتاج نفس السلوكاتوالأمراض والاختلالات، التي تؤدّي إلى إذكاء الغضب الاجتماعي وتغذية الاحتجاجات والاضطرابات.

وبمعنى أكثر قصدية، أن تربية محمد السادس لولي العهد مولاي الحسن ليست نفس تربية الحسن الثاني لولي عهده، فتربية ولي العهد اليوم مطبوعة بالإشراك والتشاركية حتى لا يجد نفسه، يوما بعد طول عمر الملك، يباشر إدارة الدولة مع فريق وكأنه “تلاحْ في بْحرْ”، حسب تعبير الهمّة في توصيف بداية حكم الملك محمد السادس وفريقه الشاب في يوليوز 1999… بهذه الخلفية، يتابع ولي العهد حاليا كل شاذة وفاذة من أمور تدبير الدولة، داخليا وخارجيا، وهو على إدراك وثيق بكل تفاصيل التدبير التنفيذي لحكومة أخنوش، وعلى إلمام عميق بأسباب الغضب الشعبي، الذي يندلع هنا وهناك، وله تقييمه الخاص لكل مفاصل ومحطات هذا الوضع العام، وذلك بناء على ملفّات مدقّقة توضع على مكتبه بصفة مستمرة ومنتظمة، كما لديه رصد وثيق لتحوّلات الحقل الحزبي، الواقع تحت قبضة نخبة مهيمنة، التي بعدما أغلقت الانتخابات والمؤسسات على المستقلين إلا بشروط مشدّدة، شرعت في تلغيم المشهد العام، بتحويل أحزابها إلى منصات للتحصّل على الريع والتحوّز على الأراضي والصفقات والتربّح وتوزيع المنافع على المحظوظين، واستقواء القياديين، في كل ذلك، بمزاعم وادّعاء القرب من الجهات العليا وأن المسؤول الحزبي “الموعود” أو “الموعودة” مرضي عليه من المخزن وأنه وأنها “رجل القصر” أو “امرأة القصر”!!!.

حضور ولي العهد في الاستحقاق الانتخابي المقبل من شأنه أن يضع حدّا لكل هذه الادعاءات والمزاعم، وأن يضع السواد الأعظم من المغاربة في الصورة الحقيقية لما يجري حتى لا يقع أي مغربية أو مغربي في شباك السياسيين الانتهازيين الوصوليين الفاسدين، وحتى يعلم الجميع أن “رجل القصر” أو “امرأة القصر” لا وجود لهما في واقع الحياة السياسية الفعلية والقانونية، مما يعني أن هذا السلوك هو احتيال حزبي وإجرام سياسي، وجب رصد ومحاسبة المسؤولين المروّجين له، ليُحاط علما كل من يعنيهم الأمر أن القصر ليس له شخص مفضّل خارج مقتضيات الدستور وضمن ما تتطلّبه تحوّلات اللعبة السياسية من مقاربات وتدافعات، حيث الأكفأ هو الأفضل، وإشراك الكفاءات الشابة هو الأمثل، وهذا يتطلّب تحقيق مشاركة واسعة للشباب في العمل السياسي، ويمكن لولي العهد استثمار بعض المهام، التي يكلّفه بها رئيسه ملك البلاد، في دعوة الشباب إلى الخروج من السلبية والتوجهات العدمية للانخراط بفعالية في الممارسة السياسية لتكون جسرا لتقرير مصيرهم ومصير بلادهم ومستقبلهم.

أكمل القراءة
دولي منذ ساعتين

الأمم المتحدة تعلن المجاعة في غزة، أول إعلان رسمي من نوعه في الشرق الأوسط

دولي منذ 3 ساعات

النيجر تعلن قتل زعيم في جماعة “بوكو حرام”

مجتمع منذ 4 ساعات

سيدي إيفني.. إجهاض محاولة للتهريب الدولي للمخدرات

واجهة منذ 5 ساعات

توقعات أحوال الطقس.. تشكل كتل ضبابية وسحب منخفضة

منوعات منذ 18 ساعة

مريم القدميري تتفاعل مع قضية “الطفل البشير”و تدعو للتمسك بالأمل وتجاوز الأحزان “الصورة”

رياضة منذ 19 ساعة

طارق السكتيوي: العزيمة والإصرار مفتاحا التفوق على تنزانيا

رياضة منذ 19 ساعة

بالعلم الفلسطيني.. وسام أبو علي يكسر قاعدة “الدوري الأميركي”

اقتصاد منذ 20 ساعة

بنك المغرب يصدر قطعة نقدية تذكارية بمناسبة الذكرى الـ62 لميلاد الملك محمد السادس

رياضة منذ 20 ساعة

المغرب ضد تنزانيا.. أفضل هجوم في مواجهة أقوى دفاع

منوعات منذ 21 ساعة

سعيد الكحل يكتب: بوبكر الجامعي صوْت عَدْلاوة المبْحُوح

رياضة منذ 22 ساعة

هذا موعد افتتاح مركب الأمير مولاي عبد الله

مجتمع منذ 23 ساعة

أمن مكناس يطيح بمروجين للمخدرات والمؤثرات العقلية

رياضة منذ 23 ساعة

“بورنموث” الانجايزي يتعاقد مع اللاعب المغربي أمين عدلي

سياسة منذ يوم واحد

عفو ملكي على 591 شخصا بمناسبة “عيد الشباب”

واجهة منذ يوم واحد

طقس حار في المناطق الداخلية وأمطار في الصحراء

دولي منذ يومين

إسرائيل تستدعي 60 ألف جندي احتياط تمهيدا لتنفيذ خطة السيطرة على غزة

واجهة منذ يومين

وزارة التعليم العالي تُلغي مباريات الماستر وتعتمد دراسة الملفات فقط

مجتمع منذ يومين

القنيطرة.. توقيف جانح قاصر للاشتباه في تورطه في محاولة السرقة من محل تجاري تحت التهديد باستخدام طرد متفجر وهمي

رياضة منذ يومين

الشان 2024: المنتخب الوطني للاعبين المحليين يصل لدار السلام تحسبا للقاء تنزانيا

دولي منذ يومين

بوساطة فرنسية..باريس تجمع سوريا وإسرائيل

إعلان

الاكثر مشاهدة