Connect with us

على مسؤوليتي

ذ. المنوزي يكتب: حين تشيخ الألام وتنتظر الحقيقة نضجها الأمني

نشرت

في

عندما يتم توظيف السرديات التاريخية، بنفس منطق الأمننة، فإننا نكون أمام تداخل خطير بين الذاكرة والسياسة الأمنية، حيث تتحول الذاكرة من مجالٍ للتأمل والمساءلة والمصالحة، إلى أداة للضبط والسيطرة وإنتاج الخوف.

وبذلك يصير التوظيف وفق مايلي :
1. الأمننة بوصفها تقنية في السرد :
يُقصد بالأمننة تحويل قضية عادية أو خلافية إلى تهديد وجودي يستوجب ردودًا استثنائية. حين تُوظَّف السرديات التاريخية بنفس المنطق:
تُقدَّم بعض الفترات أو الأحداث (مثل حروب، خيانات، أو مقاومات) على أنها مخزون خطر دائم.
يُستعمل التاريخ كـ”برهان أمني” يُشرعن التدخل القسري، القوانين الاستثنائية، أو العنف الرمزي والمادي.

2. من الذاكرة الجماعية إلى السردية التأمينية
بدل أن تكون السرديات التاريخية فضاءً للتعدد والتنوع والتعلم من الماضي، تصبح:
* انتقائية وموجهة لإنتاج هوية دفاعية أو هجومية.
* محكومة بمنطق “نحن” مقابل “هم”، حيث يُرسم الآخر (الداخلي أو الخارجي) كتهديد متكرر.
* تحجب إمكانيات المصالحة والتفكير النقدي، وتؤطر الحاضر في منطق الخوف والريبة.

3. التاريخ كذريعة لضبط المجال العمومي
مثال على ذلك:
* تبرير تهميش أو حصار بعض المناطق أو تهميشها استنادًا إلى “ماضيها المتمرد”.
* وصم جماعات أو تيارات بأنها استمرار لخطر “قديم”، فيتم الأمننة عبر التاريخ وليس بناءً على الوقائع الحالية.

4. المفارقة: من مقاومة الاستعمار إلى شرعنة القمع
فقد تُستعمل سردية مقاومة الاستعمار، مثلًا، كأداة لشرعنة قمع المعارضين أو التضييق على النقاش العمومي، تحت ذريعة “الحفاظ على المكتسبات” ، وتتحول الشرعية التاريخية إلى ترخيص سلطوي دائم، بدل أن تكون موردًا أخلاقيًا يُسائل الدولة والمجتمع.

وكخلاصة نقدية توقعية ينبغي التنبيه والتأكيد إلى أنه عندما تُوظف السرديات التاريخية بمنطق الأمننة، فإننا نُحوِّل الذاكرة إلى أداة للشرعنة الدفاعية، لا لبناء المستقبل، ونفرغ التاريخ من طاقته التربوية والتحويلية ، ولذلك، فإن التفكير النقدي التوقعي يدعونا إلى تفكيك هذه الاستعمالات السلطوية للذاكرة، وإعادة تأطيرها ضمن مشروع عدالة انتقالية توقعية، حيث تُصبح السرديات التاريخية موردًا لإنتاج المعنى، لا لإعادة إنتاج الخوف.

وهنا، تكتمل ملامح التحكم في الزمن من خلال استدعاء مرجعيات فكرية كبرى تساعدنا على تعميق هذا التفكيك النقدي.

وكما بيّن ميشيل فوكو، ليست السلطة مجرد جهاز قمعي، بل شبكة من الخطابات تُنتج الحقيقة وتُشكّل الذوات عبر آليات “المعرفة-السلطة”. وعليه، فإن السرديات الرسمية لا تُقصي البدائل فقط، بل تُطوّع الذاكرة وتعيد إنتاج الهيمنة تحت غطاء الحيادية و الموضوعية، تمامًا كما يُوظف شرط التقادم لتأمين النسيان.

أما بول ريكور، فقد نبّه إلى أن الذاكرة ليست استعادة للماضي، بل إعادة بناء سرديّة، حيث يتداخل الزمان الواقعي بالزمان المتخيل. لذا يصبح التأويل ضرورة أخلاقية للتمييز بين “العدالة السردية” وبين التواطؤ مع طمس المعنى. ومن جهته، يُصرّ يورغن هابرمس على مركزية الفضاء العمومي التداولي، الذي يتأسس على حرية التعبير والعقلانية التواصلية، لكنه يظل مشروطًا بـ”وضعيات مثالية” للكلام، وهي وضعيات تُعطَّل في السياقات السلطوية التي تتحكم في أرشيف الدولة كما تتحكم في آليات التشريع.

أما أكسيل هونيث، فيجعل من “الاعتراف” حجر الزاوية في العدالة الاجتماعية. إذ لا يمكن لضحايا الانتهاكات أن يتجاوزوا الألم دون اعتراف مجتمعي وسياسي. فالنضال السردي، وفق هونيث، هو أيضًا نضال من أجل الاعتراف، وليس فقط من أجل تصحيح الرواية. ولهذ فإن التفكير النقدي التوقعي، في ضوء هؤلاء المفكرين، لا يقتصر على تحليل الوقائع، بل يعمل على تحرير المعنى من أسر الدولة وخطابها الأمني، ويدعونا إلى إعادة بناء الزمن الرمزي وفق أخلاقيات العدالة والتشاركية والاعتراف ؛ ولذلك فإن التفكير النقدي التوقعي يدعونا إلى تفكيك هذه الاستعمالات السلطوية للذاكرة، وإعادة تأطيرها ضمن مشروع عدالة انتقالية توقعية، حيث تُصبح السرديات التاريخية موردًا لإنتاج المعنى، لا لإعادة إنتاج الخوف ؛ فضمن تحليل كوابح كشف الحقيقة من خلال الأرشيف، وتحديدًا عبر آلية “شرط تقادم الوقائع”، الذي يوظَّف بمنطق مزدوج: يُراد منه “دفن الذاكرة” بدل التحرير، و”تأجيل العدالة” بدل إنصاف ، وفي حضرة التقادم… كل شيء يصبح صالحًا للنسيان فالدولة تصر ، في كامل أناقتها السردية المؤسستية، على تذكيرنا بأن الذاكرة تُصاب هي الأخرى بالشيخوخة. فلماذا نُجهد أنفسنا في الحفر خلف وقائع قد “تقادمت”، ولم تعد تليق بـ”مغرب الاستثناء”؟.

فالضحية، تقول الدولة، تأخر عن الموعد و لم يأتِ بطعنه خلال الوقت المناسب ، بل إنه لم يرفع راية الحقيقة في الأجل القانوني، ونسي أن الألم، بدوره، له “آجال صلاحية”. وفي المقابل، تحتفظ الدولة بمفاتيح الأرشيف داخل درج خشبي أنيق، مغلق بإحكام، وعليه لافتة مكتوب فيها بخط أمني جميل:
سيفتح هذا الصندوق عند نضوج الحقيقة… أو زوال الخطر… أو بعد مرور مائة عام، أيّهم أبعد“.
وعن الدفع بعدم الدستورية… الدولة تحب الحذر وتستعمل قانون الدفع بعدم الدستورية كما تستعمل الحلم بالديموقراطية والذي لا يليق سوى بشعب ناضج وواعي ومستحِق لها !.

تقول الدولة عن ” الدفع بعدم الدستورية ” بأنه آتٍ في الطريق، فقط ننتظر أن تتوفر الشروط: الاستقرار، التوافق، الاعتدال في المطالب، وفوق كل شيء… غياب الضحايا ؛ فهو قانون خطير، قد يُحوِّل النصوص المُهندَسة على المقاس إلى أوراق قابلة للطعن، بل أكثر من ذلك فقد يجعل المواطن يكتشف أن الدستور ليس فقط نشيدًا وطنيًا، بل أداة للمساءلة.

ولذلك، قررت الدولة أن تلعب لعبة التشريع البطيء، حيث تتحرك القوانين كالسلاحف،لكنها تتسابق فقط عندما تكون لصالح الإغلاق أو رفع السرية، أو تمديد التقادم.

وتبقى السخرية والحالة هاته أداة مقاومة ، حيث إن توظيف شرط التقادم في مواجهة كشف الحقيقة، مثل التلويح بقانون لم يُفعّل لكي لا يُستعمل، ليس سوى صناعة قانونية للإنكار، بل هو شكل من العدالة المؤجلة بالتقسيط.

وفي انتظار أن يُفتح الأرشيف، ويُفعّل الدفع بعدم الدستورية، ويعترف القانون بالضحايا، تبقى الحقيقة مثل مسرحية عبثية، بطلها الصمت، وخصمها النسيان.

من هنا ينبغي مساءلة إصرار الدولة وعقلها الأمني على الجمع و الربط العضوي بين توظيف السرديات التاريخية كأمننة، وآلية التقادم كأداة قانونية-سياسية لتعطيل كشف الحقيقة ؟ فهل لكون الاثنين يشكلان وجهين لنفس الاستراتيجية السلطوية أي التحكم في الزمن، سواء من خلال الذاكرة أو القانون.

حين تُؤمَّن الذاكرة ويُقنَّن النسيان: من سرديات الأمن إلى تقادم الحقيقة :
في الدول التي تتقن فنّ إدارة النسيان أكثر من إدارة الاختلاف، لا تُحكى السرديات التاريخية بهدف الفهم، بل تُروى لأغراض أمنية.

فالتاريخ، بدل أن يكون موردًا لتعدد القراءات، يُختزل في حكاية رسمية، تُدرَّس كيقين وطني، وتُحرس كمنشأة حساسة.

لكن الذكاء السلطوي لا يكتفي بإنتاج السردية، بل يرفقها بـ آليات قانونية تُؤمن الحكاية وتمنع المساءلة.

في مقدمة هذه الآليات، يقف شرط تقادم الوقائع كدرع ناعم في وجه الحقيقة. فالسلطة لا تقول إنها ترفض فتح الأرشيف، بل تهمس بلغة قانونية ناعمة:
“نحن ننتظر أن تتقادم الجروح وأن يبرد الدم، وأن يشيخ الألم، وحينها نفتح الأبواب… على فراغ” ؛ ففي الوقت ذاته، تُوظف السرديات التاريخية كوقائع أبدية لا تتقادم، بل تُبعث عند الحاجة، وتُستدعى لتبرير القمع، أو ترهيب المجتمع، أو شيطنة الخصوم.

وهكذا، تصبح السلطة قادرة على التلاعب بالزمن بمهارة فقهية / أمنية:
* ما يخص الدولة تقادمٌ وقانون
* وما يخص المجتمع تهديدٌ واستدعاءٌ للماضي الأمني
ولأنّ القانون ليس بريئًا دومًا، يُجمَّد أيضًا قانون الدفع بعدم دستورية القوانين، لأنه قد يُربك التوازن بين النصوص والممارسة، وقد يُحرم الدولة من درعها القانوني ضد الطعن في قوانين صُمِّمت لمحو الأثر لا لحفظ الحقوق. و ما بين تأبيد السردية الرسمية وتأجيل العدالة باللجوء للتقادم، يتشكل نظام سردي /زمني معقَّد، يريد أن يجعل من الماضي خطرًا دائمًا، ومن الضحايا أشباحًا قانونية، ومن الحقيقة فصلًا مؤجلًا إلى إشعار أمني آخر.

*مصطفى المنوزي
منسق دينامية الذاكرة والسرديات الأمنية

إعلان
انقر للتعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

على مسؤوليتي

لسنا في حاجة لأن نُثبت أننا أحياء، نبضًا ومواقف

نشرت

في

الحياة ليست فقط ضربات قلب تُقاس، بل هي قدرة على الصمود وسط الزيف، وإرادة لمقاومة التآكل الداخلي أمام آلة الهدم الرمزية. نحن لا نُعرِّف ذواتنا بما يُمنَح لنا من اعتراف، ولا نقيس حضورنا بما يُسلّط علينا من أضواء زائفة. نحن نوجَد حين نرفض أن نُختزَل، ونحيا حين نُقاوم الانهيار، لا حين نُعلن عن أنفسنا بخطاب استجداء أو سجال إثبات. ففي زمن تُصادَر فيه المعاني، وتُختطف فيه السرديات، يصبح التمسك بالموقف شكلاً من أشكال الوجود.

ليس كل من يتكلم حيًّا، وليس كل من يصمت ميتًا. ففي أزمنة الهيمنة الناعمة، تُفرَض الرموز وتُصادَر الدلالات، ويُعاد تشكيل الوعي ليصير قابلاً للاستهلاك، لا للاعتراض. وهنا، تصبح المعركة في عمقها رمزية: بين من يُجبر على إعادة تدوير المعاني المفروضة، ومن يختار أن يبتكر لغته، وأن يروي ذاكرته، وأن يخطّ تاريخه بمداد التجربة لا بمداد السلطة.
نحن لسنا مجرّد ردود أفعال على منظومة تريدنا طيعين.

نحن حفَدةُ الانفلات من التصنيفات، وورثة الرفض الهادئ والمُعنّى. وفي كل مرة نحافظ فيها على موقف، أو نحمي فيها معنى من السقوط، نُعيد ترميم هويتنا، ونصدّ شبح الانهيار.

سؤالك مركّب وعميق:
“أمامنا جبهات العداء الجبرية وجُبَات الخصومات القدرية؛ فما هو الحل وما العمل؟”.

إنه استدعاءٌ فلسفي ـ سياسي لسؤال الإرادة في زمن يبدو فيه كل شيء مفروضًا: الخصومات مفروضة كأنها قدر، والعداوات قائمة كأنها قَدَرٌ لا يُردّ.

أمامنا جبهات العداء الجبرية، التي فُرضت علينا باسم التاريخ أو الجغرافيا، وجُبَات الخصومات القدرية التي صارت تُراثًا في اللاشعور الجمعي، لا بد من وقفة تتجاوز سؤال الاصطفاف نحو مساءلة أصل الاصطفاف نفسه.

ما العمل؟
ليس الحل في تأجيل الجبهات أو تزويق القدر، بل في تفكيك سرديات الجبر والقدر ذاتها: من الذي يحدد أن هذا خصم، أو أن ذاك عدو؟ من يربح من بقاء التوتر قائمًا؟ وهل نملك شجاعة صناعة “الاختلاف المفيد” بدل “العداوة المعلّبة”؟.

ما العمل؟
البدء من الذات.
تفكيك العقل الجَبري فينا، الذي يحوّلنا إلى أدوات في صراعات غيرنا، ويغرس فينا أوهام الحتمية والمظلومية بدون أفق.
العمل هو في إبداع أشكال جديدة من الفاعلية الأخلاقية والسياسية، التي لا تُختزل في الانفعال أو الانسحاب، بل تبني موقفًا نقديًا، يتجاوز منطق الثأر والتكرار، نحو منطق التحرير والتحويل.
ما العمل؟.

أن نروي الحكاية من جديد، ونكسر سطوة السردية التي تجعلنا دائمًا في موقع الضحية أو العدو أو التابع، ونعيد ترتيب الوقائع لا من باب النفي، بل من باب تحرير الذاكرة من الاستعمال السلطوي، وتحرير السياسة من شهوة الهيمنة.

* مصطفى المنوزي

أكمل القراءة

على مسؤوليتي

مصطفى المانوزي: أقاوم حتى لا يتحول الشَطَط إلى استبداد

نشرت

في

أعتذر عن النفس الشخصي الذي بمقتضاه أعيد صياغة نقدي الذاتي ؛ ففي ظلال حلول عيد ميلادي السادس والستين، لن أحتفي بالزمن بوصفه مجرد تقويم بيولوجي، بل كرصيد من التأمل النقدي في جدوى السيرورة، وعدالة المعنى، ومآلات الانتظار.

لقد بلغت سنًّا لا أبحث فيه عن جواب، بل أتحرى عمق السؤال. وأدركت أن “التعفن”، حين يستفحل في البنية الرمزية للنظام السياسي والاجتماعي، لا يقتل فقط الحياة، بل يعمّي البصيرة، ويُعدم التدرج الأخلاقي والمعرفي.

*الجملة المفتاحية: مرآة لسردية الانهيار الرمزي
“بسبب التعفن، يتساوى العَمَش مع العَمَى، كما يتحول الشطط إلى استبداد.”
ليست هذه مجرد استعارة. إنها بلاغة تحليلية تؤسس لسردية نقدية، تكشف كيف تُطمر الفروق الدقيقة في لحظة فساد المنظومات، وكيف يُعاد ترتيب الخطأ ليُغلف كضرورة، والانحراف ليُسوَّق كحكمة واقعية.
التأويل السيميائي: من الخلل النسبي إلى الانهيار الكلي.

1. العمش والعمى:
في زمن ما قبل التعفن، يمكن للتمييز بين النقص والبُعد أن يؤطر الفعل والنقد. أما بعده، فلا فرق بين من يرى غبشًا ومن فقد الرؤية كليًا، لأن النسق يُعيد تعريف الخلل بوصفه قاعدة.

2. الشطط والاستبداد:
حين يُترك الشطط بدون مقاومة أخلاقية أو مؤسساتية، يتجذر كعرف، ثم كشرعية، ثم كأداة للحكم. هكذا يولد الاستبداد من رحم التساهل مع الانحراف.

*السياق المغربي الراهن: من الرمزية إلى الواقعة
حين تُهدم معالم المدينة القديمة باسم التنمية،
وتُمحى الفوارق بين “المصلحة العامة” و”السطو على المجال”،
ويتحول النقد إلى جرم، والمشاركة إلى تهديد،
نكون أمام لحظة بلاغية/واقعية يتساوى فيها العَمَش بالعمى، ويتحول الشَطَط إلى استبداد.

إنه زمن سيولة المفاهيم، وتدجين الإرادة، وتعويم الانحراف.

بل زمن “إنتاج الشرعية من ركام الاستثناء”، حيث لا يبقى للشعب سوى أن “يرى ولا يرى”، أن “يُشارك دون أن يُحسب”، وأن “يُقرر ضمن شروط لا تسمح بالقرار”.

في الحاجة إلى سردية بديلة: من التشخيص إلى التأسيس
ما العمل إذن؟
إعادة تفكيك اللغة السائدة، وتحرير المعنى من تواطؤاته الرمزية.

الدفاع عن التمييز الضروري بين النقص والكارثة، بين التجاوز والخيانة، بين السلطة والمشروعية.

الانطلاق من ذاكرة النقد نحو أفق العدالة التوقعية، ليس بوصفها جبرًا للماضي، بل كــتحصين مستقبلي من تكرار الخراب.

* خاتمة في عيد الميلاد
عند ستة وستين عامًا، لا أملك ترف التفاؤل الساذج، ولا ترف التشاؤم العبثي.

لكني ما زلت أومن أن التفكير النقدي التوقعي ليس ترفًا فكريًا، بل فعل مقاومة ضد التعفن، وضد ذلك الانزلاق الذي يُسوّي العمش بالعمى، ويُجمّل الاستبداد بطلاء الشرعية.

ولذلك سأواصل المقاومة حتى لا يستفحل التعسف تحكمه وإستبدادا !

* مصطفى المنوزي
منسق ضمير الذاكرة وحوكمة السرديات الأمنية

أكمل القراءة

على مسؤوليتي

محمد الطالبي : وسعوا النوافذ ..ففي البدء كانت الكلمة

نشرت

في

في البدء كانت الكلمة.
ومنذ تلك اللحظة، لم يكن الكون صامتاً أبداً. كانت الكلمة فعلاً خلاقاً، وكانت الحرية شرط وجودها. فليس ثمة معنى لكلمة تُولَد في القيد، ولا فائدة من صوتٍ لا يُسمع إلا بإذن.

*الكلمة التي لا تملك حق التحرك، لا تملك القدرة على التغيير.
الحرية ليست ترفاً ثقافياً، ولا موهبة سياسية تُمنح وقت الرخاء وتُسحب ساعة الغضب ولا مرتبطة بتغير عقارب الساعة اثناء تيهانها ، إنها الأصل الأول في الوجود الإنساني، وقلبُ الفعل الإعلامي.

الحرية هي ما يجعل من الصحافة سلطة رقابية حقيقية، لا تابعة. وهي ما يمنح الكاتبة والكاتب شرعية السؤال، والمواطن حق المعرفة، والمجتمع مناعة ضد الكذب والتضليل.

لكن يبدو أن هناك من لم يهضم بعد هذه الحقيقة. وان العهد الجديد وتوجهاته وتاطيره ربما ما زال البعض لم يهضمه ويتمثله في مسلكياته، فهناك من يتربص بالكلمة، وينظر إلى حرية الصحافة كخطر يجب تحييده، لا كأداة لبناء مجتمع واعٍ ومتين.

وهناك من يحاول – في صمت ماكر – أن يُعيد تشكيل المشهد المغربي ليصبح أكثر انضباطاً، لا بمعايير المهنية، بل بمعايير الولاء، والصمت، والاصطفاف.

في الأفق حديث “سري” لكنه يتسلل إلى العلن، عن تقنين التعبير، وضبط الكلام، وتقييد النشر، ومراقبة ما يُقال، ومن قاله، ولمن قاله.

هناك حديث لا عن من يمثل اصحاب وصاحبات الكلمة بقدر ما يُمثل عليهم.
حديث لا يُكتب بالحبر بل بالمقص، وعن “قوانين جديدة” تُفصّل لتمنح الشرعية للمراقبة، وتُشرعن التهديد، وتُدخلنا في عهد جديد عنوانه: الإعلام بلا روح.

لكننا نعلم – من تجارب الشعوب – أن القوانين حين تفقد صلتها بالعدالة، تتحول إلى أدوات للقمع.
وأن القانون بلا حرية، يشبه الجسد بلا روح، والدستور بلا احترام، لا قيمة له.

لا أحد فوق الدستور، ولا أحد تحته. الدستور ليس جداراً يُعلّق عليه الخطاب الرسمي، بل عقد اجتماعي يحفظ كرامة الأفراد ويصون حرياتهم.

وإن فقد الدستور وظيفته، فإن باقي القوانين تصبح بلا معنى وتفقد بعدها الأخلاقي.
المتسلطون ليسوا دائماً من يرفعون الهراوة، بل غالباً من يبتسمون وهم يكتبون تقارير …، ويرتبون جلسات التأديب، ويضعون الكلمة تحت المجهر.

أعداء الحرية يلبسون ثياب المسؤولية، يتحدثون باسمنا الجمعي ، ويقدمون أنفسهم كحماة لنا حتى من انفسنا .

لكن الحقيقة أن أكثر ما يهددنا هو الخوف.
الخوف من السؤال، الخوف من النقد، الخوف من الإعلام الحر، الخوف من مواطن لا يُصفق، بل يُفكر.

الحرية لا تخيف الدولة بل بعض من الجهات التي لا تؤمن بقوتها. بل تخيف فقط من يعرف في قرارة نفسه انه لا ينتمي الى عهدنا الجديد .

ولهذا، فإن معاداة حرية التعبير ليست مؤشراً على القوة، بل على الرعب من الانكشاف.
ألم نرَ كيف يُصنع “مجلس” لتمثيل الإعلاميين، ثم يُفرغ من روحه ليتحول إلى جهاز وصاية؟
هذه حكاية سنمار تتكرر كل مرة .

لكن من يقرأ التاريخ جيداً يعرف أن الزمن لا يعود إلى الوراء، وأن الصحافة، كلما خُنقت، خرجت من ثقب آخر أكثر جرأةً ووضوحاً.

قد يقال: هذا كلام مثالي. لا يراعي “الواقع”، ولا يفهم “التوازنات”.
لكننا لسنا دعاة فوضى. نحن فقط نعرف أن السكوت لا يصنع حقيقة ، وأن الرأي الواحد لا يبني مجتمعاً، وأن المواطن الذي لا يعرف، لا يستطيع أن يختار، ولا أن يشارك، ولا أن يدافع عن نفسه.
الحرية ليست اختياراً، بل شرط حياة.

هي التي تبني العقول، وتحمي الدولة من الغرق في مستنقع التزلف والتضليل.
الإعلام ليس عدواً للدولة، بل صمام أمانها.

وحين يُخنق الإعلام، وتُربط الكلمة، تُفتح أبواب أخرى للخوف، وللإشاعة، وللشعبوية، وللانفجار الصامت.

*في البدء كانت الكلمة، وفي النهاية لا يصمد إلا الأحرار.
من تَحكَّم في الكلمة لحظةً، لن يستطيع أن يكبح جموح الزمن، ولا أن يُوقف صوت شعبٍ وُلد ليقول، لا ليُصفّق.

الكلمة الحرة لا تموت. حتى إن خُنِقت، تولد من جديد في أول صرخة، وأول منشور، وأول مقال يكتبه صحفيٌّ لا يخاف، ولا يبيع صوته .

أكمل القراءة
واجهة منذ 7 ساعات

انتخاب رئيس جامعة ابن طفيل نائبا أول لرئيس اتحاد الجامعات الافريقية

دولي منذ 8 ساعات

برنامج الأغذية العالمي: نحو ثلث سكان غزة “لا يأكلون لأيام

مجتمع منذ 8 ساعات

التهراوي يطلق خدمات 200 مركز صحي حضري وقروي على مستوى 8 جهات

رياضة منذ 9 ساعات

بحضور لقجع.. هذه هي القرارات التي إتخدها اتحاد شمال إفريقيا

اقتصاد منذ 10 ساعات

المغرب في قائمة الدول المنتجة للجعة عالمياً

رياضة منذ 11 ساعة

ألونسو يراهن على براهيم دياز لتعويض غياب بيلينغهام

على مسؤوليتي منذ 12 ساعة

لسنا في حاجة لأن نُثبت أننا أحياء، نبضًا ومواقف

رياضة منذ 13 ساعة

أندية كبيرة تستثمر في الذكاء الاصطناعي لتحديد إصابات اللاعبين

منوعات منذ 14 ساعة

أنغام ترد على شائعة “المرض الخطير” بصورة من المستشفى

اقتصاد منذ 15 ساعة

هذه تفاصيل بناء أكبر جسر طرقي بالمغرب بميزانية تتجاوز 1.3مليار درهم

اقتصاد منذ 16 ساعة

المغرب إستورد 1.62 مليون طن من الغازوال والبنزين في 6 أشهر

منوعات منذ 17 ساعة

الراي يجمع الأجيال في وجدة بعد غياب أربع سنوات

اقتصاد منذ 17 ساعة

بنك المغرب: 2298شكاية ضد الأبناك خلال 2024

دولي منذ 19 ساعة

جورج عبدالله يصل إلى لبنان بعدما أمضى أربعين عاما في سجن فرنسي

رياضة منذ 20 ساعة

لبؤات الأطلس يخضن ثاني نهائي لهن وأعينهن على التتويج القاري

دولي منذ 21 ساعة

اعتراف فرنسا بدولة فلسطين: عباس يشيد بـ”انتصار للحق الفلسطيني”

واجهة منذ 22 ساعة

توقعات أحوال الطقس لليوم الجمعة

سياسة منذ يوم واحد

القضاء الكندي يدين جيراندو بالسجن النافذ لمدة شهر بتهمة التشهير

رياضة منذ يوم واحد

سفيان أمرابط يُثير اهتمام يوفنتوس الإيطالي

منوعات منذ يوم واحد

هند بومديان: الفتنة المقيدة..في لوحة الفنان عبد الاله الشاهدي

إعلان

الاكثر مشاهدة