Connect with us

على مسؤوليتي

المغرب والتوتر الفرنسي الأمريكي : تحديات أمنية في سياق انتقالي

نشرت

في

منذ الولاية الأولى لترامب ، ومنذ الحرب الأوكرانية / الروسية في بحر سنة 2022 ، ارتفعت حدة التحذيرات من ” حرب باردة جديدة “، ولأن الحرب الباردة لم تنته مع انهيار الإتحاد السوفياتي وإنما ؛ كما يقول جلبير الأشقر ، الباحث اللبناني وأستاذ دراسات التنمية والعلاقات الدولية في معهد الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن ؛ إنما أخذت ( الحرب الباردة ) اشكالا جديدة في القرن 21 ، فسعي الولايات الأمريكية إلى ترسيخ هيمنتها العالمية في العقد الأخير من القرن الماضي ، على حساب روسيا والصين ، قد دفع هاتين الدولتين إلى التقارب والذي أدى إلى إعادة إطلاق ” الحرب الباردة ” بصيغة جديدة وتداعيات كارثية.

اليوم، وبعد عودة ترامب إلى سدة حكم وقيادة أكبر قوة امبريالية في العالم ، وبالنظر إلى محاولة “” توافقه “” ( حتى لا نقول تواطئه ) مع بوتين ، وبالنظر إلى آخر خطاب للرئيس الفرنسي ، موضوع تحليلنا يوم أمس ، ضمن مقال منشور على صفحتنا الفيسبوكية ، كيف نتصور وضعية المغرب على إثر التوتر الحاصل فيما بين فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية ، خاصة وأن ترامب تعمد نشر ، ضمن تدوينة له ، قرار تعيين لرجل أعمال كبير ومشهور سفيرا لأمريكا بالمغرب ؛ وفي توجه إرادة المغرب الرسمي نحو إيجاد علاقة توازنية وندية مع الحلفاء التقليديين ، وخاصة فرنسا وأمريكا ، ومع الشركاء المتعاقدين ( الذين فرضوا عليه التعاقد بحكم مصالحه المستقبلية في إفريقيا واحتمال إحتدام تنافسية في المنطقة المغاربية وعلى إمتداد العلاقات المغربية الأفريقية ؟.

ناهيك عن كون التوتر بين فرنسا والولايات المتحدة، يمكن أن يؤثر بشكل غير مباشر على عمليات الإنتقالات ، السياسية والمؤسساتية ، والتحولات في ضوء المشروع التنموي ومقترح الحكم الذاتي ، وكل ما يرتبط بمشاريع الإصلاح التشريعي والمؤسستي والأمني والإجتماعي والإقتصادي ، وكذا محاولات تخليق الحياة العامة داخل كل دواليب السلطة في المغرب ، وخاصة أن التأثير سيطال الدعم الدولي والأمني والسياسي والاقتصادي ، في ظل هذه المرحلة الانتقالية، وفي هذا السياق سيحتاج النظام المغربي إلى ضمان استقرار العلاقات مع قوى دولية رئيسية، من أجل التكيف مع التحديات الداخلية والخارجية على حد سواء.

لذلك على الدولة المغربية وعقلها الأمني ألا تستهين بما يجري ، فالتوتر بين فرنسا والولايات المتحدة يمكن أن يكون له تأثير غير مباشر ولكنه مهم على بيئة الانتقال في المغرب، خاصة في ظل حساسية هذه المرحلة بالنسبة للنظام ، لأنه في سياق العلاقات الدولية والإقليمية، تعتبر فرنسا والولايات المتحدة حليفين رئيسيين في تعزيز استقرار النظام السياسي في المغرب، ولكل منهما دور مؤثر في السياسة المغربية.

لذلك، فإن التوتر بينهما قد ينعكس على الوضع الداخلي للبلاد، بما في ذلك الانتقالات والتحولات المفترضة ؛ فمن بين الطرق التي قد يؤثر بها هذا التوتر: إضعاف الدعم الدولي للدولة المغربية كسياسة سيادية عامة ، ذلك أن فرنسا تعد الحليف التقليدي الأساسي والتاريخي للمغرب على مدار عقود، ولها تأثير قوي في السياسة الداخلية للمملكة من خلال التعاون الأمني والاقتصادي والثقافي، و إذا تفاقم التوتر بين فرنسا والولايات المتحدة، فقد يؤدي ذلك إلى إضعاف الدعم الفرنسي للمغرب في لحظة حرجة، خاصة إذا طبقت الدولتين ( فرنسا أو امريكا ) منطق “” من ليس معنا فهو ضدنا “” .

وفي المقابل، إذا حصل تراجع في العلاقة الفرنسية-المغربية بسبب هذا التوتر، قد تبحث المملكة عن تعزيز تحالفاتها مع الولايات المتحدة، أو ربما تقيم توازنًا بين القوى الكبرى. هذا قد يؤدي إلى تغيير في التوجهات الاستراتيجية للدولة المغربية في هذه المرحلة الانتقالية.

وعلى مستوى التأثير على الوضع الأمني ، سيكون قويا وآثاره وخيمة ، التعاون الأمني بين المغرب وفرنسا يعتبر محوريًا وحيويا ، لا سيما في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة الدولية المنظمة . و إذا شهدت العلاقة بين فرنسا والولايات المتحدة تفاقما لهذا التوتر الذي أعلنه ماكرون في خطاب ، قد يتأثر التنسيق الأمني بين الدولتين، مما يخلق فراغًا قد تستغله قوى أخرى أو قد يؤثر على استقرار الوضع الأمني داخل البلدين .

في حال شعور الدولة المغربية وتوجسها بأن العلاقات مع فرنسا قد تتراجع، قد يصبح في حاجة إلى تعديل استراتيجياته الأمنية لتجنب أي انعكاسات سلبية على استقرار البلاد في ظل مرحلة أي إنتقال سياسي أو دستوري مفترض ، ناهيك عن اوقاع التوتر على السياسة الاقتصادية ، لأن الولايات المتحدة وفرنسا يعتبران حقيقة من أهم شركاء المغرب الاقتصاديين ، وأي توتر بين هاتين القوتين يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات غير مباشرة على الاقتصاد المغربي.

و يمكن أن يشمل تقليل أوتقليص الاستثمارات أو التأثير على التدفقات المالية التي قد تكون حيوية لضمان استقرار النظام السياسي والاقتصادي في المغرب أثناء أي تحول أو انتقال ، فعلاوة على ذلك، قد تؤدي هذه التوترات إلى تراجع في التعاون الدولي في مشاريع تنموية أو اقتصادية في المغرب، مما قد يزيد من الضغوط على الحكومة والمجتمع في فترة حساسة ، مما ينتج.اضغوطا سياسيا على مستوى الحياة السياسية بالمغرب الذي يعيش أطول مرحلية إنتقالية ؛ مما يؤكد مسيس الحاجة إلى أن يحافظ على علاقة جيدة مع القوى الدولية الكبرى لضمان استقرار سياساته الداخلية والإقليمية.

إذا كانت هناك توترات بين حليفين أساسيين (فرنسا والولايات المتحدة)، وكما قلنا سابقا ، فبعض العقليات تتمسك بمنطق “” من ليس معنا فهو عدونا “” التي ابتدعها بوش ، وهذا قد يضع الدولة المغربية في وضع محرج، حيث قد يُطلب منها اتخاذ مواقف تتعارض مع مصالحها الداخلية أو الخارجية ؛ اي انه بسبب هذا التوتر قد يُضغط عليها لتحديد من سيظل الحليف الرئيسي في المستقبل، مما قد يؤدي إلى تغييرات في السياسة الخارجية والداخلية المغربية في الوقت الذي يتطلع فيه المغرب إلى تعزيز استقراره خلال فترة الانتقال ، مع الإشارة، إلى أن المغرب قد اعطى العلاقات الفرنسية المغربية نفسا جديدا من خلال التسويات السياسية والأمنية والصفقات الثنائية والمبرمة مؤخرا على هامش زيارة ( دولة ) إيمانويل ماكرون للمغرب .

مما قد يركب الأطراف ويشوش على الإلتزامات وكل الأمور المتعلقة بالقيم والمبادئ الدولية ؛ لأن العلاقات بين الدول الكبرى غالبًا ما ترتبط بمواقف سياسية حول حقوق الإنسان والديمقراطية والشفافية، وأي توتر بين فرنسا والولايات المتحدة قد يعكس أيضًا تضاربًا في وجهات نظرهم حول القضايا السياسية في المغرب، مثل الإصلاحات السياسية أو الحقوق المدنية والسياسية ، و في حال تصاعد الضغط الدولي على المغرب بسبب هذه القضايا، قد تجد الدولة المغربية نفسها أمام تحديات في الحفاظ على التوازن بين التعامل مع حلفائها المختلفين وبين الحفاظ على استقرار المرحلة الانتقالية ، في ظل هشاشة المشهد الحزبي وآليات الدفاع المدني .مما يتطلب التعامل مع هذه التحديات وفق استراتيجية متعددة الأبعاد تشمل تعزيز الدبلوماسية، وتحسين التعاون الأمني، ودعم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، قد يحتاج المغرب إلى تعزيز التعاون الإقليمي لضمان استمرارية الجهود الأمنية والاقتصادية في مواجهة التحديات الدولية.

وعلى مستوى الاستقرار الداخلي، وفي حال تضرر التعاون الأمني بسبب التوترات الدولية، قد يزداد خطر الإرهاب والجريمة المنظمة على الأمن الداخلي المغربي. في ظل ضعف آليات الدفاع المدني، وقد تصير قدرة الحكومة على حماية المدنيين والتعامل مع الأزمات الأمنية أكثر تحديًا. هذا قد يؤدي إلى زيادة التوترات الداخلية، وخاصة في المناطق الحساسة سياسيًا أو اقتصاديًا. و في سياق الاحتقان الاجتماعي الناجم عن الأزمات الاقتصادية أو الإجتماعية ، يمكن أن تؤدي توترات العلاقات الدولية إلى تفاقم الوضع الداخلي في ظل ضعف أحزاب سياسية أنهكها القمع في الماضي والزمن الإنتخابوي حاضرا ؛ يجعل من الصعب على النظام السياسي الاستجابة بفعالية للاحتجاجات أو الخصاص الإجتماعي . كما أن ضعف آليات الدفاع المدني قد يعني أن الاحتجاجات قد تتصاعد دون قدرة فعالة على تأطيرها ومرافقة ( أو احتوائها حتى ! ) مما قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية.

وعندما نقول الأحزاب ، فلا نستثني تلك التي تدبر الشأن العمومي بالتفويض ، حيث يقل منسوب الثقة في حكومة يتناوبون عليها ، والتي إذا لم تستطع التعامل مع التحديات الاقتصادية أو الأمنية الناتجة عن التوترات الدولية، قد تنخفض الثقة في كافة المؤسسات ، مما يعزز مطلب دمقرطة الإنتقال الأمني وتجويد السياسات العمومية في مجال الأمن والقضاء وفق الحكامة المؤطرة من طرف المجلس الأعلى للأمن والذي ينبغي أن يرى النور لضمان الإنتقال الآمن نحو التحرر والديموقراطية .

* مصطفى المنوزي
رئيس المركز المغربي للديموقراطية والأمن .

إعلان
انقر للتعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

على مسؤوليتي

ذ.المنوزي: الدولة الرخوة و سيناريوهات ما بعد الوساطة

نشرت

في

قبل خمس سنوات، طرحتُ على صديق أكاديمي مخضرم في علم السياسة سؤالًا بدا حينها منطقيًا في سياق ما بعد دستور 2011 وما رافقه من ديناميات سياسية مشوبة بالحذر:
هل يمكن أن تستغني دولة العهد الجديد، أو ما أسميه اختزالًا بـ”الدولة المحمدية”، عن المجتمع المدني، خاصة بعد أن استنفدت العملية السياسية، في مناسباتها الرمزية الكبرى، كل ما في جعبتها من أدوات التعبئة والاستيعاب والتدجين؟.

كان جوابه صريحًا: “لا يُعقل، ولا يمكن، الاستغناء عن المجتمع المدني، وخصوصًا الفعاليات الحقوقية، لأنهم يشكّلون أحد آخر الجسور الرمزية بين الدولة والمجتمع، وأحد آخر خطوط الدفاع ضد التصدع الاجتماعي والمؤسساتي”.

لكن بعد مضي هذه السنوات الخمس، وما حملته من مؤشرات انكماش سياسي، وتقلص مجالات التعبير، واستفحال نزعة التحكم التقني في تدبير الشأن العام، بتنا لا نُعاين فقط استغناء الدولة عن المجتمع المدني، بل ما هو أعمق: استغناء الكل عن الكل.

فالدولة أغلقت أبواب الشراكة الفعلية ووسّعت نوافذ الاستشارة الشكلية. والمجتمع المدني، الذي كان يُعوّل عليه كرافعة للوساطة والاقتراح، صار إما مُراقبًا على الهامش، أو مروضًا داخل شبكات التمويل، أو منفيًا في صحراء اللامعنى. أما النخب الحقوقية، فقد أُنهكت بالاحتواء أو أُغرقت في التفاصيل، أو هجرت مساحات التأثير الفعلي نحو فضاءات رمزية، أكثر أمانًا وأقل جدوى.

في هذا السياق، لم نعد نعيش فقط أزمة فعل، بل نعيش انهيارًا صامتًا في معمار الشرعية الرمزية للدولة؛ فلا العملية السياسية تفرز تصورات قابلة للتفاوض المجتمعي، ولا المؤسسات الدستورية قادرة على التوسط بين الإرادة العامة والسلطة الفعلية.

وهكذا، بدأنا ننجرف تدريجيًا إلى ما يمكن تسميته بـ**”فوبيا ما بعد الدولة”**:
حيث تفقد الدولة صفتها كفاعل جامع وموحد ومؤطر،
وحيث تصبح السلطة مجرد تدبير فوقي للوقائع، بلا سردية جامعة ولا أفق مشترك،
وحيث تسود حالة من الفراغ الدستوري القاتل: فراغ في التمثيل، وفراغ في المبادرة، وفراغ في المشروعية المتجددة.

وفي المقابل، يزحف علينا من الجهة الأخرى شبح “فوبيا ما قبل الفوضى”:
حيث تتآكل الوساطات التقليدية (الأحزاب، النقابات، الجمعيات…)،
ويتوسع منسوب السخرية واللامبالاة،
وتتضاعف فجوات الثقة،
وتتحول الشعارات الكبرى إلى مجرد خلفيات باهتة على جدران مدينة تتآكل من داخلها.

كل هذا يحدث في ظل ملامح دولة رخوة:
رخوة لأنها تتردد بين الانغلاق والمراوغة،
رخوة لأنها تُفضل التحكم في المعلومة بدل مشاركتها،
رخوة لأنها تُعوّض التفاوض العمومي بالتوجيه العمودي،
رخوة لأنها تُدبّر الاستقرار بمنطق الخوف، لا بمنطق الثقة.
لكن الخطر لا يكمن فقط في هذا الفراغ، بل في تطبيعه، في جعل الانفصال بين الدولة والمجتمع أمرًا عاديًا، في ترسيخ فكرة أن التواصل الدستوري ترف، وأن الفعل المدني عبء، وأن التعددية لا لزوم لها.

هنا تُطرح الأسئلة الحرجة:
ما الحاجة إلى دستور لا ينبض بالحياة المؤسسية؟
ما جدوى مجتمع مدني منزوع المخالب ومقطوع الأفق؟
ما معنى السياسة إذا لم تكن مجالًا للفعل التشاركي والمساءلة المتبادلة؟
إن الإجابة لا تتعلق فقط بالإصلاح أو التقننة أو إعادة ترتيب الأولويات، بل بإعادة بناء السردية، بإحياء المعنى الغائب، وباسترجاع فكرة الدولة كفضاء للعيش المشترك لا كأداة لضبط الإيقاع.

نحن بحاجة إلى إعادة تأسيس الثقة العمومية عبر حوكمة المعنى، لا فقط تدبير الموارد، وإلى إحياء السياسة باعتبارها التقاءً بين الإرادة والذاكرة، بين الطموح والاعتراف، بين السلطة والمجتمع.

وإلا فإننا بالفعل سنكون أمام ما بعد الدولة، لا بوصفه تحوّلًا نظريًا، بل كواقع متسلل، يهدد البنيان من الداخل، ويمهد لنمط من التفكك الناعم الذي لا تُعلَن نهايته، بل يُعاش بصمت.

* مصطفى المنوزي
منسق دينامية ضمير الذاكرة وحوكمة السرديات الأمنية

أكمل القراءة

على مسؤوليتي

لسنا في حاجة لأن نُثبت أننا أحياء، نبضًا ومواقف

نشرت

في

الحياة ليست فقط ضربات قلب تُقاس، بل هي قدرة على الصمود وسط الزيف، وإرادة لمقاومة التآكل الداخلي أمام آلة الهدم الرمزية. نحن لا نُعرِّف ذواتنا بما يُمنَح لنا من اعتراف، ولا نقيس حضورنا بما يُسلّط علينا من أضواء زائفة. نحن نوجَد حين نرفض أن نُختزَل، ونحيا حين نُقاوم الانهيار، لا حين نُعلن عن أنفسنا بخطاب استجداء أو سجال إثبات. ففي زمن تُصادَر فيه المعاني، وتُختطف فيه السرديات، يصبح التمسك بالموقف شكلاً من أشكال الوجود.

ليس كل من يتكلم حيًّا، وليس كل من يصمت ميتًا. ففي أزمنة الهيمنة الناعمة، تُفرَض الرموز وتُصادَر الدلالات، ويُعاد تشكيل الوعي ليصير قابلاً للاستهلاك، لا للاعتراض. وهنا، تصبح المعركة في عمقها رمزية: بين من يُجبر على إعادة تدوير المعاني المفروضة، ومن يختار أن يبتكر لغته، وأن يروي ذاكرته، وأن يخطّ تاريخه بمداد التجربة لا بمداد السلطة.
نحن لسنا مجرّد ردود أفعال على منظومة تريدنا طيعين.

نحن حفَدةُ الانفلات من التصنيفات، وورثة الرفض الهادئ والمُعنّى. وفي كل مرة نحافظ فيها على موقف، أو نحمي فيها معنى من السقوط، نُعيد ترميم هويتنا، ونصدّ شبح الانهيار.

سؤالك مركّب وعميق:
“أمامنا جبهات العداء الجبرية وجُبَات الخصومات القدرية؛ فما هو الحل وما العمل؟”.

إنه استدعاءٌ فلسفي ـ سياسي لسؤال الإرادة في زمن يبدو فيه كل شيء مفروضًا: الخصومات مفروضة كأنها قدر، والعداوات قائمة كأنها قَدَرٌ لا يُردّ.

أمامنا جبهات العداء الجبرية، التي فُرضت علينا باسم التاريخ أو الجغرافيا، وجُبَات الخصومات القدرية التي صارت تُراثًا في اللاشعور الجمعي، لا بد من وقفة تتجاوز سؤال الاصطفاف نحو مساءلة أصل الاصطفاف نفسه.

ما العمل؟
ليس الحل في تأجيل الجبهات أو تزويق القدر، بل في تفكيك سرديات الجبر والقدر ذاتها: من الذي يحدد أن هذا خصم، أو أن ذاك عدو؟ من يربح من بقاء التوتر قائمًا؟ وهل نملك شجاعة صناعة “الاختلاف المفيد” بدل “العداوة المعلّبة”؟.

ما العمل؟
البدء من الذات.
تفكيك العقل الجَبري فينا، الذي يحوّلنا إلى أدوات في صراعات غيرنا، ويغرس فينا أوهام الحتمية والمظلومية بدون أفق.
العمل هو في إبداع أشكال جديدة من الفاعلية الأخلاقية والسياسية، التي لا تُختزل في الانفعال أو الانسحاب، بل تبني موقفًا نقديًا، يتجاوز منطق الثأر والتكرار، نحو منطق التحرير والتحويل.
ما العمل؟.

أن نروي الحكاية من جديد، ونكسر سطوة السردية التي تجعلنا دائمًا في موقع الضحية أو العدو أو التابع، ونعيد ترتيب الوقائع لا من باب النفي، بل من باب تحرير الذاكرة من الاستعمال السلطوي، وتحرير السياسة من شهوة الهيمنة.

* مصطفى المنوزي

أكمل القراءة

على مسؤوليتي

مصطفى المانوزي: أقاوم حتى لا يتحول الشَطَط إلى استبداد

نشرت

في

أعتذر عن النفس الشخصي الذي بمقتضاه أعيد صياغة نقدي الذاتي ؛ ففي ظلال حلول عيد ميلادي السادس والستين، لن أحتفي بالزمن بوصفه مجرد تقويم بيولوجي، بل كرصيد من التأمل النقدي في جدوى السيرورة، وعدالة المعنى، ومآلات الانتظار.

لقد بلغت سنًّا لا أبحث فيه عن جواب، بل أتحرى عمق السؤال. وأدركت أن “التعفن”، حين يستفحل في البنية الرمزية للنظام السياسي والاجتماعي، لا يقتل فقط الحياة، بل يعمّي البصيرة، ويُعدم التدرج الأخلاقي والمعرفي.

*الجملة المفتاحية: مرآة لسردية الانهيار الرمزي
“بسبب التعفن، يتساوى العَمَش مع العَمَى، كما يتحول الشطط إلى استبداد.”
ليست هذه مجرد استعارة. إنها بلاغة تحليلية تؤسس لسردية نقدية، تكشف كيف تُطمر الفروق الدقيقة في لحظة فساد المنظومات، وكيف يُعاد ترتيب الخطأ ليُغلف كضرورة، والانحراف ليُسوَّق كحكمة واقعية.
التأويل السيميائي: من الخلل النسبي إلى الانهيار الكلي.

1. العمش والعمى:
في زمن ما قبل التعفن، يمكن للتمييز بين النقص والبُعد أن يؤطر الفعل والنقد. أما بعده، فلا فرق بين من يرى غبشًا ومن فقد الرؤية كليًا، لأن النسق يُعيد تعريف الخلل بوصفه قاعدة.

2. الشطط والاستبداد:
حين يُترك الشطط بدون مقاومة أخلاقية أو مؤسساتية، يتجذر كعرف، ثم كشرعية، ثم كأداة للحكم. هكذا يولد الاستبداد من رحم التساهل مع الانحراف.

*السياق المغربي الراهن: من الرمزية إلى الواقعة
حين تُهدم معالم المدينة القديمة باسم التنمية،
وتُمحى الفوارق بين “المصلحة العامة” و”السطو على المجال”،
ويتحول النقد إلى جرم، والمشاركة إلى تهديد،
نكون أمام لحظة بلاغية/واقعية يتساوى فيها العَمَش بالعمى، ويتحول الشَطَط إلى استبداد.

إنه زمن سيولة المفاهيم، وتدجين الإرادة، وتعويم الانحراف.

بل زمن “إنتاج الشرعية من ركام الاستثناء”، حيث لا يبقى للشعب سوى أن “يرى ولا يرى”، أن “يُشارك دون أن يُحسب”، وأن “يُقرر ضمن شروط لا تسمح بالقرار”.

في الحاجة إلى سردية بديلة: من التشخيص إلى التأسيس
ما العمل إذن؟
إعادة تفكيك اللغة السائدة، وتحرير المعنى من تواطؤاته الرمزية.

الدفاع عن التمييز الضروري بين النقص والكارثة، بين التجاوز والخيانة، بين السلطة والمشروعية.

الانطلاق من ذاكرة النقد نحو أفق العدالة التوقعية، ليس بوصفها جبرًا للماضي، بل كــتحصين مستقبلي من تكرار الخراب.

* خاتمة في عيد الميلاد
عند ستة وستين عامًا، لا أملك ترف التفاؤل الساذج، ولا ترف التشاؤم العبثي.

لكني ما زلت أومن أن التفكير النقدي التوقعي ليس ترفًا فكريًا، بل فعل مقاومة ضد التعفن، وضد ذلك الانزلاق الذي يُسوّي العمش بالعمى، ويُجمّل الاستبداد بطلاء الشرعية.

ولذلك سأواصل المقاومة حتى لا يستفحل التعسف تحكمه وإستبدادا !

* مصطفى المنوزي
منسق ضمير الذاكرة وحوكمة السرديات الأمنية

أكمل القراءة
سياسة منذ 18 ساعة

تنظيمات نقابية ترفض مشروع إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة

الجديد TV منذ 20 ساعة

الخبير جمال العلمي يكشف أسرار ” صومعة المكانة” La Tour de l’Horloge

على مسؤوليتي منذ 22 ساعة

ذ.المنوزي: الدولة الرخوة و سيناريوهات ما بعد الوساطة

مجتمع منذ 24 ساعة

طنجة.. إجهاض محاولة تهريب 4 أطنان من مخدر الشيرا على متن شاحنة للنقل الدولي

رياضة منذ يوم واحد

خورخي فيلدا: اللقب ضاع منا بسبب تفاصيل صغيرة

رياضة منذ يوم واحد

أمم إفريقيا للسيدات: نيجيريا تقلب الطاولة على المغرب وتحرز اللقب للمرة العاشرة

دولي منذ يوم واحد

بدء دخول قوافل مساعدات إلى قطاع غزة عبر معبر رفح

دولي منذ يوم واحد

جنود إسرائيليون يحتجزون السفينة “حنظلة” المتجهة إلى غزة

واجهة منذ يوم واحد

طقس حار مع قطرات مطرية متوقع اليوم الأحد

رياضة منذ يومين

إنفانتينو.. مقر “الفيفا” بالرباط هو مكتب عالمي سيستفيد منه الجميع

منوعات منذ يومين

لمجرد يشعل حماس جمهوره بإعلان غنائي جديد “الصورة”

رياضة منذ يومين

الرجاء في طريقه للتعاقد مع الشرايبي بعد اجتيازه فترة اختبار في معسكر أكادير

منوعات منذ يومين

مصر.. التحقيق مع أستاذة جامعية بعد فتوى “إباحة الحشيش”

رياضة منذ يومين

تصفيات المونديال.. غينيا تستضيف الجزائر في المغرب

مجتمع منذ يومين

أمن لفنيدق يوقف 156 مرشحًا للهجرة السرية بينهم جزائريون وقاصرون

واجهة منذ يومين

وفاة الفنان اللبناني زياد الرحباني

رياضة منذ يومين

فيفا” يفتتح أول مكتب له في شمال إفريقيا بالرباط

اقتصاد منذ يومين

ودائع البنوك تتجاوز 1.2 تريليون درهم في 2024 بدعم من التسوية الجبائية

واجهة منذ يومين

تحذير من موجة حر بدءا من الأحد إلى الثلاثاء

واجهة منذ 3 أيام

انتخاب رئيس جامعة ابن طفيل نائبا أول لرئيس اتحاد الجامعات الافريقية

إعلان

الاكثر مشاهدة