منذ الولاية الأولى لترامب ، ومنذ الحرب الأوكرانية / الروسية في بحر سنة 2022 ، ارتفعت حدة التحذيرات من ” حرب باردة جديدة “، ولأن الحرب الباردة لم تنته مع انهيار الإتحاد السوفياتي وإنما ؛ كما يقول جلبير الأشقر ، الباحث اللبناني وأستاذ دراسات التنمية والعلاقات الدولية في معهد الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن ؛ إنما أخذت ( الحرب الباردة ) اشكالا جديدة في القرن 21 ، فسعي الولايات الأمريكية إلى ترسيخ هيمنتها العالمية في العقد الأخير من القرن الماضي ، على حساب روسيا والصين ، قد دفع هاتين الدولتين إلى التقارب والذي أدى إلى إعادة إطلاق ” الحرب الباردة ” بصيغة جديدة وتداعيات كارثية.
اليوم، وبعد عودة ترامب إلى سدة حكم وقيادة أكبر قوة امبريالية في العالم ، وبالنظر إلى محاولة “” توافقه “” ( حتى لا نقول تواطئه ) مع بوتين ، وبالنظر إلى آخر خطاب للرئيس الفرنسي ، موضوع تحليلنا يوم أمس ، ضمن مقال منشور على صفحتنا الفيسبوكية ، كيف نتصور وضعية المغرب على إثر التوتر الحاصل فيما بين فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية ، خاصة وأن ترامب تعمد نشر ، ضمن تدوينة له ، قرار تعيين لرجل أعمال كبير ومشهور سفيرا لأمريكا بالمغرب ؛ وفي توجه إرادة المغرب الرسمي نحو إيجاد علاقة توازنية وندية مع الحلفاء التقليديين ، وخاصة فرنسا وأمريكا ، ومع الشركاء المتعاقدين ( الذين فرضوا عليه التعاقد بحكم مصالحه المستقبلية في إفريقيا واحتمال إحتدام تنافسية في المنطقة المغاربية وعلى إمتداد العلاقات المغربية الأفريقية ؟.
ناهيك عن كون التوتر بين فرنسا والولايات المتحدة، يمكن أن يؤثر بشكل غير مباشر على عمليات الإنتقالات ، السياسية والمؤسساتية ، والتحولات في ضوء المشروع التنموي ومقترح الحكم الذاتي ، وكل ما يرتبط بمشاريع الإصلاح التشريعي والمؤسستي والأمني والإجتماعي والإقتصادي ، وكذا محاولات تخليق الحياة العامة داخل كل دواليب السلطة في المغرب ، وخاصة أن التأثير سيطال الدعم الدولي والأمني والسياسي والاقتصادي ، في ظل هذه المرحلة الانتقالية، وفي هذا السياق سيحتاج النظام المغربي إلى ضمان استقرار العلاقات مع قوى دولية رئيسية، من أجل التكيف مع التحديات الداخلية والخارجية على حد سواء.
لذلك على الدولة المغربية وعقلها الأمني ألا تستهين بما يجري ، فالتوتر بين فرنسا والولايات المتحدة يمكن أن يكون له تأثير غير مباشر ولكنه مهم على بيئة الانتقال في المغرب، خاصة في ظل حساسية هذه المرحلة بالنسبة للنظام ، لأنه في سياق العلاقات الدولية والإقليمية، تعتبر فرنسا والولايات المتحدة حليفين رئيسيين في تعزيز استقرار النظام السياسي في المغرب، ولكل منهما دور مؤثر في السياسة المغربية.
لذلك، فإن التوتر بينهما قد ينعكس على الوضع الداخلي للبلاد، بما في ذلك الانتقالات والتحولات المفترضة ؛ فمن بين الطرق التي قد يؤثر بها هذا التوتر: إضعاف الدعم الدولي للدولة المغربية كسياسة سيادية عامة ، ذلك أن فرنسا تعد الحليف التقليدي الأساسي والتاريخي للمغرب على مدار عقود، ولها تأثير قوي في السياسة الداخلية للمملكة من خلال التعاون الأمني والاقتصادي والثقافي، و إذا تفاقم التوتر بين فرنسا والولايات المتحدة، فقد يؤدي ذلك إلى إضعاف الدعم الفرنسي للمغرب في لحظة حرجة، خاصة إذا طبقت الدولتين ( فرنسا أو امريكا ) منطق “” من ليس معنا فهو ضدنا “” .
وفي المقابل، إذا حصل تراجع في العلاقة الفرنسية-المغربية بسبب هذا التوتر، قد تبحث المملكة عن تعزيز تحالفاتها مع الولايات المتحدة، أو ربما تقيم توازنًا بين القوى الكبرى. هذا قد يؤدي إلى تغيير في التوجهات الاستراتيجية للدولة المغربية في هذه المرحلة الانتقالية.
وعلى مستوى التأثير على الوضع الأمني ، سيكون قويا وآثاره وخيمة ، التعاون الأمني بين المغرب وفرنسا يعتبر محوريًا وحيويا ، لا سيما في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة الدولية المنظمة . و إذا شهدت العلاقة بين فرنسا والولايات المتحدة تفاقما لهذا التوتر الذي أعلنه ماكرون في خطاب ، قد يتأثر التنسيق الأمني بين الدولتين، مما يخلق فراغًا قد تستغله قوى أخرى أو قد يؤثر على استقرار الوضع الأمني داخل البلدين .
في حال شعور الدولة المغربية وتوجسها بأن العلاقات مع فرنسا قد تتراجع، قد يصبح في حاجة إلى تعديل استراتيجياته الأمنية لتجنب أي انعكاسات سلبية على استقرار البلاد في ظل مرحلة أي إنتقال سياسي أو دستوري مفترض ، ناهيك عن اوقاع التوتر على السياسة الاقتصادية ، لأن الولايات المتحدة وفرنسا يعتبران حقيقة من أهم شركاء المغرب الاقتصاديين ، وأي توتر بين هاتين القوتين يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات غير مباشرة على الاقتصاد المغربي.
و يمكن أن يشمل تقليل أوتقليص الاستثمارات أو التأثير على التدفقات المالية التي قد تكون حيوية لضمان استقرار النظام السياسي والاقتصادي في المغرب أثناء أي تحول أو انتقال ، فعلاوة على ذلك، قد تؤدي هذه التوترات إلى تراجع في التعاون الدولي في مشاريع تنموية أو اقتصادية في المغرب، مما قد يزيد من الضغوط على الحكومة والمجتمع في فترة حساسة ، مما ينتج.اضغوطا سياسيا على مستوى الحياة السياسية بالمغرب الذي يعيش أطول مرحلية إنتقالية ؛ مما يؤكد مسيس الحاجة إلى أن يحافظ على علاقة جيدة مع القوى الدولية الكبرى لضمان استقرار سياساته الداخلية والإقليمية.
إذا كانت هناك توترات بين حليفين أساسيين (فرنسا والولايات المتحدة)، وكما قلنا سابقا ، فبعض العقليات تتمسك بمنطق “” من ليس معنا فهو عدونا “” التي ابتدعها بوش ، وهذا قد يضع الدولة المغربية في وضع محرج، حيث قد يُطلب منها اتخاذ مواقف تتعارض مع مصالحها الداخلية أو الخارجية ؛ اي انه بسبب هذا التوتر قد يُضغط عليها لتحديد من سيظل الحليف الرئيسي في المستقبل، مما قد يؤدي إلى تغييرات في السياسة الخارجية والداخلية المغربية في الوقت الذي يتطلع فيه المغرب إلى تعزيز استقراره خلال فترة الانتقال ، مع الإشارة، إلى أن المغرب قد اعطى العلاقات الفرنسية المغربية نفسا جديدا من خلال التسويات السياسية والأمنية والصفقات الثنائية والمبرمة مؤخرا على هامش زيارة ( دولة ) إيمانويل ماكرون للمغرب .
مما قد يركب الأطراف ويشوش على الإلتزامات وكل الأمور المتعلقة بالقيم والمبادئ الدولية ؛ لأن العلاقات بين الدول الكبرى غالبًا ما ترتبط بمواقف سياسية حول حقوق الإنسان والديمقراطية والشفافية، وأي توتر بين فرنسا والولايات المتحدة قد يعكس أيضًا تضاربًا في وجهات نظرهم حول القضايا السياسية في المغرب، مثل الإصلاحات السياسية أو الحقوق المدنية والسياسية ، و في حال تصاعد الضغط الدولي على المغرب بسبب هذه القضايا، قد تجد الدولة المغربية نفسها أمام تحديات في الحفاظ على التوازن بين التعامل مع حلفائها المختلفين وبين الحفاظ على استقرار المرحلة الانتقالية ، في ظل هشاشة المشهد الحزبي وآليات الدفاع المدني .مما يتطلب التعامل مع هذه التحديات وفق استراتيجية متعددة الأبعاد تشمل تعزيز الدبلوماسية، وتحسين التعاون الأمني، ودعم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، قد يحتاج المغرب إلى تعزيز التعاون الإقليمي لضمان استمرارية الجهود الأمنية والاقتصادية في مواجهة التحديات الدولية.
وعلى مستوى الاستقرار الداخلي، وفي حال تضرر التعاون الأمني بسبب التوترات الدولية، قد يزداد خطر الإرهاب والجريمة المنظمة على الأمن الداخلي المغربي. في ظل ضعف آليات الدفاع المدني، وقد تصير قدرة الحكومة على حماية المدنيين والتعامل مع الأزمات الأمنية أكثر تحديًا. هذا قد يؤدي إلى زيادة التوترات الداخلية، وخاصة في المناطق الحساسة سياسيًا أو اقتصاديًا. و في سياق الاحتقان الاجتماعي الناجم عن الأزمات الاقتصادية أو الإجتماعية ، يمكن أن تؤدي توترات العلاقات الدولية إلى تفاقم الوضع الداخلي في ظل ضعف أحزاب سياسية أنهكها القمع في الماضي والزمن الإنتخابوي حاضرا ؛ يجعل من الصعب على النظام السياسي الاستجابة بفعالية للاحتجاجات أو الخصاص الإجتماعي . كما أن ضعف آليات الدفاع المدني قد يعني أن الاحتجاجات قد تتصاعد دون قدرة فعالة على تأطيرها ومرافقة ( أو احتوائها حتى ! ) مما قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية.
وعندما نقول الأحزاب ، فلا نستثني تلك التي تدبر الشأن العمومي بالتفويض ، حيث يقل منسوب الثقة في حكومة يتناوبون عليها ، والتي إذا لم تستطع التعامل مع التحديات الاقتصادية أو الأمنية الناتجة عن التوترات الدولية، قد تنخفض الثقة في كافة المؤسسات ، مما يعزز مطلب دمقرطة الإنتقال الأمني وتجويد السياسات العمومية في مجال الأمن والقضاء وفق الحكامة المؤطرة من طرف المجلس الأعلى للأمن والذي ينبغي أن يرى النور لضمان الإنتقال الآمن نحو التحرر والديموقراطية .
* مصطفى المنوزي
رئيس المركز المغربي للديموقراطية والأمن .