على مسؤوليتي
مصطفى المنوزي في ..سرديات رمضانية “الحلقة الأولى” سردية”الاستدعاء”

نشرت
منذ 5 أشهرفي
بواسطة
مصطفى المنوزي
في صباح يوم عادي، كانت “سمية” تمشي في حي ” سيدي مألوف ” ، تحمل حقيبتها وتنتظر اللحظة التي تعود فيها إلى بيتها لتُكمل عملها المنزلي. فجأة، توقفت سيارة شرطة أمام منزلها، وترجل منها مفتشا أمن يرتديان زي الشرطة الرسمي. نظر الجميع إلى بعضهم البعض، لكنهم لم يتكلموا. السماء كانت صافية، والريح هادئة، لكن في قلب سمية، كانت هناك عاصفة من التساؤلات والشكوك.
“هل هناك شيء ما حدث؟ هل أخطأت في شيء؟ هل أنا مطلوبة للتحقيق؟” تساءلت سمية وهي تبتعد عن سيارتها متجهة إلى الباب، حيث سلمها أحد الشرطيين “” إستدعاء “” بموجبه “” عليها الحضور عاجلا “” إلى المخفر لأمر ” يهمها ” ؛ وذلك حسب ما ورد في نص الورقة الزرقاء الشبيهة في حجمها ولونها بورقة التصويت ، والتي تستعمل خلال مواعيد الإستفتاء على الدستور ، والحاملة تاريخيا لعبارة “” لا “” ، في حين تقابلها الورقة البيضاء مكتوب عليها عبارة ” نعم ” . نعود إلى الكونفوكسيون وما جرى لسمية بسببها ؛ ففي تلك اللحظة، لم تشعر سمية بما حولها ، كان كل شيء يحيط بها غير واضح ، وبدأت مشاعر الخوف تغمرها. قررت أن تخبر زوجها قبل الذهاب، فالتقطت هاتفها بعجلة، لكن يدها كانت ترتجف.
“سمية، ماذا حدث؟ لماذا الشرطة هنا؟ هل أنت بخير؟” جاء صوت زوجها بنبرة قلقًة ومرتبكة على الهاتف، قبل أن تبدأ سمية في شرحها له بصوت مختنق ، وما أن خرجت من المنزل باتجاه المخفر، حتى انتشرت الأقاويل في الحي بسرعة البرق. “هل سمعتِ؟ سمية استُدعيت إلى المخفر!” همست الجارات لبعضهن البعض، والكل كان يتساءل: “ماذا قد تكون فعلت؟ هل لها علاقة بشيء ما محرم أو مجرم ؟”.
كلما اقتربت سمية من المخفر، كان صدى الفضول يزداد من جيرانها المتجمهرين ، وكلما رأتهم من بعيد ، ارتسمت على وجوههم علامات القلق، حتى أولادها، الذين كانوا في المدرسة، بدأوا يتساءلون في صفوفهم عن السبب وراء استدعاء والدتهم، وأخذوا يقتبسون عبارات من الأقاويل المنتشرة ويرددونها دون فهم ، فتسارعت الشائعات عن ” المصيبة ” التي قد تكون قد ارتكبتها.
“أعتقد أن سمية كانت متورطة في شيء كبير!” قالت جارة مسنّة، مبتسمة بسخرية بينما كانت تنظر إلى وجه سمية المرهق. “ربما كان عندها سر تخفيه!” تضيف أخرى بنبرة غير مؤكدة.
أخذت سمية تشعر بثقل هذه الأقاويل وكأنها تقيد خطواتها، كانت تعلم أن لا شيء من ذلك صحيح، لكنها لا تستطيع أن تهدئ من روعها، مجرد فكرة أن الجميع في الحي يراقبون تحركاتها كان مؤلمًا جدًا.
حينما وصلت إلى المخفر، استقبلها ضابطان بابتسامة جافة، وقالا لها: “نحن فقط بحاجة إلى بعض المعلومات، ليس هناك شيء سيئ ، فقط مطلوب منك الحواب عن بعض الاستفسارات.”
لكن بعد أن خرجت، وجدتها الحكايات قد تفجرت، حيث كان الشارع كله يتحدث عن سبب الاستدعاء، تكهنات، وشكوك، وحوارات لا تنتهي. في نظر البعض، كانت مجرد ضحية، لكن في نظر آخرين، كانت جزءً من جريمة أكبر ، وبينما كانت سمية تحاول أن تحافظ على هدوئها، كان صوت الأقاويل يلاحقها في كل مكان.
“هل سنصدق كل هذه الأقاويل؟” تساءلت سمية، بينما كانت تمشي بخطى متثاقلة إلى منزلها، متخيلة كيف ستواجه عائلتها وجيرانها، بعدما أصبح كل شيء بالنسبة لهم يشير إلى السر الغامض الذي لم يكن موجودًا سوى في خيالاتهم.
وقبل أن تلتقط أنفاسها ، إستدرجتها حماتها للبوح بحقيقة ما جرى ، فاضطرت سمية لكي تسرد وقائع رحلة “” الإصطياف والضيافة “” لدى اصحاب الحال .
تذكرت سمية أنها عندما دخلت إلى مفوضية الشرطة، واجهت الحاجز الأول: الوصم والتحقير الاجتماعي، ذلك الموقف الذي كان يعيد إليها صورة السلطة في أذهان الناس ، كيف لورقة صغيرة كهذه قد تعني بداية شيء خطير، بدءً من الشائعات التي ستنتشر في الحي. “هل هي متورطة في شيء؟” “أعتقد أن الشرطة تحقق معها في قضية كبيرة!” هذه بعض الأقاويل التي سمعها جيرانها وهم يترقبون تحركاتها. سمية بدأت تشعر بضغط و ملاحقة مستمرة من تلك الأفكار وأسئلة الشبهة والإتهام التي كانت تعكس الوصمة الاجتماعية التي تأتي مع أي استدعاء للسلطات.
سمية عبرت لحماتها عما كانت تشعر به من حيرة و عجز وحرج كبير . في ذلك المكان الذي سيطر عليه الخوف والقلق، اكتشفت شيئًا مهمًا، وهو أن الاستدعاء ليس دعوة بل أمر. فحتى وإن كانت الورقة نفسها بسيطة في مظهرها، فإن لها دلالات كبيرة. هذا الاستدعاء لم يكن مجرد طلب للحضور، بل كان نوعًا من التضييق على الحرية، أي دعوةً إلى الخضوع والالتزام بما يفرضه النظام العام . ثم جاءت اللحظة التي بدأ فيها الضباط في التحضير لاستجواب سمية. وفي الجانب الآخر من مكتب الإستنطاق كانت فاطمة تنظر إليها بعيون مليئة بالحذر وكأنها تهمس لها : “لا تظهري أي ضعف، لأنهم سيشعرون به ويزيدون من قسوتهم.” كانت سمية تفكر في إيماءاتها وتحذيقها ، وتفكر في معنى تلك الورقة الزرقاء الصغيرة التي تسببت في دخولها إلى عالم مليء بعيون المراقبة والتفتيش في الذوات والعقول .
وعلى إثر الإستنطاق توصلت سمية إلى أن الشيك البنكي الذي أصدرته قد رجع دون أداء بسبب نقص المؤونة، وكان قلبها يتسارع مع كل خطوة كانت تخطوها نحو المجهول ، تتابعت الإجراءات بسرعة، بعد أن هددت بأن قضيتها ستعرض على “” وكيل الدولة “” الذي سيقرر إحالتها إلى غرفة التحقيق القضائي للتحقيق، وذلك لإقتران جنحة إصدار شيك بدون رصيد بجنحة النصب والإحتيال ، فما كان من سمية إلا أن تشعر بضيق شديد، وكأن الأرض تحوم بها، فكل شيء كان يسير بسرعة فائقة، وهي لا تزال غير قادرة على استيعاب ما يحدث. ورغم أن سمية كانت قد اعترفت بخطئها في إصدار شيك بدون رصيد، إلا أن ما اكتشفته في ذلك اليوم كان أكثر مما كانت تتوقع ؛ فبعد أن اكتشفت سمية أن الشيك الذي أصدرته قد رجع بسبب نقص المؤونة، كان قلبها يتسارع مع كل خطوة كانت تخطوها نحو المجهول ؛ وهي لا تزال غير قادرة على استيعاب ما يحدث ؛ كان المكان يعج بالوجوه المألوفة التي بدأت تبدو غريبة في عيني سمية ، وكانت قد سمعت عن أوضاع المعتقلين، لكنها لم تتخيل يومًا أن تجد نفسها في هذا الوضع الغريب والمؤلم .ولولا الصدفة ، حينما دخلت إلى مكتب التحقيق ولولا انها التقت بفاطمة تلك الشابة في مقتبل العمر، والتي كانت ترمقها من بعيد ، و قد اعتقلت هي الأخرى. لكن ما جعل سمية تتفاجأ أكثر هو السبب الذي كانت قد أُوقِفَت بسببه ، وقد بدت عليها علامات التعب والإرهاق، ففاطمة أخبرت سمية بأنها قد تم اعتقالها لأسباب “سياسية”، ولم تستطع سمية استيعابها تمامًا في البداية، فهل يعقل أن يكون هناك اعتقال امرأة بسبب “آراء”؟.
“لا تخافي، كلنا هنا في نفس الوضع. كل من هنا اعتُقل لأسباب واهية، وكثير منا تعرض للتعذيب” قالت فاطمة بصوت خافت، وهي تنظر إلى الأبواب والنوافذ المتأرجحة كما لو كانت تتوقع قدوم أحدهم في أي لحظة.
سمية لم تستطع أن تصدق ما كانت تسمعه. كانت تحاول جاهدة أن تظل هادئة، لكن الهمسات في أذنها عن الأهوال التي تحدث داخل المعقل بدأت تؤثر عليها، كانت فاطمة تروي لها قصصًا مفجعة عن سوء المعاملة التي يتعرض لها بعض نزلاء المفوضية ، وأنهم ، في بعض الأحيان ، يُجبرون على التوقيع على اعترافات كاذبة تحت التهديد والتعذيب ؛ وذكرتها مرة أخرى “أنتِ في مكان خطر ، هنا لا يُسمح لكِ بأن تكوني ضعيفة، فكلما أظهرتِ مشاعر هشة ، كلما زادوا في مضايقتكِ” أضافت فاطمة، بينما كانت تمسح دمعة صغيرة تكرجت على خدها. “نحن نتعرض للإهانات، والإجبار على الاعتراف بتهم لم نرتكبها ، هناك من يقبع في الزنزانة لشهور، أي مجرد رقم في قائمة الاتهام. لا أحد يعرف حتى كيف تم اعتقالهم. ، وقد وجب استحضار المأثورة / اللازمة (الداخل مفقود ، والخارج كأنه مولود ) ” .
سمية، التي كانت تسمع هذه الكلمات للمرة الأولى من شخص يعيش التجربة مباشرة، شعرت بذهول وارتباك ، لم يكن هذا هو المكان الذي كانت تتخيله حين تفكر في العدالة أو النظام ، فخلال تلك اللحظات التي أمضتها مع فاطمة، اكتشفت سمية أن المعاملة في المعتقل لا تقتصر على القسوة الجسدية فقط، بل تتعداها إلى القهر النفسي والتلاعب بالعقول ، “إنهم يحاولون كسرنا من الداخل. يرون فينا خصومًا يجب إخضاعهم بأي ثمن” قالت فاطمة بصوت منخفض لكنه عميق بلاغة ومؤثر وقعا .
سمية، التي كانت تحاول فهم كل ما يحدث، شعرت أن كل شيء حولها أصبح ضبابيًا. بينما كانت فاطمة تروي المزيد عن الوحشية التي تتعرض لها مثيلاتها من المعتقلات ، أدركت ، حينئذ ، سمية أن مصيرها قد يكون أكبر من مجرد إستدعاء ، وأن معركتها قد تكون أكبر مما كانت تتصور، وعلى الخصوص حين بدأ الضباط في التلويح بإخضاعها لطرحات التعنيف . بالرغم من انها حاولت أن تزعم بأنها على إستعداد لإنضاج وعيها بما يجري ؛ لكن بشكل مرتبك ومتردد ، وقد تملكتها آنذاك فكرة واضحة عن الواقع الذي كانت تعيش فيه فاطمة وزميلاتها المعتقلاتبأن حاولت الإستلهام منه ؛ صحيح أن الندم ساورها ، نادمة لكونها أخطأت في إصدار شيك بدون رصيد، ولكن الآن، ما يهم هو أنه عليها تجاوز الندم ولوم النفس ، فقد كان هناك شيء أكبر يلوح في الأفق: هل سيتعين عليها مواجهة هذه البيئة الذي تعتمد على القسوة والترهيب لتحقيق أهداف ” أمنية ” وبأي كيفية ؟ وهل ستظل قادرة على البقاء متماسكة في وجه هذا الانهيار المعنوي والنفسي؟.
قبل أن يُغلق باب الزنزانة خلف سمية، التفتت نحو فاطمة وقالت: “لكن كيف يمكننا أن نواجه كل هذا؟ كيف يمكننا النجاة؟”.
أجابتها فاطمة بصوت هادئ لكن حازم: “من خلال الصمود، من خلال إيماننا بأننا لن ننكسر، حتى وإن حاولوا كسرنا.”.
وبعد أن أنهت سمية بوحها الإسترجاعي ، لم تجد حماتها من قوله كتعقيب عن حكاية سمية سوى أن الإستدعاء مصيبة عظمى و فال شؤم ؛ فرغم حجمها الصغير ، فتلك الورقة الزرقاء فزاعة تدخل الرعب في قلوب الناس . بعدها تدخل زوج سمية وقال بنبرة الحقوقي العارف بأن تلك الورقة بمثابة إعلان رسمي عن وجود تهديد محتمل، حتى وإن كان التهديد غير واضح ، ولذلك كان الهدف من الاستدعاء: أن يشعر الناس بأنهم تحت الرقابة، وأنهم يمكن أن يُستدعوا في أي لحظة، وأنهم عرضة للاتهام وكل ما يترتب عن ذلك من وصم وإرهاب ومن مصير مجهول ! .
ففي كثير من مثل هذه السردية، نعاين ونتساءل كيف يمكن للمجتمع أن يبني صورًا وأحكامًا على مجرد استدعاء من السلطات، مما يزيد من التوتر النفسي والشخصي لكل لشخص مستدعى ، فسمية كحالة ونموذج ، لم تكن قد فعلت شيئًا مشينا و خاطئًا في العلاقة مع الشرف والمروءة ، ولكن الأقاويل والمخاوف جعلت حياتها أكثر تعقيدًا مما كانت عليه قبل تلك الورقة اللعينة المسماة “” استدعاء “” والتي يكون لها وقع خاص بالرهبة والفزع ، كلما تم ترديد العبارة كما يطلقونها عليها ؛ بصفة إعتيادية ، بالفرنسية وبلكنة مخزنية خشنة “” جاتها كونفوكاسيون من عند البوليس باش تحضر للكوميسارية “” ! .
(يتبع … الحلقة المقبلة : صدى الإستدعاء …وأوقاعه )
على مسؤوليتي
ذ.المنوزي: الدولة الرخوة و سيناريوهات ما بعد الوساطة

نشرت
منذ 20 ساعةفي
يوليو 27, 2025بواسطة
مصطفى المنوزي
قبل خمس سنوات، طرحتُ على صديق أكاديمي مخضرم في علم السياسة سؤالًا بدا حينها منطقيًا في سياق ما بعد دستور 2011 وما رافقه من ديناميات سياسية مشوبة بالحذر:
هل يمكن أن تستغني دولة العهد الجديد، أو ما أسميه اختزالًا بـ”الدولة المحمدية”، عن المجتمع المدني، خاصة بعد أن استنفدت العملية السياسية، في مناسباتها الرمزية الكبرى، كل ما في جعبتها من أدوات التعبئة والاستيعاب والتدجين؟.
كان جوابه صريحًا: “لا يُعقل، ولا يمكن، الاستغناء عن المجتمع المدني، وخصوصًا الفعاليات الحقوقية، لأنهم يشكّلون أحد آخر الجسور الرمزية بين الدولة والمجتمع، وأحد آخر خطوط الدفاع ضد التصدع الاجتماعي والمؤسساتي”.
لكن بعد مضي هذه السنوات الخمس، وما حملته من مؤشرات انكماش سياسي، وتقلص مجالات التعبير، واستفحال نزعة التحكم التقني في تدبير الشأن العام، بتنا لا نُعاين فقط استغناء الدولة عن المجتمع المدني، بل ما هو أعمق: استغناء الكل عن الكل.
فالدولة أغلقت أبواب الشراكة الفعلية ووسّعت نوافذ الاستشارة الشكلية. والمجتمع المدني، الذي كان يُعوّل عليه كرافعة للوساطة والاقتراح، صار إما مُراقبًا على الهامش، أو مروضًا داخل شبكات التمويل، أو منفيًا في صحراء اللامعنى. أما النخب الحقوقية، فقد أُنهكت بالاحتواء أو أُغرقت في التفاصيل، أو هجرت مساحات التأثير الفعلي نحو فضاءات رمزية، أكثر أمانًا وأقل جدوى.
في هذا السياق، لم نعد نعيش فقط أزمة فعل، بل نعيش انهيارًا صامتًا في معمار الشرعية الرمزية للدولة؛ فلا العملية السياسية تفرز تصورات قابلة للتفاوض المجتمعي، ولا المؤسسات الدستورية قادرة على التوسط بين الإرادة العامة والسلطة الفعلية.
وهكذا، بدأنا ننجرف تدريجيًا إلى ما يمكن تسميته بـ**”فوبيا ما بعد الدولة”**:
حيث تفقد الدولة صفتها كفاعل جامع وموحد ومؤطر،
وحيث تصبح السلطة مجرد تدبير فوقي للوقائع، بلا سردية جامعة ولا أفق مشترك،
وحيث تسود حالة من الفراغ الدستوري القاتل: فراغ في التمثيل، وفراغ في المبادرة، وفراغ في المشروعية المتجددة.
وفي المقابل، يزحف علينا من الجهة الأخرى شبح “فوبيا ما قبل الفوضى”:
حيث تتآكل الوساطات التقليدية (الأحزاب، النقابات، الجمعيات…)،
ويتوسع منسوب السخرية واللامبالاة،
وتتضاعف فجوات الثقة،
وتتحول الشعارات الكبرى إلى مجرد خلفيات باهتة على جدران مدينة تتآكل من داخلها.
كل هذا يحدث في ظل ملامح دولة رخوة:
رخوة لأنها تتردد بين الانغلاق والمراوغة،
رخوة لأنها تُفضل التحكم في المعلومة بدل مشاركتها،
رخوة لأنها تُعوّض التفاوض العمومي بالتوجيه العمودي،
رخوة لأنها تُدبّر الاستقرار بمنطق الخوف، لا بمنطق الثقة.
لكن الخطر لا يكمن فقط في هذا الفراغ، بل في تطبيعه، في جعل الانفصال بين الدولة والمجتمع أمرًا عاديًا، في ترسيخ فكرة أن التواصل الدستوري ترف، وأن الفعل المدني عبء، وأن التعددية لا لزوم لها.
هنا تُطرح الأسئلة الحرجة:
ما الحاجة إلى دستور لا ينبض بالحياة المؤسسية؟
ما جدوى مجتمع مدني منزوع المخالب ومقطوع الأفق؟
ما معنى السياسة إذا لم تكن مجالًا للفعل التشاركي والمساءلة المتبادلة؟
إن الإجابة لا تتعلق فقط بالإصلاح أو التقننة أو إعادة ترتيب الأولويات، بل بإعادة بناء السردية، بإحياء المعنى الغائب، وباسترجاع فكرة الدولة كفضاء للعيش المشترك لا كأداة لضبط الإيقاع.
نحن بحاجة إلى إعادة تأسيس الثقة العمومية عبر حوكمة المعنى، لا فقط تدبير الموارد، وإلى إحياء السياسة باعتبارها التقاءً بين الإرادة والذاكرة، بين الطموح والاعتراف، بين السلطة والمجتمع.
وإلا فإننا بالفعل سنكون أمام ما بعد الدولة، لا بوصفه تحوّلًا نظريًا، بل كواقع متسلل، يهدد البنيان من الداخل، ويمهد لنمط من التفكك الناعم الذي لا تُعلَن نهايته، بل يُعاش بصمت.
* مصطفى المنوزي
منسق دينامية ضمير الذاكرة وحوكمة السرديات الأمنية
على مسؤوليتي
لسنا في حاجة لأن نُثبت أننا أحياء، نبضًا ومواقف

نشرت
منذ 3 أيامفي
يوليو 25, 2025بواسطة
مصطفى المنوزي
الحياة ليست فقط ضربات قلب تُقاس، بل هي قدرة على الصمود وسط الزيف، وإرادة لمقاومة التآكل الداخلي أمام آلة الهدم الرمزية. نحن لا نُعرِّف ذواتنا بما يُمنَح لنا من اعتراف، ولا نقيس حضورنا بما يُسلّط علينا من أضواء زائفة. نحن نوجَد حين نرفض أن نُختزَل، ونحيا حين نُقاوم الانهيار، لا حين نُعلن عن أنفسنا بخطاب استجداء أو سجال إثبات. ففي زمن تُصادَر فيه المعاني، وتُختطف فيه السرديات، يصبح التمسك بالموقف شكلاً من أشكال الوجود.
ليس كل من يتكلم حيًّا، وليس كل من يصمت ميتًا. ففي أزمنة الهيمنة الناعمة، تُفرَض الرموز وتُصادَر الدلالات، ويُعاد تشكيل الوعي ليصير قابلاً للاستهلاك، لا للاعتراض. وهنا، تصبح المعركة في عمقها رمزية: بين من يُجبر على إعادة تدوير المعاني المفروضة، ومن يختار أن يبتكر لغته، وأن يروي ذاكرته، وأن يخطّ تاريخه بمداد التجربة لا بمداد السلطة.
نحن لسنا مجرّد ردود أفعال على منظومة تريدنا طيعين.
نحن حفَدةُ الانفلات من التصنيفات، وورثة الرفض الهادئ والمُعنّى. وفي كل مرة نحافظ فيها على موقف، أو نحمي فيها معنى من السقوط، نُعيد ترميم هويتنا، ونصدّ شبح الانهيار.
سؤالك مركّب وعميق:
“أمامنا جبهات العداء الجبرية وجُبَات الخصومات القدرية؛ فما هو الحل وما العمل؟”.
إنه استدعاءٌ فلسفي ـ سياسي لسؤال الإرادة في زمن يبدو فيه كل شيء مفروضًا: الخصومات مفروضة كأنها قدر، والعداوات قائمة كأنها قَدَرٌ لا يُردّ.
أمامنا جبهات العداء الجبرية، التي فُرضت علينا باسم التاريخ أو الجغرافيا، وجُبَات الخصومات القدرية التي صارت تُراثًا في اللاشعور الجمعي، لا بد من وقفة تتجاوز سؤال الاصطفاف نحو مساءلة أصل الاصطفاف نفسه.
ما العمل؟
ليس الحل في تأجيل الجبهات أو تزويق القدر، بل في تفكيك سرديات الجبر والقدر ذاتها: من الذي يحدد أن هذا خصم، أو أن ذاك عدو؟ من يربح من بقاء التوتر قائمًا؟ وهل نملك شجاعة صناعة “الاختلاف المفيد” بدل “العداوة المعلّبة”؟.
ما العمل؟
البدء من الذات.
تفكيك العقل الجَبري فينا، الذي يحوّلنا إلى أدوات في صراعات غيرنا، ويغرس فينا أوهام الحتمية والمظلومية بدون أفق.
العمل هو في إبداع أشكال جديدة من الفاعلية الأخلاقية والسياسية، التي لا تُختزل في الانفعال أو الانسحاب، بل تبني موقفًا نقديًا، يتجاوز منطق الثأر والتكرار، نحو منطق التحرير والتحويل.
ما العمل؟.
أن نروي الحكاية من جديد، ونكسر سطوة السردية التي تجعلنا دائمًا في موقع الضحية أو العدو أو التابع، ونعيد ترتيب الوقائع لا من باب النفي، بل من باب تحرير الذاكرة من الاستعمال السلطوي، وتحرير السياسة من شهوة الهيمنة.
* مصطفى المنوزي
على مسؤوليتي
مصطفى المانوزي: أقاوم حتى لا يتحول الشَطَط إلى استبداد

نشرت
منذ أسبوع واحدفي
يوليو 20, 2025بواسطة
مصطفى المنوزي
أعتذر عن النفس الشخصي الذي بمقتضاه أعيد صياغة نقدي الذاتي ؛ ففي ظلال حلول عيد ميلادي السادس والستين، لن أحتفي بالزمن بوصفه مجرد تقويم بيولوجي، بل كرصيد من التأمل النقدي في جدوى السيرورة، وعدالة المعنى، ومآلات الانتظار.
لقد بلغت سنًّا لا أبحث فيه عن جواب، بل أتحرى عمق السؤال. وأدركت أن “التعفن”، حين يستفحل في البنية الرمزية للنظام السياسي والاجتماعي، لا يقتل فقط الحياة، بل يعمّي البصيرة، ويُعدم التدرج الأخلاقي والمعرفي.
*الجملة المفتاحية: مرآة لسردية الانهيار الرمزي
“بسبب التعفن، يتساوى العَمَش مع العَمَى، كما يتحول الشطط إلى استبداد.”
ليست هذه مجرد استعارة. إنها بلاغة تحليلية تؤسس لسردية نقدية، تكشف كيف تُطمر الفروق الدقيقة في لحظة فساد المنظومات، وكيف يُعاد ترتيب الخطأ ليُغلف كضرورة، والانحراف ليُسوَّق كحكمة واقعية.
التأويل السيميائي: من الخلل النسبي إلى الانهيار الكلي.
1. العمش والعمى:
في زمن ما قبل التعفن، يمكن للتمييز بين النقص والبُعد أن يؤطر الفعل والنقد. أما بعده، فلا فرق بين من يرى غبشًا ومن فقد الرؤية كليًا، لأن النسق يُعيد تعريف الخلل بوصفه قاعدة.
2. الشطط والاستبداد:
حين يُترك الشطط بدون مقاومة أخلاقية أو مؤسساتية، يتجذر كعرف، ثم كشرعية، ثم كأداة للحكم. هكذا يولد الاستبداد من رحم التساهل مع الانحراف.
*السياق المغربي الراهن: من الرمزية إلى الواقعة
حين تُهدم معالم المدينة القديمة باسم التنمية،
وتُمحى الفوارق بين “المصلحة العامة” و”السطو على المجال”،
ويتحول النقد إلى جرم، والمشاركة إلى تهديد،
نكون أمام لحظة بلاغية/واقعية يتساوى فيها العَمَش بالعمى، ويتحول الشَطَط إلى استبداد.
إنه زمن سيولة المفاهيم، وتدجين الإرادة، وتعويم الانحراف.
بل زمن “إنتاج الشرعية من ركام الاستثناء”، حيث لا يبقى للشعب سوى أن “يرى ولا يرى”، أن “يُشارك دون أن يُحسب”، وأن “يُقرر ضمن شروط لا تسمح بالقرار”.
في الحاجة إلى سردية بديلة: من التشخيص إلى التأسيس
ما العمل إذن؟
إعادة تفكيك اللغة السائدة، وتحرير المعنى من تواطؤاته الرمزية.
الدفاع عن التمييز الضروري بين النقص والكارثة، بين التجاوز والخيانة، بين السلطة والمشروعية.
الانطلاق من ذاكرة النقد نحو أفق العدالة التوقعية، ليس بوصفها جبرًا للماضي، بل كــتحصين مستقبلي من تكرار الخراب.
* خاتمة في عيد الميلاد
عند ستة وستين عامًا، لا أملك ترف التفاؤل الساذج، ولا ترف التشاؤم العبثي.
لكني ما زلت أومن أن التفكير النقدي التوقعي ليس ترفًا فكريًا، بل فعل مقاومة ضد التعفن، وضد ذلك الانزلاق الذي يُسوّي العمش بالعمى، ويُجمّل الاستبداد بطلاء الشرعية.
ولذلك سأواصل المقاومة حتى لا يستفحل التعسف تحكمه وإستبدادا !
* مصطفى المنوزي
منسق ضمير الذاكرة وحوكمة السرديات الأمنية

تنظيمات نقابية ترفض مشروع إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة

الخبير جمال العلمي يكشف أسرار ” صومعة المكانة” La Tour de l’Horloge

ذ.المنوزي: الدولة الرخوة و سيناريوهات ما بعد الوساطة

طنجة.. إجهاض محاولة تهريب 4 أطنان من مخدر الشيرا على متن شاحنة للنقل الدولي

خورخي فيلدا: اللقب ضاع منا بسبب تفاصيل صغيرة

أمم إفريقيا للسيدات: نيجيريا تقلب الطاولة على المغرب وتحرز اللقب للمرة العاشرة

بدء دخول قوافل مساعدات إلى قطاع غزة عبر معبر رفح

جنود إسرائيليون يحتجزون السفينة “حنظلة” المتجهة إلى غزة

طقس حار مع قطرات مطرية متوقع اليوم الأحد

إنفانتينو.. مقر “الفيفا” بالرباط هو مكتب عالمي سيستفيد منه الجميع

لمجرد يشعل حماس جمهوره بإعلان غنائي جديد “الصورة”

الرجاء في طريقه للتعاقد مع الشرايبي بعد اجتيازه فترة اختبار في معسكر أكادير

مصر.. التحقيق مع أستاذة جامعية بعد فتوى “إباحة الحشيش”

تصفيات المونديال.. غينيا تستضيف الجزائر في المغرب

أمن لفنيدق يوقف 156 مرشحًا للهجرة السرية بينهم جزائريون وقاصرون

وفاة الفنان اللبناني زياد الرحباني

فيفا” يفتتح أول مكتب له في شمال إفريقيا بالرباط

ودائع البنوك تتجاوز 1.2 تريليون درهم في 2024 بدعم من التسوية الجبائية

تحذير من موجة حر بدءا من الأحد إلى الثلاثاء

انتخاب رئيس جامعة ابن طفيل نائبا أول لرئيس اتحاد الجامعات الافريقية

الخبير جمال العلمي يكشف أسرار ” صومعة المكانة” La Tour de l’Horloge

مصطفى المانوزي: أقاوم حتى لا يتحول الشَطَط إلى استبداد

وفاة رئيس نيجيريا السابق محمد بخاري عن 82 عاما

الرجاء ينهي علاقته مع “1XBET” ويتجه نحو شريك تجاري جديد

كاس أفريقيا سيدات: هذا موعد مواجهة المنتخبين المغربي و المالي

برادة: مشروع تنظيم المجلس الوطني للصحافة غير دستوري

حزب جاكوب زوما الجنوب إفريقي يعلن دعمه لمغربية الصحراء

ذ.المنوزي: الدولة الرخوة و سيناريوهات ما بعد الوساطة

أخنوش: أزيد من 4 ملايين أسرة استفادت من نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض

جنود إسرائيليون يحتجزون السفينة “حنظلة” المتجهة إلى غزة

طنجة.. إجهاض محاولة تهريب 4 أطنان من مخدر الشيرا على متن شاحنة للنقل الدولي

ريال مدريد يستعد لافتتاح مطعمين في طنجة والدار البيضاء

فينيسيوس يتوصل إلى اتفاق مبدئي مع ريال مدريد لتمديد عقده حتى 2030

سعيد الكحل..بنكيران الخارج من كهوف التخلف والدّال عليها

أنغام ترد على شائعة “المرض الخطير” بصورة من المستشفى

شواطئ المملكة على موعد مع نسخة جديدة من مهرجان الشواطئ

موجة حر من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المغرب

برنامج الأغذية العالمي: نحو ثلث سكان غزة “لا يأكلون لأيام

تنظيمات نقابية ترفض مشروع إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة

انتخاب رئيس جامعة ابن طفيل نائبا أول لرئيس اتحاد الجامعات الافريقية

الخبير جمال العلمي يكشف أسرار ” صومعة المكانة” La Tour de l’Horloge

“الدوري الأول للراحلة حليمة مرجان”..الرياضة في خدمة العمل الخيري

الرباط تكرّم الراحل يونس رودياس أحد رموز كرة السلة بنادي الفتح الرياضي

الوداد الرياضي يحتفل بذكراه الـ88.. ليلة وفاء وتكريم لأساطير الأحمر

المغرب يدخل عصر العلاج الثوري لسرطان البروستاتا بتقنية HIFU

في حفل تأبيني مؤثر.. سبور بلازا يكرم روح الراحل كمال لشتاف

نادي “النور اولاد صالح” ينظم الدوري السنوي للكرة الحديدية

تفاصيل مؤامرة الجنرال أوفقير على رفاقه في الجيش وعلى الحسن الثاني

محمد لومة يحكي عن أخطر جرائم أوفقير في حق الوطن والشعب

للمرة الثانية الرباط تحتضن التجمع التدريبي الافريقي BAL في كرة السلة

هكذا اقتطعت الجزائر أجزاء من التراب المغربي و التونسي بدعم من فرنسا ( فيديو)

بالفيديو..تفاصيل محاولة اغتيال الحسن الثاني سنة 1972

1981: مقترح “الاستفتاء” حول الصحراء..عندما قال عبد الرحيم بوعبيد “لا” للحسن الثاني

محمد لومة يكشف مراحل الصراع بين الحسن الثاني و عبد الرحيم بوعبيد (الجزء الأول)

تفاصيل تحكى لأول مرة عن اغتيال الشهيد عمر بن حلون (الحلقة الثانية)

و شهد شاهد من أهلها..حقائق تكشف لأول مرة عن اغتيال الشهيد عمر بن جلون

حورية أجدور..صوت مجدد صاعد في سماء الأغنية الأمازيغية “فيديو “

تهلاو فالصحيحة :الدكتور عماد ..هذه هي الفوائد الصحية للجبن” فيديو”

“ذاكرة ليست للنسيان” 4/4 بسبب نزعته الانتقامية، ادريس البصري يحتفظ ب 12 تلميذا داخل معتقل ” درب مولاي الشريف” لمدة ثلاث سنوات دون محاكمة.

تعرفو على فوائد الخل الطبيعي على صحة الجسم والبشرة مع الدكتور عماد ميزاب

الاكثر مشاهدة
-
الجديد TV منذ 19 ساعة
الخبير جمال العلمي يكشف أسرار ” صومعة المكانة” La Tour de l’Horloge
-
على مسؤوليتي منذ 20 ساعة
ذ.المنوزي: الدولة الرخوة و سيناريوهات ما بعد الوساطة
-
دولي منذ يوم واحد
جنود إسرائيليون يحتجزون السفينة “حنظلة” المتجهة إلى غزة
-
مجتمع منذ 22 ساعة
طنجة.. إجهاض محاولة تهريب 4 أطنان من مخدر الشيرا على متن شاحنة للنقل الدولي
-
منوعات منذ 3 أيام
أنغام ترد على شائعة “المرض الخطير” بصورة من المستشفى
-
سياسة منذ 16 ساعة
تنظيمات نقابية ترفض مشروع إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة
-
دولي منذ 3 أيام
برنامج الأغذية العالمي: نحو ثلث سكان غزة “لا يأكلون لأيام
-
واجهة منذ يومين
انتخاب رئيس جامعة ابن طفيل نائبا أول لرئيس اتحاد الجامعات الافريقية