بينما ينصب تركيز العالم على الأزمة المشتعلة حاليا بين روسيا وأوكرانيا، تجد الصين في ذلك ما يحقق مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية من خلال انصراف الانتباه عن طموحاتها الإقليمية من ناحية، ومن ناحية أخرى الاستفادة اقتصاديا من عزلة روسيا بشكل أو آخر.
و في هذا الصدد، قال الباحث والمحلل جاجاناث باندا ، الرئيس القادم لمركز ستوكهولم لشؤون جنوب آسيا والمحيطين الهندي والهادئ في معهد سياسات الأمن والتنمية بالسويد، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست إن غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “غير المبرر” وغير المعقول لأوكرانيا أو ما يسمى بـ “العملية العسكرية الخاصة”سلط الضوء على الجوانب الإشكالية للغاية للسياسة الدولية اليوم.
ويضيف باندا، و هو أيضا مدير التعاون البحثي بين أوروبا وآسيا في مجلس يوكوسوكا لدراسات آسيا والمحيط الهادئ، أن الحرب على أوكرانيا كشفت مرة أخرى عن عدم فعالية الآليات العالمية مثل الأمم المتحدة، حيث تستطيع روسيا أن تمضي قدما في الحرب بمجرد استخدام صوتها.
ويقول باندا، إن صمت الصين “المخيف” يسلط الضوء على مناورة الرئيس شي جين بينج الاستراتيجية، التي طال أمدها في لعبة القوة المهيمنة التي يلعبها ضد الولايات المتحدة، فضلا عن طموحاته في تعزيز وجوده في أوراسيا.
فبعد أيام من الغزو الروسي، أدلى الممثل الدائم للصين لدى الأمم المتحدة، تشانج جون، ببيان أكد فيه مجددا حياد الصين، مشددا على ضبط النفس، واستخدام الدبلوماسية من خلال دعم كل من “الجانب الأوروبي وروسيا في إجراء حوار متساو حول قضايا الأمن الأوروبي، والتمسك بمبدأ الأمن غير القابل للتجزئة”. ويقول باندا إن تجنب الصين للمخاوف الحالية بشأن أوكرانيا من خلال الربط بين الصراع والقضية الأوسع نطاقا لآلية الأمن الأوروبية يسلط الضوء على لعبة شي الطويلة في أوروبا والجوار الصيني في آسيا.
وتهدف بكين إلى تعزيز وجودها الاستراتيجي بشكل منهجي في أوراسيا، لا سيما في أوروبا. ولهذا فإن الصين لا تميل إلى التضحية بعلاقاتها مع أوكرانيا بالكامل، ليس فقط لأن الأخيرة شريك تجاري رئيسي بحجم بلغ 4ر15 مليار دولار في عام 2020، بل وأيضا احتراما للدول الأوروبية الرئيسية المتعاطفة مع أوكرانيا. ومن ثم، اختارت مسارا مبتكرا إلى حد ما لتغطية صمتها التكتيكي العلني بشأن الغزو الروسي من خلال التحدث علنا عن القضايا الأوسع المتصلة بالأمن الأوروبي، وأيضا التأكيد مجددا على معارضتها طويلة الأمد لحلف شمال الأطلسي ( الناتو)، وهي من مخلفات الحرب الباردة التي تحتاج إلى “التكيف مع الظروف المتغيرة”، و”تمدد حلف شمال الأطلسي شرقا”.
ويضيف باندا إن الصين سوف تستغل عزلة روسيا لمصلحتها من خلال تعزيز علاقاتها الوثيقة بالفعل مع روسيا وإظهار نفسها كشريك اقتصادي واستراتيجي موثوق به لأوروبا.
ومن الناحية الاستراتيجية، من المحتمل أن تناسب الأزمة في أوروبا مع روسيا القيادة الصينية. وفي خضم التركيز الغربي المتزايد على تايوان، تسمح الأزمة في أوكرانيا بإعادة توجيه التركيز العالمي، الأمر الذي يسمح للصين بفسحة أكبر للتخطيط لطموحاتها الخاصة في مجال التوحيد.
وعلاوة على ذلك، رفضت بكين المقارنات بين تايوان وأوكرانيا، مشيرة إلى أنها تعكس “عدم معرفة تاريخ قضية تايوان” وكررت أن “أوكرانيا بالتأكيد ليست تايوان”، التي هي “جزء غير قابل للتصرف من أراضي الصين”.
المصدر: وكالات