Connect with us

على مسؤوليتي

سعيد الكحل.. اللجوء السياسي غاية النضال الابتزازي

نشرت

في

خلال سنوات الرصاص اضطر كثير من المعارضين، بمن فيهم القيادات مثل بنسعيد أيت يدر، عبد الرحمن اليوسفي، الفقيه البصري، امبارك بودرقة وغيرهم، إلى “المنفى” فرارا من القمع والملاحقة بسبب أنشطتهم السياسية.

ورغم ما تتيحه لهم وضعية “لاجي سياسي” من امتيازات أقلها حمل جواز سفر يسمح بالدخول إلى مختلف البلدان باستثناء بلده الأصلي، ظل المناضلون المنفيون متشبثين بحق العودة إلى وطنهم والمساهمة إلى جانب مواطنيهم في بناء وطن قوي يتسع لجميع أبنائه. ففي مذكراته “بوح الذاكرة وإشهاد الوثيقة” باح المناضل امبارك بودرقة، وهو أحد قادة ثورة 1973 المسلحة، بحنينه الجارف وشوقه الكبير إلى العودة للوطن: “لم يكن تأجيل عودتي أكثر من مرة لما يناهز ست سنوات، أي منذ التزامي مع السرفاتي سنة 1995 ليعني أنني كنت مستغنيا عنها، مُعْرضا عن فكرة معانقة أرض الوطن. فالعكس تماما ما كنت أعيشه وجدانيا وإنسانيا، إذ كنت أتحرق شوقا لليوم الذي سيصبح فيه ذلك الحلم المؤجل حقيقة معاشة”. كذلك كان حال كل المنفيين.

بات ليلة في الدباغ أصبح ﯕربة.
بخلاف الأجيال السباقة من المناضلين الذين كانوا يصدرون عن قناعات فكرية رصينة وخلفيات إيديولوجية واضحة ورؤى سياسية شاملة وبرامج نضالية، يغلب فيها الاستعداد للتضحية وتنتفي منها الميول الانتهازية، طفت على مواقع التواصل الاجتماعي، عينة من مدّعي النضال تآلفت قلوبهم على معاداة الوطن والحقد على النظام. لغتهم السباب والقدف، وأسلوبهم التشهير والافتراء والنهش في الأعراض بعيدا عن كل تحليل رصين.

وغاياتهم شتى، فمن مرتزقة عملاء يخدمون أجندة أعداء الوطن، لا يقولون إلا ما يملى عليهم إرضاء لأولياء نعمتهم، ومنهم شحاتون يتسولون المشاهدات لرفع مداخيلهم على حساب الوطنية والأخلاق والمروءة، وآخرون يئسوا من ابتزاز الدولة وفشلوا في لي أذرعها فلم يبق لهم سوى التنطع والنقيق، غايتهم من ذلك استفزاز الدولة بما استطاعوا من نقيق ونهيق عساهم يستفيدوا من “المنفى” ومن وضعية “لاجي سياسي”، فيصدق فيهم المثل الشعبي “بات ليلة في الـﯕلتة أصبح ابن عم جْران”.

اليوتيوب كالمسدس يساوي بين الشجاع والجبان.
من الأعراض الجانبية لليوتيوب ظهور طفيليات لا لون لها ولا طعم، لم تألف وجودَها الساحات النضالية، ولا شهدت على انخراطها المعاركُ النقابية أو السياسية. كل رصيدها قاموس السباب وقيم الانحطاط ووقاحة الخطاب، فركبت موجة التفاهة والسفالة متوهمة أنها بامتلاكها “حاسوب ويوتيوب” ستقلب النظام وستحكُم الأنام. وصدق صمويل كولت، لما اخترع المسدس قال: “الآن يتساوى الشجاع والجبان”. فكذلك هو الحال اليوم مع اليوتيوب الذي يساوي بين العلماء والعملاء، بين المناضلين والمرتزقة، بين الوطنيين والخائنين.

إن المناضل الحقيقي كالمقاوم الصادق يظل وفيا للوطن وللشعب مهما كلفه نضاله من تضحيات، ذلك أن حبهما يجري في عروقه مجرى الدم. أما المرتزق فلا يحتاج عداؤه للوطن وحقده عليه دليل إثبات. إذ يكفي فرحه لهزة أرضية ضربت بلاده، أو استبشاره بكارثة طبيعية أو أزمة دبلوماسية، أو ابتهاجه لهزيمه منتخب بلاده للتمييز بينه وبين المواطن سليم الطوية الذي يفرح لفرح شعبه ويحزن لحزنه ويتألم لآلام مواطنيه.

فرق كبير بين مناضلين أخلصوا في حبهم لوطنهم وتفانوا في التضحية من أجله، فلم تغرهم الحياة في “المنفى” ولا طاب عيشهم في الغربة، فناضلوا من أجل الرجوع إلى وطنهم الذي لم يساوموا عليه، وبين أدعياء النضال الذين يتفاخرون بامتلاكهم جوازات سفر أجنبية، بل منهم من أحرق أوراق هويته المغربية. فعن أي نضال ينعق الناعقون ولم يراعوا في الوطن ومؤسساته إلاًّ ولا ذمة؟ .

من اتخذ الغراب دليله قاده إلى الجِيَف.
أثبتت الأحداث التي شهدتها دول “الخريف العربي” أن نفق المشاريع السياسية التخريبية الذي أُجبِرت على دخوله مسدود ودون مخارج تحفظ للشعوب كرامتها وتضمن للمواطنين الحقوق والحريات. فأي مشروع سياسي يحمله المرتزقة والعملاء؟ وأي نموذج ديمقراطي ستؤسسه جماعة العدل والإحسان بفرض نظام الخلافة الموغل في الوحشية والاستبداد بقطع الأطراف وسمل العيون ورمي المعارضين في الصحراء ليموتوا عطشا؟ ومتى كانت الدكتاتورية البروليتارية لليسار المتطرف تؤسس للحريات وتضمن الحقوق وتؤمن بقيم الاختلاف؟ إنهما وجهان للاستبداد الدموي.

إن الأنظمة التي فرضتها “الثورات” على الشعوب العربية والإسلامية (العراق، سوريا، اليمن، إيران، تونس، ليبيا، السودان..) لم تشهد الشعوب مثيلا لها في البطش والقهر والاستبداد. لهذا لن يقبل المغاربة تغيير نظام تصدّر دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط في تصنيف الديمقراطية لعام 2024، وفق تقرير صادر عن وحدة الأبحاث الاقتصادية التابعة “لمجموعة إيكونيميست” البريطانية، بأنظمة تحكمها عصابات دينية متطرفة أو دكتاتوريات حولت الأوطان إلى سجون وألقت بكل المعارضين خلف القضبان.

يا أدعياء النضال خذوا الدروس من أبناء المغرب في المهجر الذين اختاروا اللعب بقميص الفريق الوطني رغم كل الإغراءات التي قُدمت لهم من دول الإقامة والمولد. فمعاول الهدم لا تبني الأوطان ولكن تبنيها السواعد القوية والخبرات الغنية والإرادات الخيرة. فالوطن، مهما كانت المآخذ يظل الحضن الجامع.

بلادي وإن جارت على عزيزة .. وأهلي وإن ضنوا علي كرام.

إعلان
انقر للتعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

على مسؤوليتي

سعيد الكحل: هرطقات بنكيران وهلوساته المَرَضية

نشرت

في

بواسطة

ولاءُ نِفاق وتقيّة.

نشر موقع البيجيدي فيديو لأمينه العام، بنكيران، وهو يترأس اجتماعا للأمانة العامة يوم 13 شتنبر 2025، ظاهره تحذير القادة العرب من ثورة شعوبهم ضدهم، وباطنه تهديد مباشر منه لجلالة الملك بفسخ عقد البيعة. فقد تجاسر بنكيران على توجيه خطاب تهديدي نيابة عن الشعب، مفاده إما قطع العلاقات مع إسرائيل أو زوال المُلْك “حنا مهدَّدين كمواطنين ولكن أنتم مهددين في عروشكم. إذا الشعوب ما بقاتش تشعر بلّي الحكام سيحمونها سينحلّ الميثاق وستبحث الشعوب عن حل آخر”. وهو نفس الخطاب الذي روّجه البيجيديون وعدلاوة ومتطرفو اليسار خلال وقفاتهم الاحتجاجية ضد الحرب على غزة. وهنا وجب تذكير بنكيران بالأمور التالية:

1 ـ إنه لا يمثل الشعب المغربي وليس ناطقا باسم الهيئات الحزبية والنقابية والمهنية والمدنية والأمنية والعسكرية الذين بايعوا جلالة الملك عند توليه الحكم بعد وفاة الملك الراحل الحسن الثاني. فلا جهة ولا أحد سمح له أو تشاور معه أو وكّله لمهمة البت في عقد البيعة. وهذا تطفّل وتجاوز للدستور والقانون والدين.

2 ـ إن علاقة الشعب بالملك في المغرب لا تخضع للمزايدات السياسوية ولا للابتزاز؛ ومن ثم لا يحق لأي كان أن يتدخل فيها. وقد حاول الاستعمار الفرنسي ذلك ففشل فشلا ذريعا.

3 ـ إن تجذر الملكية في وجدان الشعب المغربي عبر قرون حقيقة ثابتة لا تحتاج لبنكيران أو غيره أن يفتي فيها أو يستغلها لحساباته السياسوية. ويوم قرر المغاربة اتخاذ الملكية نظاما للحكم دون غيره، إنما فعلوا عن وعي وقناعة بصلاحيته لهم لتدبير شؤونهم الدينية والدنيوية.

4 ـ إن بنكيران كان ينتظر الفرصة التي تسمح له بالتهديد بالتحلل من الولاء للملك بصفته ولي الأمر، وبفسخ البيعة للملك بصفته أمير المؤمنين. لم يكن يجرؤ على هذا الابتزاز، من قبل سنة 2011، حين كان حزبه يحقق مكاسب انتخابية على مستوى الأصوات والمقاعد البرلمانية. إذ كان يدرك جيدا أن إبعاد الحزب عن المشاركة في الانتخابات ستعدمه سياسيا.

5 ـ إن ولاء بنكيران وحزبه وجماعته لم يكن يوما ولاء صدق وقناعة، بل نفاقا وتقية. والأمر لا يحتاج كبير عناء لإثباته والتأكد منه؛ إذ تكفي إطلالة سريعة على أدبيات التنظيمين وارتباطاتهما الإيديولوجية مع التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، للتأكد من أن الولاء الحقيقي للتنظيمين ليس للوطن ولا للملك، وإنما للمرشد العام للجماعة الذي يأمر فيطاع، ويوجِّه فينفَّذ. وخير مثال هنا هو الرسالة التي وجهها مرشد الإخوان بمصر، مصطفى مشهور، سنة 1996، لإسلاميي المغرب، وفي مقدمتهم حركة التوحيد والإصلاح، يحدد لهم الخطط التكتيكية والإستراتيجية التي التزموا، بتنفيذها وفق ما تستوجبه عقيدة الولاء والطاعة داخل التنظيم. ولا أدل على هذا، إفتاء أحمد الريسوني، في ماي 2003، يوم كان رئيسا لحركة التوحيد والإصلاح، بعدم أهلية جلالة الملك لإمارة المؤمنين ودعوته لإسنادها لغيره. وبنكيران لم يخرج عن نهج الريسوني في تهديده، اليوم، بفسخ عقد البيعة للملك والانقلاب عليه إذا لم يستجب لأوامر الخوانجية بإلغاء “التطبيع” الذي وقّعه أمينهم العام، وقطْع كل العلاقات الاقتصادية والعسكرية والعلمية والتجارية مع إسرائيل ضدا على المصالح العليا للوطن. ولا غرابة في الأمر ما دام الخوانجية لا يجعلون الوطن ومصالحه العليا ضمن أولوياتهم. وهذا أقوى دليل على أن الولاء للجماعة ينفي الولاء للوطن.

جبْنَا القْرَعْ يْوَنّسْنا عرّى راسو وهَوّسْنا.

يتوهّم بنكيران أن تهديده للحكام العرب سيُخلّف صدى في المغرب، حسب المثل (إياك أعني واسمعي يا جارة). لقد انتهت مدة صلاحية بنكيران كما تنتهي صلاحية المواد الاستهلاكية. إلا أن هوسه بكرسي السلطة أعماه عن استيعاب إشارة البلوكاج بانتهاء صلاحيته السياسية. وكما فقَدَ الصلاحية فقدَ معها المروءة وصار يتوهم أنه من أصحاب “الشَّان والمرْشَان”. إذ من الخسة والوضاعة أن يخاطب القادة العرب بما يسيء إلى مسؤولياتهم الدستورية ويطعن في وطنيتهم بقوله: “أول ما يجمعنا وحكامنا عقد فيه أنهم يلتزمون بواجب حمايتنا. دابا حنا مكنشعروش بنفوسنا محميين”. بل تمادى في خسته وحقارته ليَتّهم الملك، بصفته القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، بعجزه عن حماية البيجيديين ومقرهم ضد القصف الإسرائيلي: ” دابا حنا مكنشعروش بنفوسنا محميين. أنا ما تنشوف حتى مانع أن هاذ القاعة هذي أن تقصفها إسرائيل. أنا شخصيا جد جدّ متشائم “. وهذا تطاول خطير على أمير المؤمنين ورئيس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية الغرض منه ضرب الُّلحمة الوطنية بين الشعب والمؤسسة الملكية.

إن بنكيران، بمثل هذه الهرطقات و “التْبَوْحِيط” يتوهّم أنه سيبتز الدولة ويجعلها تراضيه مقابل سكوته. فهو يثبت من جديد أن تعيينه رئيسا للحكومة كان بمثابة “شمْتة” لن تتكرر أبدا (قال له شْمَتّك، قال له عرفتك). وحال بنكيران اليوم يصدق عليه المثل الشعبي “جبْنَا القْرَعْ يْوَنّسْنا عرّى راسو وهَوّسْنا”.

أكمل القراءة

على مسؤوليتي

سعيد الكحل: العدميون لا يعجبهم العجب ولا الصوم في رجب

نشرت

في

لم تستوعب فئة من العدميين أعداء النجاح، لحظة افتتاح الجوهرة الرياضية، ملعب الأمير مولاي عبد الله بالرباط. لقد غاظتهم سرعة الإنجاز بأيادي وخبرات مغربية محضة، وكذا دقة الإنجاز التي جعلت المنشأة الرياضية تضاهي كبريات الملاعب الرياضية في العالم.

كعادة العدميين توقعوا تعثر الإنجاز وعدم وفاء المقاولات بتاريخ تسليم الملعب، أو ظهور عيوب في البناء أو الإنارة أو في الجوانب الهيكلية أو التقنية للملعب. لقد خاب انتظارهم للحظة الشماتة حتى يجلدوا كل المسؤولين، ويمارسوا هواية نصب المشانق وسحل أعضاء الحكومة؛ ولما لم يجدوا ما يغذي شماتتهم أو يفجرها، انقلبوا نائحين، في مسعى خسيس لتحويل لحظة الفرح بالإنجاز إلى لحظة نعيق وعويل كما تفعل النائحات في المآتم.

فجأة تذكّر العدميون ضحايا زلزال الحوز وساكنة المغرب العميق، فسارعوا إلى النبش في تقارير المندوبية السامية للتخطيط بحثا عن إحصائيات تخص نسبة البطالة والفقر. لم يكن غرضهم معالجة المشاكل الاجتماعية، بقدر ما كان سعيهم الخبيث إفساد لحظات الفرحة التي فجّرها افتتاح الملعب. إنهم غربان الشؤم يكرهون الفرح ويحاربون النجاح.

كلّ يرى بعيْن طبْعِه.
اعتاد العدميون على تبخيس كل ما هو إيجابي، سواء مكاسب سياسية أو اختراقات دبلوماسية أو إنجازات هيكلية أو مشروعات اقتصادية أو بنيات رياضية أو برامج اجتماعية. فالعدمية قبل أن تكون حقدا إيديولوجيا يوجِّه معتنقيه إلى تبخيس جهود الدولة بخلفية المناهضة/المعاداة لا الانتقاد، فهي طبْع مجبول عليه الشخص العدمي، به يرى ما حوله. وصدق الشاعر إيليا أبو ماضي لما نصح هذه العيّنة من البشر: “كن جميلا ترى الوجود جميلا”

والذي نفسه بغير جمال
لا يرى في الوجود شيئا جميلا

إن طبع العدميين يجعل حالهم كحال من تعمى عيناه عن جمال الورود فلا يرى غير الأشواك المحيطة بها:

وترى الشّوك في الورود، وتعمى
أن ترى فوقها النّدى إكليلا

ومن تناقضات العدميين أنهم استكثروا على المغرب، أن يكون له قصب السبق في إنجاز مشروع القطار فائق السرعة “البراق”، أو يبني موانئ تنافس الموانئ العالمية في التجارة واللوجستيك والصناعة والخدمات، أو يشرع في إنجاز محطات الطاقة الشمسية. حجتهم في معارضة المشاريع الكبرى هي أن هناك أولويات تتعلق بالفقر والبطالة والصحة؛ وهذا حق يراد به باطل. لكن حين شرعت الحكومة في تنفيذ برنامج الدعم الاجتماعي المباشر إلى جانب نظام التأمين الإجباري عن المرض (AMO) كجزء من مشروع تعميم الحماية الاجتماعية، خرج العدميون منتقدين الحكومة، تارة بحجة أن الدعم المباشر يشجع على الكسل والاتكال على الدولة بدل العمل، وتارة أخرى أن أموال الدعم أحرى أن تُوجَّه إلى خلق فرص العمل وتشجيع الاستثمار مرددين المثل الصيني (لا تعطني سمكة ولك علمني كيف أصطاد السمك)؛ وفي أخرى يتهمون الحكومة بأنها ستوظف الدعم الاجتماعي لتحقيق مكاسب انتخابية.

لا شك أن العدميين يتجاهلون الحقائق والمعطيات التالية:
1 ـ إن عدد الأسر المستفيدة من نظام الدعم الاجتماعي المباشر عند متم شهر يونيو من سنة 2025 قارب 4 ملايين أسرة (تم قبول 98,4 في المائة من ملفات طلبات الاستفادة من الدعم الاجتماعي المباشر وفق تصريح الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع أمام البرلمان في يوليوز 2025). وهذا دليل على كون الدولة لم تترك الأسر المعوزة لمواجهة مصيرها، وإنما تبذل جهودها لتوفير الدعم لها، ولتزويد السوق المغربية بكل ما يحتاجه المواطنون ويعفيهم من الانتظام في طوابير طويلة أو من بطاقات التموين المذِلّة للكرامة. طبعا مبلغ الدعم ليس كافيا لكنه يحفظ ماء وجهها ويغنيها عن مد اليد.

2 ـ إن تكلفة الدعم الاجتماعي كلّف خزينة الدولة 37.7 مليار درهم سنة 2025. وهذا مبلغ مالي جد مهم كافي لتشييد على الأقل تسعة ملاعب من مستوى ملعب الأمير مولاي عبد الله. لكن الدولة استطاعت المزاوجة بين الدعم الاجتماعي وبناء الملاعب الرياضية بمعايير دولية، بالإضافة إلى تشييد مراكز استشفائية كبرى بعدد من المدن (الرباط، طنجة، أغادير، العيون وغيرها). طبعا العدد غير كاف لتوفير الخدمات الصحية للمواطنين ذوي الدخل المحدود. وبدل أن يكون ما تم تحقيقه مصدر فخر واعتزاز للعدميين، صار مبعث حقد وعداء للدولة ولكل المنجزات على اختلاف مستوياتها وتكاليفها.

3 ـ إن تكلفة تأهيل ملعب الأمير مولاي عيد الله، وفق ما جاء به مشروع قانون المالية لسنة 2023، حددت في 40 مليار سنتيم. أما تكلفة بناء ملعب بنسليمان، الذي يعد أحد أكبر الملاعب في العالم، فستكلف 5 مليارات درهم مغربي (500 مليون دولار).

كان من المفروض في العدميين أن يسائلوا أنفسهم بحس وطني صادق، ولكن هيهات أن يكون لهم هذا الحس ونفوسهم مرجل حقد وعداء لا ينطفئ، كيف للدولة المغربية، ذات الموارد المالية المحدودة، أن تنخرط في برامج اجتماعية رائدة وفي مشاريع تنموية واقتصادية طموحة رغم ظروف الجفاف وحرب الاستنزاف المفروضة عليها من طرف النظام الجزائري على مدى نصف قرن؟

4 ـ إن تطوير البنيات الرياضية وتأهيلها لا ينفصل عن تطوير وسائل المواصلات وتشييد الموانئ والسكك الحديدية والطرق السيارة. فجميع هذه المشروعات والمنشآت تساهم مباشرة في التنمية المستدامة وخلق فرص الاستثمار والشغل. إن الملاعب الرياضية ليست ترفا ولا مضيعة للمال العام؛ ذلك أن مردودها الاقتصادي والاجتماعي والنفسي والتربوي لا يقل أهمية عن المشروعات الاقتصادية والإنتاجية. وأنصح العدميين بالرجوع إلى نتائج مشاورة الكومنولث في عام 2015، مع مجموعة من خبراء الرياضة والتنمية لتقييم أفضل طريقة لاستخدام الرياضة للمساهمة في أهداف التنمية المستدامة. وتم نشر النتائج في منشور للكومنويلث بعنوان” الرياضة من أجل التنمية والسلام وخطة التنمية المستدامة لعام 2030 “، وكذا منشور آخر بعنوان ” تعزيز مساهمة الرياضة في أهداف التنمية المستدامة”. بالمناسبة، تشير التقديرات إلى أن الخمول البدني الذي تلعب الرياضة بكل أنواعها دورا مباشرا في محاربته، سيكلف الهند 7.5 مليار دولار أمريكي والمملكة المتحدة 26 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030 إذا لم يتم اتخاذ التدابير المناسبة.

5 ـ إن محاربة الفقر وبناء المستشفيات ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة وتوسيع شبكة الطرق والمواصلات وخلق فرص الشغل يحتاج إلى موارد مالية مهمة عبر تنويع الاستثمارات، ومنها الاستثمار في الرياضة التي تمثل القوة الناعمة التي جعلت المغرب، منذ مونديال قطر الذي أبهر فيه الفريق الوطني لكرة القدم كل العالم، الوجهة السياحة الأولى في إفريقيا (بلغت مداخيل السياحة لسنة 2024 أكثر من 110 مليارات درهم (ما يقرب من 11.2 مليار دولار، بالإضافة إلى توفير مئات الآلاف من فرص الشغل المباشرة وغير المباشرة). ويجدر تذكير العدميين أن الاهتمام بالرياضة وتشييد الملاعب هو من صميم واجبات الدولة والجماعات الترابية نحو فئات واسعة من المواطنات والمواطنين، سواء الممارسين أو المتفرجين والمشجعين الذين من حقهم ممارسة الرياضة والاستمتاع بمشاهدة المنافسات الرياضية. لقد صارت الرياضة صناعة وعاملا مهما من عوامل التنمية المستدامة (فرص الشغل التي توفرها الرياضة، عائدات الملاعب والإشهار وبيع حقوق البث التلفزي، ومداخيل اللاعبين، الأعمال الخيرية والاجتماعية التي يمولها اللاعبون (حكيم زياش، أبو خلال، حمد الله، أشرف حكيمي، بوصوفة، بلهندة وغيرهم. هذه مجرد نماذج)، فضلا عن الآفاق التي تفتحها الرياضة أمام المواهب. وصدق موليير بقوله: “نحن نأكل لنعيش، لا نعيش لنأكل”.

أكمل القراءة

على مسؤوليتي

عسكرة الدولة بين الرمزية والمؤسسات: قراءة في قراري ترامب وماكرون

نشرت

في

يشهد العالم اليوم، انزياحًا متسارعًا نحو تغليب السرديات الأمنية والعسكرية على حساب السرديات المدنية والديمقراطية. في هذا الإطار، يبرز قراران لافتان: اقتراح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تغيير اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب، وتعيين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لوزير الدفاع رئيسًا للوزراء.

كلا القرارين يعكس مسارًا عالميًا نحو عسكرة الدولة، لكن بأدوات ومقاصد مختلفة.

1. قرار ترامب: عسكرة اللغة والرمزية
اقتراح ترامب لا يتعلق بتسمية شكلية، بل هو إعادة صياغة لفلسفة الدولة. فمصطلح الدفاع يوحي بالشرعية والضرورة، بينما يحمل مصطلح الحرب نزعة هجومية وعدوانية. بذلك يتحول الخطاب العسكري الأمريكي من حماية الأمة إلى فرض الهيمنة.

هذا التحول الرمزي يعيد تشكيل السردية الأمريكية، من “شرطي عالمي” يزعم حماية الديمقراطية، إلى “إمبراطورية” تمارس الحرب كخيار أصيل لتحقيق مصالحها.

كما أن هذا التغيير يمهد لعسكرة السياسة الخارجية، حيث يصبح التدخل العسكري خيارًا مبررًا ومشروعًا، ما يضعف المؤسسات المدنية ويزيد من احتمالات التوتر الدولي.

2. قرار ماكرون: عسكرة البنية السياسية
أما قرار ماكرون، فيكشف نزوعًا مختلفًا. فاختياره لوزير الدفاع رئيسًا للوزراء يترجم هيمنة المنطق الأمني داخل السلطة التنفيذية. هنا لا يتعلق الأمر بالرمز واللغة، بل بالبنية المؤسساتية نفسها؛ فعلى المستوى السياسي، يعكس هذا الخيار محاولة لإدارة الأزمات الاجتماعية وصعود اليمين المتطرف عبر “تغليب الأمن على السياسة”.

وعلى المستوى الرمزي، ينقل فرنسا من صورة “جمهورية الحقوق” إلى “جمهورية محروسة”.

أما توقعيًا، فهو إشارة إلى أزمة الشرعية السياسية التي يعاني منها ماكرون، وإلى افتقاره لبدائل مدنية قادرة على إدارة المرحلة.

3. المقارنة النقدية: عسكرة المفردة أم عسكرة الوظيفة؟
رغم اختلاف السياقين، يجتمع القراران في مسار واحد: تضخم السرديات الأمنية والعسكرية. غير أن ترامب اختار عسكرة المفردة، أي اللغة والرمز، فيما اختار ماكرون عسكرة الوظيفة، أي السياسة والمؤسسات.

الأول أخطر على المدى البعيد، لأنه يرسّخ بارادايم جديدًا يجعل الحرب حالة دائمة في الوعي الجمعي. والثاني أخطر على المدى القريب، لأنه يغير هرم السلطة ويجعل الدولة جهازًا أمنيًا يقيس نجاحه بالضبط لا بالتدبير.

بكلمة، ترامب يمهّد بعسكرة رمزية تسبق العسكرة المؤسساتية، بينما ماكرون ينطلق من المؤسساتية ويبحث لاحقًا عن تبرير رمزي لها.

وكخلاصة تحليلية – في ضوء التفكير النقدي التوقعي:
فإن هذين القرارين يعكسان انتقالًا عالميًا من منطق “إدارة السلم” إلى منطق “إدارة الحرب”، ومن حماية الحقوق إلى تأبيد السيطرة الأمنية. من منظور استشرافي، يمكن أن تترتب عن هذا المسار ثلاثة سيناريوهات محتملة:
أ. سيناريو التصعيد الدولي: حيث تفتح عسكرة اللغة والمؤسسات معًا الباب أمام عودة أنماط الحرب الباردة، عبر إعادة بناء تحالفات قائمة على القوة لا على القيم.
ب . سيناريو التفكك الديمقراطي: إذ تتحول الديمقراطيات الغربية من أنظمة مدنية تعددية إلى دول طوارئ دائمة، تُدار بمنطق الأمن لا بمنطق الحقوق.
ج . سيناريو المقاومة المدنية: وهو الاحتمال الذي يفتح المجال أمام بروز سرديات مضادة، مدنية وحقوقية، قادرة على إعادة التوازن بين الأمن والحرية، بين الدولة والمجتمع.
هكذا، يصبح التفكير النقدي التوقعي ضرورة ملحّة لفهم ما وراء القرارات الرمزية والمؤسساتية، ولمساءلة الاتجاه العام الذي يدفع العالم نحو عسكرة متزايدة على حساب أفق السلم والحرية.

مصطفى المنوزي
رئيس المركز المغربي للديموقراطية والأمن

أكمل القراءة
رياضة منذ ساعتين

كأس العالم 2026: الفيفا تفتح تحقيقا بشأن إشراك منتخب جنوب إفريقيا للاعب موقوف

منوعات منذ ساعتين

دنيا بطمة تثير جدلاً على “إنستغرام” بعد منشور وداع المغرب

دولي منذ 3 ساعات

عشرات الآلاف يتظاهرون في فرنسا ضد “التقشف”

رياضة منذ 4 ساعات

المنتخب الوطني يواجه منتخب البحرين في لقاء ودي

مجتمع منذ 5 ساعات

ملف “إسكوبار الصحراء”..تأجيل محاكمة المتهمين بسبب مرض بعيوي

رياضة منذ 7 ساعات

راوول أسينسيو يخضع للمحاكمة في قضية فيديو جنسي لفتاة قاصر

تكنولوجيا منذ 8 ساعات

“أطلنطاسند” تطلق “Assia”، المساعدة الافتراضية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي

رياضة منذ 9 ساعات

تصنيف ال(فيفا).. المغرب يحتل المرتبة ال11 عالميا

واجهة منذ 10 ساعات

“لارام” تدشن خطا جويا جديدا مباشرا بين الدار البيضاء ونجامينا

رياضة منذ 11 ساعة

إسبانيا تهدد بمقاطعة مونديال 2026 في حال مشاركة إسرائيل

دولي منذ 12 ساعة

العفو الدولية تدعو الدول إلى وقف دعم “الإبادة” ضد الفلسطينيين

رياضة منذ 13 ساعة

مونديال طوكيو: اسحاق ناضر بطل 1500 م من عائلة مغربية

مجتمع منذ 14 ساعة

الناظور.. فتح بحث قضائي في قضية تهريب شحنة من 76 ألفا و841 قرصا مهلوسا

واجهة منذ 15 ساعة

الطقس: أمطار في العديد من المدن المغربية

منوعات منذ 19 ساعة

جمهور واسع يحج لمشاهدة “كازا كيرا” في أولى أيام عرضه بالقاعات السينمائية

مجتمع منذ يوم واحد

فاس..توقيف ثلاثيني بحوزته 615 غرام من الكوكايين

دولي منذ يوم واحد

احتجاجات واسعة في لندن ضد زيارة ترامب لبريطانيا

رياضة منذ يوم واحد

محمد وهبي يعقد ندوة صحافية بمركب محمد السادس لكرة القدم

رياضة منذ يوم واحد

طوكيو: البرتغالي إسحاق ناضر يحرز ذهبية 1500 م

واجهة منذ يوم واحد

نشرة إنذارية: زخات رعدية مصحوبة بهبات رياح مرتقبة اليوم الأربعاء

إعلان

الاكثر مشاهدة