Connect with us

على مسؤوليتي

في الحاجة إلى ابن خلدون

نشرت

في

أهداني صديق كتابا عن تاريخ الإمبراطوريات، قيامها وانهيارها بعنوان: «التاريخ الموجز للإمبراطوريات» للمؤرخ الفرنسي كابرييل مارتينيز كرو. واختيار موضوع الإمبراطوريات ليس اعتباطيا، لأن العالَم يعرف تحولات عميقة ،يتهدد إمبراطوريات، ويؤشر إلى بزوغ أخرى. واللافت في الكتاب هو توظيف فكر ابن خلدون لشرح ظاهرة قيام الإمبراطوريات وأفولها. وهو منذ مقدمة الكتاب لا يعرض لابن خلدون بصفته مفكرا عربيا إسلاميا، بل بصفته مفكرا عالميا، إلى جانب أساطين الفكر الإنساني الذين فككوا بنيات قيام الدول وتفسخها، أمثال بوليبوت وسيديدومكيافيلي ومونتسكيو وماركس وتوكفيل وماكس فيبر.

لم يكن هذا المؤرخ الفرنسي أول من استنجد بابن خلدون لفهم ما يعتور العالم الغربي، فقد فعل الشيء ذاته المؤرخ البريطاني بول كينيدي قبل ثلاثين سنة، في نشأة الحضارات وأفولها، وزعم أن العد العكسي للحضارة الغربية بدأ،ووظف من أجل ذلك نظرية ابن خلدون حينما يغلب الترف، أو الحضارة بمصطلح ابن خلدون، وتزداد الإتاوات، أوالضرائب، وتعمد الدول إلى الاستعانة بالموالي، أو المرتزقة في الدفاع عن نفسها أو مصالحها، أو حين تقتضي مقابلا لتدخلها، كما تفعل الولايات المتحدة مع حلفائها في الناتو وغير الناتو، فذلك مؤذن بخراب العمران.

فكر ابن خلدون الثاقب ظل نِسيا منسيا في تاريخنا، إلى أن اكتشفه الغربيون ووظفوه لفهم مجتمعاتنا. عرف زخما في فترة التحرر، واهتماما من لدن أصحاب الفكر التنويري، ولم يكن بدعا أن يُفرد طه حسين دراسته لنيل شهادة الدكتوراه في باريس بإيعاز من إميل دوركايم، لفكر ابن خلدون. كانت دراسة ابن خلدون في تلك الفترة خاصة في البلدان المغاربية فرض عين، وكان الوقوف على فكر ابن خلدون في الجامعة المغربية واجبا، ولذلك درسه ودرّسه الجيل الأول من الجامعة المغربية أمثال، الجابري والعروي والحبابي، ومن بعدهم بنسالم حميش. وفي كلية الحقوق حيث درست قبل أكثر من ثلاثين سنة، كان ابن خلدون والمقدمة بالأساس من المراجع الأساسية. وكان من الكتب المقررة كتاب للجغرافي الفرنسي إيف لاكوست «ابن خلدون أو ماضي العالم الثالث» كشرح لفكر ابن خلدون ونظريته في التاريخ. إلا أن المرء يصاب بإحباط شديد للجهل المستشري حاليا لفكر رجل ملأ الدنيا وشغل الناس، عدا بعض العموميات، أو ما يرشح في الحواشي، أو شرح الشرح، كما في الأدبيات القديمة. وبالجامعة المغربية، كي لا أتحدث عما لا أعرف، يكاد أن يكون ابن خلدون مغمورا، إلا كاسم. ولا يمكن أن نلوم الطلبة، فهم نتاج منظومة وسياق ثقافي أزرى بابن خلدون.

طبعا ليس الغاية هي معرفة فكر ابن خلدون من أجل المعرفة، وسرد فكره وحفظه، ولكن الوقوف على المحاولة الرصينة لتفكيك الخلل البنيوي للدولة في بلاد المغرب، وغيرها من البلدان الإسلامية، من أجل تمثل المنهج الذي اعتمده والذي يهيئ لمقاربة وضعية أو علمية، على خلاف سابقيه الذين ظلوا في دائرة النصح أو الأخلاق.

يقول الشاعر الفرنسي أراغون في بيت ذهب مذهب الأمثال، «ما كان سيكون، إن نحن تذكرناه». نحن نحتاج أن نفهم ما يجري لكي نتجاوزه، ولن نستطيع إن نفهم من دون معرفة ومن دون «تذكر» ما سبق. إلا أن ابن خلدون كفأن يكون مرجعا في جامعتنا وبرامجنا التعليمية ومنظومتنا التربوية. وأذكر بكثير من الأسى أن المرحوم الملك الحسن الثاني، على علمه وثقافته، حطّ في مذكراته «ذاكرة ملك» من ابن خلدون واعتبره سياسيا فاشلا. لم يذهب لمعرفة أسباب فشله، هل في قصور الرجل، أم في خلل للبنيات القائمة. ذلك أن ما بعد ابن خلدون كان إيذانا بنهاية حلم وحدة بلاد المغرب، وبداية التناحر وخروج بلاد المغرب من التاريخ. العيب لم يكن في ابن خلدون، ولكن في المنظومة التي ظهر فيها ابن خلدون والسياق التاريخي الذي برز فيه.

لأكثر من جيل أصبح ابن خلدون شخصا غير مرغوب فيه في الجامعة المغربية، ولا أحسبني مجانبا للصواب إن قلت في العالم العربي، وعوض أن ندرس ابن خلدون ونتمثل فكره، فضّلنا ابن تيمية وابن قيم الجوزية. ولا جدال أنه ينبغي أن ندرس ابن تيمية وابن قيم الجوزية، في سياقهما التاريخي، إلا أن ما قد يهيئنا لمقاربة موضوعية هو ابن خلدون. هو من ينبغي أن نُعرّف للناشئة كي تتمثل فكره ومنهجه، من خلال تبسيط فكره، إذ من العسير أن نطلب من الناشئة أن تقرأ لوحدها “المقدمة”.

طبعا، لم يظهر ابن خلدون كرعد في سماء صافية، أو جراء معجزة، ولكنه تعبير عن تراكم معرفي لمدرسة فكرية برزتفي الأندلس، مرتبطة بالتراث الإغريقي، وانتقلت إلى بلاد المغرب. وابن خلدون نفسه يشير في كتاب «التعريف»، هو سيرته الذاتية إلى الدَّين الذي يدين به لمعلمه عبدالله الآبلي، وكان عالما للرياضيات والمنطق، بفاس ومراكش، وهو منهيأه للمقاربة التي سوف يتبناها لفهم أحوال العمران (المجتمع) وما يعرض له. هل يمكن أن يبرز فكر يستطيع أن يقرأ الواقع قراءة نقدية، ويفكك مواطن الخلل، في ظل الأوضاع التي تعرفها الجامعة؟.

صدر تقييم قبل شهور حول وضع الجامعات في العالم العربي، ولم تكن منها جامعة واحدة ضمن 500 جامعة مصنفة عالميا، وحتى تلك التي صُنفت، كانت في غالب الأحيان مستنبتة بفضل الموارد المالية لدولها. لماذا توجد الجامعة في الوضع التي هي فيه؟ لأن المعرفة والتعليم لم يكونا في سُلم أوليات الحكومات. ذلك أن ما يرصد من أجل اقتناء الأسلحة، وسباق التسلح ووسائل الضبط الأمني والتتبع، يفوق ما يرصد على التربية. من المسلم به أنه لا يمكن لمجتمع ما أن يتطور من دون فكر، ولكن الفكر ليس جهدا شخصيا، أو معجزة، أو فلتة.

نعم، نحن نحتاج إلى فهم الانكسار الذي وقع، ونحن نحتاج إلى ابن خلدون جديد، ولكنه لن يظهر من دون بنية معرفية ومؤسسات تعليمية راسخة، لا هذا الذي نرى ونسمع، جعجعة ولا طِحنا.

حسن أوريد

انقر للتعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

على مسؤوليتي

مساهمة فعلية للتجاري وفاء بنك في مواكبة وتكوين الشباب حاملي المشاريع

نشرت

في

بالموازاة مع نشاطها البنكي والمالي الذي يقننه القانون البنكي ومذكرات بنك المغرب والمتدخلين في السوق النقدي والمالي والتأمين، تساهم مجموعة التجاري وفاء بنك في  عملية انسانية اجتماعية هدفها تكوين و مواكبة الكفاءات والشباب حاملي مشاريع بجميع مناطق المغرب.

في اطار تعاقد واتفاقية بين مجموعة التجاري وفاء بنك ومؤسسة إنجاز المغرب ومؤسسات ممولة وبمناسبة الذكرى 18 لانطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، قامت هذه المؤسسات بالعملية الثانية خلال هذه السنة  2023 لتكوين و .تأطير ومواكبة شباب إقليم ورزازات  حاملي مشاريع .

مرحلة التكوين والمواكبة الممتدة من يوم الاثنين  15 ماي إلى يوم السبت 20 ماي 2023 بمركز المنصة الإقليمية لانعاش و مواكبة مبادرات الشباب، لخلق المقاولات الذاتية باقليم ورزازات استفاد منها  52  مستفيد ركزت بالخصوص على المحاور التالية:

# تعلم وضع خطة العمل Business Plan
# التربية على المفاهيم البنكية والمالية كالمحاسبة، التعامل بوسائل الأداء البنكية في الاطار القانوني.
# مفاهيم الاجراءات القانونية لانشاء المقاولة الذاتية وشركة محدودة المسؤلية بمساهم واحد.
# تحرير خطة العمل وتعلم الدفاع عن إنجاح المشروع ومردوديته أمام اللجنة لتمويله.

عميلة انسانية واجتماعية، تدخل في إطار المقاولة المواطنة الهادفة إلى تاطير شباب حاملي مشاريع خصوصا في المناطق النائية والقروية، لادماجهم في عالم الشغل والمقاولة واقناعهم في الانخراط الفعلي في القطاع المهيكل والخروج من القطاع العشوائي غير المهيكل.

بفضل كفاءة وخبرة اطر ومكوني مجموعة التجاري وفاء بنك ومؤسسة إنجاز المغرب، ستكون هذه العمليات مبادرة ودفعة للشباب بالمنطقة  لينخرط في الاقلاع الاقتصادي والاجتماعي للمغرب والحد من الهجرة الداخلية وتنمية مناطقهم.

* ادريس العاشري

أكمل القراءة

على مسؤوليتي

ولي العهد الأمير مولاي الحسن.. و”مِهنة” ملك: ماما فرنسا ودسائس القصر

نشرت

في

بواسطة

2/3
كان مثيرا أن يكون أول نشاط يقوم به ولي العهد الأمير مولاي الحسن، مباشرة بعد تحرّره من مجلس الوصاية، ببلوغه سن العشرين، هو أن يحضر الذكرى السابعة والستين لتأسيس القوات المسلحة الملكية، ويترأس مأدبة الغداء نيابة عن والده الملك محمد السادس القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية.

والأكثر إثارة هنا هو أن يقوم الملك، أسبوعين قبل ذلك، بتعيين وجه جديد على رأس المفتشية العامة للقوات المسلحة الملكية وقائدا للمنطقة الجنوبية وهو الفريق محمد بريظ، خلفا للفريق أول بلخير الفاروق، الذي كان اقترح على الملك محمد السادس، قبل ثمانية أشهر فقط، إحالة 16 جنرالا برتبة دوديفيزيون ودوبريكاد و32 كولونيل ماجور وعشرات الضباط برتبة كولونيل ورتب عسكرية أخرى، على التقاعد، لضخ دماء جديدة في الجيش والدرك.

وقد يكون كل هذا استعدادا لأول دخول لولي العهد للمؤسسة العسكرية، وتسريع إعطائه رتبة عسكرية، كما كان الحال بالنسبة لجده الملك الحسن الثاني، الذي كان والده المرحوم محمد الخامس قد عينه قائدا للقوات المسلحة الملكية، وترك له بناء الجيش النظامي مباشرة بعد عودتهم من المنفى، حيث اضطر وقتها إلى الاعتماد على نخبة عسكرية مغربية خدمت وتكوّنت وترقّت في الجيش الفرنسي أساسا، كالجنرال إدريس بن عمر والكولونيل محمد أوفقير والقبطان أحمد الدليمي والمارشال محمد أمزيان، الذين سيؤسس بهم الجيش المغربي، ليسحب البساط من تحت جيش التحرير بإدماجه فيه، حيث جرى الاعتماد في هذه العملية على الدكتور عبد الكريم الخطيب، ومعه المحجوبي أحرضان، مما زاد من غضب “الحركة الوطنية” آنذاك.

وعلى مدى 38 سنة من الحكم، عرف الراحل الحسن الثاني كيف يقضي على “المتآمرين” و”الانقلابيين” و”يصنع” مؤسسة عسكرية حديثة واحترافية، ككل الجيوش الاحترافية في البلدان المتقدمة، التي حسمت “نهائيا” مع عهود الانقلابات، التي مازالت سائدة لدى بلدان يعتبر فيها الجيش ركنا أساسيا في المشهد السياسي.

هذا المشهد أي السياسي بدوره تمكّن الراحل الحسن الثاني من “التحكّم” فيه، فجاء بجيوب المقاومة التي تفننت في تعذيب النخب اليسارية وقهرها ورميها في غياهب السجون عبر محاكمات صورية أعدتْ أحكامها في الدهاليز السرية آنذاك، كما تردد ذلك خلال جلسات تصفية ملفات سنوات الرصاص.

ومن خلال ذلك، تحكم الحسن الثاني في مؤسسات البلاد، من المؤسسات السياسية، إلى المؤسسات الأمنية وأجهزتها السرية والعلنية، وخلال هذه المسيرة “التحكّمية”، كان للملك الراحل دسائس يناوش بها “خصومه” وحتى “أعداءه”، بلجوئه إلى اعتماد “حيلة” “تشابه الأسماء” لخلط الأوراق كتعيين المعطي بوعبيد وزيرًا أولَ ليتشابه على الداخل والخارج علاقته بعبد الرحيم بوعبيد، أحد القادة البارزين لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

وهي نفس العملية، التي نهجها الراحل الحسن الثاني، بعد جلبه شخصا اسمه إدريس البصري، نكاية في الفقيه البصري، أحد قادة الاتحاد المنفيين وأبرز المتبنّين لخيار المعارضة المسلحة، بعد تواتر أنباء عن تخطيطه لمحاولة قلب نظام الحكم الملكي، فقام الملك الراحل بدافع الخلط بين أسمي الرجلين بتعيين إدريس البصري على رأس جهاز الاستخبارات في 13 يناير 1973، ثم بعد إحباط أحداث مولاي بوعزة، التي كانت عناوينها تمتد من بنونة ودهكون لتصل إلى الفقيه البصري، سيعيّنه كاتبا للدولة في الداخلية في 26 أبريل 1974…، ثم سيتحوّل إلى اليد اليمنى للملك الراحل الحسن الثاني والرجل القوي في الدولة إلى أن أقاله الملك محمد السادس من منصبه بعد خمسة أشهر فقط من اعتلائه العرش في يوليوز 1999، ليسطع نجم رفيق دراسته فؤاد عالي الهمة، الذي اختاره الملك الراحل الحسن الثاني ليكون في فوج ولي العهد آنذاك، بعد أن أثار انتباهه اسمه العائلي “فدسّه” بديوان إدريس البصري ليفهم عمل أم الوزارات من الداخل.

لم يكن أحد يعرف شيئا، آنذاك، عن رفاق ولي العهد سيدي محمد، إلى أن تولى المُلك، فبدأ المغاربة يتعرّفون على وجوه جديدة من المسؤولين السامين هم فريق دراسة وطفولة وشباب الجالس على العرش اليوم الملك محمد السادس، ومُعدّو مرحلة المُرور السلس لحكم ولي العهد الأمير مولاي الحسن غدًا.

شعار الملك محمد السادس، يقول فؤاد عالي الهمة، هو “ماذا نترك لأبنائنا، ومع من نتركهم؟”، سؤال طرحه رفيق الملك بعد أن خرج للعمل من خارج أسوار القصر، مبررا الأمر بقوله خلال كلمة ألقاها بمدينة وجدة: “عندما مات أبونا الحسن الثاني، وجاء أخونا محمد السادس، رُمِينا في البحر”، في إشارة إلى “مِحن” الفريق الجديد وهو يباشر الدخول إلى معترك الحكم، في ظل إبعاد الملك الراحل لولي عهده من “التورط” في سنوات الجمر والرصاص، واختلاف ولي العهد عن والده الملك، حسب ما صرح به الملك محمد السادس نفسه للصحافية آن سنكلير بقوله “والدي كان يعرف أن لدي وجهات نظر أخرى، لكنه عوّدنا دائماً على احترام اختلافات الأجيال”.

هذا المفهوم كان وراء تلبية القصر لطلب لقاء رئيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف الراحل إدريس بنزكري، ومعه أعضاء المنتدى خديجة الرويسي وعبد الكريم المانوزي وصلاح الوديع، الذي كان قد لجأ إلى المرحوم محمد امجيد، كي يتوسط لهم في هذا اللقاء، الذي تم في السر ببيت فؤاد عالي الهمة في ماي 2002.

واختلاف وجهات النظر، واحترام الجيل الجديد للجيل القائم، كما قال الملك في حديثه الصحفي، كان وراء عدم تعيين الملك محمد السادس لعبد الرحمن اليوسفي، “عراب انتقال الحكم” بالمغرب، في منصب الوزير الأول، رغم أن حزبه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تصدّر نتائج أول انتخابات تشريعية في العهد الجديد سنة 2002، فلم يستسغ اليوسفي أن يُعيّن الملك مكانه رجلا غير منتمٍ (إدريس جطو)، مما دفع المكتب السياسي للحزب، المجتمع برئاسة اليوسفي، إلى أن يستنكر قرار الملك هذا، الذي اعتبر أنه خروج عن “المنهجية الديمقراطية”، لكن المكتب السياسي سرعان ما ترك “الخروج عن المنهجية الديمقراطية” وراء ظهره ليشارك في الحكومة الجديدة، بداعي أن الحزب لا يمكن أن يترك لجطو مصير الأوراش التي فتحها في عهد اليوسفي، وأن “المصلحة” تقتضي مشاركة الحزب لاستكمال الأوراش المفتوحة…

وظل الراحل عبد الرحمان اليوسفي يحمل هذه “الغصة”، التي أخرجته من السياسة، في قلبه، طيلة 14 سنة، إلى أن بادر الملك محمد السادس بزيارة عبد الرحمان اليوسفي، يوم 17 أكتوبر 2016، بمستشفى الشيخ خليفة بالدارالبيضاء، بعد إصابته بوعكة صحية، وقبّل الملك رأس اليوسفي في شبه “اعتذار”، وفهم اليوسفي أن احترام الملك له، وكذا احترام والده الراحل الحسن الثاني له، كان وراء تفادي الاشتغال مع اليوسفي، حيث أكد له ذلك رفيق دربه محمد بنسعيد أيت إيدر، الذي زاره مع رفيقين آخرين، هما سعيد بونعيلات ومحمد بنحمو كاملي، وهم الأربعة، الذين سبق الحكم عليهم بعقوبة الإعدام في أحداث ومحاكمات مختلفة بعضها من طرف الفرنسيين بصفة هؤلاء مقاومين للاستعمار الفرنسي للمغرب، وأخرى بصفتهم معارضين لنظام الحكم في المغرب.
( رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )/

* مراد بورجى

يُتبع

أكمل القراءة

على مسؤوليتي

ولي العهد الأمير مولاي الحسن.. و”مِهنة” ملك

نشرت

في

بواسطة

* مراد بورجى: 1/3
باحتفال ولي العهد الأمير مولاي الحسن، يوم الاثنين 8 ماي 2023، بعيد ميلاده، يكون قد تخلّص نهائيا من مجلس الوصاية كهيئة استشارية تلازمه بعد تجاوزه سن الرشد (18 سنة) إلى أن يدرك تمام السنة العشرين من عمره، طبقًا لمقتضيات الفصل 44 من الدستور المغربي.

تحرر ولي عهد المملكة العلوية الشريفة، الذي سيلقب بالحسن الثالث، من وصايةِ دائرةٍ من المستشارين كانوا يتشكّلون من رئيس المحكمة الدستورية، ورئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، وهم وجوه تمثّل، بالنسبة إليه، إرثا قديما هي الموجودة اليوم في الحكم، وبالخصوص رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، الذي تطارده الهاشتاغات والاحتجاجات، التي تطالبه بالرحيل.

الجيل الموجود في الحكم والمؤسسات، ليس هو جيل ولي عهد شاب، له شخصيته، التي يسهر على تأطيرها والده الملك محمد السادس، الذي له رؤيته المغايرة لرؤية الملك الراحل الحسن الثاني، في تربية ولي العهد.

محمد السادس، عاش في جوّ مطبوع بنوع من الانسداد عندما كان وليا للعهد، أيام حكم والده الملك الراحل الحسن الثاني، الذي كان يوُصف، في بعض الأدبيات التحليلية والتاريخية، بأنه خلال ولايته للعهد كان يُعتبر الحاكم الفعلي لمرحلة ما بعد عودة الملك محمد الخامس إلى العرش من منفاه سنة 1955 … وأن جلوسه على العرش، يوم 3 مارس 1961، أصبح محل منازعة مع الحركة الوطنية وتياراتها المعارضة الأساسية (الحزب “الاتحاد الوطني للقوات الشعبية”، والنقابة “الاتحاد المغربي للشغل”، والمقاومة “حركة المقاومة المسلحة وجيش التحرير”)، بعدما رفض الحسن الثاني مطلب “المجلس التأسيسي” لإعداد مشروع أول دستور للبلاد.

طرح الحسن الثاني وثيقته الدستورية عن طريق مستشاره القوي، آنذاك، أحمد رضى اكديرة، الذي رفض كل مناقشة لهذه الوثيقة، معتبرا أنه “لا يمكن قبول أن يُملي مجلس تأسيسي على الملك دستورَ مملكته، فيصبح بذلك هذا المجلس أقوى من العرش”، رغم أن أبرز الوجوه السياسية المؤثّرة آنذاك كانوا من جيل الملك الراحل، وعدد منهم كانوا من زملائه أو رفقائه، بمن فيهم المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد.

اتخاذ الحسن الثاني لتدابير أحادية بداعي تقوية “الملكية” في مواجهة “سلطة منافسة”، تتجسد في “الحركة الوطنية”، كان وراء إعلان هذه الأخيرة عن رفضها لأول دستور للمملكة صدر عن الملك في نهاية سنة 1962، مما دفع الحسن الثاني، كرد فعل على هذا الرفض، إلى اتخاذ قرار شلّ المجلس الاستشاري، الذي كان يرأسه المهدي بنبركة، وبعد ذلك بنصف سنة، سيتصاعد غبار ما عُرف بـ”مؤامرة 1963″، التي اعتقل فيها كل أعضاء اللجنة المركزية لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذين كانوا مجتمعين يوم 16 يوليوز 1963 بمقر الحزب بالدارالبيضاء، أعقبتها حملة اعتقالات بعدة مدن مغربية أخرى، ليصل عدد المعتقلين إلى حوالي 5 آلاف، قُدّموا للمحاكمة بتهمة التخطيط للإطاحة بالنظام الملكي واغتيال الملك الحسن الثاني في غرفة نومه بالقصر.

تصاعد وقائع سنوات الرصاص، جعلت الحسن الثاني يبادر إلى تشكيل أول مجلس وصاية، لتأمين انتقال العرش إلى ولي العهد محمد السادس، الذي لم يكن عمره آنذاك يتجاوز ثلاث سنوات… خصوصا أن الظرفية السياسية ظلت، خلال سنوات الرصاص، تتخلّلها العديد من التقلّبات العنيفة أحيانا والعواصف السياسية الصاخبة، من قبيل المحاولتين الانقلابيتين لسنتي 1971 و1972، وأحداث 3 مارس 1973، حين اختار قادة “التنظيم السري” لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية يوم “عيد الجلوس”، لشن هجوم مسلح ضد نظام الحكم، سرعان ما كسّره الجيش الذي دخل في عملية تبادل للنار مع “مجموعة دهكون ومن معه”، في الأطلس المتوسط في ما عُرف بـ”أحداث مولاي بوعزة”.

في هذا المناخ العاصف، وخوفا من اغتيال أو تسمم، سيلجأ الحسن الثاني، في 23 ماي 1980، إلى الاستفتاء لإدخال تعديل دستوري على المادة 21 من دستور 1962، يخفّض سن رشد الملك من 18 إلى 16 سنة، ويغيّر رئيس المجلس الدستوري من شقيق الملك الأمير مولاي عبد الله، إلى الرئيس الأول للمجلس الأعلى للقضاء، بعضوية رئيسي مجلس النواب ومجلس المستشارين ورئيس المجلس العلمي لمدينتي الرباط وسلا و10 أعضاء يختارهم ويعينهم الملك.

وكي يهيّء الملك الراحل العوامل الأساسية لتأمين انتقال سلس للحكم… لجأ إلى فرنسا لتضمن ذلك، مقابل خوصصة عدة قطاعات استفادت منها شركات فرنسية، إضافة إلى إصدار عفو عام عن المعتقلين السياسيين بالسجون السرية والعلنية…
وبما أن الحسن الثاني ظلّ حريصًا على إبعاد ولي عهده عن كل ما له صلة بـ”غبار”، أو “رصاص” الزمن السياسي المغربي، فقد ساهم ذلك في تكريس “نظافة يد” محمد السادس من آثار هذه المرحلة، التي حرص ولي العهد نفسه عن النأي عن تقلّباتها، حتى أنه لم يكن خافيا أنه، خلال تسعينيات القرن الماضي، كان يلتقي مع بعض وجوه المعارضة في تداول سياسي ديمقراطي ومفتوح.

ليس معنى هذا أن محمد السادس سينفي كل ما له صلة بوالد الحسن الثاني… يقول، بعد سنتين من تولي الحكم، في حوار مع أسبوعية “باري ماتش”، أجرته معه الصحافية المعروفة آن سانكلير، إن “والدي، رحمة الله عليه، كان يقول متحدثا عني: (هو هو، وأنا أنا). لكل واحد منا أسلوبه وطريقته الخاصة في العمل. لكن المهم هو الهدف”… وتابع يقول “والدي كان يعرف أن لدي وجهات نظر أخرى، لكنه عودنا دائماً على احترام اختلافات الأجيال. فالجيل الجديد يحترم الجيل القائم. وكان رحمه الله يرى أيضا أن الأجيال القائمة يجب أن تحترم الأجيال الجديدة وتعطيها المساحة من أجل أن تعبر عن نفسها وعن حاجاتها”.

يُتبع…

أكمل القراءة

الاكثر مشاهدة