على مسؤوليتي
في تجويد التواصل المعرفي بين الحقوقي والقانوني
” الفرق بين الوجد والهوى والعشق والحب كالفرق بين أسنان المشط ، كذلك المقاربات وزوايا النظر ، فلا تماثل ولا تطابق ، مما يستدعي شرعنة الحق في الاختلاف بدسترة حرية الاعتقاد كمطلب يتهرب منه كثير من دعاة الحق” .
* مصطفى إبن كلثوم
في ظل إرادة الدولة مصالحة ومؤسساتها الدستورية مع المجتمع؛ وخاصة مؤسسة القضاء ؛ نؤكد بأنه لا يمكن لأي مواطن حداثي عاقل إلا أن يثمن الجدال الجاري في المشهد العام والفضاء العمومي وكذا في بعض المجالات الخاصة شبه المغلقة ، وضمن نوزال تنشر على نطاق واسع ، تتحول إلى سجال فيما بين مكونات منظومة العدالة والجامعة وهيئات حقوق الإنسان . غير أن المطلوب ، والحالة هاته ، الارتقاء بهذا الحوار من مجرد حرب بيانات وبلاغات ، أو في صيغة سجالات مجردة من أي وقع ثقافي ؛ يروم تبرير إجراءات أو يستهدف إدانتها ووصفها بالتعسف ، إلى حوار معرفي وسيلته الحقيقة القانونية وغايته الحقيقة القضائية ، فلسنا بصدد الاصطفاف في خندق الموالاة ولا ضمن متاريس المعارضة ، لأن مطلب بناء دولة القانون من أجل حماية الحقوق يتناغم مع مطلب بناء دولة الحق بالقانون ، إن لم يشكلا نفس المطلب بالتماهي ، رغم اختلاف المقاربات ، وبالتالي لا معنى للحديث عن أي حق خارج أو مستقل عن القانون ، وإلا فهو مجرد مطلب أو حرية تروم الاستحقاق بالدسترة او التشريع .
وما دمنا أمام ملفات بين يدي القضاء ، وتفاديا لأية ديماغوجية أمنية رسمية تهدف تسويق الوجه الرسمي وتبييضه ، وتفاديا لأية شعبوية حقوقية تبتغي تبرير أفعال يجرمها القانون قبل أن يقول القضاء كلمته ؛ فإنه مطلوب منا دعم مبدأ قرينة البراءة والعمل على تكريس ضمان شروط المحاكمة العادلة ، ليس إلا .
من هنا نعتبر بأن التنافس ينبغي ان يتم على أساس دعم مقومات هيكلة دولة القانون والمؤسسات ، والتعامل مع جميع الاجراءات او الخروقات بمسافة تراعي تحقيق الأمن القضائي المعزز بمقتضيات الأمن القانوني ، وهي مجادلات ، حتى لا نقول منازعات ، يشارك فيها القانونيون سواء كانوا قضاة او محامين او أكاديميين أو فاعلين وخبراء حقوقيين او مدافعين عن الحقوق والحريات ، لا فرق بينهم سوى في درجة الإيمان بالقانون كأسمى تعبير عن ارادة الأمة وضامن لحماية الحقوق والمكتسبات التي يقرها القانون ، ومدى تمثلهم للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ، وبخلفية ترسيخ أولوية مقتضيات ومعايير القانونين على القانون الوطني ، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون بالحجة بدل منطق الخطاب البلاغي أو الحقيقة الإعلامية السياسوية والتي يعتبر الإفلات من العقاب أحد عواقبها الوخيمة .
* مصطفى المنوزي محام
رئيس أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي
* مقالة تذكيرية وإسترجاعية أعيد.نشرها ، دون حاجة إلى تحيين ، في ظل فزاعة إنتعاش مؤشرات تكرار ماضي الإنتهاكات ، وذلك على هامش إقحام وحشو مقتضى قانوني جنائي ضمن تعليل يروم الحكم بعدم أحقية مجلس هيأة المحامين بسن إجراءات تنظيمية تهم الرفع من قيمة وجيبة الإنخراط في هيأة المحامين ، وإن كان في نظري أن الأمر لا يتعلق بوعيد مضمر ، مادام الأصل هو تنزيه المخاطَبين والمخاطِبين معا ؛ بل إن كل علة زائدة غير منتجة للإنصاف والإعتراف ، في سياق تثبيت المفهوم الجديد للعدل ؛ وفي التزيد غير المبرر ، قرينة على عدم الإقتناع وقصور الحجة ، و النزهاء منزهون عن العبث بما فيه إنتهاك قرينة البراءة ، التي دونت بمداد الفداء والوطنية ، في النسخة السادسة من الدستور المغربي .
على مسؤوليتي
خطاب افتتاح البرلمان.. هل غسل الملك يديه من الأحزاب والحكومة؟
* مراد بورجى
لا أخفي، وأنا أحضر أمس الجمعة جلسة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، أنني كنت أنتظر تقريعا، مباشرا أو مبطنا، للأحزاب وللحكومة معا، خصوصا أن فترة سنة، بين افتتاح برلمان 2023 وافتتاح 2024، وقعت فيها أحداث ومواقف ومسلكيات أساءت وتسيء للأحزاب، وبالتبعية للبرلمان وللحكومة.
فمشاريع وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، المدحي من الأمانة العامة للبام، جرّت على الوزارة والحكومة بل وحتى الدولة غضبا مهنيا غير مسبوق، وصل إلى حد تسجيل أكبر حركة احتجاجية في تاريخ نضالات المحاميات والمحامين، بمقاطعة جلسات المحاكم الجنائية لمدة أسبوعين، ابتداء من يوم الاثنين الماضي 7 أكتوبر، مع مقاطعة صناديق المحاكم لأسبوعين، وتنظيم وقفات أسبوعية لمدة ساعة كل يوم خميس.
كما تورّطت فاطمة الزهراء المنصوري، التي “تغيّبت” عن حضور جلسة افتتاح البرلمان، في ممارسات حزبية تعكس الدرك السحيق الذي وصل إليه العمل السياسي “غير النبيل”… و ظل نزار بركة، الحاكم بأمر حزب الاستقلال، يكمش على الحزب وحده وعلى هياكل الحزب وفي المقدمة هيئة “اللجنة التنفيذية” التي أدخلها غرفة الانتظار لمدة ستة أشهر كاملة… ناهيك عن الشبهات، التي أثيرت حول العديد من “الشخصيات” الحزبية وحتى الحكومية، فضلا عن الفضيحة الكبرى للبرلمان، الذي يعتبر ويفترض أن يكون عدد البرلمانيين المتابعين في ملفات الفساد موجِبا لإسقاطه وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها.
لكن يبدو، على الأقل في ما أعتقد، أن الجالس على العرش عبّر عن غضبه من كل هؤلاء، من الأحزاب ومن البرلمان ومن الحكومة، بعدم الحديث بالمطلق عن الأوضاع القائمة لدى الأحزاب والبرلمان والحكومة، باعتبار بداية سنة تشريعية جديدة هي بداية للاشتغال في أوراش ملحة سياسية واقتصادية واجتماعية، إذ اختار الملك أن يثير قضية محورية وحساسة، لكن كان يمكن تأجيلها إلى عيد المسيرة يوم 6 نونبر المقبل، أو كان ممكنا أن تتصدّر الخطاب الملكي ثم تتلوها قضايا الساعة المرتبطة بافتتاح البرلمان، قضية تدخل في المجال المحصور للقصر، ويشرف عليها الملك بصفة شخصية، وبسبب ذلك أو بفضله بالأحرى، حققت بلادنا إنجازات مشهودة في القضية، بتنامي الاعترافات الدولية بالسيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية، وبتضاعف التأييدات الدولية للمبادرة المغربية للحكم الذاتي.
اللحظة الوحيدة، التي قرّر فيها الملك الحديث إلى البرلمانيين، جاءت معبّرة جدا، وتحمل “رسائل من تحت الماء” لا تخفى، إذ عندما أراد الملك دفع غرفتي البرلمان إلى الانخراط الفاعل في هذا المجهود الوطني، استعمل عبارات لها معانيها وخلفياتها، يقول الملك في خطاب افتتاح البرلمان: “ندعو إلى المزيد من التنسيق بين مجلسي البرلمان، بهذا الخصوص، ووضع هياكل داخلية ملائمة، بموارد بشرية مؤهّلة، مع اعتماد معايير الكفاءة والاختصاص، في اختيار الوفود، سواء في اللقاءات الثنائية، أو في المحافل الجهوية والدولية”…
هل عرفتم الآن لماذا ألغى الملك الأحزاب والبرلمان والحكومة من أجندة خطاب افتتاح السنة التشريعية الجديدة؟ لاحظوا المصطلحات المستعملة في المقتطف أعلاه:
– هياكل ملائِمة
– موارد بشرية مؤهلة
– اعتماد الكفاءة والاختصاص
يعني أن الأحزاب والبرلمان والحكومة لا تتوفّر على هذه المعايير الثلاثة، التي لو كانت موجودة، لكانت محل تأكيد وتنويه وإشادة من قبل الملك… الرسالة واضحة هنا، إدانة ملكية للغياب الفادح للملاءمة والتأهيل والكفاءة والاختصاص، وأن هذه الأحزاب، وهذه الحكومة لم تعد تنفع في شيء، وقد يكون هذا سبب اختيار “القصر” لهذه الآية بالذات: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}.
على مسؤوليتي
مراد بورجى يكتب: مغرب ولي العهد ومأسسة المخزن العميق
1/3- المجلس الأعلى للأمن القومي المغربي.. دقّت الساعة!
* مراد بورجى
من المفيد جدا العودة إلى الخرجات الإعلامية المتعددة والمتزامنة لكل من مصطفى الرميد ولحسن الداودي (الوزيرين السابقين عن حزب العدالة والتنمية، الذي ترأس الحكومة لعشر سنوات كاملة)، لنفهم “الدور المحوري”، الذي يقولا إن رجالات “المخزن العميق” لعبوه لتسهيل ولوج حركاتهم الإسلامية، في عز الذروة، إلى الحياة السياسية المغربية من بابها الواسع، وأنهما ممتنان لهؤلاء لدرجة أن قال “وزير الدولة” مصطفى الرميد أن “المخزن العميق نعمة”!!
والواضح أن “الرسالة” هنا موجّهة لكل من ينتقدون النظام اليوم، وكأن عليهم أن يسلكوا نفس مسلك البيجيدي لدخول والتموقع في المشهد الحزبي أو السياسي ككل. كما تحمِل الرسالة، كذلك، ردا واضحا على الوثيقة السياسية لجماعة العدل والإحسان، في شقّها المتعلق بالملكية البرلمانية، وانتخاب “هيئة دستور جديد”، حيث بعث الرميد “رسالة” إلى شباب الجماعة المنفتح على خوض غمار السياسة من داخل الحقل الحزبي المغربي، وإلى كل من يرى في دستور 2011 أنه ممنوح، مفادها أن عملية انتخاب هذه “الهيئة” ستكون، بالضرورة الديمقراطية “التأسيسية”، مفتوحة على الجميع، ولن تستطيع القلة، التي تشكّلها الفئة المعارضة ل”الحكم”، منع باقي الأحزاب والمكونات من تقديم مرشحيها وتحقيق هيمنتها وفرض رؤيتها…
كما قدّم الرميد شرحا مبطّنا لقضيتين: أولا، ما كان قد جرى لأحمد الريسوني، عندما دعا المخزن العميق، في بداياته الأولى، إلى الاجتماع مع أعضاء الأمانة العامة ببيت المؤسس عبد الكريم الخطيب، حضره مبعوث الملك وقتها فؤاد عالي الهمة، في أول ظهور له بهذه الصفة، وكان مصحوبا بأحمد التوفيق وزير الأوقاف، حيث سيتم اتخاذ قرار “إزاحة” الريسوني من على رأس حركة التوحيد والإصلاح، وطال هذا القرار إزاحة الرميد نفسه من رئاسة فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب… ثانيا، ما كان قد جرى لعبد الإله بنكيران، عندما استدعاه القصر، ليعينه الملك رئيسا للحكومة في نسختها البيجيدية الثانية، وتفاجأ بنكيران بوجود مصطفى الرميد بالقصر، ليحضر الجلسة مع الملك بعد التعيين، والتي لم تمر بسلام، فقد تلقّى فيها بنكيران اللوم الملكي…
ما تحفّظ مصطفى الرميد عن ذكره، خلال خرجته الإعلامية مع الزميل يونس مسكين، هو كون بنكيران، خلال الحملة الانتخابية لتشريعات 2011 على ضوء الدستور الجديد، بدا في أحيان كثيرة مندفعا، وراح يطلق تصريحات بعضها كانت متهوّرة، صوب مدفعيته وقتها نحو فؤاد عالي الهمة يطلب من الملك صراحة إبعاده من العمل الحزبي، وهو ما كان، لكن بنكيران بعد فوز حزبه في تلك الانتخابات، انقلب على دستور 2011، وفرض نفسه رئيسا للحكومة بدل سعد الدين العثماني، الذي كان يفاوض “الخارج” قبل الربيع العربي بسنوات، وأصدرت الأمانة العامة بلاغاً يقول لحسن الداودي إنه هو من تلاه، ويؤكّد بلاغُ “قطعِ الطريق” أن الأمانة العامة “قررت” أن يكون عبد الإله بنكيران رئيساً للحكومة، وهو أيضاً ما كان، لكن بنكيران ظل يثير جدلا متصاعدا عندما كان يصرّف “رسائله”، من خلال ثلاثة أذرع تتحدّث بلسانه “المستتر”، ذراع إعلامي (أخبار اليوم) وذراع سياسي (صقور الحزب) وذراع فكري (كُتّاب الحزب)، وكان أحيانا يتوجّه إلى قنوات أجنبية، وتركيزا فضائية “الجزيرة” القطرية، مثلما جرى لدى استضافته من طرف الصحافي الزميل أحمد منصور، فصار يطلق تصريحات “هوجاء” وصلت إلى حد توجيه ضربات صريحة للدستور المغربي، وتقديم الملك بصورة “الحاكم المستبد بكل شيء”! فالملك، كما صرّح بنكيران بصفته هذه المرة رئيسا للحكومة المغربية للفضائية القطرية، (الملك) هو المسيّر الفعلي للحكومة التي يترأسها، فيما هو، يقول بنكيران، فقط مجرد وزير بهذه الحكومة، وبالخصوص عندما يحضر للمجالس الوزارية، وكان لافتا أن بنكيران يطالب ضمنا بصلاحيات أكبر، وهذا ما فهمه مراقبون من الافتتاحيات التي كانت تدعو بنكيران إلى المطالبة بصلاحيات واسعة مؤطّرة بدستور يعتبره فضفاضا إن لم يتم تفعيله بطريقة توضح بجلاء “ما للملك وما لبنكيران”، كما تدعوه إلى شنّ حربٍ على من أسماهم بـ”حزب الاستوزار” داخل البيجيدي..
“رسائل” بنكيران ستصل إلى القصر، وسيجيب عليها الجالس على العرش، بعد كل ذلك، بكثير من الحزم والحدة وبثلاثة أجوبة: الجواب الأول كان باللوم المباشر، لدى تعيينه رئيسا للحكومة بحضور الرميد (10 أكتوبر 2016)، والثاني بقرار إبعاده عن رئاسة الحكومة (15 مارس 2017)، والثالث بتقريعه هو وباقي زعماء الأحزاب السياسية في خطاب للعرش (29 يوليوز 2017)، وكانت الرسالة واضحة في انتقاداتها السياسية، التي كانت شديدة اللهجة، تعكس غضب الملك من ممارسات النخبة المهيمنة والمستخلدة في الأحزاب، والتي “عندما تكون النتائج إيجابية، تتسابق الأحزاب والطبقة السياسية والمسؤولون، إلى الواجهة، للاستفادة سياسيا وإعلاميا، من المكاسب المحققة.. أما عندما لا تسير الأمور كما ينبغي، يتم الاختباء وراء القصر الملكي، وإرجاع كل الأمور إليه”، بتعبير الملك…
المقصود، هنا، هو التمهيد لموضوعنا بتقديم بعض الإشارات المعبّرة، على أساس أن أعود إليها للتفصيل في ملابساتها وبعض مساراتها، خصوصا أن جزءًا كبيرًا من معلومات ومعطيات المرحلة مازال مخفيا، وسيظل الحال على ما هو عليه، إن لم نستمر، كل من موقعه، في نبش ذاكرة مجموعة من الشخصيات التي كانت فاعلة ومؤثّرة بمواقع مختلفة، بغرض تشريح مرحلة مهمة من حياة المغرب، تبتدئ من بداية الإعداد لمرحلة المرور السلس لحكم الملك محمد السادس، لكي نستطيع فهم ما يجري اليوم من إعدادات للمرور إلى مغرب ولي العهد مولاي الحسن “الثالث”، وكذا فهم بعض ميكانيزمات اشتغال المخزن العميق، وعلى رأسه الملك محمد السادس…
في هذا الإطار العام، يمكن موضعة خرجة مصطفى الرميد، الذي خرج، في بادئ الأمر، من تلقاء نفسه، ليعرض وجهة نظره في ما جرى لحزبه، مستعيرًا أسلوب بنكيران في حكي بعض الأمور، التي جرت بينه وبين الملك وحوارييه، وكذا ليبعث لمن يعنيهم الأمر أن الرجل مستعد لمهمة خارج الحقل الحزبي، فكان أن كلّفه القصر بحل معضلة “الحملة ضد الاعتقال السياسي”، المشتعلة بالخارج، لتيسير مهمة ترؤس المغرب للجنة الأممية المكلفة بحقوق الإنسان، فكان أن أصدر الملك عفوه في لحظتين سياسيتين قويتين: العفو عن الصحافيين والنشطاء والمدونين (عيد العرش) والعفو عن مزارعي الكيف (ثورة الملك والشعب)، فيما ينتظر أن يلتقط البرلمان الإشارة لفتح النقاش داخل “قبّة التشريع” ليمتد العفو إلى معتقلي الريف وبعض معتقلي اگديم إزيك، الذين تم تدويل قضيتهم..
كل هذه القضايا سنعود إلى التفصيل فيها من خلال حلقات هذا المقال، للمساهمة في محاولة فهم تَشكّلات مرحلة سياسية دقيقة من حياة بلادنا، مرحلة كان الكتمان والغموض مقصودان، في أغلب أحيانها، من طرف “المخزن”، الذي لم يكن “عميقا” بعد، حيث رجالاته مروا من مراحل كانت أولى بداياتها مرحلة الراحل عبد الرحمان اليوسفي، التي قاد فيها الوزارة الأولى، وكان ينعتهم بـ”جيوب المقاومة”، بعد ذلك جاءت مرحلة الاستقلالي عباس الفاسي، حيث كانوا يوصفون بـ”حكومة الظل”، أمّا أبرز مرحلة فهي مرحلة عبد الإله بنكيران، الذي كان يُفرّق بين مستويات الجهة المخزنية “الغامضة”، التي يزعم أنها كانت تُناهضه، فكان عندما يريد استهداف أشخاص يدّعون قُربهم من النظام، يستعمل “التماسيح” (عزيز أخنوش) و”العفاريت” (إلياس العمري)، وعندما كان يريد أن يستهدف “الجهات العليا”، كما يقول، والتي يتهمها أنها هي من تُناهضه بتسخير تلك التماسيح والعفاريت، يستعير عبارة “الدولة العميقة” من الولايات المتحدة الأميركية، التي يسيّرها، في الأصل، المجلس الأعلى للأمن القومي… وهنا، نصل إلى بيت القصيد، إذ قد تكون هذه “الاستعارة” مدخلاً للخروج من “الغموض”، مقابل وضوح الرؤية المستقبلية لمغرب الغد، عبر شرعنة هذا الجانب “الغامض” من “الحكم”، ومن خلال تفعيل الفصل 54 من دستور 2011، الذي ينص على إحداث “المجلس الأعلى للأمن” القومي المغربي…
مسألة “وضوح الرؤية” أصبحت تطرح نفسها، بصفة ملحّة، باعتبار “المجلس الأعلى للأمن” يشكّل جزءا بنيويا من منظومة الحكم في المغرب، التي مازالت في حاجة إلى مراجعة هياكلها على ثلاثة مستويات: الأول استكمال البناء بتفعيل عدد من المؤسسات الدستورية، التي مازالت حبرا على دستور 2011 (المجلس الأعلى للأمن)، والثاني تجديد هياكل أخرى لمؤسسات باتت خارج القانون (المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان)، أما الثالث فهو إعادة النظر في مؤسسات دستورية قائمة (البرلمان بالخصوص، إضافة إلى المجالس العليا من حسابات ومنافسة وتعليم واقتصاد واجتماع وبيئة… إلخ)، حيث لا غنى عن خوض ثورة داخلية حقيقية تعيد العديد من المجالس والمؤسسات الدستورية والعمومية إلى سكة البناء والتطور والتغيير، لتتحمّل مسؤولياتها كاملة في تدبير مختلف جوانب الأمن المجتمعي لكل المغرب ولعموم المغاربة… ويمكن الوقوف عند نماذج من المؤسسات المذكورة، بمختلف مستوياتها، لتكون الصورة أوضح حول أعطاب الماضي وإشكالات الحاضر وتحديات المستقبل، لأن السؤال الأساس يبقى دائما: إلى أين يسير القصر بالمغرب؟
أبرز نموذج لهيئات المستوى الأول، تظهر في الواجهة مؤسسة المجلس الأعلى للأمن “القومي المغربي”، التي باتت ساعة ميلادها تدق بقوّة، لمواجهة المخاطر والتهديدات المحدّقة ببلادنا، وللمساهمة في تدبير التحديات والرهانات، التي يرفعها مغرب محمد السادس، لبناء أسس صلبة لمغرب الغد، مغرب جيل ولي العهد..
هذه المؤسسة الدستورية محكومة بدستور 2011، الذي أفرد لها نصا مرجعيا مفصّلا، من خلال الفصل 54، الذي أطّر هيكلة واختصاصات المجلس الأعلى للأمن بصفته “هيئة للتشاور بشأن استراتجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات، والسهر أيضا على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة”.
وعلى غرار التجارب المشهودة في العالم، فإن الملك، باعتباره رئيس الدولة، هو الذي يرأس المجلس الأعلى للأمن القومي وفق الفصل 54 دائما، وله أن يفوّض لرئيس الحكومة صلاحية رئاسة اجتماع لهذا المجلس، على أساس جدول أعمال محدد.
وبخصوص تركيبة المجلس الأعلى للأمن، يحددها الفصل 54 من الدستور في رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، والرئيس المنتدب للسلطة القضائية، والوزراء المكلفين بالداخلية والشؤون الخارجية والعدل وإدارة الدفاع الوطني، وكذا المسؤولين عن الإدارات الأمنية، وضباط سامين بالقوات المسلحة الملكية، وكل شخصية أخرى يعتبر حضورها مفيدا لأشغال المجلس، طبقا للفصل إياه..
قد يطرح البعض إشكال “الدونية”، إن صحّت التسمية، في تنظيم العمل بالمجلس، بمقتضى “نظام داخلي” وليس بمقتضى “قانون تنظيمي”، الذي هو أكثر قوّة، كما هو الحال في عدد من المؤسسات الدستورية، فقد نصّ الفصل 54 على أنه “يُحدِّد نظامٌ داخلي للمجلس قواعدَ تنظيمه وتسييره”… لكنني أعتقد أن هذه مسألة ستكون واردة في مراجعة مرتقبة للدستور، ولذلك فإن الأهم، اليوم، هو الضرورة القصوى لتفعيل المجلس الأعلى للأمن، الذي يعتبر أول مؤسسة أمنية ينصّ عليها الدستور الجديد، وهي غائبة منذ 13 سنة على وضع أول دستور في عهد محمد السادس، بعد 5 دساتير في عهد الحسن الثاني، وهي ضرورة ملكية وشعبية وديمقراطية ودستورية واجتماعية، في محيط وطني وإقليمي ودولي متغيّر ويحبل بالكثير من التحديات والمخاطر، التي تجعل أمن المغاربة في صدارة كل الأجندات..
ومن الطبيعي أن أمن المغاربة موزّع على مختلف المجالات والقطاعات، لكن، إذا أخذنا بالاعتبار رهانات المرحلة الحالية وتخطيطات المرحلة المقبلة، فإن صدارة تلك القطاعات تقع على عاتق السياسة الأمنية، التي قطع فيها المغرب أشواطا ملحوظة، منها ما هو تطوّري، ومنها ما هو مشدود إلى أزمنة ماضية نحلم أن تصبح بائدة إلى الأبد، وهذا يصبّ في مطلب “الحكامة الأمنية”، حيث يصبح التنسيق منظما ومنتظما وممنهجاً بين الأجهزة الأمنية المتنوّعة، وحيث تتمّ مأسسة السياسة الأمنية وتتلاقح تصوّرات المتدخّلين الأمنيين بالمتدخلين المدنيين في بوتقة يكون مبتدأها وخبرها هو الاجتهاد والابتكار في تدبير حالات الأزمات، التي قد تشكل مخاطر على الأمن القومي للدولة المغربية، بما في ذلك دمج البعد الأمني في بناء التصورات والتحاليل الاستراتيجية للقضايا السيادية، سواء منها المحورية أو البنيوية ذات الصلة بالأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي والأمن الغذائي والأمن الصحي والأمن الطاقي..
الجالس على العرش يعي دقّة الظرفية ودقة هذا التحدّي، كما أنه لا يكفّ عن الحديث عن ضرورة احترام الدستور والانكباب على إخراج المؤسسات الدستورية إلى حيّز الوجود، وهذا ما أشار إليه غير ما مرة في أكثر من خطاب، إذ أكد بالحرف، في أحد خطبه أمام البرلمان، على أن التحديات المطروحة على بلادنا “تتطلب العمل الجاد والتحلي بروح الوطنية الصادقة لاستكمال إقامة المؤسسات الوطنية”، وزاد الملك مشدّدا على أن هذه “المؤسسات لا تهمّ الأغلبية وحدها أو المعارضة، وإنما هي مؤسسات يجب أن تكون في خدمة المواطنين دون أي اعتبارات أخرى. لذا ندعو إلى اعتماد التوافق الإيجابي في كل القضايا الكبرى للأمة. غير أننا نرفض التوافقات السلبية، التي تحاول إرضاء الرغبات الشخصية والأغراض الفئوية على حساب مصالح الوطن والمواطنين، فالوطن يجب أن يظل فوق الجميع”..
فهل تكون استمرارية “التوافقات السلبية” في المشهد السياسي المغربي هي التي وراء تعطّل إخراج مؤسسة “المجلس الأعلى للأمن” إلى النور؟!.
على مسؤوليتي
رئيسة برلمان البام “تصفع” المنصوري من حيث لا تدري!!
* مراد بورجى
أعرف الأخت والرفيقة نجوى كوكوس منذ سنوات، ولازلت أنظر إليها دائما بكثير من الأمل، الأمل في أن تجسّد الجيل الجديد من الباميات والباميين، الذين راهن عليهم المؤسسون لممارسة السياسة بصيغة أخرى، صيغة جسّدتها توجيهات الملك في برقية التهنئة باختتام مؤتمر البام الأخير، الذي، لعلّة ما، غادرته أغلب وجوه الرواد المؤسسين، مما يجعل مهمة الرفيقة جسيمة في هذه الظرفية الدقيقة.
لست، هنا، بصدد مناقشة كل ما جاءت به رئيسة المجلس الوطني، نجوى كوكوس، خلال مرورها يوم الأربعاء في برنامج “مع الرمضاني”، وإنما لألتقط بعض الإشارات المعبّرة في خرجتها الإعلامية.
وكانت أبلغ إشارة التأكيد والتشديد على أن “البام بألف خير”، والدفاع المستميت عن “نجاح القيادة الجماعية”، مبرزة أن عمر التجربة 8 أشهر هي فترة قصيرة جدا، وهي غير كافية للحكم على التجربة.. ومع ذلك، بدت كوكوس على قناعة تامة وهي تقول: “بعد تجربة 8 أشهر، أنا أرى أن التجربة ناجحة”، وقالت إن “القيادة الجماعية تحدي اتخذناه، وهو إبداع وليس بدعة، اخترناه لتقديم نموذج جديد للتدبير الحزبي من أجل إضفاء مقاربة تشاركية حتى لا يكون القرار أحاديا، لأنه عندما تكون القيادة الجماعية، فالأمناء العامون الثلاثة متساوون في المسؤولية، وهذا يخوّل لنا قرارات فيها تشاركية”.
السؤال: هل بهذه الشهادة على نجاح تدبير الأمانة العامة الثلاثية تكون رئيسة المجلس الوطني، “المسكينة” من حيث تدري أو لا تدري، نزعت فتيلا من “مؤامرة” استئصال صلاح الدين أبو الغالي من القيادة؟!
قد يكون السؤال ماكرا، لأن ما جرى، منذ 10 شتنبر 2024، يكشف عن حجم مذهل من “المكر” و”الخداع” وحتى “الخبث”! وعن استهتار بقوانين الحزب، لنأخذ هنا، كمثال، المادة 107 من القانون الأساسي، التي تضع مسطرة إقالة القيادة الجماعية للأمانة العامة اختصاص حصري للمجلس الوطني، قيّده باشتراط أساسي أن تتوفر، بالضرورة، ثلاثة أسباب: الفشل في تنفيذ برنامج الحزب، أو الضعف الظاهر في أجهزة الحزب، أو تراجع شعبية الحزب وإشعاه… وكل هذه الأسباب غير متوفّرة في الأمانة العامة الثلاثية، التي قالت رئيسة برلمان البام إنها، أولا، نجحت في القيام بمهامها منذ انتخابها إلى اليوم. وأكدت، ثانيا، أن أجهزة الحزب تشتغل بشكل عادِ وبسلاسة، ولا يوجد في الحزب على الإطلاق ما يعثّر ويعطّل أجهزته. وتباهت، ثالثا، بمحافظة الحزب على جاذبيته وبريقه، وقدّمت نموذجا لذلك بفعاليات الجامعة الصيفية للحزب نهاية شتنبر، التي قالت إنها زادت من إشعاع الحزب.
معنى ذلك، أن ليس هناك، على الإطلاق، من منطوق رئيسة برلمان الحزب، أي وضع من الأوضاع الثلاثة الموجبة للإقالة، بل أكثر من ذلك، إن الحزب، منذ “الإبعاد القسري” لصلاح الدين أبو الغالي، وهو يعيش تعثّرات تابعها الرأي العام بسبب فشل الأمينين العامين المتبقين في التدبير الحزبي القيادي، ما جعل حماة العدل أصحاب البذلات السوداء يجتمعون من كل مناطق البلاد للتنديد بمشاريع وهبي، التي اعتبروها مشاريع البام، الذي تبنّاها ودافع عنها، ومن مظاهر الفشل الندوة الصحفية التشهيرية، واستعمال وزير ورئيس فريق برلماني ورئيسة منظمة نسائية موازية ورئيسة لجنة الأخلاقيات، التي يفترض فيها أن تبتّ في قضية بكل نزاهة وحيادية، فإذا بها تتصدّر جوقة “المتآمرين” وبصفة علنية وأمام الرأي العام، لنتصور البام يُخرج للإعلام “الخصمة” التي هي نفسها “الحكمة”! وهذه من غرائب العمل السياسي على الطريقة المنصورية!
لكن دعونا ننظر إلى المشهد من زاوية أخرى، سنجد أن البام، منذ تغييب صلاح الدين أبو الغالي، وهو يبصم على خطوات متهوّرة وعلى قرارات طائشة، مما يقتضي، في اعتقادي، ليس “التآمر” على أبو الغالي، وإنما استقدامه ليكون النموذج البديل في الأمانة العامة، باعتباره يمثل أمينا عاما من الجيل الجديد، الذي سيكون الأقدر على التدبير الفعال والحكيم للحزب، للدفع به ليتمثّل ويستحضر ويحقّق الأدوار المتقّدمة، التي أناطها الملك بالحزب في برقية التهنئة باختتام المؤتمر.
لكن رئيسة المجلس الوطني، في حوارها مع الزميل رضوان الرمضاني، جانبت الحقيقة في قضية أبو الغالي، واستعملت أجوبة تناورية، كان من شأن التعامل معها، بـ”جدية ومسؤولية”، أن تكشف عن معضلة تنظيمية وسياسية خطيرة، تتمثّل في عمليات “الاستفراد” بالحزب، وبقرارات الحزب، وبمصائر الباميين، قيادة وقواعد، ناهيك عن ممارسات “تخراج العينين” و”العجرفة” و”الاستكبار”، التي لا تخفيها الابتسامات الباردة التي توزّعها منسقة القيادة هنا وهناك..
تقول كوكوس، عند الحديث عن أبو الغالي، إنه “ليس لدينا مشاكل كبيرة” من شأنها أن توقف نشاط الحزب، وجاء تبريرها لموقف الحزب بإقحام مشكل تجاري خاص في استصدار قرار تنظيمي تبريرا غير مقنع على الإطلاق، ما جعل الزميل الرمضاني يسألها باستغراب: البايع والشّاري والموثّق من البام، فكيف بلغت الأمور إلى هذه الزوبعة؟ وعلى الفور، أجابت كوكوس: “لأن البام توصل بشكاية، وكان واجبا التدخل للبحث عن حلول لتدبير الأمر، فلما استعصى الحل بطريقة حبية، كان لابد للمكتب السياسي أن يتخذ قرار تجميد العضوية”! كانت رئيسة المجلس الوطني على قناعة، في قرارة نفسها، أن الجواب غير مقنع، وهذا طبيعي لأن القرار أصلا ظالمٌ ومبنيٌّ على باطل، ولذلك حاولت تأكيد القول: “حنا ماشي محكمة، ولكن عندنا قانون، والقانون يطبّق على الجميع”!!!
ليست نجوى كوكوس وحدها، وإنما جمهور واسع من الباميات والباميين لديهم قناعات أن القضية كلها هي عملية مفبركة ومدبّرة لإبعاد أبو الغالي من القيادة في هذه الفترة، لكنهم “مساكين” لا يستطيعون أن “يُنفْنفوا قُدّام الشريفة”، وهذا يعرفه الخاص والعام، والجميع على بيّنة من أن الحزب لا دخل له في النزاع، وأن منسقة القيادة ومسؤول التنظيم عندما تدخّلا في النزاع، وجرّا معهما الباقيات والباقين، من صامتين ومؤيدين ومريدين، تدخّلا برعونة، وبغياب مطلق للحكمة، وبانحياز “مصلحي” مطلق للطرف الثاني في النزاع، بل الأدهى، إن لم أقل إنها “جريمة سياسية واجتماعية” أن الاثنين المذكورين، المنصوري وكودار، حرّضا الطرف الآخر على تجاوز السبيل القانوني الطبيعي، وهو القضاء المدني، واللجوء مباشرة إلى القضاء الزجري، في عملية مبيّتة مفضوحة تستهدف “اغتيال” أبو الغالي سياسياً، بتلطيخ سمعته بوشاية كاذبة!!
وهذا ما تعرفه كوكوس جيدا، لكنها عاجزة عن الاعتراف به، ولذلك عندما ذكرت أن البام ليس لديه مشاكل كبيرة، استطردت قولها إن هناك “وضعا خاصا” يعالجه الحزب بالسبل القانونية، وطبقا لقوانين الحزب، من نظام أساسي ونظام داخلي وميثاق للأخلاقيات، مبرزة أنه “لدينا مساطر وإجراءات كفيلة بالبتّ في جميع المشاكل المطروحة”! فلماذا لم يستعمل الحزب هذه المساطر والإجراءات؟
لماذا اتخذ المكتب السياسي قرارا خارج ما ينص عليه القانون، الذي يفرض أن أي قرار تأديبي بهذا المستوى يستوجب من المعني أن يكون “يشغل مهمة انتدابية أو نيابية حُركت في مواجهته متابعة من أجل جناية أو جنحة عمدية مرتبطة بتدبير الشأن العام بناء على إحالة المجلس الأعلى للحسابات أو المفتشية العامة للمالية أو المفتشية العامة للداخلية”؟ ولماذا تحال القضية على اللجنة الوطنية للتحكيم والأخلاقيات، والإحالة تستوجب أن يكون المعني “صدر في شأنه قرار قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به من أجل جناية أو جنحة عمدية مرتبطة بتدبير الشأن العام ما لم يرد له اعتباره”؟ فكيف جرى إقحام هذين المقتضيين القانونيين في معاملة تجارية خاصة؟!؟
وعوض أن تقدم رئيسة المجلس الوطني جوابا حقيقيا ونزيها وموضوعيا وجديا ومسؤولا، اختارت إجابة خشبية سطحية بالقول: “لأن البام توصّل بشكاية”! يا سلام! بإمكان أي كان أن يتقدم بشكاية شخصية، لا يهم أن تكون مظلومة أم ظالمة، فهي كافية لاستصدار إجراءات حزبية، سواء كانت لفائدة هذا الطرف أو ذاك فهي ستكون بالتأكيد بخلفية مصلحية، ومهما كانت طبيعة القرارات، فإنها، في نهاية المطاف، تحوّل الحزب إلى وكالة تجارية للنظر في قضايا المتنازعين، لكن الأخطر هو التحوّل إلى محكمة تجارية، وهذه سابقة في العمل الحزبي لا يوجد لها مثيل إلا في بام المنصوري!
تبقى آخر نقطة، وهي عندما طرح الرمضاني السؤال: “البام كحزب وعد المغاربة بعد المؤتمر أن يعطي صورة جديدة للعمل السياسي، والحال أن ممارساته تزيد من إبعاد الشباب عندما يتابعون مشاكل البام وسيقولون (واش هذا هو العمل السياسي وهوما مضاربين غير مع بعضياتهم!)؟ فأجابا رئيسة المجلس الوطني بحسم: “ماكاينش مضاربة”!
سؤالي هنا: واشنو اللي كاين، كاينة الديمقراطية؟ لقد جاء تعبير الزميل الرمضاني معبّرا ودالا وهو يتحدث عن “المضاربة”، لأن المتنفذين اليوم، من كثرة رهبتهم ورعبهم على مصالحهم “المتنوعة” و”المتعدّدة”، يمارسون التدبير الحزبي بـ”المضاربة” في مواجهة كل من يشمون فيه رائحة تضييق على تلك المصالح، هذا ما فعلوه عندما ساوموا أبو الغالي بالنزاع التجاري الخاص، وعندما ضغطوا عليه من أجل تقديم الاستقالة، وعندما جيّشوا الحاضرين في “اجتماع 10 شتنبر الفضيحة” لاتخاذ قرار تجميد العضوية، وعندما عقدوا ندوة صحفية تشهيرية، وتكليف أربعة من المكتب السياسي بانتحال صفة النيابة العامة بتوجيه تهمتي “النصب والاحتيال”،بل وانتحال صفة هيئة قضائية وإصدار حكم بالإدانة، وعندما سخّروا رئيسة منظمة نسائية موازية ورئيسة لجنة التحكيم والأخلاقيات، وآخرا وليس أخيرا، عندما سخّروا بعض “الشرفاء” المزعومين، مثلما فعل أحدهم، وهو موظف جماعي، لما “صنع” أو “صنعوا له” صورةً تضامنية مع الشريفة فاطمة الزهراء المنصوري وكأنها صادرة عن “شرفاء مولاي عبد السلام بن مشيش”! فضلا عمّا يمكن أن تتفتّق عنه قريحة “المتآمرين” من استعمالات أخرى لمحاولة تقديم “الشريفة” في صورة “ضحية” في حاجة إلى التضامن، ولِم لا في حاجة إلى فتح فرع لمحكمة الأسرة بالحزب أيضاً “! أي مسخرة هذه!.
-
على مسؤوليتي منذ 5 أيام
مراد بورجى يكتب: مغرب ولي العهد ومأسسة المخزن العميق
-
منوعات منذ 6 أيام
عمر لطفي يجمع أبرز نجوم الشاشة في “البطل”
-
سياسة منذ 7 أيام
بوريطة يجري مباحثات مع وفد جنوب إفريقي من المؤتمر الوطني الإفريقي
-
سياسة منذ 5 أيام
النقابة الوطنية للصحافة المغربية تحذر من تسلل مظاهر التسيب إلى القطاع
-
اقتصاد منذ 4 أيام
GoMobile و FNACAM يكشفان عن مفاتيح ولاء العملاء في العصر الرقمي
-
واجهة منذ 3 أيام
“اندرايف” تخطط لتوسيع نطاقها في مدن أخرى بالمغرب
-
منوعات منذ 6 أيام
هذه قائمة مشاريع الأفلام الطويلة المشاركة في مسابقة “Pitch”
-
اقتصاد منذ 6 أيام
الخزينة: توقع بلوغ حاجيات التمويل إلى 41 مليار درهم