على مسؤوليتي
مراد بورجى يكتب: أخنوش وآل الفاسي في مرمى الفصيل الصحراوي!!
لم يتساءل سياسيونا عن حجم الانتقادات اللاذعة التي وجهها الرجل الرابع في الهرم البروتوكولي للدولة، النعم ميارة لكل من أخنوش وأغلبيته الحكومية، بقدر ما ظلوا يتساءلون عمّن هي “الجهة” التي قد تكون “دفعت” برئيس مجلس المستشارين وعضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال الحكومي، ليخرج للعلن، في هذا الوقت بالذات، لجلد أخنوش ومن خلاله آل الفاسي المُسيرين للحكومة والإدارة على حد سواء.
الكاتب العام لنقابة الاتحاد العام للشغالين، النعم ميارة، عندما كان يخْطب في “الشغالين”، بمناسبة مرور 63 سنة على تأسيس الاتحاد العام، يوم الأحد 19 مارس الجاري، بمدينة قلعة السراغنة، ذكّرهم بكل صفاته قبل أن يتكلم عن الظرفية الصعبة، التي يمُرّ منها الشعب المغربي “بسبب ارتفاع الأسعار والمضاربات، وعدم الزيادة في الأجور”… قبل أن يعترف بكثير من الاستنكار: “حشومة مغاربة ما يلقاوش باش يكملوا الشهر عيب وعار”… ثم استطرد القول وهو يستعمل تلك الأمثال المغربية البليغة، مثل “الصبر اللي كيضبر”، و”الموس اللي وصل للعظم”… ليخلص إلى القول إن هذه الوضعية “لا تبشّر بالخير”، في تحذير للأغلبية الحكومية، التي يُشارك حزبه فيها بأربعة حقائب وزارية، اختارها عزيز أخنوش بعناية ودقة فائقة ليُسندها لوزراء حزب الاستقلال كي يتحمل حزبهم المسؤولية المباشرة على معاناة المغاربة، في قطاعات التجهيز والماء، والصناعة والتجارة، والنقل واللوجيستيك، والتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، فيما أسند رئيس الحكومة لوزراء حزبه الوزارات التي لها علاقة بـ”المال والأعمال” كوزارة الاقتصاد والمالية، الصحة، والفلاحة والصيد البحري.
ما كان مثيرًا في “تقريع” ميارة لأخنوش وحكومته، هو التهديد المُبطن الذي وجهه عبر الحكومة لوزراء حزب الاستقلال عندما قال لهم: “حظيوا ريوسكم، ما غاديش نبقاوا ساكتين بزاف، سكوتنا معناه أننا ضد المغاربة”.
هذا التهديد لا يوحي بأن هناك جهة ما “الفوق” طلبت من النعم ميارة أن “يجلد” أخنوش وحكومته، إذا ما علمنا أن هناك تيارًا صحراويًا أصبح الأقوى داخل حزب الاستقلال “العتيد” يرى في نفسه اليوم أنه قد يكون بديلًا لقيادة حزب الاستقلال، وبعده الحكومة، بعد “استحواذ” أخنوش على حزب عصمان، وأبعد قيادييه، ووزّر الوافدين الجدد عليه.
ميارة يُعتبر ثاني رجل نافذ في هذا التيار الصحراوي داخل حزب علال الفاسي. وهو التيار الذي استطاع انتزاع مقعد رئاسة الحزب من آل الفاسي الذين كانوا يحتكرونه إبّان الاستعمار، وظلوا يحتكرونه بعد الاستقلال لـ”يُجلس” عليه شخصٌ مثل حميد شباط، كي “يُمرمد” عباس الفاسي ومن معه في الوحل، ويتحسس هذا التيار، من خلال هذا “التمرميد”، مدى قبول “المخزن” بغير “الفيسكات” على رأس الحزب، وسلك نفس الطريق التي عبَدها لشباط: رئاسة النقابة، ثم الحزب، ثم الحكومة، في شخصه، أو في شخص “مُفاوض” البوليساريو حمدي “جونيور” ولد الرشيد.
ولكي نُكون قناعة من كون كل هذا مُمكن أن يتحقق، سنعود إلى ما استطاع حميد شباط فعله حينما أخرج حزب الاستقلال من حكومة عبد الإله بنكيران في سابقة من نوعها.
وقتها راج أيضا أن شباط طُلب منه فعل ذلك من “فوق”، خصوصًا بعد تعيين الملك لنزار بركة رئيسًا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، قيل وقتها إن ذلك من شأنه أن “يُخفف” من صدمة آل الفاسي بما فاجأهم به شباط!!.
والقليل جدًا من كان يعلم أن عزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري هو من آلت إليه حقيبة المالية التي كان يشغلها نزار بركة باسم حزب الاستقلال كي يُصرِّف الأعمال بها إلى حين تعيين الملك لوزير جديد، لولا إصدار الحزب اللبرالي المغربي الذي كان يترأسه وقتها محمد زيان لتقرير، يتهم فيه عزيز أخنوش بأنه يُسخر الحكومة التي كان يترأسها الحزب الإسلامي وقتها لحماية مصالحه ومراكمة الأرباح، بناءً على وثائق رسمية نشرها الحزب تشير إلى وجود “علاقات تجارية مشبوهة” تربط بين مجموعة “أكوا” التي يملكها أخنوش وبين أطراف أخرى مكّنته من الحصول على صفقة تأمين أسعار المحروقات، التي سيجني منها الملايير دون اعتماد مسطرة الصفقات العمومية الجاري بها العمل.
وحتى لا نتيه في “مصائب” أخنوش وما أكثرها، سنترك تفاصيل ما تضمنه ذلك التقرير، وأشياء أخرى لا تزال في طي الكتمان لمقال منفرد، ونعود لتيار حمدي “سينيور” ولد الرشيد لنختم بالقول:
إذا كان هذا التيار الصحراوي قد استطاع اقتلاع جذور آل الفاسي من التحكم في حزب الاستقلال، الذي جعلهم يحكمون المغرب سواءً من خلال الحكومات المتعاقبة، أو من خلال مختلف المناصب العليا التي تعاقبوا عليها قبل وبعد الاستقلال، وإذا كان حميد شباط ومن ورائه هذا التيار انقلب على عبد الإله بنكيران، وتركه يبحث عمن يتحالف معه لتشكيل حكومته في نسختها الثانية، فكيف لا يكون هذا التيار هو من دفع بالصحراوي النعم ميارة ليقف في وجه هذه الأغلبية الحكومية ليوجه لها آخر تحذير بعد تحذير مماثل سبق أن وجهه رئيس برلمانيي الحزب نورالدين مضيان إلى أخنوش وحكومته، قبل أن يُطيح هذا التيار بنزار بركة، الذي كانوا قد ولّوه أمور الحزب، وبعده الإطاحة بعزيز أخنوش وحكومته بإعلان حزب الاستقلال الخروج من التحالف الحكومي مرة أخرى؟!!.
* مراد بورجى
على مسؤوليتي
تعديل أخنوش الحكومي..هل يستعد المغرب لانتخابات سابقة لأوانها؟
* مراد بورجى
غابت بصمة الملك محمد السادس عن التشكيلة الجديدة للمؤسسة التنفيذية، التي استقبل أعضاءها مساء أمس الأربعاء، في أول تعديل تعرفه حكومة أخنوش، استقبال مليء بالدلالات والإشارات، إذ لوحظ غياب ولي العهد الأمير مولاي الحسن “الثالث”، ومستشار الملك المكلف بمهمة التفاوض السياسي، والتقاط صورة للملك بغير لباسه الداكن المعتاد.
تعديل أخنوش الحكومي بات يضم، فضلا عن الرئيس المُعدِّل، 30 وزيرا ضمنهم 6 وزراء جدد، مضافا إليهم 6 كتاب دولة، واللافت أن تركيبة القطاعات السيادية (الداخلية والخارجية والأوقاف والشؤون الإسلامية) لم يلحقها أي تعديل، بعدما بصم وزراؤها الثلاثة، عبد الوافي لفتيت وناصر بوريطة وأحمد التوفيق، على نتائج إيجابية وجيدة لمختلف الملفات، التي يشتغلون عليها، تحت إشراف مباشر من رئيس الدولة، واستباق الملك لتثبيت وزير السيادة شكيب بنموسى مكان أحمد لحليمي الذي وشح صدره بوسام ملكي على ما أداه من وظائف…
وليس من الصدفة أن يتزامن التعديل الحكومي مع “تعديل ترابي” هو الذي يعوّل عليه الملك في مواكبة الأوراش الكبرى المفتوحة في عدد من القطاعات الحيوية، من خلال حركية الإدارة الترابية لمجموعة من الولاة والعمال، حركية تسعى إلى “عصرنة تدبير الموارد البشرية للرفع من أدائها وتوجيهها، للتكيف مع المتغيرات الوطنية والإقليمية، واستيعاب التطورات القارية والعالمية، والمساهمة في رفع التحديات التنموية”، التي تواجه البلاد في ما تبقّى من سنوات 2025 إلى 2030.
التعديل الترابي الواسع، يعكس أنه مدقّق ومخطط، وأن رئيس الدولة يراقب، عن كثب، تدبير الإدارة الترابية لمعايير الكفاءة والاستحقاق والاختصاص، من أجل إضفاء “دينامية فعالة تجعل الإدارة في خدمة المواطنين، وتواكب حاجياتهم، وتراعي مصالحهم”، كما قال بلاغ وزارة لفتيت، الذي أطّر العملية في “تنفيذ التوجيهات الملكية المتعلقة بتدعيم الحكامة الترابية الجيدة”، بما في ذلك السهر على تأمين النزاهة والمصداقية في تمثيلات المنتخبين، التي عادة ما كانت تعرف عمليات بيع وشراء الأصوات والذمم، مما كان ينتج كائنات انتخابية تضع اليد على المجالس الجماعية، للكد والجد والاجتهاد في خدمة المصالح الذاتية الضيقة، الأمر، الذي ينتهي بالعديد من رؤساء الجماعات والمستشارين إلى فضائح الفساد، التي عرضت وتعرض على محاكم جرائم الأموال.
إن قراءة لخلفيات التعديلين، الحكومي والترابي، تضعنا أمام سؤال ملح وحارق: هل يكون المغرب بصدد التهيّؤ لإجراء انتخابات سابقة لأوانها؟ ليس مرد السؤال فقط معطى تعامل الملك مع التعديل الحكومي، الذي منح فيه كل الصلاحيات لرئيس الحكومة، ولا غياب الأمير مولاي الحسن والمستشار الملكي فؤاد عالي الهمة، ولكن وأساسا علامات الفشل الملحوظ للسلطة التنفيذية في تدبير الكثير من الملفات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فضلا عن بنية الفساد، التي زادت تغلغلا في العديد من المؤسسات الدستورية، وفي صدارتها المؤسسات المنتخبة، فهناك عدد كبير وخطير من رؤساء الجماعات ومن المستشارين، الذين يوجدون رهن الاعتقال أو قيد المتابعة، والأمر نفسه، بل أخطر بكثير نجده في البرلمان، المؤسسة التي يفترض فيها أنها تشرّع للمغاربة وتراقب الحكومة، فإذا بالعشرات من النواب والمستشارين يوجدون اليوم خلف القضبان، إضافة إلى آخرين ملاحقين بالمتابعات ومهددين بالاعتقال، مما يطرح أكثر من سؤال حول الجدوى السياسية من مواصلة الولاية التشريعية الحالية، وعدد كبير من أعضائها مدانون بقضايا فساد، وعدد أكبر متابعون بتهم الفساد؟! وبالتالي، فإن اتساع مساحة الفاسدين والمتابعين بالفساد يفرض سقوط البرلمان، ومعه الحكومة، كما يفرض الانطلاق في التحضير لانتخابات سابقة لأوانها، تتوفّر فيها كل شروط النزاهة والمصداقية، وتنبثق عنها مؤسسات تمثيلية قوية، قادرة على إحداث الإصلاح المجتمعي المنشود، وتعكس بأمانة وبصدقية آمال وتطلّعات الأجيال المقبلة، وفي الصدارة جيل ولي العهد.
وبالعودة إلى “لعنة” التعديل الحكومي عند البعض، و”نعمته” عن البعض الآخر، سنجد أنه مسّ فقط الأحزاب الثلاثة المشكلة للائتلاف الحكومي (الأحرار والبام والاستقلال)، التي يتحمّل أمنائها العامون وحدهم، مسؤولية الأعطاب البنيوية، التي كشف عنها تدبيرها الفاشل للسلطة التنفيذية، مما أثار عليها غضب الشارع المغربي، منذ أول شهر في ولايتها الدستورية، وعانى خلالها السواد الأعظم من المغاربة من الإحباط والمعاناة والبطالة والمرض والحكرة وقلّة الشي أمام الارتفاعات الصاروخية في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية..
وأعتقد أن هذا التعديل هو الأول من نوعه، الذي ترك فيه الملك كل أمور تركيبته، حقائب وأسماء، لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، الذي دبّر مع حليفيه قرارات الإبعاد وكذا مسارات الاستقدام، بين وزراء وكتاب دولة، ليتبيّن للمتفحّص، ولو دون عناء تمحيص، أن البناء الأساسي للتعديل جاء لتلبية طلبات ورغبات ونَزَعات الزبناء في “المتاجر الممتازة”، حتى لا نقول “الدكاكين”، الحزبية (!!!)، وهذا ما يؤكده فحص سريع للسير الذاتية لأغلب المعينين الجدد، بالعلاقة مع سابقيهم، أو بصلة مع القطاعات، التي عُيّنوا لتدبيرها… ودون الدخول في مجمل تفاصيل التعديل الحكومي، وما طبعه من غبار وشبهات حول أسماء بعينها، يمكن أن نورد، في هذا الصدد، القطاعات التالية على سبيل المثال لا الحصر:
– قطاع الصحة، الذي كان يقوده البروفيسور خالد أيتالطالب، وهو طبيب جراح وأستاذ جامعي، ويعتبر أول من أدخل النظام المعلومياتي للمستشفيات المغربية، إضافة إلى نظام التوزيع الأوتوماتيكي للأدوية داخل المستشفى، فضلا عن إدخال تقنية الإنسان الآلي الجراحي (الروبوت) في العمليات الجراحية، سيتمّ تعويضه بمستخدم لدى زوجة رئيس الحكومة، أمين التهراوي، المتخصّص في مجال التجارة والأعمال، والذي كان يشغل منصب نائب الرئيس التنفيذي لمجموعة “أكسال” المملوكة لسلوى أخنوش! ولنتصوّر أن مستخدم زوجة رئيس الحكومة هو الذي سيشرف على تدبير الورش الحسّاس والعملاق للملك حول الحماية الاجتماعية!.
– قطاع التعليم، الذي تحيط به العواصف والزوابع والتوابع من كل مكان، سيوضع بين يدي صديق رئيس الحكومة، المعروف بـ”مول الفانيد والمصاصات”، امحمد سعد برادة، صاحب العديد من الشركات الغذائية والدوائية، فهو، مثلا، “مول” أو صاحب شركة “ميشوك” المتخصصة في الحلويات الصناعية، وصاحب شركة “فارما بروم” المتخصصة في الأدوية، وصاحب شركة “سافيلي” المتخصصة في الحليب ومنتجات الألبان المعقّمة، التي غيّرت اسمها إلى “جبال”، والمنتشرة في السوق المغربية… دون إغفال الأساسي وهو أن سعد برادة عضو في مجلس إدارة شركة “إفريقيا غاز” المملوكة لمجموعة “أكوا” لصاحبها عزيز أخنوش!.
– قطاع الفلاحة، لا يضع فيه رئيس الحكومة إلا ذوي ثقته “المطلقة”، لأن مصائب الوزارة، التي ظل يسيّرها عزيز أخنوش منذ حكومة عباس الفاسي سنة 2007، إلى حكومة سعد الدين العثماني، مرورا بسلفه عبد الإله بنكيران، لا يمكن أن يتركها بين أيدي “أجنبية”، بالنظر لما تحبل به من كوارث لا تعد ولا تُحصى، لا يشكّل منها إلا جزءا يسيرا ما ورد في تقرير قضاة المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2018، الذين خصّصوا أكثر من 400 صفحة لتشريح ما عرفته وزارة الفلاحة من انزلاقات واختلالات عديدة وبنيوية، سيزكيها تقرير للبنك الدولي، الذي سجّل خلاصة خطيرة جدا وهي أن المغرب أصبح، بسبب تضخم أسعار الغذاء، يشهد نموا متسارعا لمعدل انتشار “انعدام الأمن الغذائي”، وأن المغرب هو البلد الوحيد ضمن بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي لم يقم بإجراءات فعالة لمواجهة آثار التضخم لحماية السكان من آثاره الوخيمة، وفي مقدمتها تآكل القدرة الشرائية… وبذلك، وعلى سبيل “التغيير”، الذي سيكون شكليا، إذ سيبقى تحت نظر أخنوش، وبواسطة صديقه محمد الصديقي، سيأتي بأحد أصدقائه المقربين، أحمد البواري، الذي استقدمه لقطاع الفلاحة ليولّيه مسؤولية مدير الري وإعداد المجال الفلاحي بالوزارة، لينقله التعديل من منصب مدير إلى رتبة وزير، ليس بهدف بنائي من قبيل البحث عن حلول مبتكرة للنهوض بالفلاحة المغربية ولتأمين التدابير الاستعجالية الضرورية لمواجهة آثار نقص التساقطات المطرية وغير ذلك مما ينتظره رئيس الدولة، وإنما لتنفيذ ما يريده رئيس الحكومة، وهو الإبقاء على أسرار القطاع الفلاحي تحت السيطرة وتحت الكتمان حتى لا تنفجر ما بداخله من ملفّات مشتعلة!.
– قطاع الصيد البحري، وُضع بين يدي الصديقة المقربة من رئيس الحكومة ويده اليمنى في قطاع الصيد البحري، زكية الدريوش، التي ظلت تعتبر هي “الآمرة الناهية” في الوزارة، وتوصف بـ”المرأة القوية”، والتي أثيرت حول تدبيرها للقطاع العديد من الاختلالات، بل وحتى “الشبهات” في ما يتعلق بـ”كوطات الريع” في صيد الأسماك، والتي كنتُ تنبّأتُ، قبل الإعلان عن حكومة أخنوش في نسختها الأولى، أن رئيس الحكومة سينقل تدبير الدريوش لقطاع الصيد البحري من “كاتبة عامة” بالنيابة إلى “كاتبة دولة”، وهو ما تحقّق في التعديل، مما سيفتح أمامها كل الأبواب مشرعة لتعمل “العمايل” في الصيد البحري، وفي تقرير مصير ثروة المغاربة السمكية، وفي الاستفراد بملفات “الكوطات”!
– قطاع الصناعة التقليدية، وهنا إشكال حقيقي في هذا القطاع، يجسّد الزبونية في أفضح صورها، إذ أن المعيّن لتدبيره، الذي نال، السنة الماضية، شهادة “الماستر” في موضوع حول السياسات المائية، هو رئيس شبيبة حزب الأحرار، لحسن السعيدي، الذي بلا تاريخ ولا حكايات غير “التملّق” لرئيس حزبه، وكل ما عُرف عنه من تخصّصٍ هو شتم المعارضة، وكَيْل الاتهامات للمخالفين، وتخوين المحتجين على أخنوش وعلى حكومته، لذلك سيكون قطاع الصناعة التقليدية بين أيدي “كاتب دولة” كل رصيده هو “التشييت” و”الشتائم”!.
لقد ترك القصر لرئيس الحكومة صلاحية أن يدبّر بنفسه تفاصيل التعديل الحكومي، دون أن يتدخّل لا في الأسماء ولا في الحقائب، وفي اعتقادي أن هذه رسالة من الملك إلى حكومة أخنوش، تتضمّن موقفا سلبيا من نتائج التدبير الحكومي، الذي فشل في تحقيق انتظارات الملك وأجهض آمال المغاربة في العيش “أحسن”، إذ لم يروا إلا ما هو “أكفس” في حكومة، تعتبر نسختها الثانية “أسوأ” و”أفدح”، ولأنهم لم يروا فيها أيّ أثر لما نادى وأمر به الجالس على العرش من توجيهات حول توخّي الجدية والكفاءة والاستحقاق والاختصاص، وكل هذا وغيره يفتح الأبواب مشرعة أمام سيناريو الانتخابات السابقة لأوانها!!!.
يتبع..
على مسؤوليتي
خطاب افتتاح البرلمان.. هل غسل الملك يديه من الأحزاب والحكومة؟
* مراد بورجى
لا أخفي، وأنا أحضر أمس الجمعة جلسة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، أنني كنت أنتظر تقريعا، مباشرا أو مبطنا، للأحزاب وللحكومة معا، خصوصا أن فترة سنة، بين افتتاح برلمان 2023 وافتتاح 2024، وقعت فيها أحداث ومواقف ومسلكيات أساءت وتسيء للأحزاب، وبالتبعية للبرلمان وللحكومة.
فمشاريع وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، المدحي من الأمانة العامة للبام، جرّت على الوزارة والحكومة بل وحتى الدولة غضبا مهنيا غير مسبوق، وصل إلى حد تسجيل أكبر حركة احتجاجية في تاريخ نضالات المحاميات والمحامين، بمقاطعة جلسات المحاكم الجنائية لمدة أسبوعين، ابتداء من يوم الاثنين الماضي 7 أكتوبر، مع مقاطعة صناديق المحاكم لأسبوعين، وتنظيم وقفات أسبوعية لمدة ساعة كل يوم خميس.
كما تورّطت فاطمة الزهراء المنصوري، التي “تغيّبت” عن حضور جلسة افتتاح البرلمان، في ممارسات حزبية تعكس الدرك السحيق الذي وصل إليه العمل السياسي “غير النبيل”… و ظل نزار بركة، الحاكم بأمر حزب الاستقلال، يكمش على الحزب وحده وعلى هياكل الحزب وفي المقدمة هيئة “اللجنة التنفيذية” التي أدخلها غرفة الانتظار لمدة ستة أشهر كاملة… ناهيك عن الشبهات، التي أثيرت حول العديد من “الشخصيات” الحزبية وحتى الحكومية، فضلا عن الفضيحة الكبرى للبرلمان، الذي يعتبر ويفترض أن يكون عدد البرلمانيين المتابعين في ملفات الفساد موجِبا لإسقاطه وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها.
لكن يبدو، على الأقل في ما أعتقد، أن الجالس على العرش عبّر عن غضبه من كل هؤلاء، من الأحزاب ومن البرلمان ومن الحكومة، بعدم الحديث بالمطلق عن الأوضاع القائمة لدى الأحزاب والبرلمان والحكومة، باعتبار بداية سنة تشريعية جديدة هي بداية للاشتغال في أوراش ملحة سياسية واقتصادية واجتماعية، إذ اختار الملك أن يثير قضية محورية وحساسة، لكن كان يمكن تأجيلها إلى عيد المسيرة يوم 6 نونبر المقبل، أو كان ممكنا أن تتصدّر الخطاب الملكي ثم تتلوها قضايا الساعة المرتبطة بافتتاح البرلمان، قضية تدخل في المجال المحصور للقصر، ويشرف عليها الملك بصفة شخصية، وبسبب ذلك أو بفضله بالأحرى، حققت بلادنا إنجازات مشهودة في القضية، بتنامي الاعترافات الدولية بالسيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية، وبتضاعف التأييدات الدولية للمبادرة المغربية للحكم الذاتي.
اللحظة الوحيدة، التي قرّر فيها الملك الحديث إلى البرلمانيين، جاءت معبّرة جدا، وتحمل “رسائل من تحت الماء” لا تخفى، إذ عندما أراد الملك دفع غرفتي البرلمان إلى الانخراط الفاعل في هذا المجهود الوطني، استعمل عبارات لها معانيها وخلفياتها، يقول الملك في خطاب افتتاح البرلمان: “ندعو إلى المزيد من التنسيق بين مجلسي البرلمان، بهذا الخصوص، ووضع هياكل داخلية ملائمة، بموارد بشرية مؤهّلة، مع اعتماد معايير الكفاءة والاختصاص، في اختيار الوفود، سواء في اللقاءات الثنائية، أو في المحافل الجهوية والدولية”…
هل عرفتم الآن لماذا ألغى الملك الأحزاب والبرلمان والحكومة من أجندة خطاب افتتاح السنة التشريعية الجديدة؟ لاحظوا المصطلحات المستعملة في المقتطف أعلاه:
– هياكل ملائِمة
– موارد بشرية مؤهلة
– اعتماد الكفاءة والاختصاص
يعني أن الأحزاب والبرلمان والحكومة لا تتوفّر على هذه المعايير الثلاثة، التي لو كانت موجودة، لكانت محل تأكيد وتنويه وإشادة من قبل الملك… الرسالة واضحة هنا، إدانة ملكية للغياب الفادح للملاءمة والتأهيل والكفاءة والاختصاص، وأن هذه الأحزاب، وهذه الحكومة لم تعد تنفع في شيء، وقد يكون هذا سبب اختيار “القصر” لهذه الآية بالذات: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}.
على مسؤوليتي
مراد بورجى يكتب: مغرب ولي العهد ومأسسة المخزن العميق
1/3- المجلس الأعلى للأمن القومي المغربي.. دقّت الساعة!
* مراد بورجى
من المفيد جدا العودة إلى الخرجات الإعلامية المتعددة والمتزامنة لكل من مصطفى الرميد ولحسن الداودي (الوزيرين السابقين عن حزب العدالة والتنمية، الذي ترأس الحكومة لعشر سنوات كاملة)، لنفهم “الدور المحوري”، الذي يقولا إن رجالات “المخزن العميق” لعبوه لتسهيل ولوج حركاتهم الإسلامية، في عز الذروة، إلى الحياة السياسية المغربية من بابها الواسع، وأنهما ممتنان لهؤلاء لدرجة أن قال “وزير الدولة” مصطفى الرميد أن “المخزن العميق نعمة”!!
والواضح أن “الرسالة” هنا موجّهة لكل من ينتقدون النظام اليوم، وكأن عليهم أن يسلكوا نفس مسلك البيجيدي لدخول والتموقع في المشهد الحزبي أو السياسي ككل. كما تحمِل الرسالة، كذلك، ردا واضحا على الوثيقة السياسية لجماعة العدل والإحسان، في شقّها المتعلق بالملكية البرلمانية، وانتخاب “هيئة دستور جديد”، حيث بعث الرميد “رسالة” إلى شباب الجماعة المنفتح على خوض غمار السياسة من داخل الحقل الحزبي المغربي، وإلى كل من يرى في دستور 2011 أنه ممنوح، مفادها أن عملية انتخاب هذه “الهيئة” ستكون، بالضرورة الديمقراطية “التأسيسية”، مفتوحة على الجميع، ولن تستطيع القلة، التي تشكّلها الفئة المعارضة ل”الحكم”، منع باقي الأحزاب والمكونات من تقديم مرشحيها وتحقيق هيمنتها وفرض رؤيتها…
كما قدّم الرميد شرحا مبطّنا لقضيتين: أولا، ما كان قد جرى لأحمد الريسوني، عندما دعا المخزن العميق، في بداياته الأولى، إلى الاجتماع مع أعضاء الأمانة العامة ببيت المؤسس عبد الكريم الخطيب، حضره مبعوث الملك وقتها فؤاد عالي الهمة، في أول ظهور له بهذه الصفة، وكان مصحوبا بأحمد التوفيق وزير الأوقاف، حيث سيتم اتخاذ قرار “إزاحة” الريسوني من على رأس حركة التوحيد والإصلاح، وطال هذا القرار إزاحة الرميد نفسه من رئاسة فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب… ثانيا، ما كان قد جرى لعبد الإله بنكيران، عندما استدعاه القصر، ليعينه الملك رئيسا للحكومة في نسختها البيجيدية الثانية، وتفاجأ بنكيران بوجود مصطفى الرميد بالقصر، ليحضر الجلسة مع الملك بعد التعيين، والتي لم تمر بسلام، فقد تلقّى فيها بنكيران اللوم الملكي…
ما تحفّظ مصطفى الرميد عن ذكره، خلال خرجته الإعلامية مع الزميل يونس مسكين، هو كون بنكيران، خلال الحملة الانتخابية لتشريعات 2011 على ضوء الدستور الجديد، بدا في أحيان كثيرة مندفعا، وراح يطلق تصريحات بعضها كانت متهوّرة، صوب مدفعيته وقتها نحو فؤاد عالي الهمة يطلب من الملك صراحة إبعاده من العمل الحزبي، وهو ما كان، لكن بنكيران بعد فوز حزبه في تلك الانتخابات، انقلب على دستور 2011، وفرض نفسه رئيسا للحكومة بدل سعد الدين العثماني، الذي كان يفاوض “الخارج” قبل الربيع العربي بسنوات، وأصدرت الأمانة العامة بلاغاً يقول لحسن الداودي إنه هو من تلاه، ويؤكّد بلاغُ “قطعِ الطريق” أن الأمانة العامة “قررت” أن يكون عبد الإله بنكيران رئيساً للحكومة، وهو أيضاً ما كان، لكن بنكيران ظل يثير جدلا متصاعدا عندما كان يصرّف “رسائله”، من خلال ثلاثة أذرع تتحدّث بلسانه “المستتر”، ذراع إعلامي (أخبار اليوم) وذراع سياسي (صقور الحزب) وذراع فكري (كُتّاب الحزب)، وكان أحيانا يتوجّه إلى قنوات أجنبية، وتركيزا فضائية “الجزيرة” القطرية، مثلما جرى لدى استضافته من طرف الصحافي الزميل أحمد منصور، فصار يطلق تصريحات “هوجاء” وصلت إلى حد توجيه ضربات صريحة للدستور المغربي، وتقديم الملك بصورة “الحاكم المستبد بكل شيء”! فالملك، كما صرّح بنكيران بصفته هذه المرة رئيسا للحكومة المغربية للفضائية القطرية، (الملك) هو المسيّر الفعلي للحكومة التي يترأسها، فيما هو، يقول بنكيران، فقط مجرد وزير بهذه الحكومة، وبالخصوص عندما يحضر للمجالس الوزارية، وكان لافتا أن بنكيران يطالب ضمنا بصلاحيات أكبر، وهذا ما فهمه مراقبون من الافتتاحيات التي كانت تدعو بنكيران إلى المطالبة بصلاحيات واسعة مؤطّرة بدستور يعتبره فضفاضا إن لم يتم تفعيله بطريقة توضح بجلاء “ما للملك وما لبنكيران”، كما تدعوه إلى شنّ حربٍ على من أسماهم بـ”حزب الاستوزار” داخل البيجيدي..
“رسائل” بنكيران ستصل إلى القصر، وسيجيب عليها الجالس على العرش، بعد كل ذلك، بكثير من الحزم والحدة وبثلاثة أجوبة: الجواب الأول كان باللوم المباشر، لدى تعيينه رئيسا للحكومة بحضور الرميد (10 أكتوبر 2016)، والثاني بقرار إبعاده عن رئاسة الحكومة (15 مارس 2017)، والثالث بتقريعه هو وباقي زعماء الأحزاب السياسية في خطاب للعرش (29 يوليوز 2017)، وكانت الرسالة واضحة في انتقاداتها السياسية، التي كانت شديدة اللهجة، تعكس غضب الملك من ممارسات النخبة المهيمنة والمستخلدة في الأحزاب، والتي “عندما تكون النتائج إيجابية، تتسابق الأحزاب والطبقة السياسية والمسؤولون، إلى الواجهة، للاستفادة سياسيا وإعلاميا، من المكاسب المحققة.. أما عندما لا تسير الأمور كما ينبغي، يتم الاختباء وراء القصر الملكي، وإرجاع كل الأمور إليه”، بتعبير الملك…
المقصود، هنا، هو التمهيد لموضوعنا بتقديم بعض الإشارات المعبّرة، على أساس أن أعود إليها للتفصيل في ملابساتها وبعض مساراتها، خصوصا أن جزءًا كبيرًا من معلومات ومعطيات المرحلة مازال مخفيا، وسيظل الحال على ما هو عليه، إن لم نستمر، كل من موقعه، في نبش ذاكرة مجموعة من الشخصيات التي كانت فاعلة ومؤثّرة بمواقع مختلفة، بغرض تشريح مرحلة مهمة من حياة المغرب، تبتدئ من بداية الإعداد لمرحلة المرور السلس لحكم الملك محمد السادس، لكي نستطيع فهم ما يجري اليوم من إعدادات للمرور إلى مغرب ولي العهد مولاي الحسن “الثالث”، وكذا فهم بعض ميكانيزمات اشتغال المخزن العميق، وعلى رأسه الملك محمد السادس…
في هذا الإطار العام، يمكن موضعة خرجة مصطفى الرميد، الذي خرج، في بادئ الأمر، من تلقاء نفسه، ليعرض وجهة نظره في ما جرى لحزبه، مستعيرًا أسلوب بنكيران في حكي بعض الأمور، التي جرت بينه وبين الملك وحوارييه، وكذا ليبعث لمن يعنيهم الأمر أن الرجل مستعد لمهمة خارج الحقل الحزبي، فكان أن كلّفه القصر بحل معضلة “الحملة ضد الاعتقال السياسي”، المشتعلة بالخارج، لتيسير مهمة ترؤس المغرب للجنة الأممية المكلفة بحقوق الإنسان، فكان أن أصدر الملك عفوه في لحظتين سياسيتين قويتين: العفو عن الصحافيين والنشطاء والمدونين (عيد العرش) والعفو عن مزارعي الكيف (ثورة الملك والشعب)، فيما ينتظر أن يلتقط البرلمان الإشارة لفتح النقاش داخل “قبّة التشريع” ليمتد العفو إلى معتقلي الريف وبعض معتقلي اگديم إزيك، الذين تم تدويل قضيتهم..
كل هذه القضايا سنعود إلى التفصيل فيها من خلال حلقات هذا المقال، للمساهمة في محاولة فهم تَشكّلات مرحلة سياسية دقيقة من حياة بلادنا، مرحلة كان الكتمان والغموض مقصودان، في أغلب أحيانها، من طرف “المخزن”، الذي لم يكن “عميقا” بعد، حيث رجالاته مروا من مراحل كانت أولى بداياتها مرحلة الراحل عبد الرحمان اليوسفي، التي قاد فيها الوزارة الأولى، وكان ينعتهم بـ”جيوب المقاومة”، بعد ذلك جاءت مرحلة الاستقلالي عباس الفاسي، حيث كانوا يوصفون بـ”حكومة الظل”، أمّا أبرز مرحلة فهي مرحلة عبد الإله بنكيران، الذي كان يُفرّق بين مستويات الجهة المخزنية “الغامضة”، التي يزعم أنها كانت تُناهضه، فكان عندما يريد استهداف أشخاص يدّعون قُربهم من النظام، يستعمل “التماسيح” (عزيز أخنوش) و”العفاريت” (إلياس العمري)، وعندما كان يريد أن يستهدف “الجهات العليا”، كما يقول، والتي يتهمها أنها هي من تُناهضه بتسخير تلك التماسيح والعفاريت، يستعير عبارة “الدولة العميقة” من الولايات المتحدة الأميركية، التي يسيّرها، في الأصل، المجلس الأعلى للأمن القومي… وهنا، نصل إلى بيت القصيد، إذ قد تكون هذه “الاستعارة” مدخلاً للخروج من “الغموض”، مقابل وضوح الرؤية المستقبلية لمغرب الغد، عبر شرعنة هذا الجانب “الغامض” من “الحكم”، ومن خلال تفعيل الفصل 54 من دستور 2011، الذي ينص على إحداث “المجلس الأعلى للأمن” القومي المغربي…
مسألة “وضوح الرؤية” أصبحت تطرح نفسها، بصفة ملحّة، باعتبار “المجلس الأعلى للأمن” يشكّل جزءا بنيويا من منظومة الحكم في المغرب، التي مازالت في حاجة إلى مراجعة هياكلها على ثلاثة مستويات: الأول استكمال البناء بتفعيل عدد من المؤسسات الدستورية، التي مازالت حبرا على دستور 2011 (المجلس الأعلى للأمن)، والثاني تجديد هياكل أخرى لمؤسسات باتت خارج القانون (المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان)، أما الثالث فهو إعادة النظر في مؤسسات دستورية قائمة (البرلمان بالخصوص، إضافة إلى المجالس العليا من حسابات ومنافسة وتعليم واقتصاد واجتماع وبيئة… إلخ)، حيث لا غنى عن خوض ثورة داخلية حقيقية تعيد العديد من المجالس والمؤسسات الدستورية والعمومية إلى سكة البناء والتطور والتغيير، لتتحمّل مسؤولياتها كاملة في تدبير مختلف جوانب الأمن المجتمعي لكل المغرب ولعموم المغاربة… ويمكن الوقوف عند نماذج من المؤسسات المذكورة، بمختلف مستوياتها، لتكون الصورة أوضح حول أعطاب الماضي وإشكالات الحاضر وتحديات المستقبل، لأن السؤال الأساس يبقى دائما: إلى أين يسير القصر بالمغرب؟
أبرز نموذج لهيئات المستوى الأول، تظهر في الواجهة مؤسسة المجلس الأعلى للأمن “القومي المغربي”، التي باتت ساعة ميلادها تدق بقوّة، لمواجهة المخاطر والتهديدات المحدّقة ببلادنا، وللمساهمة في تدبير التحديات والرهانات، التي يرفعها مغرب محمد السادس، لبناء أسس صلبة لمغرب الغد، مغرب جيل ولي العهد..
هذه المؤسسة الدستورية محكومة بدستور 2011، الذي أفرد لها نصا مرجعيا مفصّلا، من خلال الفصل 54، الذي أطّر هيكلة واختصاصات المجلس الأعلى للأمن بصفته “هيئة للتشاور بشأن استراتجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات، والسهر أيضا على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة”.
وعلى غرار التجارب المشهودة في العالم، فإن الملك، باعتباره رئيس الدولة، هو الذي يرأس المجلس الأعلى للأمن القومي وفق الفصل 54 دائما، وله أن يفوّض لرئيس الحكومة صلاحية رئاسة اجتماع لهذا المجلس، على أساس جدول أعمال محدد.
وبخصوص تركيبة المجلس الأعلى للأمن، يحددها الفصل 54 من الدستور في رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، والرئيس المنتدب للسلطة القضائية، والوزراء المكلفين بالداخلية والشؤون الخارجية والعدل وإدارة الدفاع الوطني، وكذا المسؤولين عن الإدارات الأمنية، وضباط سامين بالقوات المسلحة الملكية، وكل شخصية أخرى يعتبر حضورها مفيدا لأشغال المجلس، طبقا للفصل إياه..
قد يطرح البعض إشكال “الدونية”، إن صحّت التسمية، في تنظيم العمل بالمجلس، بمقتضى “نظام داخلي” وليس بمقتضى “قانون تنظيمي”، الذي هو أكثر قوّة، كما هو الحال في عدد من المؤسسات الدستورية، فقد نصّ الفصل 54 على أنه “يُحدِّد نظامٌ داخلي للمجلس قواعدَ تنظيمه وتسييره”… لكنني أعتقد أن هذه مسألة ستكون واردة في مراجعة مرتقبة للدستور، ولذلك فإن الأهم، اليوم، هو الضرورة القصوى لتفعيل المجلس الأعلى للأمن، الذي يعتبر أول مؤسسة أمنية ينصّ عليها الدستور الجديد، وهي غائبة منذ 13 سنة على وضع أول دستور في عهد محمد السادس، بعد 5 دساتير في عهد الحسن الثاني، وهي ضرورة ملكية وشعبية وديمقراطية ودستورية واجتماعية، في محيط وطني وإقليمي ودولي متغيّر ويحبل بالكثير من التحديات والمخاطر، التي تجعل أمن المغاربة في صدارة كل الأجندات..
ومن الطبيعي أن أمن المغاربة موزّع على مختلف المجالات والقطاعات، لكن، إذا أخذنا بالاعتبار رهانات المرحلة الحالية وتخطيطات المرحلة المقبلة، فإن صدارة تلك القطاعات تقع على عاتق السياسة الأمنية، التي قطع فيها المغرب أشواطا ملحوظة، منها ما هو تطوّري، ومنها ما هو مشدود إلى أزمنة ماضية نحلم أن تصبح بائدة إلى الأبد، وهذا يصبّ في مطلب “الحكامة الأمنية”، حيث يصبح التنسيق منظما ومنتظما وممنهجاً بين الأجهزة الأمنية المتنوّعة، وحيث تتمّ مأسسة السياسة الأمنية وتتلاقح تصوّرات المتدخّلين الأمنيين بالمتدخلين المدنيين في بوتقة يكون مبتدأها وخبرها هو الاجتهاد والابتكار في تدبير حالات الأزمات، التي قد تشكل مخاطر على الأمن القومي للدولة المغربية، بما في ذلك دمج البعد الأمني في بناء التصورات والتحاليل الاستراتيجية للقضايا السيادية، سواء منها المحورية أو البنيوية ذات الصلة بالأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي والأمن الغذائي والأمن الصحي والأمن الطاقي..
الجالس على العرش يعي دقّة الظرفية ودقة هذا التحدّي، كما أنه لا يكفّ عن الحديث عن ضرورة احترام الدستور والانكباب على إخراج المؤسسات الدستورية إلى حيّز الوجود، وهذا ما أشار إليه غير ما مرة في أكثر من خطاب، إذ أكد بالحرف، في أحد خطبه أمام البرلمان، على أن التحديات المطروحة على بلادنا “تتطلب العمل الجاد والتحلي بروح الوطنية الصادقة لاستكمال إقامة المؤسسات الوطنية”، وزاد الملك مشدّدا على أن هذه “المؤسسات لا تهمّ الأغلبية وحدها أو المعارضة، وإنما هي مؤسسات يجب أن تكون في خدمة المواطنين دون أي اعتبارات أخرى. لذا ندعو إلى اعتماد التوافق الإيجابي في كل القضايا الكبرى للأمة. غير أننا نرفض التوافقات السلبية، التي تحاول إرضاء الرغبات الشخصية والأغراض الفئوية على حساب مصالح الوطن والمواطنين، فالوطن يجب أن يظل فوق الجميع”..
فهل تكون استمرارية “التوافقات السلبية” في المشهد السياسي المغربي هي التي وراء تعطّل إخراج مؤسسة “المجلس الأعلى للأمن” إلى النور؟!.
-
على مسؤوليتي منذ 7 أيام
تعديل أخنوش الحكومي..هل يستعد المغرب لانتخابات سابقة لأوانها؟
-
سياسة منذ 3 أيام
هذا سبب ظهور الملك محمد السادس مستندا إلى عكاز طبي
-
دولي منذ 6 أيام
عاجل: إسرائيل تضرب منشآت لصنع الصواريخ في إيران
-
رياضة منذ 6 أيام
كرة القدم النسوية.. المنتخب المغربي يفوز وديا على نظيره التنزاني (4-1)
-
مجتمع منذ 5 أيام
طنجة ..حجز 72 كيلوغراما و180 غراما من الكوكايين
-
دولي منذ 5 أيام
ارتفاع عدد حالات التسمم الغذائي في “ماكدونالدز” بالولايات المتحدة الأميركية
-
اقتصاد منذ 5 أيام
وصول أول رحلة مباشرة تربط نيويورك بمراكش
-
رياضة منذ 5 أيام
بلال الخنوس مرشح لجائزة أفضل لاعب واعد في العالم