كثيرا ماتساءلنا عن سبب تزايد التعامل بالكاش، عوض البطاقات البنكية والأداء عبر الهاتف وتأثير ذلك، على القيمة الاجمالية للودائع البنكية وارتفاع السيولة النقدية في السوق النقدي.
ظاهرة يرجعها خبراء الإقتصاد وعلماء الإجتماع الى عدة عوامل سوسيو اقتصادية و إجرامية، تطرق إليها والي بنك المغرب، عبداللطيف الجواهري، عند ترأسه الندوة الصحافية حول موضوع “الشمول المالي” بحضور الملكة ماكسيما زوريجويتا، ملكة الأراضي المنخفضة، بصفتها المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون التمويل الشامل من أجل التنمية، التي حلت بالمغرب في زيارة رسمية حيث قال بالحرف:
“.. ارتفع تداول النقد ؛ الكاش؛ بين المغاربة، في نهاية العام الماضي بنحو 10.8 في المائة على أساس سنوي، ليصل إلى حوالي 354,8 مليارات درهم “.
و هو الأمر، الذي جعله يفكر في فرض ضريبة على “المعاملات النقدية”، حسب تعبيره.
الدراسات السوسيو اقتصادية، ترجع سبب ارتفاع التداول بالكاش، عوض التعامل بالعمليات البنكية والأداء عبر الهاتف بالمغرب، إلى العامل الثقافي، بالإضافة إلى أسلوب الادخار السائد في المجتمع المغربي، هذا فضلا عن مستوى الثقة في العمليات البنكية.
فثقافة المواطن المغربي، تعطي الاولوية، لعنصر الادخار والاكتناز في البيوت والاستثمار في شراء الذهب والعقار، على الدخول في ” مغامرات” و ” مجازفات” غير محسوبة العواقب بالنسبة له، عوض التعامل مع البنوك و السوق المالي ( البورصة) مما جعل التعامل النقدي (الكاش ) يرتفع من سنة لأخرى خصوصا في ظل أزمة كوفيد 19 التي رافقها تطبيق إجراءات الحجر الصحي، حيث اعتمد المواطن المغربي، بشكل كبير لمواجهة هذا المستجد، على مدخراته.
فحسب والي بنك المغرب، فان منظومة الأداء عبر الهاتف، التي تسعى إلى التقليل من التعامل بـ”الكاش”، تم وضعها منذ سنوات، إذ بلغت المحافظ الإلكترونية المسجلة نحو 8 ملايين ولكن المعاملات بها تبقى دون التطلعات .
للتذكير فان الأداء عبر الهاتف المحمول، المُسمى “المحفظة الإلكترونية” (M-wallet) هو وسيلة أداء جديدة في المغرب، على شكل تطبيق يتم تحميله على الهاتف، ويكون مرتبطاً بحساب مفتوح لدى مؤسسة أداء أو بحساب بنكي يخول لمستعمليه :
# إنجاز مجموعة من عمليات الأداء بشكل آني، مثل تحويل مبالغ مالية إلى شخص آخر بإدخال رقم هاتف المرسل إليه فقط.
# الأداء مجاناً لدى التجار المعتمدين، أداء فواتير الماء والكهرباء والضرائب والهاتف.
# السحب من الشبابيك البنكية.
رغم كل هذه الامتيازات والتسهيلات التي يوفرها الأداء عبر الهاتف، يبقى التعامل بالكاش هو الثقافة السائدة لدى المواطن المغربي مما يجعلنا نتساءل هل أسباب عدم توفق البنوك المغربية في اقناع المواطن المغربي بالتعامل بالأداء عبر الهاتف والبطاقات البنكية راجع الى :
# ضعف مستوى ثقة المواطن في الابناك ؟.
# الرغبة في تفادي المصاريف البنكية المحتسبة على العمليات البنكية التي تسحب من الحساب البنكي بدون تفسير وتوضيح من المؤسسات البنكية؟.
# عدم انخراط تجار القرب في العملية بسبب التخوف من أداء الضريبة على القيمة المضافة، وهي ضريبة معقدة بالنسبة لهم من حيث تدبيرها وحسابها وكلفتها”؟.
و الخلاصة، أن تشجيع المواطن المغربي على التعامل بالأداء عبر الهاتف والبطاقات البنكية، لا زال مستعصيا، كما أشار إلى دلك، والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، و تغيير هذا الواقع، يتطلب بدل مجهود مضاعف على المستوى الثقافي و الإعلامي.
هذا و تجدر الإشارة، إلى أن المغرب، يتديل البلدان التي تنخفض فيها نسبة المعاملات البنكية عبر الهاتف أو البطاقات، وهذا الواقع له سلبيات عدة؛ فهذه الظاهرة يمكن استغلالها في تمويل الإرهاب وغسيل الأموال”،كما يعيق الوصول إلى الخدمات المالية، المتعددة، مثل الادخار والاقتراض والتأمين.
اذا كان القطاع البنكي المغربي لم يتوفق في اقناع المواطن المغربي بالتعامل بالأداء عبر الهاتف والبطاقات البنكية عوض التعامل بالكاش رغم تزايد ارتفاع معدل الاستبناك، فهل ستنجح سياسة فرض ضريبة على هذه المعاملات النقدية في انخفاض الكاش ومراقبة المعاملات المشبوهة في استعمالها لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب؟؟؟.
* ادريس العاشري