على مسؤوليتي

معز كراجه يكتب..حرب غزة أكثر تعقيدا من أن تختزل في النصر والهزيمة

نشرت

في

بالأمس تحدث نتانياهو عن أربعة شروط لأية صفقة قادمة. الملفت فيها ذلك الشرط الذي يتحدث عن “عدم السماح بعودة مسلحين إلى شمال القطاع”.

هل هذا يعني أنه سيسمح بوجودهم في الجنوب؟! طبعا لا، ولكن هذا شرط تقني سيستخدم كأحد ادوات منع عودة السكان عموما الى الشمال. وهذا ما يفسر أيضا الهدف السياسي من عملية التجويع القائمة هناك، وهو تفريغ الشمال من السكان قدر الإمكان. بعض التقديرات الإسرائيلية تشير الى بقاء حوالى 200 الف انسان من أصل حوالى مليون

خبر آخر ملفت جاء في تسريبات صحيفة واشنطن بوست عن مضمون الصفقة المحتملة، ويتحدث عن احتمالية موافقة 7 ماس على مشاركة 2500 عنصر أمن فلسطيني في إدارة القطاع خلال المرحلة الثانية من الصفقة، الى جانب قوات عربية وأمريكية.

الملفت هنا هو وصف هذه العناصر الأمنية الفلسطينية بأن “لديها ميول للسلطة الفلسطينية، ولكنها لا تمثل السلطة”. وهذا ينسجم مع شرط الحكومة الإسرائيلية وحديثها الدائم عن عدم قبول عودة السلطة الفلسطينية بأي شكل الى القطاع. وهي نقطة خلاف رئيسية بين الحكومة الاسرائيلية والمعارضة وبينها وبين أمريكا أيضا.

المهم هنا، أن عدم قبول عودة السلطة يأتي في سياق المشروع السياسي الإسرائيلي من هذه الحرب و القائم في أحد مرتكزاته على “تفكيك الكيانية الفلسطينية” وإنهاء “التمثيل المؤسساتي الوطني للفلسطينيين”، والتحول لصيغة إدارة بيروقراطية مناطقية مجردة للسكان، بعيدا عن أي تعبير سياسي وطني لهم

بغض النظر عن إمكانية وقدرة إسرائيل على تنفيذ ذلك، المهم أن مثل هذه الاخبار تنفي وتنسف الخرافة الإعلامية التي مازالت تتكرر بعد تسعة شهور ومفادها أن إسرائيل تخوض حربا عمياء لا أفق سياسي لها، أو بشكل أدق، تقول هذه الخرافة الإعلامية أن نتانياهو هو المأزوم الذي يقود حربا بلا هدف

من يريد أن يقرأ ويدقق في الخطاب والسلوك الإسرائيلي وفي تطور وتراكم الفعل الميداني الإسرائيلي، سيدرك أن هناك مشروع واضح وجذري. ولكن للأسف انحسر الوعي الفلسطيني بهذه الحرب ومنذ بدايتها ضمن ثنائية “النصر والهزيمة”، فهناك فريق لا يقرأ الواقع إلا بلغة “الانتصار” ، وفريق آخر لا يرى في الأفق إلا “الهزيمة”، وهما في حالة مناكفات دائمة

واذا دققتم في الرواية الإعلامية العربية ستجدونها أيضا في غالبيتها منقسمة ضمن ذات الثنائية. ومنطق الثنائيات هذه لا يمكن أن يساعدنا على بناء قراءة موضوعية للواقع وتطوراته. فهذه حرب أكثر تعقيدا من أن تختزل في النصر والهزيمة.

الواقع يتغير ويتحول من حولنا كل يوم، ووعينا به ثابت لا يتغير، وهذا ما يجعل الإسرائيلي قادر على تمرير ما يسعى إليه بسهولة اكبر.

* معز كراجه

انقر للتعليق

الاكثر مشاهدة

Exit mobile version