لعل الإنسان الغزاوي أكثرنا واقعية، وإن كان لا بد من أسطرة له، فهي قدرته على التعامل مع الواقع على حقيقته. كل من يتحدث أمام الكاميرا يدرك انه عائد الى ركام، ولكنه يقول لك، خيمتي الخاصة على ركام بيتي أفضل من العيشة في مخيم واسع!
وما هي السياسة غير القدرة على رؤية الواقع كما هو والتعامل معه بالأدوات المناسبة وبوعي الفرص والمخاطر فيه، ومحاولة تطويعه قدر الإمكان. أليس بهذا العمل المحدد المنمنم والفعل الفردي والجماعي والخطوات “الصغيرة”، تهزم المشاريع الكبيرة .
ولكن في السياسة أيضا، هناك من يعيش الحرب بتفاصيلها ويواجه بشاعتها يوميا ويقاومها ويحاول النجاة منها، مقابل من ينشغل بأسئلتها النظرية وبمحاولة تفسيرها. هناك من ينشغل بسؤال إن كانت هذه العودة الأولى منذ النكبة أم الثانية، مقابل العائد الذي يفكر بالماء والكهرباء، أي بمقومات الصمود والبقاء. هناك من يحاول هندسة صورة محددة لهذه العودة دون غيرها، مقابل المنشغل بإعادة هندسة بقائه على الارض.
الشعار الوطني السليم هو الذي يشتق من الواقع والتجربة، ولكن لا يمكن للشعار المجرد أن ينتصر على الواقع .
والغزاوي إبن الواقع والتجربة، يدرك أن الجمع سينفض من حوله فور إنطفاء الأضواء عنه ومغادرة الكاميرات، وهنا يبدأ الجزء الثاني من القصة، فالإبادة فعل مستمر بنار أو بدونها، وهو وحده بواقعيته وبضرورة الظرف، سينشغل بسؤال البقاء والنجاة منها! .
لا وقف إطلاق النار ولا العودة هي نهاية القصة ونهاية الخطر، لذلك على غزة أن تعيد تعريف السياسة لدى الفلسطينيين عموما، لعل هذا هو أحد أهم الدروس الواجب تعلمها من غزة حتى اللحظة!!.