على مسؤوليتي
سعيد الكحل..زمن الميليشيات المسلحة إلى زوال

نشرت
منذ شهرينفي
بواسطة
حسن لمزالي
تغوّل الميليشيات.
استغلت الميليشيات المسلحة ضعف الدول وعجزها عن فرض سلطتها على مكوناتها العرقية أو الطائفية أو الإيديولوجية، لتشكيل تنظيمات مسلحة لا تدين بالولاء للدولة/الوطن، ولا تخضع للقوانين. بل تُخلص في ولائها لجهات خارجية توظفها لخدمة مصالحها وتنفيذ أجنداتها حتى وإن تعارضت مع مصلحة الوطن أو شكلت خطورة على أمنه واستقراره.
وما يعقّد من الأوضاع الداخلية لمثل هذه الدول (سوريا، العراق، لبنان، اليمن..)، أن تلك الميليشيات باتت دولا موازية داخل الدول تفرض على الحكومات كيفية إدارة الدولة من الناحية السياسية والاقتصادية والأمنية، وقد بلغ بها الأمر إلى تعطيل الدستور وشل المؤسسات (احتل مسلحو حزب الله بيروت في عام 2008 لإرغام الحكومة على التراجع عن قراراتها التي لم يوافق عليها الحزب، كما عطّل انتخاب الرئيس لأزيد من عامين، ورفض تطبيق اتفاق الطائف والقرارات الأممية 1559 و 1860 و 1701). كما مكّنها ولاؤها الخارجي من الحصول على ترسانة من الأسلحة لا تمتلكها جيوش دولها، فجرّت على البلدان حربا لم تحقق بها سوى الخراب. في 2006، نفذ حزب الله عملية خطف جنديين إسرائيليين كانت كارثة على لبنان جعلت الأمين العام لحزب الله حينها، حسن نصر الله، يصرح بأنه لو كان يعلم رد إسرائيل سيكون مدمرا لما نفذها.
وكذلك فعلت حماس في مهاجمتها إسرائيل دون تنسيق مع السلطة الفلسطينية، بعدما تمردت عليها واستقلت بقطاع غزة فجرّت عليه الموت والجوع والدمار والتهجير (وفقا لتصنيف الأمم المتحدة، تحتاج غزة إلى 80 عاما لإعادة إعمارها كما كانت قبل 7 أكتوبر).
يمثل لبنان واليمن والعراق وسوريا وليبيا، نماذج للدول التي تغولت فيها الميليشيات المسلحة وعاثت فيها تخريبا وفسادا عبر تنفيذ سلسلة الاغتيالات ضد شخصيات وطنية ومثقفين وزعماء دينيين، والاتجار في الأسلحة والمخدرات وصنعها.
الطوفان يجرف مخربي الأوطان
شكلت تجربة إنشاء تنظيم حزب الله كأداة إيرانية للإطباق على الدولة اللبنانية، من مدخل “المقاومة” ومواجهة خطط الاحتلال الإسرائيلي، حافزا لها لخلق أذرع مماثلة في الدول التي توجد بها طائفة شيعية. وقد لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دورا رئيسيا في تذليل الصعاب أمام ملالي إيران لتوسيع نفوذهم بغزو العراق وإسقاط أقوى نظام سني/قومي وقف حاجزا أمام تصدير الثورة/الفوضى الخمينية.
تلك هي إستراتيجية ملالي إيران بغرض تطويق وتفكيك دول الخليج واسترجاع أمجاد الإمبراطورية الفارسية التي أسقطها العرب المسلمون. فروح الانتقام ثاوية في خطط إيران ومؤامراتها، والتي لم تسلم منها حتى تركيا عبر الدعم المالي والعسكري لحزب العمال الكردستاني PKK.
حسابات ملالي إيران ستصطدم بشكل كارثي وكاريكاتوري مع عناد إسرائيل وقوتها العسكرية مباشرة مع إطلاق شرارة “طوفان الأقصى”. أرادت إيران أن تكون اللاعب الوحيد في مواجهة إسرائيل لاسترجاع مجدها التليد. فكان “طوفان الأقصى” تخطيطا وتدريبا وتمويلا من إيران التي راهنت عليه في تطويق إسرائيل ومَرْمَدَتها كما تفعل الضباع الجائعة حين تنفرد بأسد أثخنته الجراح.
هكذا انخرطت الميليشيات الموالية لإيران في مهاجمة إسرائيل بعد رفع شعار “وحدة الساحات”. وقد لعب حزب الله الدور الأبرز في مخطط الإطباق على إسرائيل وتشتيت قدراتها العسكرية بجرها إلى حرب برية تكون أخطر من التي خاضتها سنة 2006. طبعا إسرائيل ليست بالغباء لتسقط في نفس الأخطاء، فواجهة ميليشيات إيران بالقوة التدميرية التي لم تألفها من قبل عجزت الخنادق والتحصينات عن حماية الرموز والقيادات من القتل والاستهداف. كانت إسرائيل مصممة على قطع أذرع إيران بعد أن منحتها حماس الفرصة الذهبية وفتحت لها بوابة “طوفان الأقصى” لتعيد رسم معالم شرق أوسط جديد خال من الميليشيات المسلحة.
كان الهدف من الطوفان إضعاف إسرائيل وتقوية “جبهة الممانعة” أو “محور المقاومة”، ومن خلالها تعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة وتقوية الميليشيات المسلحة حتى تستنسخ تجربة حزب الله في بقية الدول العربية ذات المكون الشيعي. لكن جرت رياح الطوفان بما لا تشتهيه سفن إيران وميليشياتها. إذ تمكنت إسرائيل من ضرب القدرات العسكرية لإيران وتحييد حزب الله بعد فرض تطبيق القرار الأممي 1701 الذي ينص على حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية؛ فبدأت مكونات “محور المقاومة” في الانفراط تباعا، إذ سقط نظام بشار وارتدعت إيران وانهارت الميليشيات في سوريا والعراق ثم اليمن بعد أن دك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حصون ومخازن وخنادق الحوثيين فأجبرهم على الاستسلام والكف عن مهاجمة السفن في البحر.
إن فشل “طوفان الأقصى” في تحقيق الأهداف التي أُطلق من أجلها، عجّل بوضع نهاية للوجود الميليشياوي المسلح في تركيا بعد إعلان PKK حل التنظيم وتسليم السلام لما أدرك أن منابع التمويل جفت بانهيار نظام بشار وارتداع إيران، ثم في لبنان بموافقة ما بقي من حزب الله على تنفيذ القرارات الأممية وعلى رأسها قرار 1701. أما سوريا، فقد تعهد أحمد الشرع بحل الميليشيات ومنع مهاجمة إسرائيل وتجميع السلاح بيد الدولة؛ بينما غزة كانت ضحيته الأولى من حيث عدد القتلى وحجم الدمار والتجويع.
وبهذا يكون “طوفان الأقصى” قد أنهى، من جهة، نفوذ إيران في سوريا وبقية دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث كان الملالي يسعون لتوظيف ميليشيا البوليساريو لضرب المغرب وزعزعة استقراره؛ ومن أخرى، أنهى الخيار العسكري، سواء الدولتي أو الميليشياوي، ضد إسرائيل لتحرير فلسطين.
على مسؤوليتي
سعيد الكحل: يوم ناهضت نساء البيجيدي حقوق المرأة

نشرت
منذ 7 ساعاتفي
يوليو 29, 2025بواسطة
سعيد لكحل
*اللي اختشو ماتو.
خرجت نساء البيجيدي، يوم 15 يوليوز 2025، ببيان يدافعن فيه عن بنكيران وتصريحه الذي دعا فيه الفتيات المغربيات إلى الزواج بدل الدراسة: “تنقول للبنات سيرو تزوجو، راه ماغدي تنفعكم لا قرايا لا والو”، محذرا إياهن من أن يصرن مثل “بلارج” إن هن اخترن متابعة دراستهن عن الزواج.
ودعوة بنكيران هذه لا تحتاج أي تأويل أو تفسير، فهي واضحة مفضوحة في حصر وظيفة الأنثى في صناعة “العلف والخلف”. وبدل أن تتصدى البيجيديات، وهن اللائي لم يفرطن في حقهن في الدراسة والتعليم والوظيفة والعضوية في البرلمان وفي الحكومة، ولا ضحّين به من أجل الزواج، لبنكيران الذي يعاكس تطلعات المغربيات ونضال الجمعيات النسائية من أجل المساواة والمناصفة والكرامة والحرية؛ انبرين للدفاع عنه وعن مواقفه المناهضة لحقوق النساء.
ودون خجل اعتبرن الانتقادات التي وُجّهت لبنكيران “مزايدة” و”سجالات عبثية”: ” لا نقبل أن يزايد علينا أحد في الدفاع عن كرامة المرأة وعن حقها في التعليم والتمكين والاستقرار الأسري، إذ أن مواقف منظمة نساء العدالة والتنمية وحزبنا معروفة وثابتة في دعم المرأة والدفاع عن كرامتها وعن حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في إطار المرجعية الدينية والثوابت لدستورية لبلدنا وثقافة وقيم مجتمعنا”. وطالما زعمت هؤلاء النسوة “الدفاع عن كرامة المرأة وحقها في التعليم والتمكين”، فإنه من الضروري تذكيرهن بمواقفهن المناهضة لمطالب وحقوق النساء المغربيات.
*إن كنت ناسي أفكّرك.
1 ـ التصدي لعريضة مليون توقيع لمراجعة مدونة الأحوال الشخصية.
حين بادر اتحاد العمل النسائي بإطلاق عريضة مليون توقيع بغرض بلورة رأي عام وطني ضاغط من أجل مجرد تعديل للمدونة لِمَا كانت تكرّسه بنودُها من استعباد وقهر للنساء، بل وتجريدهن من الحقوق وحتى من الآدمية (إسقاط النفقة عن الناشز، الرجوع لبيت الطاعة، الطلاق الغيابي، ترك الزوجة معلّقة لا هي متزوجة ولا هي مطلقة، العُضل..)؛ تصدت عضوات وأعضاء الحركة الدعوية “الإصلاح والتجديد”، التي يعدّ البيجيدي ذراعها السياسي بعد أن غيّرت، سنة 1996، اسمها إلى “حركة التوحيد والإصلاح” بناء على أوامر المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، مصطفى مشهور. وكأن تعنيف النساء وقهرهن اجتماعيا “تكريم” لهن في المعتقدات الإيديولوجية لتيار الإسلام السياسي.
2 ـ المناهضة الشرسة لمشروع خطة إدماج المرأة في التنمية.
لم تتعظ البيجيديات من خذلانهن للنساء ومناهضتهن لتعديل المدونة التي، رغم ذلك، خضعت لتعديل بسيط سنة 1993، لكنه شكّل خطوة جبارة في سبيل رفع القداسة عن مدونة الأحوال الشخصية، فتحت المجال أمام الحركة النسائية لتوحيد نضالاتها ومطالبها من أجل تغيير المدونة وليس فقط تعديلها. وما أن استجابت حكومة المرحوم عبد الرحمن اليوسفي للمطالب النسائية عبر بلورتها في “مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية”، حتى أصاب السعار كل التنظيمات الإسلاموية، وعلى رأسها حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية وأذرعهما النسوية. كان هدفهم إقبار المشروع لتستمر شرعنة الظلم الاجتماعي للنساء وحرمانهن من كل حقوقهن بما فيها ولاية المرأة على نفسها في الزواج وحقها في إنهاء العلاقة الزوجية. لقد تصدّت نسوة البيجيدي للمشروع وشاركن بكثافة في مسيرة الدار البيضاء المناهضة له حتى يتم إسقاطه وتستمر وضعية المعاناة والحرمان والقهر لنساء المغرب.
اليوم تزعم هؤلاء النسوة البيجيديات أنهن يدافعن عن كرامة المرأة وحقها في التعليم والتمكين، وهن اللائي تصدين لمطالب: رفع سن الزواج إلى 18 سنة حتى تستفيد الفتاة من التعليم، واقتسام الممتلكات الزوجية عند الطلاق حفاظا على كرامة المطلقة وإنصافا لها ولمشاركتها في اكتساب ومراكمة تلك الممتلكات؛ أو حقها في الولاية على نفسها في الزواج حماية لها من العُضل المنهي عنه في القرآن الكريم، وضمانا لحقها في اختيار شريك حياتها. فعن أي كرامة يتحدث بيان هؤلاء النسوة وهن اللائي يطالبن بتزويج القاصرات وتحميلهن مسؤولية تكوين أسرة وهن أحوج إلى التربية والرعاية والتعليم؟ .
طبيعي أن تدافع نسوة البيجيدي عن أمينهن العام الذي علّمهن أن الأنثى خُلقت للمتعة والإنجاب، وأقنعهن أن الزواج أوْلى من التعليم وأوكد، وأوهمهن أن الأنثى لا تملك قيمتها في ذاتها وإنما تستمدها من الذَّكَر. لهذا حرّضهن على مناهضة حقوق المرأة التي تجعل منها كائنا كريما، حرا ومستقلا. فلما صرّح بنكيران “تنقول للبنات سيرو تزوجو، راه ماغدي تنفعكم لا قرايا لا والو” كان مطمئنا من تجاوب نساء حزبه وعدم رفضهن لخزعبلاته. لقد أتقن تشكيل ذهنيتهن على الطاعة والاستكانة. فلا يرَوْن إلا ما يرَى مهما كانت وضعيتهن الاجتماعية والمهنية.
*تعالين أذكّركن.
في 31 يوليوز 1999، نظم حزب العدالة والتنمية يوما دراسيا حول مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية، ونشر أشغاله في كتاب تحت عنوان “المرأة والتنمية بين الأصالة والتغريب”. وأحب هنا أن أذكّر “قنديلات” البيجيدي بما جاء في مداخلة بسيمة الحقاوي، التي كانت حينها الأمين العام لمنظمة تجديد الوعي النسائي من رفض لمحو أمية الإناث وتعليمهن، خاصة في القرى: (إن المطالبة بمحو الأمية بمحدداته الحالية ما هو سوى سعي نحو تحقيق مشروع لا يتعدى كونه إنجازا لتوفير مناخ مناسب لتمرير خطابات ديماغوجية تنزيلا لأهداف الغرب في احتواء وتوجيه دول العالم الثالث. أما المقاربة المحاذية لتعليم الفتاة في القرى والضواحي فهي ليست مجرد اقتراح بل هي تاكتيك يمكّن من محاكاة المجتمع الغربي للتأثير فيه عبر قنوات التواصل المباشر المندمج حيث يؤخذ بعين الاعتبار البيئة والمحيط، وهذه مقاربات استعملها المستعمر في قيامه بالعديد من الدراسات والبحوث في مناطق نائية بالمغرب). أليس من العار أن ترفضن تعليم الإناث القرويات بحجة الغزو الثقافي الغربي، بينما ترسلن بناتكن لأرقى المدارس حيث يدرسن بلغة الغرب المهيمن؟.
نفس المبررات جاءت في مداخلة خديجة مفيد، التي كانت حينها عضوا بالأمانة العامة لمنظمة تجديد الوعي النسائي، التي شددت فيها على ضرورة الإبقاء على الولي في الزواج لأنه (يشكل عائقا في وجه المصالح والمخطط الدولي)، وأنه (عائق في وجه تحلل المرأة من الالتزامات الاجتماعية التي تقوم على أساس عدم إجازة أي شراكة بين اثنين إلا في إطار مؤسسة الزواج)، وأن (الولي لا يفسح الزواج في إطار عقد مدني ليس قائما على أساس الشريعة الإسلامية). أليست هذه مواقفكن في حقوق المرأة في التعليم والتكريم؟
3 ـ مناهضة تعديل مدونة الأسرة بأمر ملكي.
بدوافع إيديولوجية مناهضة لتحديث مؤسسات الدولة وقوانينها، تصدى البيجيدي وحركة التوحيد والإصلاح لكل مطالب الحركة النسائية بإقرار مدونة عصرية منصفة للنساء ومنسجمة مع الدستور ومجسّدة للالتزامات الدولية للمغرب في مجال حقوق المرأة والطفل. ورغم كون مواقف الإسلامويين المعادية لحقوق النساء لم توقف مسلسل إصلاح مدونة الأسرة، إلا أنهم يواصلون معاكسة جهود الدولة وتعطيل الدستور أو الالتفاف عليه في كل ما يتعلق بحقوق النساء (إخراج قانون التحرش كسيحا يوم كان البيجيدي يقود الحكومة وتتحمل بسيمة الحقاوي حقيبة وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، عدم تأسيس “هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز” التي ينص عليها الدستور في الفصلين 19 و 164..). وتستمر المناهضة والتهديد بتنظيم مسيرات احتجاجية للضغط على اللجنة الملكية لمراجعة مدونة الأسرة.
*دفاع البيجيديات عن استغلال النساء.
ظلت نساء البيجيدي يعارضن بشدة، اقتسام الممتلكات الزوجية، منع تزويج القاصرات، إلغاء التعصيب الذي يشرعن حرمان المرأة من جزء مهم من تركة والديها أو زوجها، والذي لا أساس له في القرآن الكريم، وتثمين العمل المنزلي للزوجة وغيرها من المطالب النسائية. ومما برّرن به رفضهن أن ” تثمين العمل المنزلي من شأنه أن يجعل من الأسرة بمثابة “شركة تعاقدية” تسودها قيم المكايسة والمشاحة بدل قيم الفضل والعدل والرحمة والمكارمة”. وسبق للبيجيدي وحركة التوحيد والإصلاح وهيئاتهما النسائية أن رفضوا رفع تحفظات المغرب عن الاتفاقيات المتعلقة بالقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، وخاصة مقتضيات المادتين 9 و16 من الاتفاقية.
مواقف البيجيديات وهيئاتهن الحزبية والدعوية من حقوق المرأة المغربية كانت دائما مناهضة ومعارضة لها. وبعد الذي تحقق من مكتسبات وحقوق لفائدة النساء، كان أولى للبيجيدات أن يخجلن من أنفسهم ومن نساء المغرب وألا يحتكمن إلى مدونة الأسرة التي ناهضنها.
على مسؤوليتي
ذ.المنوزي: الدولة الرخوة و سيناريوهات ما بعد الوساطة

نشرت
منذ يومينفي
يوليو 27, 2025بواسطة
مصطفى المنوزي
قبل خمس سنوات، طرحتُ على صديق أكاديمي مخضرم في علم السياسة سؤالًا بدا حينها منطقيًا في سياق ما بعد دستور 2011 وما رافقه من ديناميات سياسية مشوبة بالحذر:
هل يمكن أن تستغني دولة العهد الجديد، أو ما أسميه اختزالًا بـ”الدولة المحمدية”، عن المجتمع المدني، خاصة بعد أن استنفدت العملية السياسية، في مناسباتها الرمزية الكبرى، كل ما في جعبتها من أدوات التعبئة والاستيعاب والتدجين؟.
كان جوابه صريحًا: “لا يُعقل، ولا يمكن، الاستغناء عن المجتمع المدني، وخصوصًا الفعاليات الحقوقية، لأنهم يشكّلون أحد آخر الجسور الرمزية بين الدولة والمجتمع، وأحد آخر خطوط الدفاع ضد التصدع الاجتماعي والمؤسساتي”.
لكن بعد مضي هذه السنوات الخمس، وما حملته من مؤشرات انكماش سياسي، وتقلص مجالات التعبير، واستفحال نزعة التحكم التقني في تدبير الشأن العام، بتنا لا نُعاين فقط استغناء الدولة عن المجتمع المدني، بل ما هو أعمق: استغناء الكل عن الكل.
فالدولة أغلقت أبواب الشراكة الفعلية ووسّعت نوافذ الاستشارة الشكلية. والمجتمع المدني، الذي كان يُعوّل عليه كرافعة للوساطة والاقتراح، صار إما مُراقبًا على الهامش، أو مروضًا داخل شبكات التمويل، أو منفيًا في صحراء اللامعنى. أما النخب الحقوقية، فقد أُنهكت بالاحتواء أو أُغرقت في التفاصيل، أو هجرت مساحات التأثير الفعلي نحو فضاءات رمزية، أكثر أمانًا وأقل جدوى.
في هذا السياق، لم نعد نعيش فقط أزمة فعل، بل نعيش انهيارًا صامتًا في معمار الشرعية الرمزية للدولة؛ فلا العملية السياسية تفرز تصورات قابلة للتفاوض المجتمعي، ولا المؤسسات الدستورية قادرة على التوسط بين الإرادة العامة والسلطة الفعلية.
وهكذا، بدأنا ننجرف تدريجيًا إلى ما يمكن تسميته بـ**”فوبيا ما بعد الدولة”**:
حيث تفقد الدولة صفتها كفاعل جامع وموحد ومؤطر،
وحيث تصبح السلطة مجرد تدبير فوقي للوقائع، بلا سردية جامعة ولا أفق مشترك،
وحيث تسود حالة من الفراغ الدستوري القاتل: فراغ في التمثيل، وفراغ في المبادرة، وفراغ في المشروعية المتجددة.
وفي المقابل، يزحف علينا من الجهة الأخرى شبح “فوبيا ما قبل الفوضى”:
حيث تتآكل الوساطات التقليدية (الأحزاب، النقابات، الجمعيات…)،
ويتوسع منسوب السخرية واللامبالاة،
وتتضاعف فجوات الثقة،
وتتحول الشعارات الكبرى إلى مجرد خلفيات باهتة على جدران مدينة تتآكل من داخلها.
كل هذا يحدث في ظل ملامح دولة رخوة:
رخوة لأنها تتردد بين الانغلاق والمراوغة،
رخوة لأنها تُفضل التحكم في المعلومة بدل مشاركتها،
رخوة لأنها تُعوّض التفاوض العمومي بالتوجيه العمودي،
رخوة لأنها تُدبّر الاستقرار بمنطق الخوف، لا بمنطق الثقة.
لكن الخطر لا يكمن فقط في هذا الفراغ، بل في تطبيعه، في جعل الانفصال بين الدولة والمجتمع أمرًا عاديًا، في ترسيخ فكرة أن التواصل الدستوري ترف، وأن الفعل المدني عبء، وأن التعددية لا لزوم لها.
هنا تُطرح الأسئلة الحرجة:
ما الحاجة إلى دستور لا ينبض بالحياة المؤسسية؟
ما جدوى مجتمع مدني منزوع المخالب ومقطوع الأفق؟
ما معنى السياسة إذا لم تكن مجالًا للفعل التشاركي والمساءلة المتبادلة؟
إن الإجابة لا تتعلق فقط بالإصلاح أو التقننة أو إعادة ترتيب الأولويات، بل بإعادة بناء السردية، بإحياء المعنى الغائب، وباسترجاع فكرة الدولة كفضاء للعيش المشترك لا كأداة لضبط الإيقاع.
نحن بحاجة إلى إعادة تأسيس الثقة العمومية عبر حوكمة المعنى، لا فقط تدبير الموارد، وإلى إحياء السياسة باعتبارها التقاءً بين الإرادة والذاكرة، بين الطموح والاعتراف، بين السلطة والمجتمع.
وإلا فإننا بالفعل سنكون أمام ما بعد الدولة، لا بوصفه تحوّلًا نظريًا، بل كواقع متسلل، يهدد البنيان من الداخل، ويمهد لنمط من التفكك الناعم الذي لا تُعلَن نهايته، بل يُعاش بصمت.
* مصطفى المنوزي
منسق دينامية ضمير الذاكرة وحوكمة السرديات الأمنية
على مسؤوليتي
لسنا في حاجة لأن نُثبت أننا أحياء، نبضًا ومواقف

نشرت
منذ 4 أيامفي
يوليو 25, 2025بواسطة
مصطفى المنوزي
الحياة ليست فقط ضربات قلب تُقاس، بل هي قدرة على الصمود وسط الزيف، وإرادة لمقاومة التآكل الداخلي أمام آلة الهدم الرمزية. نحن لا نُعرِّف ذواتنا بما يُمنَح لنا من اعتراف، ولا نقيس حضورنا بما يُسلّط علينا من أضواء زائفة. نحن نوجَد حين نرفض أن نُختزَل، ونحيا حين نُقاوم الانهيار، لا حين نُعلن عن أنفسنا بخطاب استجداء أو سجال إثبات. ففي زمن تُصادَر فيه المعاني، وتُختطف فيه السرديات، يصبح التمسك بالموقف شكلاً من أشكال الوجود.
ليس كل من يتكلم حيًّا، وليس كل من يصمت ميتًا. ففي أزمنة الهيمنة الناعمة، تُفرَض الرموز وتُصادَر الدلالات، ويُعاد تشكيل الوعي ليصير قابلاً للاستهلاك، لا للاعتراض. وهنا، تصبح المعركة في عمقها رمزية: بين من يُجبر على إعادة تدوير المعاني المفروضة، ومن يختار أن يبتكر لغته، وأن يروي ذاكرته، وأن يخطّ تاريخه بمداد التجربة لا بمداد السلطة.
نحن لسنا مجرّد ردود أفعال على منظومة تريدنا طيعين.
نحن حفَدةُ الانفلات من التصنيفات، وورثة الرفض الهادئ والمُعنّى. وفي كل مرة نحافظ فيها على موقف، أو نحمي فيها معنى من السقوط، نُعيد ترميم هويتنا، ونصدّ شبح الانهيار.
سؤالك مركّب وعميق:
“أمامنا جبهات العداء الجبرية وجُبَات الخصومات القدرية؛ فما هو الحل وما العمل؟”.
إنه استدعاءٌ فلسفي ـ سياسي لسؤال الإرادة في زمن يبدو فيه كل شيء مفروضًا: الخصومات مفروضة كأنها قدر، والعداوات قائمة كأنها قَدَرٌ لا يُردّ.
أمامنا جبهات العداء الجبرية، التي فُرضت علينا باسم التاريخ أو الجغرافيا، وجُبَات الخصومات القدرية التي صارت تُراثًا في اللاشعور الجمعي، لا بد من وقفة تتجاوز سؤال الاصطفاف نحو مساءلة أصل الاصطفاف نفسه.
ما العمل؟
ليس الحل في تأجيل الجبهات أو تزويق القدر، بل في تفكيك سرديات الجبر والقدر ذاتها: من الذي يحدد أن هذا خصم، أو أن ذاك عدو؟ من يربح من بقاء التوتر قائمًا؟ وهل نملك شجاعة صناعة “الاختلاف المفيد” بدل “العداوة المعلّبة”؟.
ما العمل؟
البدء من الذات.
تفكيك العقل الجَبري فينا، الذي يحوّلنا إلى أدوات في صراعات غيرنا، ويغرس فينا أوهام الحتمية والمظلومية بدون أفق.
العمل هو في إبداع أشكال جديدة من الفاعلية الأخلاقية والسياسية، التي لا تُختزل في الانفعال أو الانسحاب، بل تبني موقفًا نقديًا، يتجاوز منطق الثأر والتكرار، نحو منطق التحرير والتحويل.
ما العمل؟.
أن نروي الحكاية من جديد، ونكسر سطوة السردية التي تجعلنا دائمًا في موقع الضحية أو العدو أو التابع، ونعيد ترتيب الوقائع لا من باب النفي، بل من باب تحرير الذاكرة من الاستعمال السلطوي، وتحرير السياسة من شهوة الهيمنة.
* مصطفى المنوزي

الجيش الملكي يدخل معسكرا إعداديا في الجديدة تتخله مباراة ودية أمام الدفاع الحسني

زايو.. السلطات توضح حقيقة إصابة أطفال بحلوى تحتوي على زجاج

السجن النافذ لمستشارة جماعية بتهمة الاتجار في الكوكايين

مندوبية التخطيط: استقرار في جل القطاعات وانخفاض في الصناعات التحويلية

أكديطال تتوسع دوليا و تستحوذ على مستشفى عبد الرحمن المشاري بالرياض

البرتغال تخطط لربط كهربائي مباشر مع المغرب

أوجلان يلتقي عائلته في سجن إمرالي وسط تحركات لإنهاء الصراع الكردي في تركيا

سعيد الكحل: يوم ناهضت نساء البيجيدي حقوق المرأة

خمسة قتلى بينهم مسلح في إطلاق نار جماعي في نيويورك

هولندا تعلن وزيرين إسرائيليين من اليمين المتطرف شخصين غير مرغوب فيهما

طقس الثلاثاء: استمرار الأجواء الحارة

الخبير جمال العلمي يكشف أسرار ” صومعة المكانة” La Tour de l’Horloge

تدشين مشاريع تنموية بمدينة سيدي قاسم بمناسبة عيد العرش المجيد

الصحفي محمد البقالي يصل باريس بعد إطلاق سراحه من إسرائيل

سعد لمجرد يخطف الأنظار بإطلالة صيفية أنيقة على الشاطئ

بلال الخنوس يثير اهتمام كريستال بالاس الإنجليزي ولايبزيغ الألماني

الأميرة للا أسماء تترأس مأدبة غداء أقامها جلالة الملك على شرف السيدة الأولى للسلفادور

وكيل الملك يوضح بخصوص الفيديوهات المتعلقة بقضية وفاة ” هشام منداري”

منظمة الصحة العالمية .. أطفال غزة يموتون جوعا والمجاعة تتسع

المكتب الوطني للمطارات يكشف عن هويته البصرية الجديدة

الخبير جمال العلمي يكشف أسرار ” صومعة المكانة” La Tour de l’Horloge

مصطفى المانوزي: أقاوم حتى لا يتحول الشَطَط إلى استبداد

كاس أفريقيا سيدات: هذا موعد مواجهة المنتخبين المغربي و المالي

ذ.المنوزي: الدولة الرخوة و سيناريوهات ما بعد الوساطة

الرجاء ينهي علاقته مع “1XBET” ويتجه نحو شريك تجاري جديد

جنود إسرائيليون يحتجزون السفينة “حنظلة” المتجهة إلى غزة

أخنوش: أزيد من 4 ملايين أسرة استفادت من نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض

طنجة.. إجهاض محاولة تهريب 4 أطنان من مخدر الشيرا على متن شاحنة للنقل الدولي

برادة: مشروع تنظيم المجلس الوطني للصحافة غير دستوري

ريال مدريد يستعد لافتتاح مطعمين في طنجة والدار البيضاء

حزب جاكوب زوما الجنوب إفريقي يعلن دعمه لمغربية الصحراء

تنظيمات نقابية ترفض مشروع إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة

أنغام ترد على شائعة “المرض الخطير” بصورة من المستشفى

سعيد الكحل..بنكيران الخارج من كهوف التخلف والدّال عليها

التونسية أنس جابر تعلن الابتعاد عن ملاعب التنس

انتخاب رئيس جامعة ابن طفيل نائبا أول لرئيس اتحاد الجامعات الافريقية

برنامج الأغذية العالمي: نحو ثلث سكان غزة “لا يأكلون لأيام

البرتغال تدعم المقترح المغربي للحكم الذاتي

إنفانتينو.. مقر “الفيفا” بالرباط هو مكتب عالمي سيستفيد منه الجميع

مايكروسوفت “تستثمر في براز البشر” لمواجهة تغير المناخ!

الخبير جمال العلمي يكشف أسرار ” صومعة المكانة” La Tour de l’Horloge

“الدوري الأول للراحلة حليمة مرجان”..الرياضة في خدمة العمل الخيري

الرباط تكرّم الراحل يونس رودياس أحد رموز كرة السلة بنادي الفتح الرياضي

الوداد الرياضي يحتفل بذكراه الـ88.. ليلة وفاء وتكريم لأساطير الأحمر

المغرب يدخل عصر العلاج الثوري لسرطان البروستاتا بتقنية HIFU

في حفل تأبيني مؤثر.. سبور بلازا يكرم روح الراحل كمال لشتاف

نادي “النور اولاد صالح” ينظم الدوري السنوي للكرة الحديدية

تفاصيل مؤامرة الجنرال أوفقير على رفاقه في الجيش وعلى الحسن الثاني

محمد لومة يحكي عن أخطر جرائم أوفقير في حق الوطن والشعب

للمرة الثانية الرباط تحتضن التجمع التدريبي الافريقي BAL في كرة السلة

هكذا اقتطعت الجزائر أجزاء من التراب المغربي و التونسي بدعم من فرنسا ( فيديو)

بالفيديو..تفاصيل محاولة اغتيال الحسن الثاني سنة 1972

1981: مقترح “الاستفتاء” حول الصحراء..عندما قال عبد الرحيم بوعبيد “لا” للحسن الثاني

محمد لومة يكشف مراحل الصراع بين الحسن الثاني و عبد الرحيم بوعبيد (الجزء الأول)

تفاصيل تحكى لأول مرة عن اغتيال الشهيد عمر بن حلون (الحلقة الثانية)

و شهد شاهد من أهلها..حقائق تكشف لأول مرة عن اغتيال الشهيد عمر بن جلون

حورية أجدور..صوت مجدد صاعد في سماء الأغنية الأمازيغية “فيديو “

تهلاو فالصحيحة :الدكتور عماد ..هذه هي الفوائد الصحية للجبن” فيديو”

“ذاكرة ليست للنسيان” 4/4 بسبب نزعته الانتقامية، ادريس البصري يحتفظ ب 12 تلميذا داخل معتقل ” درب مولاي الشريف” لمدة ثلاث سنوات دون محاكمة.

تعرفو على فوائد الخل الطبيعي على صحة الجسم والبشرة مع الدكتور عماد ميزاب

الاكثر مشاهدة
-
الجديد TV منذ 11 ساعة
الخبير جمال العلمي يكشف أسرار ” صومعة المكانة” La Tour de l’Horloge
-
على مسؤوليتي منذ يومين
ذ.المنوزي: الدولة الرخوة و سيناريوهات ما بعد الوساطة
-
دولي منذ يومين
جنود إسرائيليون يحتجزون السفينة “حنظلة” المتجهة إلى غزة
-
مجتمع منذ يومين
طنجة.. إجهاض محاولة تهريب 4 أطنان من مخدر الشيرا على متن شاحنة للنقل الدولي
-
سياسة منذ يومين
تنظيمات نقابية ترفض مشروع إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة
-
منوعات منذ 4 أيام
أنغام ترد على شائعة “المرض الخطير” بصورة من المستشفى
-
واجهة منذ 4 أيام
انتخاب رئيس جامعة ابن طفيل نائبا أول لرئيس اتحاد الجامعات الافريقية
-
دولي منذ 4 أيام
برنامج الأغذية العالمي: نحو ثلث سكان غزة “لا يأكلون لأيام