على مسؤوليتي

ذ. مصطفى المنوزي يكتب: هذيان أم همهمة عشق للوطن؟

نشرت

في

قديما ، أي منذ ما يقرب من خمسة عقود من الزمن ، كانت الثورة الفلسطينية تنوب عنا في الصراع المسمى قوميا عربيا ، إلى درجة أن زعماءنا الوطنيين رسخوا في أذهاننا أن القضية الفلسطينية قضية وطنية.

كنا نفرح لأي عملية فدائية أوسياسية يقودها زعيم حركة تحررية أو تقدمية في العالم ؛ في العمق لم نبحث سوى عما يشبه النصر وينتج الفرح ويرد الإعتبار ، وقد قهرتنا إيديولوجيا الهزيمة والتي لم تكن ترسخ سوى مقتضيات عدالة المنتصرين ، الذين قسموا خريطة العالم إلى عوالم وأدرجوا بلداننا وشعوبها ضمن العالم الثالث ، وقسموا العمل إلى فكري وعضلي ، والطبقات إلى عليا ودنيا ، وكرسوا الفوارق والتناقضات والمفارقات ، ودفعونا إلى الفرقة والحروب الأهلية، وإلى متطرفين في اتجاه اليسار وفي اتجاه اليمين ؛ إن لم يكونوا ذيليين فهم ملحقين، خاضعين لنبوءة الرأسمال أو للعقل الأمني.

كنا نملك قضية أو نزعم ذلك ، ومع ذلك كنا نحلم بالنصر المنشود ، بالإنعتاق والتحرر ، واليوم وبعلة إختلال موازين القوة، لم نعد نبحث سوى عن ملاذ للأمان والإستقرار ، فلا غرو إن كنا نعتبر أن التنافس الرياضي او الحوار الفكري هو وجه من اوجه الصراع الوجودي او الحضاري لا فرق، لذلك نختار أن نصطف إلى جانب الحلقات الأضعف كلما حققت تقدما وموقع قدم في خريطة العالم المتحولة ؛ فليس رد الإعتبار والإعتراف، وعلى علة شكله وأدواته وحجمه، إلا الوجه المطلوب باسم الإنصاف والعدالة، ليبقى السؤال حول إستدامة المنجزات واستمرارية عمر الفرح الناتج عن لحظاته النادرة كالومض؛ ليصير أغلبنا منفعلا بدل أن يكون متفاعلا ، وحتى الإنفعال غير منضبط لجهة الفرح ، لأن أغلبنا يبكي وكأنه حزين ، نذرف دموعا عصية نسميها تجاوزا ” دموع الفرح ” وقد قدر علينا أن نعتقد حقا بأن أصل اللذة ألم ؟ .

هكذا كل العالمين يبحثون عمن يعيرهم قسطا من سعادته يستمتع بلحظاتها مبررا علاقتها العضوية بأوضاعه النفسية أو المعنوية ، ويصنع لها مسوغات بنفحة دينية او إثنية أو ثقافية أو غيرها من وسائل التبرير والشرعنة أو الإسقاط . شخصيا لم أستوعب الحالة التي أعيشها منذ الوثبة الأولى للفريق الوطني ثم الفوز المتوالي ، إنها تراكم لفرح يتدرج في صيغة متوالية حسابية ، وقد يتطور إلى متوالية هندسية قد تؤثر في مسار ميادين أخرى ذات البعد الإجتماعي على الخصوص .

لم أستوعب ما يجري من تحول كمي وكيفي ، ولكن أحاول أن أفسر وأجد تأويلا محفزا ، وطبعا ما يهمني هو أن افلح في تأطير فرحي دون المراهنة على خلوده ، ولربما أجد في هذه المحاولات التجريبية جوابا ” مؤقتا ” ومستصاغا لحالتي النفسية . لم أكن لأكتب وأبوح لولا أن رفيق لي قضينا معا سنتين اعتقالا حكى لي عن هول صدمته ، فلم يكن يهتم بمشاهدة مباريات كرة القدم ، جرب أن يؤنس زوجته وهي عاشقة لهذه اللعبة خصوصا إذا تعلقت بالفريق الوطني ؛ هذا الصديق وجد نفسه يتابع المقابلة بحماس متصاعد وبدأ القلق ينتابه كلما اقتربت نهايتها ، وعندما صفر الحكم معلنا عن فوز المنتخب الوطني، بكى بكاء شديدا دون أن يقوى على التوقف ؛ إتصل بي مباشرة عبر الهاتف وحكى لي عما جرى له ، وسألني سؤالا مباشرا : مصطفى لم أكن أتصور أن أكون في مثل هذا الوضع ، لقد تذكرتك يا أخي …وقبل أن يكمل جملته انهمرت دموعي وقطعت الإتصال … وأترك للأيام أن تصيغ مشروع جواب وتفسير لما يحصل في مشاعرنا ومعنوياتنا … فكرت في أن أعيد الإتصال به ، ترددت وتراجعت وأرجأت إلى حين …فهل هذا هذيان أم همهمة عشق الوطن .

* أبو نسيم

انقر للتعليق

الاكثر مشاهدة

Exit mobile version