على مسؤوليتي

الخطأ لا يصلحه الخطأ كما النظام العام لا يقومه التعنيف

نشرت

في

كنا وسنظل ، بصفة مستدامة ، في الصفوف الأولى للدفاع عن السيادة الوطنية والوحدة الترابية وعن الحركة المطلبية الوطنية والعالمية سواء تعلقت بالتحرير والديمقراطية والإشتراكية بأبعادها الإنسانية والإجتماعية والتقدمية ، وبالوسائل القانونية والسلمية الممكنة ، ولهذا نعتبر تضحياتنا مشروطة بدمقرطة كل المجالات ذات الصلة ، أي مشروطة بالإشراك في تقييم الأداء الأمني وفي تدبير السياسات الأمنية والتقرير في القضايا السيادية و المصيرية ما عدا ما له علاقة بأسرار الدفاع والمخططات الإستراتيجية الأمنية ذات الطابع العسكري المحفوظة .

وإنطلاقا من هذه الغيرة والروح الوطنية ، ووعيا بحدود صلاحيتنا وإيمانا بأن الدستور قد حدد الصلاحيات والمسؤوليات ، فإن هذه الحدود لا تمنعنا دستوريا من المشاركة في تقييم النتائج والمساهمة في إقتراح بدائل الإستدراك والمبادرة إلى التقويم حسب المتوفر من الإمكانيات القانونية والمؤسستية . من هنا كنا وسنظل نرافع وندافع من أجل تنصيب المجلس الأعلى للأمن ، رغم تبلور شبه قناعة على أن هناك إكراهات وملابسات ؛ غير معلومة لدينا ؛ تحول دون تفعيل مقتضيات الفصل 54 من الدستور المؤطرة لهذه المؤسسة الإستشارية كآلية وقائية وإستباقية وتوجيهية للسياسات الأمنية العامة والعمومية ، وكوعاء يحتوي فعاليات دمقرطة الحوار الوطني والتشاور العمومي حول كيفية تدبير الأزمات ذات الإرتباط بالقضايا الحيوية للبلاد .

ولأن المناسبة شرط ، فإنه مطلوب من الدولة، وهي تخوض معركة تسييد وطنية وإستقلالية القرار المغربي دوليا وعلى جميع الأصعدة المالية والترابية والأمنية والسياسية ، مطلوب منها أن تعزز المعنويات ومواقع الصراع أو الحوار او التفاوض بدعم الشعب المغربي وقواه الحية ، فإذا كنا نؤمن بأن مغرب اليوم ليس ولم يعد مغرب الأمس ؛ فإنه بنفس الإعتقاد فالحلفاء ليسوا نفس الأوفياء ، والخصوم ليسوا بنفس العداء ، فالمصالح تغيرت ومنسوب التعاون والثقة تغير أيضا ؛ واليوم مفروض على الدولة وعقلها الأمني أن يتعاملا مع ردود فعل الخوارج بهدوء وحذر شديد ، ففقدان أو التوجس من ضياع المكتسبات بالنسبة الحلفاء التقليديين ، قد يدفع هؤلاء إلى شن حملات ، والرهان على السمعة الحقوقية من أجل إعادة ترتيب العلاقات وتجديد التعاقدات .

وفي هذا الباب ندرج مثال ما جرى داخل قبة البرلمان الأوروبي ، وما نتج عنه من تداعيات ، ويوم أمس وقد أفرج عن التقرير الأمريكي حول الوضع الحقوقي بالمغرب ، والذي يبدو أن المجتمع الحقوقي ، الذي ينتظر ولادة وإرساء ضمانات عدم تكرار الإنتهاكات الجسيمة لحقوق ، لن يفاجأ بمحتواه فهو خبير بما يجري وطنيا وله تقارير هي التي يعتمد غالبها من طرف الهيئات والمنظمات الدولية كمصدر ، ليبقى على المسؤولين المغاربة التعامل مع التقرير بهدوء وحيطة دون إنفعال ، فلم يعد التسرع مفيدا ولا ردود الفعل ” الإنكارية ” مجدية ، ولا قبول المجاملة الملغومة ، رغم ما يبدو من نفحة الإحتكاك بالشأن السيادي ، كمفارقة للإعتراف الضمني بسيادة المغرب على الصحراء ، وهي سياسة للتوازن الضروري ، و التي صارت أمرا واقعا منذ أن قبل المغرب بكون العالم قرية صغيرة وخضوع السيادة لمبدأ التليين بحكم الإلتزامات التعاقدية ، سواء في المجال الإقتصادي أو الأمني والعسكري بإسم المساعدات تارة ، وتبادل الخبرة والمصالح تارات أخرى ؛ خاصة وأن الظرفية لا تسمح بمزيد من الإنهاك والإستنزاف بإسم مواجهة الإبتزاز وتحصين السيادة والكرامة الوطنية واللتان صارتا نسبية في سياق العولمة والحقوق والمصالح الإشتراطية ، ناهيك عن الإلتزامات المفترضة في العلاقات الثنائية غير المتكافئة .

أما ما يهم الوطن والمواطنين هو الحرص على تحصين الحقوق والمكتسبات في العلاقة مع ضمان وصون الحريات العامة ، من تعبير وتنظيم وتجمع وتظاهر ، ولعل ما جرى وما يجري من تجاوزات في الشوارع والجامعات والفضاءات العمومية الأخرى ، من خرق للقانون يستدعي تحرك مؤسسة النيابة العمومية وفتح التحقيق في التجاوزات المصرح بها أو المعاينة أو المنشورة ، سمعيا ومرئيا ، والقيام بالمطلوب قانونيا وقضائيا . فما أحوجنا إلى القطع مع ممارسات الماضي الممنهجة، وتحديد المسؤوليات ، مرفقية كانت أم شخصية ، مع المساءلة و ترتيب الجزاءات . لأن الخطأ لا يصلحه الخطأ ، والضرر لا يجبر بالانتهاك ، وفي ذلك امتحان آخر للمفهوم الجديد للسلطة المتباهى به والحكامة الأمنية المتبجح بها .

. توقيع مصطفى المنوزي

انقر للتعليق

الاكثر مشاهدة

Exit mobile version