Connect with us

على مسؤوليتي

في رحيل خادم الشعب والملك أحمد حرزني.. ثوري في غمرة الإصلاح “من الداخل”

نشرت

في

رحل عنّا أحمد حرزني، السفير المتجوّل والمعتقل السياسي السابق والرئيس السابق للمجلس الاستشاري لحقوق الانسان، ليلة أمس الاثنين الثلاثاء، بالمستشفى العسكري بالرباط، عن سن يناهز 75 سنة.

رحل عنّا، بصمت ودون سابق إنذار، الحقوقي الريفي ابن جرسيف، والمناضل الماوي، الذي حلم بحركة تغييرية جذرية تؤمن بالعنف الثوري، والذي كان مستعجلا لحمل السلاح في وجه نظام الملك الراحل الحسن الثاني، فانسلّ من بين رفاقه الماركسيين اللينينيين في منظمة “23 مارس”، التي كانت تُعرف بمنظمة (ب)، ليؤسس حركة “لنخدم الشعب”، التي كانت تُعرف بمنظمة (ج)، فيما كانت “إلى الأمام” تُعرف بمنظمة (أ)…، قبل أن يتحوّل “خادم الشعب”، إلى “خادم الملك”، ليكون واحدا من “خدام الدولة”، بأسلوبه الخاص، وبمرجعيته الثورية، التي انتقلت، بفعل مراجعات فكرية، إلى مرجعية “النضال الديمقراطي”، الذي اعتبره، في الظروف المجتمعية، التي كانت تعرفها البلاد، وما شهدته من تحوّلات سياسية، أداة ناجعة لتحقيق “التغيير”، الذي أصبح، عنده وعند كثير من المناضلين، مرادفًا لـ”الإصلاح”.

عندما تلقّيت خبر وفاته، أحسست بالحزن على فراقه، واستحضرت شريطا من المواقف والذكريات، التي جمعتني معه، ومنها ذكريات اعتزاز بشخصه وشخصيته، وضمنها كذلك مواقف اختلفت فيها معه حد التناقض، الذي لا يلغي، إطلاقا، أواصر التقدير والاحترام، لهذا “الحرزني”، الذي لا يعرف التواكل والاستكانة طوال مسيرته الحياتية والسياسية والحقوقية والفكرية، فعندما خرج من السجن المركزي، بعد 12 سنة وراء القضبان، سنة 1984، لم تكد تمر سنة حتى اقتحم الساحة الإعلامية والثقافية والسياسية بمجلّة “الصاحب”، وحصل على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا من جامعة كنتاكي بلكسنتون بالولايات المتحدة (1994)، واشتغل باحثا بالمعهد الوطني للبحث الزراعي بسطات (1995) والرباط (1997) وأستاذا بجامعة الأخوين بإيفران (1996) وأمينا عاما للمجلس الأعلى للتعليم (2006) ورئيسا للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان (2007)، قبل أن يعيّنه الملك سفيرا متجولا للمغرب مكلّفا بالملف الحقوقي (2016).

هكذا هو أحمد حرزني، لا يكل ولا يمل ولا يقف ولا يستكين، منذ البدايات إلى يوم الرحيل، فعندما آمن بـ”الثورة”، قال لرفاقه إن الثورة ليست أضغاث أحلام وإنما هي “حركة” و”عمل جدي”، وهو ما قاده إلى سوس العالمة، للبحث عن مقاومين سابقين للاحتلال الفرنسي كانوا يخبئون أسلحتهم، التي فضّلوا ألا يسلّموها إلى “المخزن”، عقب حلّ “جيش التحرير المغربي” والاندماج في الجيش النظامي “القوات المسلحة الملكية”، فلم يحصل منهم إلا على مسدس قديم.

ومثلما حدث لـ”الكومندانتي” إرنستو تشي غيفارا، الذي باعه رفيق سلاح قديم، فإن مأساة الحلم القديم لأحمد حرزني بإشعال “ثورة الفلاحين”، أنه باعه واحد من أولئك المقاومين، ليقع في قبضة الأمن في أكادير، ويمرّ من عذابات “الصراط المستقيم”، المؤدّي رأسا إلى غياهب السجن المركزي في القنيطرة، الذي قضى به سنوات من أزهى فترات شبابه، 12 سنة سجنا نافذا، إذ اعتقل في سنة 1972، وأفرج عنه في غشت 1984.

في مسيرته النضالية والسياسية والحقوقية، تعرّض لهجمات عنيفة من رفاقه القدامى، وصلت إلى حد اتهامه بالانتهازية و”قليب الفيستة”، بعدما صرح خلال جلسات الاستماع التي نظمتها هيئة الانصاف والمصالحة أنه رفع السلاح في وجه “المخزن” إلاّ أن أحمد حرزني لم يكن سهلا، كما يذكر جميع من عرفوه، ورغم أنه كان لطيفا وودودا، لكنه لم يكن يتردّد، عندما يطفح الكيل، فيرد الصاع، ولم يكن يختبئ وراء شعارات ومواقف، فعندما يؤمن بالفكرة، كان يعلنها ويطرحها ويؤصّل لها ويدافع عنها، ويسخر ممن يتهمونه ويقول لهم، رغم أنوفهم، إنه “ثوري في غمرة الإصلاح”، حتى أنه نشر كتابا له بهذا العنوان.

شخصيا، أعتبر هذه الخصلة من أهم الصفات التي كانت تُميّز “الحرزني” عن باقي رفاقه اليساريين، الذين كان عدد منهم يُلصق به “تيكيتة” المخزنة، فيما كان هو يواجههم بأن كل ما لديهم هو شعارات غليظة يدغدغون بها مشاعر المناضلين، وفي الدروب الخلفية يلوذون بالممارسات الملتبسة، ولعل أقوى هذه المواجهات، في تقديري، والتي جعلته يبصم على مبادرات حقوقية وسياسية صارت عنوانا لوجه النظام في عهد ملك شاب جديد، هي تلك التي خاضها عندما تحمّل مسؤولية الناطق الرسمي باسم تيار “فعل ديمقراطي”، خلال ائتلاف عدة مكوّنات يسارية في تأسيس حزب “اليسار الاشتراكي الموحد” سنة 2002… كان حرزني يريد الوضوح، والخروج من المناطق الضبابية والملتبسة، في تقييم الوضع السياسي في المغرب، كان حرزني مؤمنا بأن هناك إرادة حقيقية في التغيير، وأن دور المناضلين الديمقراطيين، في تلك الفترة، التي كانت تشهد أولى سنوات حكم محمد السادس، هو دعم والدفع بالتوجّهات الجارية للقطع مع الممارسات التعسفية وماضي الانتهاكات الجسيمة، وكان يؤاخذ على رفاقه أن أغلبيتهم يؤمنون بهذا الطرح، لكنهم لا يستطيعون الجهر به، لأنهم “يحسبون الحسابات للعواطف السهلة للمناضلين”، فيفضّلون دغدغة المشاعر بالشعارات عوض قول “الحقيقة”، وبناء التوجهات والسياسات والمواقف والسلوكات استنادا إلى مخرجات هذه “الحقيقة”… وعندما بلغ التناقض أوجه، غادر سفينة الحزب، ليواصل العمل الحقوقي، الذي ظل يمارسه، إلى جانب عدد من رفاقه الآخرين، الذين يجتمعون على “الهمّ الحقوقي” و”الأفق السياسي” المفتوح في ظل وريث عرش الحسن الثاني، وعلى رأسهم إدريس بنزكري، الذي رافقه في السجن، ورافقه في “المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف”، وفي “الهيئة الوطنية للإنصاف والمصالحة”، وصولا إلى خلافته في رئاسة المجلس الاستشاري لحقوق فضلا عن مرافقته في قوافل الحقيقة إلى عدة مواقع مغربية كانت عنوانا للزمن الرصاصي، الذي كان يطفح بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، من قبيل تازمامات وقلعة مكونة ودار المقري والكوربيس ودرب مولاي الشريف والكومبليكس وPF3، وغيرها من المواقع التي حطت فيها قوافل الحقيقة، والتي جمعتني محطاتها بالراحل أحمد حرزني، وفي هذه المحطات، كنتُ أجدني، أحيانا، وأنا أمارس مهامي الصحفية في التوثيق بمختلف أشكاله لقوافل المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والانصاف، في خلافات شديدة مع حرزني وبعض رفاقه الآخرين، سأستعرضها في المقام المناسب للمقال.

هذه الجرأة الفريدة في التعبير عن الرأي، والدفاع عن الرأي المخالف، جرّت على أحمد حرزني الكثير من الغضب والاحتجاج والنقد والاتهامات من قبل رفاقه القدامى، في العديد من المواقف، من قبيل تلك الشهادة، في إحدى جلسات الاستماع، التي أعلن فيها، أمام ضحايا سنوات الرصاص، وأمام المغاربة والعالم، ممن تابعوا الجلسات على أمواج الإذاعة وشاشات التلفزيون، ما معناه أن “كُلَّا وخبيزتو”، في توصيف الصراع بين قوى اليسار السبعيني ونظام الحسن الثاني، وقال “لا أحد منّا كان قديسا”، أي أن المناضلين كانوا يريدون الإطاحة بالنظام الملكي، فيما كان النظام يسعى إلى تصفية هؤلاء المعارضين، مع فارق مهول حدّده حرزني في أن المعركة بين الجانبين كانت غير متكافئة بالمطلق، وشبّهها حرزني بحلبة الملاكمة، فقط المناضلون دخلوها بقفازات الملاكمين، فيما النظام كان مجهّزا بقوات الأمن والجيش والأسلحة النارية والمخافر والمحاكم والسجون…

ويمكن القول، مع الحِفظ التام للدور التاريخي الذي لعبه إدريس بنزكري، إن حرزني تحمّل مسؤولية جسيمة في تجاوز الانسداد لدى جزء من الضحايا والرفاق القدامى وفي مساحة من الحياة السياسية، بين من يحدّدون السقف في “الإنصاف والمصالحة” لطي صفحة انتهاكات الماضي الجسيمة، وتجاوز منطق المساءلة ومطلب اعتذار الملك، لدى من يعتمدون مقاربة جذرية تسعى إلى الحقيقة وعدم إفلات المسؤولين عن الانتهاكات من المحاسبة، باعتبارها أساسا للعدالة الانتقالية… لقد لعب حرزني دور الجسر، أو القاطرة، لتيسير عمل هيئة الإنصاف والمصالحة، وتذليل الانسدادات من أمام هيئة بنزكري ورفاقه، التي فُتح أمامها أفق وازن لاستكمال أعمالها، التي ساهمت فيها بقدر كبير بتوثيق أرشيف ضخم من المعلومات عن الضحايا والانتهاكات، مما مكّنها من إعداد تقريرها النهائي، الذي تضمّن نتائج وخلاصات أبحاثها حول ماضي الانتهاكات، وجملة توصيات تتعلق بالإصلاحات الكفيلة بحفظ الذاكرة وضمان عدم تكرار الانتهاكات ومحو آثارها واسترجاع وتعزيز الثقة في المؤسسات واحترام سيادة القانون وحقوق الإنسان…، وهي توصيات مازال المناضلون والضحايا يطالبون باستكمال تنفيذها، في شتى مجالاتها، لتحقيق كل أهدافها، والتقدم قُدما نحو إرساء الحقيقة والعدالة في المغرب.

لكل ذلك، ولغيره كثير مما يضيق المجال في التوسّع فيه، أعتبر أن وفاة أحمد حرزني خسارة جسيمة للحركة الحقوقية المغربية، وخسارة للمناضلين ولخدام الدولة في نفس الآن، ويمكن القول، بكل ثقة وصدقية، إنه رجل المواقف الشجاعة والخيارات الصعبة، إنه “ثوري في غمرة الإصلاح”، وإنه أكثر حقوقي اؤتُمن على تراث رفيقه بنزكري، الراحل إدريس الذي قال يوما إنه يفضّل أن “يحترق شخصيا، إذا كان ذلك ثمنا لتحريك المغرب في اتجاه صحيح وجميل”… لقد احترق بنزكري، واحترق حرزني، لينضافا إلى كوكبة من المغاربة، الذين احترقوا في طريق الوطن، ومنهم من مازالوا يحترقون، وينشدون مع الشاعر الفلسطيني محمود درويش: “أموت اشتياقاً.. أموت احتراقاً.. وشنقاً أموت.. وذبحاً أموت.. ولكنني لا أقول مضى حبنا وانقضى.. حبنا لا يموت”.

إعلان
انقر للتعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

على مسؤوليتي

مصطفى المنوزي: نحو سيادة منفتحة وتكامل مغاربي مسؤول

نشرت

في

تشكل قراءة الصحفي علي أنوزلا للصورة الجماعية التي جمعت مستشاري الملك ووزيري السيادة برؤساء الأحزاب السياسية نموذجًا لـــ”السيميائيات السياسية النقدية” التي تحاول تفكيك رموز السلطة عبر العلامات البصرية.

وقد لا نختلف مع الزميل علي فيما يخص تحصيل الحاصل من طبيعة النظام السياسي ، ولكن ليس من الضروري أن نعاين دون التفكير في البديل وتفعيل المنشود ، في ظل لحظة وطنية نحن المعنيين أكثر بها ؛ فعلا ، لقد استطاع أنوزلا، بذكاء بصري لافت، أن يحول الصورة إلى نصٍّ سياسي، يكشف توازنات الحضور والغياب، الضوء والظل، المركز والهامش. غير أن هذه القراءة، رغم قوتها الوصفية، تبقى حبيسة منطق التشخيص المأزوم أكثر من انفتاحها على أفق التحول الممكن الذي تتيحه المقاربة التشاركية، كما تمت الإشارة إليه في نص حررته سالفا “من الاستثناء إلى الاستدراك”.

فقراءة الزميل أنوزلا تنطلق من فرضية أن الصورة تجسد تراتبية السلطة في المشهد السياسي المغربي؛ فالإضاءة المنخفضة توحي بالتحكم، والموقع المكاني يعكس المركزية، وطاولة الاجتماعات تتحول إلى حاجز رمزي بين الفاعل الموجّه والمفعول به. أما تفاصيل مثل الحلوى وكؤوس الشاي، فليست في نظره مجرد مكونات بروتوكولية، بل رموز لضبط الإيقاع وتجميل الصرامة، حيث يتحول الطابع الاحتفالي إلى قناعٍ للسلطوية الناعمة.

هذا التحليل السيميائي يلتقط جوهر المشهد، لكنه يغفل بعدًا أعمق يتعلق بطبيعة التحولات السياسية في المغرب، إذ أن السلطة، وإن ظلت مركزية في تدبير اللحظة، فإنها تتحرك داخل سياق تراكمي من الاستدراك التشاركي، حيث يتم الانتقال تدريجيًا من الدعوة إلى الإصغاء، ومن التوجيه إلى التشاور، وإن ظل ذلك نسبيا ومشروطًا بميزان اللحظة.

من هنا يصبح التفكير النقدي التوقعي ضرورة لفهم الصورة لا كمشهد مغلق، بل كعلامة على مرحلة انتقالية في تمثّل الدولة لطبيعة التوافق الوطني حول الصحراء المغربية. فبدل أن تُقرأ الصورة كمشهد تراتبي، يمكن تأويلها كتعبير عن محاولة تدبير تلك المركزية في إطارٍ منظم يزاوج بين الاستقرار والتمثيلية، بين القرار السيادي والشرعية التشاركية. التفكير النقدي التوقعي لا يكتفي بوصف ما هو قائم، بل يسائل ما يمكن أن يصير، أي كيف يمكن تحويل المشهد السلطوي إلى مشهد تشاركي ناضج، يُستبدل فيه منطق الاستدعاء بمنطق الاستماع، وتتحول فيه الهرمية إلى فضاء دائري للحوار.

على هذا الأساس، لا ينبغي أن ينحصر التحليل السيميائي في تشخيص التفاوت بين الدولة والأحزاب، بل أن يُفتح النقاش حول سيميولوجيا جديدة للثقة، تجعل من الرموز أدوات تفاعل لا أدوات تثبيت. فالاختلاف في مواقع الجلوس لا يُقرأ فقط كترتيب سلطوي، بل كإشارة إلى أدوار متفاوتة داخل سيرورة سياسية تتلمس طريقها نحو حوكمة تشاركية. فالصورة، في النهاية، لا تختزل لحظة الحكم المركزي بقدر ما تكشف عن إمكانية إعادة تأويل السلطة ضمن تصور أكثر إدماجًا للمكونات الحزبية والمدنية، في انسجام مع ما دعت إليه المقاربة التشاركية بوصفها انتقالًا من القاعدة إلى القمة، ومن القرار الأحادي إلى القرار المشترك.

إن قراءة أنوزلا، وإن بدت دقيقة ومتماسكة، تصلح لأن تُدرّس في مناهج العلوم السياسية، ليس بوصفها إدانة بل بوصفها تمرينًا على تربية النظر النقدي في السياسة البصرية. فالمطلوب اليوم ليس فقط تفكيك الصورة السلطوية، بل إعادة إنتاج الصورة التشاركية عبر وعي جمعي يجعل من الفضاء العام منصة للتفاعل والمساءلة، لا مسرحًا للولاء والانضباط.

ونحن في مقاربتنا لا نؤمن بقطعية المسلمات، فكل نظام سياسي، مهما بدا متماسكًا، قابل للتغيير النسبي بحكم التنازلات الموسمية التي تفرضها عليه بعض القضايا المصيرية لفك الحصار الخارجي أو إعادة ترتيب الأولويات، في ظل هشاشة المشهد الحزبي وقواه المنخورة ، وليس أمامنا سوى البحث عن خيوط الأمل ؛ ولهذا فدورنا، كسلالة للحركة الوطنية وامتداد للصف الديمقراطي، أن نستثمر اللحظة الوطنية الراهنة للتوافق مع الدولة على إتاحة هامش من الانفتاح يخدم استرداد أنفاس العمل السياسي والمدني. وليس الأمر، في تقديرنا، مجرد لقاء لتزكية موقف جاهز، بل هو فرصة للدولة نفسها كي تُعيد شرعنة وشرعة التفكير في تفعيل مقترح الحكم الذاتي، الذي كان في لحظة ما ورقة ظرفية لتدبير التوتر، قبل أن يتحول اليوم إلى مدخل لبناء سيادة منفتحة وتوافقية.

فلنكن إيجابيين، ولتُوسّع الأحزاب، رغم علّاتها، دائرة الضوء بدل أن تبقى حبيسة ظل الطاولة الطويلة. فـما لا يُدرك كله لا يُترك جله، وما يُمكن التقاطه من إشارات الانفتاح، ولو جزئية أو رمزية، يمكن أن يُراكم في اتجاه تحولٍ أوسع نحو مشاركة مسؤولة. وبين قراءة أنوزلا التي تفضح المفارقة، والمقاربة التشاركية التي تبني الجسر، يمكن أن نؤسس لتفكير نقدي توقعي يعيد وصل الصورة بالسياسة، والسياسة بالمعنى، في أفق يربط بين الذاكرة الوطنية والسيادة التشاركية والمغاربية المتكاملة.

* مصطفى المنوزي
منسق ضمير الذاكرة وحوكمة السرديات الأمنية

أكمل القراءة

على مسؤوليتي

في رثاء اللحظة البشرية واستشراف المستقبل الإنساني

نشرت

في

من وحي حفيف الأعلام الفلسطينية التي رُفعت خفّاقةً بالتحدي والعزيمة، وهي ترفرف في صمتٍ مفعمٍ بالرحمة والحزن، انبثقت لحظة إنسانية نادرة داخل المقبرة العبرية، أو الميعارة كما نسميها بالدارجة المغربية. كان الصمت يتكلم، وكانت الوجوه تُنصت لِما لا يُقال. هناك، حيث تمتزج الأرض بالذاكرة، تدافعت الكلمات في داخلي، وأحسست أن البوح صار ضرورة أخلاقية، لا مجرد انفعال عابر.

كانت فسيفساء الحضور مشهداً مهيباً؛ أطياف متعددة ومتنوعة اجتمعت على احترام الطقوس، في انضباطٍ نادر يجمع بين الوقار والدفء. حضر الجميع بصوتٍ واحدٍ من الصمت، إلا من منعتهم الأعذار أو كبّلهم التردد. ودّعنا الرفيق إلى مثواه الأخير، وودعناه فينا، في تلك المسافة الرقيقة بين الحقيقة والرمز، وبين الفقد والأمل. شعرنا بالغصّة ذاتها التي تسكن القضايا المصيرية حين تبقى معلّقة، لكننا تمسّكنا ببذرة التفاؤل، علّها تُثمر حلولاً عادلة وديمقراطية لمعضلات هذا الوطن الذي لا يشيخ إلا بالخذلان.

رحل عنا دون أن يُشاور في أمره العظيم، كما قال الرفيق عبد اللطيف الهاشمي يوم استشهاد الرفيق رحّال جبيهة: «اليوم يسقط رجل آخر، يرحل دون أن يُشاور في أمره العظيم». كانت تلك العبارة لحنًا وذاكرة، غناها الرفاق في زنازن غبيلة بكراج علال، حيث كان الصمود أغنيةً تُغنَّى بالهمس واليقين.

تذكّرت واقعة الفرار من مستشفى ابن سينا، حين فرّ الشهيد رحّال ورفاقه، وكان من بينهم الفقيد ـ الشهيد المعطي سيون أسيدون، عريس لحظتنا الأليمة، ورفيق الجميع داخل عائلة اليسار المتعدد، وقريبُ البعض المستنير في الضفة الأخرى.

هرولت الدمعات من مآقي الأوفياء وشرفاء القضية، انحدرت على الخدود كما تنحدر فصول الوداع على وجه الوطن، وتركَت آثارها علامةً على الوجوه، إيذانًا بأن مرحلةً تنقضي وأخرى تتشكل. فلكل مرحلةٍ رجالها ونساؤها، ولكل الناس محطاتهم التي لا تُقاس بالعمر بل بالمعنى.

وأمام باب الميعارة، حين سكنت الجموع وارتفعت التساؤلات، راودني مشهدٌ غريب في رمزيته: كيف لشهيدنا، ومعه الفقيد إبراهام السرفاتي، أن يتواصلا في الأبدية مع شهدائنا في مقبرة الشهداء التي لا تفصلها عن تكنة الوقاية المدنية سوى أمتار معدودة؟ تلك التكنة التي تؤوي في حفرة جماعية جثامين شهداء انتفاضة يونيو 1981.

إنها الجغرافيا وهي تبوح بسخرية التاريخ، حين تلتقي الذاكرة العبرية بذاكرة اليسار، في مسافة قصيرة تُلغي حدود المعتقد والسياسة، وتفتح سؤال المعنى: من نحن حين يجمعنا التراب ولا تفرقنا السرديات؟.

هناك، في ذلك الصمت المضيء، بدا المشهد كأنه مرآة لوطنٍ يتعلّم ببطء كيف يرثي أبناءه دون أن يقتل الأمل فيهم. رثاء اللحظة البشرية ليس حنينًا للماضي، بل وعيًا بما تبقّى فينا من قدرة على الفهم والاتصال. فكل وداعٍ حقيقي هو تمرينٌ على استشراف المستقبل الإنساني، وكل فقدٍ عميق هو نداءٌ للمصالحة مع ذواتنا ومع تاريخنا.
لقد علمتنا المقبرة أن الأجساد تمضي، لكن القيم لا تُدفن، وأن الإنسانية هي المعبر الأخير الذي يلتقي فيه المختلفون على بساطٍ واحد من الذاكرة، لا بوصفهم خصومًا أو شهداء متنافرين، بل كبشرٍ يبحثون عن خلاصٍ جماعي في عالمٍ مثقلٍ بالفقد.

ذلك هو المعنى الأسمى للرثاء: أن نحزن بوعي، ونحلم بمسؤولية، ونستشرف الغد بعينٍ دامعةٍ لا تزال تُبصر الضوء.

غادرتنا اللحظة نفسها حاملين معنا وعودا متبادلة ، تستدعي منا كل اليقظة المطلوبة لدعم بعضنا البعض والوطن ، تفاديا لأي تيه يشوب البوصلة بين ثنايا موج الأطلسي وكثبان رمال الصحاري المتحركة والمتحررة .

*مصطفى المنوزي

أكمل القراءة

على مسؤوليتي

محمد الطالبي.. وفقدت الكوفية معتمرها اسيدون

نشرت

في

شيّع المئات من المواطنات والمواطنين، إلى جانب شخصيات من مختلف الأطياف السياسية والفكرية والحقوقية بالمغرب، بعد زوال اليوم، جثمان المناضل الراحل سيون أسيدون، في جنازة مهيبة احتضنتها المقبرة اليهودية بمدينة الدار البيضاء.

وقد حضر هذا الوداع المؤثر عدد من رموز العمل الوطني والحقوقي والإعلامي، تقديراً لمسار الرجل الذي ظلّ حتى آخر أيامه صوتاً حرّاً ومدافعاً شرساً عن فلسطين والكرامة الإنسانية، ومؤمناً بقيم العدالة والمواطنة والانفتاح.

كان الراحل سيون أسيدون من القلائل الذين جمعوا بين الانتماء الصادق للمغرب والالتزام المبدئي بقضية فلسطين، إذ نذر حياته للتصدي لكل أشكال النسيان والتغاضي عن الحقائق التاريخية والقيم الإنسانية، وكرّس فكره وجهده لترسيخ ثقافة المقاومة المدنية والتضامن مع الشعوب المقهورة. عرفته الساحات والندوات والمنتديات كمثقف ملتزم وكمواطن صادق لم يساوم يوماً على المبادئ، وشخصية قوية لا تعرف الاستسلام أمام التحديات والمحن.

وخلال مراسم الوداع، أُلقيت كلمات مؤثرة من رفاقه وأصدقائه وممثلي هيئات حقوقية ومدنية، استحضرت مناقب الفقيد ونزاهته الفكرية وصلابته الأخلاقية، وتفانيه في الدفاع عن القضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. وشهدت المقبرة أداء الصلاة عليه وفق الطقوس المعمول بها، في أجواء من الخشوع والاحترام المتبادل بين جميع الحاضرين.

مرّت الجنازة في نظام محكم وتنظيم راقٍ، وسط أجواء من التأثر العميق، حيث رُفعت الأعلام الفلسطينية ورددت الحناجر شعاراتٍ تطالب بالحرية لفلسطين، في مشهد مؤثر وغير مسبوق داخل المقبرة اليهودية، جسّد بعمق روح التعدد الفكري والسياسي وحرية التعبير التي تميز المغرب.

هكذا، إذا تبقى الأصوات النظيفة والصادقة تحمل قيم النضال والوفاء، فحتى في جنازته وداخل صرح المقبرة كان صوت الوفاء وصوت الشعارات لفلسطين، والحرية، والتحرير، وحقوق الإنسان.

ستفقد الكوفية أحد معتمريها، في شوارع وأزقة مدن المغرب، وفقده هذا يمثل فراغاً كبيراً لكل من عرفه أو تأثر بمواقفه ونضاله.

فنم قرير العين، وسيحفظ التاريخ تراثك النضالي ومواقفك المشرفة للأبد.

أكمل القراءة
رياضة منذ 10 ساعات

مدرب منتخب إسبانيا يوجه تحذيرا صارما للامين جمال

رياضة منذ 11 ساعة

ميسي يقود الأرجنتين الى الفوز على أنغولا 2-0 وديا

رياضة منذ 12 ساعة

هذه تشكيلة المنتخب الوطني أمام الموزمبيق

رياضة منذ 12 ساعة

منتخب الفتيان يطيح بالولايات المتحدة ويتأهل إلى ثمن نهائي المونديال

منوعات منذ 14 ساعة

المهرجان الوطني للمسرح بتطوان ينطلق وسط غضب عارم للمسرحيين المغاربة

رياضة منذ 15 ساعة

تشكيلة المنتخب الوطني لاقل من 17سنة امام الولايات المتحدة الأمريكية

سياسة منذ 16 ساعة

وزان .. مشاورات موسعة لإعداد برامج التنمية الترابية المندمجة

اقتصاد منذ 17 ساعة

خط جوي جديد يربط بين أمستردام والرباط

رياضة منذ 18 ساعة

مونديال الناشئين.. موعد والقنوات الناقلة لمباراة المغرب وأمريكا

رياضة منذ 19 ساعة

مونديال 2026: فرنسا إلى النهائيات للمرة الثامنة تواليا

رياضة منذ 20 ساعة

المنتخب المغربي يختتم تحضيراته بطنجة قبل ودية الموزمبيق

سياسة منذ 21 ساعة

بووانو: هذه الحكومة نجحت فقط في توسيع طبقة “الفراقشية”

سياسة منذ 22 ساعة

مجلس النواب يصادق على الجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2026

رياضة منذ 23 ساعة

رونالدو يطرد في انتصار أيرلندا على البرتغال بتصفيات كأس العالم

واجهة منذ 24 ساعة

طقس الجمعة.. تساقطات مطرية ورياح قوية بهذه المناطق

دولي منذ يومين

اغتيال مهندس نووي مصري بـ13 طلقة وسط الشارع في الإسكندرية

دولي منذ يومين

مخابرات: صراع وشيك بين إسرائيل وإيران

اقتصاد منذ يومين

عجز في الميزانية يقدر بـ55,5 مليار درهم عند متم أكتوبر

واجهة منذ يومين

تفكيك شبكة لنقل المخدرات بين المغرب وإسبانيا باستخدام مسيّرات

واجهة منذ يومين

طقس الخميس.. أمطار قوية وثلوج بهذه المناطق

إعلان

الاكثر مشاهدة