Connect with us

على مسؤوليتي

الوكلاء عن الدولة بين التبرير الشعبوي والتقنوقراطي

نشرت

في

*(قراءة ميتولوجية في مشهدية الدولة المغربية )
سنحاول من خلال هذا المقال، أن نسلط الضوء على بنية العلاقات والصراعات في المتون الميتولوجية، التي غالبًا ما تتمحور حول صراع الأب والابن (مثل كرونوس وزيوس في الميثولوجيا الإغريقية) أو الأخ والأخ (مثل قابيل وهابيل في الميثولوجيا الإبراهيمية، أو سِت وأوزير في المصرية القديمة).

لكن صراع الإبن والأخ أو الأخ مع ابن أخيه – أي علاقات أكثر تعقيدًا بين الأجيال المتقاطعة – أقل حضورًا في الميثولوجيا الكبرى، غير أنه ليس غائبًا تمامًا، وهناك بعض الأمثلة وإن كانت نادرة أو مغفلة:
1. في الميثولوجيا الكنعانية: هناك بعض الروايات المتفرعة التي يظهر فيها تعارض بين العم (الأخ الأكبر) وابن أخيه في صراعات وراثية حول السيادة أو السماء، مثل ما يُروى عن إيل وبعل.

2. في التوراة (العهد القديم): هناك تعقيدات في نسب الأسرة الإبراهيمية، حيث نجد توترات بين يعقوب وعيسو (أخوين)، ولكن أيضًا بين أبناء العم أو الأخوة غير الأشقاء، مثل إسحاق وإسماعيل من زاوية توتر السلالة.

3. في الملاحم الإغريقية: يمكن رصد توتر بين أبناء الإخوة أو أحفاد، كما في ملحمة “الأوديسة”، حينما يتصارع تيليماخوس (ابن أوديسيوس) مع أبناء المتنافسين على عرش أبيه، الذين ينتمون أحيانًا إلى فروع عائلية قريبة.

4. في بعض الحكايات الأسطورية أو الشعبية الهندية والجرمانية: تظهر نزاعات بين أبناء الأخوة، كجزء من نزاع قبلي على الإرث أو الدم.

لكن سبب ندرة هذا النوع من الصراع راجع إلى أن الميتولوجيا تميل إلى تجسيد الصراعات الكبرى في شكل ثنائيات واضحة:
الأب/الابن: صراع السلطة والوراثة.
الأخ/الأخ: صراع المساواة والغيرة.

بينما صراع “الإبن/الأخ” قد يُعتبر “هجينًا” في منطق السلطة الرمزية، لأنه يجمع بين التراتبية والقرابة الجانبية، مما يُضعف رمزيته كنموذج سردي واضح.

إن الغاية من هذا التمهيد التاريخي الإسترجاعي، فتح أفق تأويلي مهم يروم إبراز أسباب الصراع بين “الإبن والأخ” بالنيابة أو بالوكالة، وهو شكل ميتولوجي غير مباشر، غالبًا ما يُخفي علاقات السلطة والرغبة والانتقام تحت ستار من التراتبية الرمزية. في هذا السياق، يمكن أن نجد عدة أمثلة في المتون الميثولوجية والأدبية، خاصة إذا قرأناها بمنهج تفكيكي أو سيميولوجي.

وهذه بعض الملاحظات والأمثلة الدالة :
1. صراع بالوكالة بين الإبن وعمّه (أخ الأب)
* قصة هاملت (المسرح الإليزابيثي): هاملت يصارع عمّه . *كلوديوس(الذي قتل والده وتزوج أمه)، لكن الصراع هنا ليس فقط انتقاميًا مباشرًا، بل يمثل حربًا بالوكالة عن الأب المقتول. هنا يتجلى صراع الإبن مع “الأخ” (عمّه) في سياق عائلي وسلطوي مزدوج.

2. صراع مركزي في الملحمة الحسينية :
* حسين بن علي ويزيد بن معاوية: يزيد هو ابن معاوية، الخصم التاريخي لعلي بن أبي طالب، وهكذا فإن معركة كربلاء يمكن قراءتها أيضًا كامتداد لصراع “الإبن (الحسين) مع الأخ (معاوية) بالنيابة”، حيث يزيد يمثل امتدادًا لمشروع الأب، بينما الحسين يحمل عبء مشروع الأب (علي). إنها إذن مواجهة بين ورثة الصراع المؤجل.

3. في الميثولوجيا الإغريقية – نموذج أوريستيس
أوريستيس ينتقم من أمه كليتمنسترا وعشيقها إيجيسثوس، الذي قتل أباه أجاممنون. إيجيسثوس كان من العائلة (ابن عم أو أخ غير شقيق حسب الروايات). وهنا نرى أن أوريستيس يصارع “بديلاً عن أبيه”، وبالوكالة عن شرف العائلة.

4. في بعض الروايات الأمازيغية والأساطير الإفريقية
تُروى قصص فيها “ابن أحد الأخوة” يتولى الثأر أو الدفاع عن جدّه أو عمّه، أو يدخل في صراع مع أبناء العمّ – في شكل صراع جيلين لكن بالنيابة عن جيل سابق. في هذه الحكايات، البُعد الاجتماعي والرمزي للصراع يكون حاسمًا، ويظهر كيف يُستخدم الجيل الجديد لتصفية حسابات الجيل السابق.

5. في الرواية الإسلامية العامة: قصة يوسف
الإخوة يرمون يوسف في البئر، وهو ليس صراعًا تقليديًا بين إخوة متساوين، بل هناك تواطؤ بالنيابة: يعقوب يمثل رمزًا للنبوءة والاصطفاء، والإخوة يَغارون من تمثيل يوسف لهذه المكانة. الصراع هنا ليس بين يوسف وإخوته كأفراد، بل بينهم كممثلي تيارين داخل الأسرة: تيار الاصطفاء الإلهي (يوسف) وتيار التهميش .

في سرديات الميثولوجيا، نادراً ما نعثر على صراع مباشر بين “الأخ” و”الابن” في حضرة الأب المؤسس أو السيد المطلق. غير أن هذه المفارقة المفقودة في الخيال الأسطوري، تطفو على سطح الواقع السياسي المغربي في صيغتها الرمزية، حيث يتمثل الصراع بين وكيلين للسلطة، خرجا من رحم الوظيفة العمومية، وبلغا ذروة الدولة، ليخوضا باسمها صراعاً بالوكالة: صراع تبرير لا صراع مشروع.

يمثل “الابن”، من حيث الخطاب، النمط الشعبوي المحافظ، الذي يستمد شرعيته من القرب من وجدان الجماهير، ومن تطويع خطاب الدين لتبرير اختلالات الحكم بدعوى وجود “التحكم”، دون أن يُحدث قطائع بنيوية. أما “الأخ “، فهو التجلي المعكوس لذلك: تكنوقراطي نيوليبرالي، يوظف الأرقام والوعود التقنية، لتبرير الاختلالات ذاتها، متوسلاً صمت النخبة، بدل ضجيج الجماهير.

كلاهما، في الجوهر، ليس إلا مُجَمِّلًا لوجه الدولة، من خلال أسلوبه الخاص: أحدهما يتحدث بلسان الغضب المُروّض، والآخر بلسان الهدوء المُصطنع. وبذلك يتحولان إلى ما يشبه “أبولّو وديونيسوس” في الميثولوجيا اليونانية: آلهة لا تتصارع على السلطة، بل على كيفية تمثيلها وإعادة إنتاج سحرها الرمزي.

ولأنهما لا يُشَكِّلان تهديداً حقيقياً لعرش السلطة، بل يضمنان استقرارها من خلال تباين صوري، فإن الدولة تجد في هذا الصراع الوهمي، ما يكفي لإعادة ترميم شرعيتها دون الحاجة إلى إصلاح حقيقي. إنها المفارقة: حين يتنازع الوكلاء، تستريح السلطة الأصلية.

هكذا يصبح الصراع بين الأخ والابن صراعًا على من يُقنِع أكثر، لا على من يُصلِح فعليًا. فكل منهما يُبيض الأعطاب المخزنية بطريقته: أحدهما بماء البلاغة، والآخر بمساحيق التنمية.

إن قراءة هذا الصراع بمنظور ميتولوجي يسمح لنا بفهم أن المغرب ليس أمام تعددية سياسية حقيقية، بل أمام تعدد في التماثيل الرمزية لوظيفة واحدة: وظيفة “تسويق الدولة” لا “تفكيكها أو مساءلتها”.

وبينما ينتظر الناس صراعًا يفضي إلى تغيير، يجدون أنفسهم أمام مسرحية مقدسة، أبطالها من أبناء السلطة، لا من خصومها. فلم يكن الأخ سوى عزيز بنحماد أما الإبن فليس إلا عبده مصارع الثيران ، واللذين قدرا عليهما أن يتصراعا في إنتظار الترخيص لهما بعقد القران محاكاة بسردية النداء والنهضة .

والخلاصة / الرسالة أنه علينا ألا ننخدع بفخ التناوب أو التشخيص الأخلاقي للأشخاص، بل أن نطرح السؤال الحقيقي:
هل ما نراه صراعًا سياسيًا هو في الحقيقة مجرد تقاطع سردي لوظيفتي التجميل السياسي؟.

وإذا كان الصراع لا يتجاوز حدود تمثيل السلطة، فهل يمكن أن يُنتج بدائل، أم أنه يُعيد إنتاج نفس النظام بلغات مختلفة؟.

*مصطفى المنوزي

إعلان
انقر للتعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

على مسؤوليتي

سعيد الكحل: هرطقات بنكيران وهلوساته المَرَضية

نشرت

في

بواسطة

ولاءُ نِفاق وتقيّة.

نشر موقع البيجيدي فيديو لأمينه العام، بنكيران، وهو يترأس اجتماعا للأمانة العامة يوم 13 شتنبر 2025، ظاهره تحذير القادة العرب من ثورة شعوبهم ضدهم، وباطنه تهديد مباشر منه لجلالة الملك بفسخ عقد البيعة. فقد تجاسر بنكيران على توجيه خطاب تهديدي نيابة عن الشعب، مفاده إما قطع العلاقات مع إسرائيل أو زوال المُلْك “حنا مهدَّدين كمواطنين ولكن أنتم مهددين في عروشكم. إذا الشعوب ما بقاتش تشعر بلّي الحكام سيحمونها سينحلّ الميثاق وستبحث الشعوب عن حل آخر”. وهو نفس الخطاب الذي روّجه البيجيديون وعدلاوة ومتطرفو اليسار خلال وقفاتهم الاحتجاجية ضد الحرب على غزة. وهنا وجب تذكير بنكيران بالأمور التالية:

1 ـ إنه لا يمثل الشعب المغربي وليس ناطقا باسم الهيئات الحزبية والنقابية والمهنية والمدنية والأمنية والعسكرية الذين بايعوا جلالة الملك عند توليه الحكم بعد وفاة الملك الراحل الحسن الثاني. فلا جهة ولا أحد سمح له أو تشاور معه أو وكّله لمهمة البت في عقد البيعة. وهذا تطفّل وتجاوز للدستور والقانون والدين.

2 ـ إن علاقة الشعب بالملك في المغرب لا تخضع للمزايدات السياسوية ولا للابتزاز؛ ومن ثم لا يحق لأي كان أن يتدخل فيها. وقد حاول الاستعمار الفرنسي ذلك ففشل فشلا ذريعا.

3 ـ إن تجذر الملكية في وجدان الشعب المغربي عبر قرون حقيقة ثابتة لا تحتاج لبنكيران أو غيره أن يفتي فيها أو يستغلها لحساباته السياسوية. ويوم قرر المغاربة اتخاذ الملكية نظاما للحكم دون غيره، إنما فعلوا عن وعي وقناعة بصلاحيته لهم لتدبير شؤونهم الدينية والدنيوية.

4 ـ إن بنكيران كان ينتظر الفرصة التي تسمح له بالتهديد بالتحلل من الولاء للملك بصفته ولي الأمر، وبفسخ البيعة للملك بصفته أمير المؤمنين. لم يكن يجرؤ على هذا الابتزاز، من قبل سنة 2011، حين كان حزبه يحقق مكاسب انتخابية على مستوى الأصوات والمقاعد البرلمانية. إذ كان يدرك جيدا أن إبعاد الحزب عن المشاركة في الانتخابات ستعدمه سياسيا.

5 ـ إن ولاء بنكيران وحزبه وجماعته لم يكن يوما ولاء صدق وقناعة، بل نفاقا وتقية. والأمر لا يحتاج كبير عناء لإثباته والتأكد منه؛ إذ تكفي إطلالة سريعة على أدبيات التنظيمين وارتباطاتهما الإيديولوجية مع التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، للتأكد من أن الولاء الحقيقي للتنظيمين ليس للوطن ولا للملك، وإنما للمرشد العام للجماعة الذي يأمر فيطاع، ويوجِّه فينفَّذ. وخير مثال هنا هو الرسالة التي وجهها مرشد الإخوان بمصر، مصطفى مشهور، سنة 1996، لإسلاميي المغرب، وفي مقدمتهم حركة التوحيد والإصلاح، يحدد لهم الخطط التكتيكية والإستراتيجية التي التزموا، بتنفيذها وفق ما تستوجبه عقيدة الولاء والطاعة داخل التنظيم. ولا أدل على هذا، إفتاء أحمد الريسوني، في ماي 2003، يوم كان رئيسا لحركة التوحيد والإصلاح، بعدم أهلية جلالة الملك لإمارة المؤمنين ودعوته لإسنادها لغيره. وبنكيران لم يخرج عن نهج الريسوني في تهديده، اليوم، بفسخ عقد البيعة للملك والانقلاب عليه إذا لم يستجب لأوامر الخوانجية بإلغاء “التطبيع” الذي وقّعه أمينهم العام، وقطْع كل العلاقات الاقتصادية والعسكرية والعلمية والتجارية مع إسرائيل ضدا على المصالح العليا للوطن. ولا غرابة في الأمر ما دام الخوانجية لا يجعلون الوطن ومصالحه العليا ضمن أولوياتهم. وهذا أقوى دليل على أن الولاء للجماعة ينفي الولاء للوطن.

جبْنَا القْرَعْ يْوَنّسْنا عرّى راسو وهَوّسْنا.

يتوهّم بنكيران أن تهديده للحكام العرب سيُخلّف صدى في المغرب، حسب المثل (إياك أعني واسمعي يا جارة). لقد انتهت مدة صلاحية بنكيران كما تنتهي صلاحية المواد الاستهلاكية. إلا أن هوسه بكرسي السلطة أعماه عن استيعاب إشارة البلوكاج بانتهاء صلاحيته السياسية. وكما فقَدَ الصلاحية فقدَ معها المروءة وصار يتوهم أنه من أصحاب “الشَّان والمرْشَان”. إذ من الخسة والوضاعة أن يخاطب القادة العرب بما يسيء إلى مسؤولياتهم الدستورية ويطعن في وطنيتهم بقوله: “أول ما يجمعنا وحكامنا عقد فيه أنهم يلتزمون بواجب حمايتنا. دابا حنا مكنشعروش بنفوسنا محميين”. بل تمادى في خسته وحقارته ليَتّهم الملك، بصفته القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، بعجزه عن حماية البيجيديين ومقرهم ضد القصف الإسرائيلي: ” دابا حنا مكنشعروش بنفوسنا محميين. أنا ما تنشوف حتى مانع أن هاذ القاعة هذي أن تقصفها إسرائيل. أنا شخصيا جد جدّ متشائم “. وهذا تطاول خطير على أمير المؤمنين ورئيس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية الغرض منه ضرب الُّلحمة الوطنية بين الشعب والمؤسسة الملكية.

إن بنكيران، بمثل هذه الهرطقات و “التْبَوْحِيط” يتوهّم أنه سيبتز الدولة ويجعلها تراضيه مقابل سكوته. فهو يثبت من جديد أن تعيينه رئيسا للحكومة كان بمثابة “شمْتة” لن تتكرر أبدا (قال له شْمَتّك، قال له عرفتك). وحال بنكيران اليوم يصدق عليه المثل الشعبي “جبْنَا القْرَعْ يْوَنّسْنا عرّى راسو وهَوّسْنا”.

أكمل القراءة

على مسؤوليتي

سعيد الكحل: العدميون لا يعجبهم العجب ولا الصوم في رجب

نشرت

في

لم تستوعب فئة من العدميين أعداء النجاح، لحظة افتتاح الجوهرة الرياضية، ملعب الأمير مولاي عبد الله بالرباط. لقد غاظتهم سرعة الإنجاز بأيادي وخبرات مغربية محضة، وكذا دقة الإنجاز التي جعلت المنشأة الرياضية تضاهي كبريات الملاعب الرياضية في العالم.

كعادة العدميين توقعوا تعثر الإنجاز وعدم وفاء المقاولات بتاريخ تسليم الملعب، أو ظهور عيوب في البناء أو الإنارة أو في الجوانب الهيكلية أو التقنية للملعب. لقد خاب انتظارهم للحظة الشماتة حتى يجلدوا كل المسؤولين، ويمارسوا هواية نصب المشانق وسحل أعضاء الحكومة؛ ولما لم يجدوا ما يغذي شماتتهم أو يفجرها، انقلبوا نائحين، في مسعى خسيس لتحويل لحظة الفرح بالإنجاز إلى لحظة نعيق وعويل كما تفعل النائحات في المآتم.

فجأة تذكّر العدميون ضحايا زلزال الحوز وساكنة المغرب العميق، فسارعوا إلى النبش في تقارير المندوبية السامية للتخطيط بحثا عن إحصائيات تخص نسبة البطالة والفقر. لم يكن غرضهم معالجة المشاكل الاجتماعية، بقدر ما كان سعيهم الخبيث إفساد لحظات الفرحة التي فجّرها افتتاح الملعب. إنهم غربان الشؤم يكرهون الفرح ويحاربون النجاح.

كلّ يرى بعيْن طبْعِه.
اعتاد العدميون على تبخيس كل ما هو إيجابي، سواء مكاسب سياسية أو اختراقات دبلوماسية أو إنجازات هيكلية أو مشروعات اقتصادية أو بنيات رياضية أو برامج اجتماعية. فالعدمية قبل أن تكون حقدا إيديولوجيا يوجِّه معتنقيه إلى تبخيس جهود الدولة بخلفية المناهضة/المعاداة لا الانتقاد، فهي طبْع مجبول عليه الشخص العدمي، به يرى ما حوله. وصدق الشاعر إيليا أبو ماضي لما نصح هذه العيّنة من البشر: “كن جميلا ترى الوجود جميلا”

والذي نفسه بغير جمال
لا يرى في الوجود شيئا جميلا

إن طبع العدميين يجعل حالهم كحال من تعمى عيناه عن جمال الورود فلا يرى غير الأشواك المحيطة بها:

وترى الشّوك في الورود، وتعمى
أن ترى فوقها النّدى إكليلا

ومن تناقضات العدميين أنهم استكثروا على المغرب، أن يكون له قصب السبق في إنجاز مشروع القطار فائق السرعة “البراق”، أو يبني موانئ تنافس الموانئ العالمية في التجارة واللوجستيك والصناعة والخدمات، أو يشرع في إنجاز محطات الطاقة الشمسية. حجتهم في معارضة المشاريع الكبرى هي أن هناك أولويات تتعلق بالفقر والبطالة والصحة؛ وهذا حق يراد به باطل. لكن حين شرعت الحكومة في تنفيذ برنامج الدعم الاجتماعي المباشر إلى جانب نظام التأمين الإجباري عن المرض (AMO) كجزء من مشروع تعميم الحماية الاجتماعية، خرج العدميون منتقدين الحكومة، تارة بحجة أن الدعم المباشر يشجع على الكسل والاتكال على الدولة بدل العمل، وتارة أخرى أن أموال الدعم أحرى أن تُوجَّه إلى خلق فرص العمل وتشجيع الاستثمار مرددين المثل الصيني (لا تعطني سمكة ولك علمني كيف أصطاد السمك)؛ وفي أخرى يتهمون الحكومة بأنها ستوظف الدعم الاجتماعي لتحقيق مكاسب انتخابية.

لا شك أن العدميين يتجاهلون الحقائق والمعطيات التالية:
1 ـ إن عدد الأسر المستفيدة من نظام الدعم الاجتماعي المباشر عند متم شهر يونيو من سنة 2025 قارب 4 ملايين أسرة (تم قبول 98,4 في المائة من ملفات طلبات الاستفادة من الدعم الاجتماعي المباشر وفق تصريح الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع أمام البرلمان في يوليوز 2025). وهذا دليل على كون الدولة لم تترك الأسر المعوزة لمواجهة مصيرها، وإنما تبذل جهودها لتوفير الدعم لها، ولتزويد السوق المغربية بكل ما يحتاجه المواطنون ويعفيهم من الانتظام في طوابير طويلة أو من بطاقات التموين المذِلّة للكرامة. طبعا مبلغ الدعم ليس كافيا لكنه يحفظ ماء وجهها ويغنيها عن مد اليد.

2 ـ إن تكلفة الدعم الاجتماعي كلّف خزينة الدولة 37.7 مليار درهم سنة 2025. وهذا مبلغ مالي جد مهم كافي لتشييد على الأقل تسعة ملاعب من مستوى ملعب الأمير مولاي عبد الله. لكن الدولة استطاعت المزاوجة بين الدعم الاجتماعي وبناء الملاعب الرياضية بمعايير دولية، بالإضافة إلى تشييد مراكز استشفائية كبرى بعدد من المدن (الرباط، طنجة، أغادير، العيون وغيرها). طبعا العدد غير كاف لتوفير الخدمات الصحية للمواطنين ذوي الدخل المحدود. وبدل أن يكون ما تم تحقيقه مصدر فخر واعتزاز للعدميين، صار مبعث حقد وعداء للدولة ولكل المنجزات على اختلاف مستوياتها وتكاليفها.

3 ـ إن تكلفة تأهيل ملعب الأمير مولاي عيد الله، وفق ما جاء به مشروع قانون المالية لسنة 2023، حددت في 40 مليار سنتيم. أما تكلفة بناء ملعب بنسليمان، الذي يعد أحد أكبر الملاعب في العالم، فستكلف 5 مليارات درهم مغربي (500 مليون دولار).

كان من المفروض في العدميين أن يسائلوا أنفسهم بحس وطني صادق، ولكن هيهات أن يكون لهم هذا الحس ونفوسهم مرجل حقد وعداء لا ينطفئ، كيف للدولة المغربية، ذات الموارد المالية المحدودة، أن تنخرط في برامج اجتماعية رائدة وفي مشاريع تنموية واقتصادية طموحة رغم ظروف الجفاف وحرب الاستنزاف المفروضة عليها من طرف النظام الجزائري على مدى نصف قرن؟

4 ـ إن تطوير البنيات الرياضية وتأهيلها لا ينفصل عن تطوير وسائل المواصلات وتشييد الموانئ والسكك الحديدية والطرق السيارة. فجميع هذه المشروعات والمنشآت تساهم مباشرة في التنمية المستدامة وخلق فرص الاستثمار والشغل. إن الملاعب الرياضية ليست ترفا ولا مضيعة للمال العام؛ ذلك أن مردودها الاقتصادي والاجتماعي والنفسي والتربوي لا يقل أهمية عن المشروعات الاقتصادية والإنتاجية. وأنصح العدميين بالرجوع إلى نتائج مشاورة الكومنولث في عام 2015، مع مجموعة من خبراء الرياضة والتنمية لتقييم أفضل طريقة لاستخدام الرياضة للمساهمة في أهداف التنمية المستدامة. وتم نشر النتائج في منشور للكومنويلث بعنوان” الرياضة من أجل التنمية والسلام وخطة التنمية المستدامة لعام 2030 “، وكذا منشور آخر بعنوان ” تعزيز مساهمة الرياضة في أهداف التنمية المستدامة”. بالمناسبة، تشير التقديرات إلى أن الخمول البدني الذي تلعب الرياضة بكل أنواعها دورا مباشرا في محاربته، سيكلف الهند 7.5 مليار دولار أمريكي والمملكة المتحدة 26 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030 إذا لم يتم اتخاذ التدابير المناسبة.

5 ـ إن محاربة الفقر وبناء المستشفيات ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة وتوسيع شبكة الطرق والمواصلات وخلق فرص الشغل يحتاج إلى موارد مالية مهمة عبر تنويع الاستثمارات، ومنها الاستثمار في الرياضة التي تمثل القوة الناعمة التي جعلت المغرب، منذ مونديال قطر الذي أبهر فيه الفريق الوطني لكرة القدم كل العالم، الوجهة السياحة الأولى في إفريقيا (بلغت مداخيل السياحة لسنة 2024 أكثر من 110 مليارات درهم (ما يقرب من 11.2 مليار دولار، بالإضافة إلى توفير مئات الآلاف من فرص الشغل المباشرة وغير المباشرة). ويجدر تذكير العدميين أن الاهتمام بالرياضة وتشييد الملاعب هو من صميم واجبات الدولة والجماعات الترابية نحو فئات واسعة من المواطنات والمواطنين، سواء الممارسين أو المتفرجين والمشجعين الذين من حقهم ممارسة الرياضة والاستمتاع بمشاهدة المنافسات الرياضية. لقد صارت الرياضة صناعة وعاملا مهما من عوامل التنمية المستدامة (فرص الشغل التي توفرها الرياضة، عائدات الملاعب والإشهار وبيع حقوق البث التلفزي، ومداخيل اللاعبين، الأعمال الخيرية والاجتماعية التي يمولها اللاعبون (حكيم زياش، أبو خلال، حمد الله، أشرف حكيمي، بوصوفة، بلهندة وغيرهم. هذه مجرد نماذج)، فضلا عن الآفاق التي تفتحها الرياضة أمام المواهب. وصدق موليير بقوله: “نحن نأكل لنعيش، لا نعيش لنأكل”.

أكمل القراءة

على مسؤوليتي

عسكرة الدولة بين الرمزية والمؤسسات: قراءة في قراري ترامب وماكرون

نشرت

في

يشهد العالم اليوم، انزياحًا متسارعًا نحو تغليب السرديات الأمنية والعسكرية على حساب السرديات المدنية والديمقراطية. في هذا الإطار، يبرز قراران لافتان: اقتراح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تغيير اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب، وتعيين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لوزير الدفاع رئيسًا للوزراء.

كلا القرارين يعكس مسارًا عالميًا نحو عسكرة الدولة، لكن بأدوات ومقاصد مختلفة.

1. قرار ترامب: عسكرة اللغة والرمزية
اقتراح ترامب لا يتعلق بتسمية شكلية، بل هو إعادة صياغة لفلسفة الدولة. فمصطلح الدفاع يوحي بالشرعية والضرورة، بينما يحمل مصطلح الحرب نزعة هجومية وعدوانية. بذلك يتحول الخطاب العسكري الأمريكي من حماية الأمة إلى فرض الهيمنة.

هذا التحول الرمزي يعيد تشكيل السردية الأمريكية، من “شرطي عالمي” يزعم حماية الديمقراطية، إلى “إمبراطورية” تمارس الحرب كخيار أصيل لتحقيق مصالحها.

كما أن هذا التغيير يمهد لعسكرة السياسة الخارجية، حيث يصبح التدخل العسكري خيارًا مبررًا ومشروعًا، ما يضعف المؤسسات المدنية ويزيد من احتمالات التوتر الدولي.

2. قرار ماكرون: عسكرة البنية السياسية
أما قرار ماكرون، فيكشف نزوعًا مختلفًا. فاختياره لوزير الدفاع رئيسًا للوزراء يترجم هيمنة المنطق الأمني داخل السلطة التنفيذية. هنا لا يتعلق الأمر بالرمز واللغة، بل بالبنية المؤسساتية نفسها؛ فعلى المستوى السياسي، يعكس هذا الخيار محاولة لإدارة الأزمات الاجتماعية وصعود اليمين المتطرف عبر “تغليب الأمن على السياسة”.

وعلى المستوى الرمزي، ينقل فرنسا من صورة “جمهورية الحقوق” إلى “جمهورية محروسة”.

أما توقعيًا، فهو إشارة إلى أزمة الشرعية السياسية التي يعاني منها ماكرون، وإلى افتقاره لبدائل مدنية قادرة على إدارة المرحلة.

3. المقارنة النقدية: عسكرة المفردة أم عسكرة الوظيفة؟
رغم اختلاف السياقين، يجتمع القراران في مسار واحد: تضخم السرديات الأمنية والعسكرية. غير أن ترامب اختار عسكرة المفردة، أي اللغة والرمز، فيما اختار ماكرون عسكرة الوظيفة، أي السياسة والمؤسسات.

الأول أخطر على المدى البعيد، لأنه يرسّخ بارادايم جديدًا يجعل الحرب حالة دائمة في الوعي الجمعي. والثاني أخطر على المدى القريب، لأنه يغير هرم السلطة ويجعل الدولة جهازًا أمنيًا يقيس نجاحه بالضبط لا بالتدبير.

بكلمة، ترامب يمهّد بعسكرة رمزية تسبق العسكرة المؤسساتية، بينما ماكرون ينطلق من المؤسساتية ويبحث لاحقًا عن تبرير رمزي لها.

وكخلاصة تحليلية – في ضوء التفكير النقدي التوقعي:
فإن هذين القرارين يعكسان انتقالًا عالميًا من منطق “إدارة السلم” إلى منطق “إدارة الحرب”، ومن حماية الحقوق إلى تأبيد السيطرة الأمنية. من منظور استشرافي، يمكن أن تترتب عن هذا المسار ثلاثة سيناريوهات محتملة:
أ. سيناريو التصعيد الدولي: حيث تفتح عسكرة اللغة والمؤسسات معًا الباب أمام عودة أنماط الحرب الباردة، عبر إعادة بناء تحالفات قائمة على القوة لا على القيم.
ب . سيناريو التفكك الديمقراطي: إذ تتحول الديمقراطيات الغربية من أنظمة مدنية تعددية إلى دول طوارئ دائمة، تُدار بمنطق الأمن لا بمنطق الحقوق.
ج . سيناريو المقاومة المدنية: وهو الاحتمال الذي يفتح المجال أمام بروز سرديات مضادة، مدنية وحقوقية، قادرة على إعادة التوازن بين الأمن والحرية، بين الدولة والمجتمع.
هكذا، يصبح التفكير النقدي التوقعي ضرورة ملحّة لفهم ما وراء القرارات الرمزية والمؤسساتية، ولمساءلة الاتجاه العام الذي يدفع العالم نحو عسكرة متزايدة على حساب أفق السلم والحرية.

مصطفى المنوزي
رئيس المركز المغربي للديموقراطية والأمن

أكمل القراءة
رياضة منذ 4 ساعات

التحكيم في الدوري المغربي: بين الخطأ البشري وشبهة القصد

رياضة منذ 7 ساعات

كأس العالم 2026: الفيفا تفتح تحقيقا بشأن إشراك منتخب جنوب إفريقيا للاعب موقوف

منوعات منذ 7 ساعات

دنيا بطمة تثير جدلاً على “إنستغرام” بعد منشور وداع المغرب

دولي منذ 8 ساعات

عشرات الآلاف يتظاهرون في فرنسا ضد “التقشف”

رياضة منذ 9 ساعات

المنتخب الوطني يواجه منتخب البحرين في لقاء ودي

مجتمع منذ 11 ساعة

ملف “إسكوبار الصحراء”..تأجيل محاكمة المتهمين بسبب مرض بعيوي

رياضة منذ 12 ساعة

راوول أسينسيو يخضع للمحاكمة في قضية فيديو جنسي لفتاة قاصر

تكنولوجيا منذ 13 ساعة

“أطلنطاسند” تطلق “Assia”، المساعدة الافتراضية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي

رياضة منذ 14 ساعة

تصنيف ال(فيفا).. المغرب يحتل المرتبة ال11 عالميا

واجهة منذ 15 ساعة

“لارام” تدشن خطا جويا جديدا مباشرا بين الدار البيضاء ونجامينا

رياضة منذ 16 ساعة

إسبانيا تهدد بمقاطعة مونديال 2026 في حال مشاركة إسرائيل

دولي منذ 17 ساعة

العفو الدولية تدعو الدول إلى وقف دعم “الإبادة” ضد الفلسطينيين

رياضة منذ 19 ساعة

مونديال طوكيو: اسحاق ناضر بطل 1500 م من عائلة مغربية

مجتمع منذ 20 ساعة

الناظور.. فتح بحث قضائي في قضية تهريب شحنة من 76 ألفا و841 قرصا مهلوسا

واجهة منذ 20 ساعة

الطقس: أمطار في العديد من المدن المغربية

منوعات منذ يوم واحد

جمهور واسع يحج لمشاهدة “كازا كيرا” في أولى أيام عرضه بالقاعات السينمائية

مجتمع منذ يوم واحد

فاس..توقيف ثلاثيني بحوزته 615 غرام من الكوكايين

دولي منذ يوم واحد

احتجاجات واسعة في لندن ضد زيارة ترامب لبريطانيا

رياضة منذ يوم واحد

محمد وهبي يعقد ندوة صحافية بمركب محمد السادس لكرة القدم

رياضة منذ يوم واحد

طوكيو: البرتغالي إسحاق ناضر يحرز ذهبية 1500 م

إعلان

الاكثر مشاهدة