تعيش مدينة الصويرة، المصنفة تراثا عالميا للإنسانية من طرف منظمة اليونسكو، لحظة حرجة أمام تصاعد ظاهرة زحف الرمال، التي لم تعد مجرد مظهر طبيعي عابر، بل تحولت إلى معضلة بيئية وبنيوية تهدد حاضر المدينة ومستقبلها.
هذا الوضع الاستثنائي، أفرز مبادرة نوعية تتمثل في صياغة مشروع عريضة مواطنة، باعتبارها أداة حضارية للتعبئة الجماعية، ووسيلة نبيلة تترجم وعي الساكنة بحقوقها وواجباتها في الدفاع عن المجال والذاكرة والهوية.

إنّ هذا المشروع، الذي يلتف حوله مواطنون ومواطنات من مختلف الشرائح إلى جانب الفاعلين الثقافيين والجمعويين والاقتصاديين والسياحيين والحقوقيين، يعبر عن إدراك عميق بأن زحف الرمال ليس مسألة جمالية أو نظافة عمومية فقط، بل قضية مركبة تمس البنية الاجتماعية والحركية الحضرية، وتطال الصحة والسلامة العامة، كما تعيق الدينامية الاقتصادية والثقافية والسياحية للمدينة.

إن تراكم الرمال في الشوارع والساحات والمرافق الحيوية يفقد الصويرة إشعاعها كمدينة منفتحة وفضاء للإبداع، ويجعل من التدخل أمرا ملحا يتجاوز الحسابات الظرفية.
من منظور عام ، تشكل العريضة أداة ضغط مؤسساتية ذات بعد قانوني وأخلاقي، فهي تلزم السلطات المحلية والإقليمية والجهوية بالاعتراف بخطورة الظاهرة وإعطائها الأولوية في أجندات التنمية. كما تطرح مقترحات عملية قابلة للتنفيذ، مثل إنشاء حواجز طبيعية، وتثبيت الكثبان الرملية، واعتماد تجهيزات تقنية متطورة، إلى جانب صيانة دورية للمجالات المهددة. هذه التوصيات تندرج ضمن منطق التدبير المستدام للبيئة الحضرية والساحلية، وتنسجم مع المقاربات العالمية في مجال حماية المدن التراثية من الأخطار البيئية.
إلى جانب ذلك، تؤكد الوثيقة على البعد التشاركي باعتباره شرطا لإنجاح أي مشروع جماعي. فهي تدعو إلى إشراك المجتمع المدني، من جمعيات وتعاونيات وفنانين وباحثين وسكان، في صياغة الحلول وتنفيذها، بما يعزز الانخراط المواطني ويكرس مبدأ الديمقراطية التشاركية. كما تطالب بالشفافية في رصد الميزانيات وتدبير الموارد، لخلق مناخ ثقة بين المؤسسات الرسمية والمجتمع المحلي.
إن مشروع هذه العريضة المواطنة ليس مجرد مبادرة مطلبية، بل يمثل لحظة مفصلية تعكس إرادة جماعية في الدفاع عن المدينة كتراث وفضاء للعيش المشترك. إنه إعلان رمزي وعملي في الآن ذاته: إما أن يتحمل الفاعلون مسؤولياتهم في مواجهة الرمال الزاحفة، أو يتركوا الصويرة تنزلق مع غبار الإهمال. وبذلك، فإن حماية الصويرة وصونها هي واجب تاريخي يتجاوز الأجيال، ويجعل من المدينة فضاء يليق بمكانتها التاريخية العريقة.