Connect with us

على مسؤوليتي

صلاح الدين أبو الغالي ينتفض ضد “تسلط” فاطمة الزهراء المنصوري

نشرت

في

* مراد بورجى
صراحة، البيانان، اللذان فاجأ بهما عضو القيادة الجماعية للأمانة العامة لحزب الأصالة والمعاصرة، صلاح الدين أبو الغالي، مناضلي حزبه، وقادة باقي الأحزاب، ومعهم الرأي العام المغربي، بفضحه لما يعيشه البام من فساد واستبداد، وكأن الزمن الحزبي المغربي توقّف عند “تحراميات السياسيين”، التي ندّد بها الملك محمد السادس غير ما مرة، حتى وصل الأمر إلى معاقبة وزراء ومسؤولين حزبيين وعموميين، دون أن تكلّف هذه الأحزاب نفسها عناء الاستفادة من الدرس الملكي، ومراجعة مواقفها وهياكلها وأساليب عملها، وتطويق الانتهازيين والوصوليين، الذين لا يرون في الحزب السياسي إلا مطية لخدمة مصالح ذاتية ضيّقة…

بيانا أبو الغالي كشفا عن فضائح مدوية بلا عد ولا حصر، لعلّ أكبرها وأقبحها هي الكذب على أعضاء المكتب السياسي، والكذب على الصحافة المغربية، والكذب على عموم الرأي العام، إذ أن المنسّقة فاطمة الزهراء المنصوري منعت عضوات وأعضاء المكتب السياسي من التحقّق من معطيات الملف، الذي عرضته عليهم لتطلب منهم عدم الخوض في التفاصيل والبصم بالإجماع (وفق الطريقة البصرية)، على قرار تجميد عضوية صلاح الدين، دون أن تصارحهم بأن المعني الأصلي والقانوني بالملف هو عبد الصمد شقيق صلاح الدين وليس عضو القيادة الجماعية للأمانة العامة للبام، وبالتالي، لن يحتاج أي مراقب موضوعي إلى أي دليل إضافي على أن ما وقع هو بعبارة شديدة التركيز: استهداف صلاح الدين أبو الغالي من طرف المنصوري بملف تجاري لا وجود له أصلا لدى أي درجة من درجات التقاضي، وغير معني به قانونيا، لتحييده من القيادة الحزبية في هذه الظرفية بالذات، ليخلو الجو أمام الانفراد بالبام! .

هل هناك فضيحة أكبر من هذه المهزلة؟ فضيحة تتطلب، كما هو مفترض في كل ممارسة ديمقراطية نزيهة وسليمة، أحد خيارين: الخيار الأول أن تبادر المنسقة، التي ارتضت لنفسها الكذب على زميلها وعلى المكتب السياسي وعلى الإعلام والرأي العام، إلى تقديم استقالتها من الأمانة العامة، بل الأحرى الاستقالة من الحياة العامة للانغماس في تتبّع خلافات الملفات التجارية بعيداً عن الحزب، دون إخلال بحق الباميات والباميين في محاسبتها على الاختلالات، التي أدخلت فيها مختلف هياكل البام، لممارسة تسلّطها على أجهزة وقيادات وقواعد وأطر الحزب.. أو الخيار الثاني وهو بيد المكتب السياسي، هل يستطيع أعضاؤه، الذين ملأوا ندوتهم الصحفية بضجيج مدونة الأخلاقيات، بحضور رئيسة لجنة المدونة، وتورطوا في جريمة التشهير “بلا حيا بل حشمة”، أن يردوا على “التضليل”، الذي مارسته عليهم المنصوري، وأن يسهروا على تنزيل ميثاق الأخلاقيات، بإعداد العُدّة لمسطرة إقالة المنسقة، بالدعوة إلى دورة استثنائية للمجلس الوطني لتجريد المنصوري من مسؤوليتها في الأمانة العامة الثلاثية؟ أم أنهم يسلكون طريق “السلامة” ويبلعون شعاراتهم اللفظية ويكتفون بترديد المثل المغربي “واش يدير الميت في يد غسالو”؟!.

لقد بدا لي، بعد الاطلاع على الفضيحة/المهزلة، وكأن فاطمة الزهراء المنصوري تريد الانتقام لمنعها من تولّي الأمانة العامة المفردة، الانتقام من الباميين الأحرار، الذين يرفضون أي سلوك يريد مسخهم إلى “قطيع”، لأن وجودهم داخل البام، وفق ما أعرب لي العديد منهم، هو مواجهة ثقافة القطيع، وعلاقة الشيخ بالمريد، هو البصم على ممارسة سياسية مغايرة، قوامها الدمقرطة والحكامة والمسؤولية والمحاسبة، وفي نظرهم أن فاطمة الزهراء المنصوري، بشخصيتها ومواقفها وأسلوب تدبيرها، تشكل رمزا للقطيع وللريع وكل أمراض تلك السنوات البائدة، التي شرعت تعود مع “القايدة” المتنفذة في دواليب البام…

وبالعودة إلى “بيان” أبو الغالي، “من أجل الديمقراطية في البام”، سواء منه رقم 1 أو رقم 2، فما أن اطلعت على ما تضمّناه من معطيات ومواقف، حتى تذكّرت تلك المسيرة المريرة لنخبة من المناضلين، ومن المفكّرين بالخصوص، الذين واجهوا الأمرّين دفاعا عن الدمقرطة الشاملة، في الحزب وفي المجتمع وفي الدولة، وعلى رأس هؤلاء برهان غليون صاحب كتاب “بيان من أجل الديمقراطية”، الذي ترك بصمة خاصة استفاد منها الكثير من نشطاء النضال الديمقراطي… واليوم يأتي بيان أبو الغالي ليسلّط الأضواء حول الاختلالات البنيوية، التي تخترق الأحزاب المغربية، والتي تستعر فيها نيران الصراعات والتصدّعات كلّما كانت البلاد مقبلة على تشكيل حكومي، أو تعديل حكومي كذلك…

وهو نفس الحال، الذي يجري حاليا لدى “الصهر” في حزب الاستقلال، حيث يمكن أن نفهم لماذا يصمّم ويصرّ ويلحّ أمينه العام نزار بركة على تعطيل عملية استكمال هياكل الحزب بعد مؤتمره الوطني الأخير (أبريل 2024)، بتغييب هيئة “اللجنة التنفيذية” ليستأثر لوحده، في هذه الفترة بالذات، بمشاورات التعديل الحكومي المرتقب، لتأتي “الصهرة” في حزب الأصالة والمعاصرة، عضوة القيادة الجماعية للأمانة العامة للبام، فاطمة الزهراء المنصوري، لتكمل المسيرة، بعدما شرعت في تقريب المقرّبين والمريدين والوصوليين وإبعاد غير المِطْواعين لأهوائها ومزاجها حتى تتمكّن من إخضاع الحزب لإرادتها والانفراد وحدها بالمشاورات، حتى لا يزعجها أحد في تقديم لائحة (…)!

والمثير في هاذين القياديين، بركة والمنصوري، اللذين رفض الملك استقبالهما عقب انتهاء أشغال مؤتمريهما، أن كليهما يستقويان داخل حزبيهما بادّعاء علاقة غامضة وملتبسة بما يسميانه معا “الفوق” و”الجهات العليا”… وقد آن الأوان ليعلما، هما وغيرهما، أن “هاذ الغْميقْ مابقاشواكل”!!؟

لنترك، مؤقتا، نزار بركة ومعه “خبيزتو”، ولْنتوقفْ عند “حريرة” فاطمة الزهراء المنصوري، التي هي موضوعنا اليوم، والتي لم أتفاجأ، كما قلت، بسلوكها الأرعن، الذي تحدّث عنه بيانا صلاح الدين أبو الغالي… في اعتقادي أن جوهر المشكل يعود إلى تداعيات اندلاع حرب الاستوزار، التي استعرت لدى المنسقة الوطنية للقيادة الجماعية، التي تدخّلت “أطراف” لمنعها من اقتعاد كرسي الأمانة العامة، الذي جلس عليه حسن بنعدي والشيخ بيد الله وبنشماس.. لربما اعتقادا من تلك الأطراف أن فرض صيغة “القيادة الجماعية” سيمكّن من تطويق النزعة الهيمنية المترسّخة في شخصية المنصوري، ودفعها لاستخلاص الدروس وتعلّم و”التمرّن” على الممارسة الديمقراطية والتدبير التشاركي للقيادة، لكن “اللي فيه شي حاجة فيه”، كما يُقال، إذ بمجرّد انتهاء مؤتمر البام (فبراير 2024)، حاولت المنصوري احتواء “الصفعة” التي تلقّتها بمنعها من “الأمانة العامة المفردة”، وشرعت رويدا رويدا في تقزيم تدريجي للآخرين والاستفراد بالتدبير وبالقرار داخل الحزب، حتى تحوّلت إلى “إلياسة صغيرة”، لتشكّل بذلك الوجه الثاني من عُملة إلياس العمري، الذي لقّبه قادة سياسيون بـ”الأفّاك”، والذي طرده الجالس على العرش شرّ طردة من الحياة السياسية، التي يتلصّص حاليا للعودة إليها متسلّلا…

نفس الغموض، الذي برع إلياس في إحاطته بشخصه، وبسلوكه، وبحركات تناورية صغيرة، وحديث هاتفي غامض مع جهة غامضة يعرف كيف يوحي لمن معه أن الأمر يتعلّق بـ”الفوق”! هو نفسه الغموض أو السلوك الذي باتت تعتمده فاطمة الزهراء، فغابت كل مبادئ تلك المنظومة السياسية والأخلاقية، التي أبدع في بلورتها القادة المؤسسون الأوائل، الذين كانوا يتُوقُون، ومعهم شعب البام، إلى تجاوز الاختلالات الحزبية السائدة وممارسة السياسة بأسلوب آخر مغاير للأمراض التي استشرت في الحقل الحزبي، وأصبح شغلها الشاغل هو الانتخابات، ليست من حيث هي معركة ديمقراطية، وهذه مسألة مشروعة، وإنما انتخابات للفوز بالمقاعد، وتزكية أي كان ولو كان الشيطان، المهم الفوز بالمقعد، ومقعد على مقعد حتى “يْحْملْ” البرلمان فيكون “الوضع” ومعه يأتي “الاستوزار”، ومن أجل هذا “الهدف السامي”، أي الوصول إلى المنصب (وزير مدير عمدة رئيس)، بتنا نجد كل ولاية، في الجماعات وفي البرلمان، تعود بنفس الوجوه المكرورة والفاسدة بقوة المال، وبالمحاباة والزبونية، وبالريع الحزبي والولاءات، حتى أضحى عشرات السياسيين قيد المساءلة، حاليا، من هيئات ملاحقة جرائم الأموال، بعضهم في السجن، وبعضهم ينتظر…

وبسبب هذا العامل بالذات، الذي تتواطأ في خلقه العديد من قيادات الأحزاب، ثار الجالس على العرش أكثر من مرة، وغضب أكثر من مرة، تنديدا بهذا الوضع، الذي يمرّغ الديمقراطية المغربية في التراب وفي الفساد، حتى أن تنديداته توالت في العديد من خطبه، إلى درجة أنه طرح، في خطاب ملكي، وعلى لسان المواطن المغربي، سؤالا استنكاريا: ما الجدوى من وجود المؤسسات، وإجراء الانتخابات، وتعيين الحكومة والوزراء، والولاة والعمال، والسفراء والقناصلة، إذا كانوا هم في واد، والشعب وهمومه في واد آخر؟!

بيانا صلاح الدين أبو الغالي عبارة عن صرخة ضد التحكّم وضد الاستبداد، ونداء من أجل الدمقرطة، وشكل من عودة الوعي إلى الذات الحزبية، من أجل أن تصبح الأحزاب ورشة حيّة وحيوية تُخرّج المناضلين والكفاءات وتحفّز على المشاركات والاجتهادات من أجل بلورة ممارسة حزبية بديلة، تقطع مع عهود الفساد والاستبداد، وتواجه السلوكات والعقليات البائدة، وتنخرط في عمليات ومسارات البناء في الحاضر وفي المستقبل، من أجل مغرب يحكمه البرلمان، مغرب جيل ولي العهد، مغرب ما عاد فيه مكان للشعبويين والانتهازيين والوصوليين والأفّاكين، من أمثال العديد من سياسيينا “الخالدين”، لعلّ فاطمة الزهراء المنصوري، بعد هذه الفضيحة، تستحيي من نفسها وتستقيل…!!!

إعلان
انقر للتعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

على مسؤوليتي

مصطفى المنوزي: نحو سيادة منفتحة وتكامل مغاربي مسؤول

نشرت

في

تشكل قراءة الصحفي علي أنوزلا للصورة الجماعية التي جمعت مستشاري الملك ووزيري السيادة برؤساء الأحزاب السياسية نموذجًا لـــ”السيميائيات السياسية النقدية” التي تحاول تفكيك رموز السلطة عبر العلامات البصرية.

وقد لا نختلف مع الزميل علي فيما يخص تحصيل الحاصل من طبيعة النظام السياسي ، ولكن ليس من الضروري أن نعاين دون التفكير في البديل وتفعيل المنشود ، في ظل لحظة وطنية نحن المعنيين أكثر بها ؛ فعلا ، لقد استطاع أنوزلا، بذكاء بصري لافت، أن يحول الصورة إلى نصٍّ سياسي، يكشف توازنات الحضور والغياب، الضوء والظل، المركز والهامش. غير أن هذه القراءة، رغم قوتها الوصفية، تبقى حبيسة منطق التشخيص المأزوم أكثر من انفتاحها على أفق التحول الممكن الذي تتيحه المقاربة التشاركية، كما تمت الإشارة إليه في نص حررته سالفا “من الاستثناء إلى الاستدراك”.

فقراءة الزميل أنوزلا تنطلق من فرضية أن الصورة تجسد تراتبية السلطة في المشهد السياسي المغربي؛ فالإضاءة المنخفضة توحي بالتحكم، والموقع المكاني يعكس المركزية، وطاولة الاجتماعات تتحول إلى حاجز رمزي بين الفاعل الموجّه والمفعول به. أما تفاصيل مثل الحلوى وكؤوس الشاي، فليست في نظره مجرد مكونات بروتوكولية، بل رموز لضبط الإيقاع وتجميل الصرامة، حيث يتحول الطابع الاحتفالي إلى قناعٍ للسلطوية الناعمة.

هذا التحليل السيميائي يلتقط جوهر المشهد، لكنه يغفل بعدًا أعمق يتعلق بطبيعة التحولات السياسية في المغرب، إذ أن السلطة، وإن ظلت مركزية في تدبير اللحظة، فإنها تتحرك داخل سياق تراكمي من الاستدراك التشاركي، حيث يتم الانتقال تدريجيًا من الدعوة إلى الإصغاء، ومن التوجيه إلى التشاور، وإن ظل ذلك نسبيا ومشروطًا بميزان اللحظة.

من هنا يصبح التفكير النقدي التوقعي ضرورة لفهم الصورة لا كمشهد مغلق، بل كعلامة على مرحلة انتقالية في تمثّل الدولة لطبيعة التوافق الوطني حول الصحراء المغربية. فبدل أن تُقرأ الصورة كمشهد تراتبي، يمكن تأويلها كتعبير عن محاولة تدبير تلك المركزية في إطارٍ منظم يزاوج بين الاستقرار والتمثيلية، بين القرار السيادي والشرعية التشاركية. التفكير النقدي التوقعي لا يكتفي بوصف ما هو قائم، بل يسائل ما يمكن أن يصير، أي كيف يمكن تحويل المشهد السلطوي إلى مشهد تشاركي ناضج، يُستبدل فيه منطق الاستدعاء بمنطق الاستماع، وتتحول فيه الهرمية إلى فضاء دائري للحوار.

على هذا الأساس، لا ينبغي أن ينحصر التحليل السيميائي في تشخيص التفاوت بين الدولة والأحزاب، بل أن يُفتح النقاش حول سيميولوجيا جديدة للثقة، تجعل من الرموز أدوات تفاعل لا أدوات تثبيت. فالاختلاف في مواقع الجلوس لا يُقرأ فقط كترتيب سلطوي، بل كإشارة إلى أدوار متفاوتة داخل سيرورة سياسية تتلمس طريقها نحو حوكمة تشاركية. فالصورة، في النهاية، لا تختزل لحظة الحكم المركزي بقدر ما تكشف عن إمكانية إعادة تأويل السلطة ضمن تصور أكثر إدماجًا للمكونات الحزبية والمدنية، في انسجام مع ما دعت إليه المقاربة التشاركية بوصفها انتقالًا من القاعدة إلى القمة، ومن القرار الأحادي إلى القرار المشترك.

إن قراءة أنوزلا، وإن بدت دقيقة ومتماسكة، تصلح لأن تُدرّس في مناهج العلوم السياسية، ليس بوصفها إدانة بل بوصفها تمرينًا على تربية النظر النقدي في السياسة البصرية. فالمطلوب اليوم ليس فقط تفكيك الصورة السلطوية، بل إعادة إنتاج الصورة التشاركية عبر وعي جمعي يجعل من الفضاء العام منصة للتفاعل والمساءلة، لا مسرحًا للولاء والانضباط.

ونحن في مقاربتنا لا نؤمن بقطعية المسلمات، فكل نظام سياسي، مهما بدا متماسكًا، قابل للتغيير النسبي بحكم التنازلات الموسمية التي تفرضها عليه بعض القضايا المصيرية لفك الحصار الخارجي أو إعادة ترتيب الأولويات، في ظل هشاشة المشهد الحزبي وقواه المنخورة ، وليس أمامنا سوى البحث عن خيوط الأمل ؛ ولهذا فدورنا، كسلالة للحركة الوطنية وامتداد للصف الديمقراطي، أن نستثمر اللحظة الوطنية الراهنة للتوافق مع الدولة على إتاحة هامش من الانفتاح يخدم استرداد أنفاس العمل السياسي والمدني. وليس الأمر، في تقديرنا، مجرد لقاء لتزكية موقف جاهز، بل هو فرصة للدولة نفسها كي تُعيد شرعنة وشرعة التفكير في تفعيل مقترح الحكم الذاتي، الذي كان في لحظة ما ورقة ظرفية لتدبير التوتر، قبل أن يتحول اليوم إلى مدخل لبناء سيادة منفتحة وتوافقية.

فلنكن إيجابيين، ولتُوسّع الأحزاب، رغم علّاتها، دائرة الضوء بدل أن تبقى حبيسة ظل الطاولة الطويلة. فـما لا يُدرك كله لا يُترك جله، وما يُمكن التقاطه من إشارات الانفتاح، ولو جزئية أو رمزية، يمكن أن يُراكم في اتجاه تحولٍ أوسع نحو مشاركة مسؤولة. وبين قراءة أنوزلا التي تفضح المفارقة، والمقاربة التشاركية التي تبني الجسر، يمكن أن نؤسس لتفكير نقدي توقعي يعيد وصل الصورة بالسياسة، والسياسة بالمعنى، في أفق يربط بين الذاكرة الوطنية والسيادة التشاركية والمغاربية المتكاملة.

* مصطفى المنوزي
منسق ضمير الذاكرة وحوكمة السرديات الأمنية

أكمل القراءة

على مسؤوليتي

في رثاء اللحظة البشرية واستشراف المستقبل الإنساني

نشرت

في

من وحي حفيف الأعلام الفلسطينية التي رُفعت خفّاقةً بالتحدي والعزيمة، وهي ترفرف في صمتٍ مفعمٍ بالرحمة والحزن، انبثقت لحظة إنسانية نادرة داخل المقبرة العبرية، أو الميعارة كما نسميها بالدارجة المغربية. كان الصمت يتكلم، وكانت الوجوه تُنصت لِما لا يُقال. هناك، حيث تمتزج الأرض بالذاكرة، تدافعت الكلمات في داخلي، وأحسست أن البوح صار ضرورة أخلاقية، لا مجرد انفعال عابر.

كانت فسيفساء الحضور مشهداً مهيباً؛ أطياف متعددة ومتنوعة اجتمعت على احترام الطقوس، في انضباطٍ نادر يجمع بين الوقار والدفء. حضر الجميع بصوتٍ واحدٍ من الصمت، إلا من منعتهم الأعذار أو كبّلهم التردد. ودّعنا الرفيق إلى مثواه الأخير، وودعناه فينا، في تلك المسافة الرقيقة بين الحقيقة والرمز، وبين الفقد والأمل. شعرنا بالغصّة ذاتها التي تسكن القضايا المصيرية حين تبقى معلّقة، لكننا تمسّكنا ببذرة التفاؤل، علّها تُثمر حلولاً عادلة وديمقراطية لمعضلات هذا الوطن الذي لا يشيخ إلا بالخذلان.

رحل عنا دون أن يُشاور في أمره العظيم، كما قال الرفيق عبد اللطيف الهاشمي يوم استشهاد الرفيق رحّال جبيهة: «اليوم يسقط رجل آخر، يرحل دون أن يُشاور في أمره العظيم». كانت تلك العبارة لحنًا وذاكرة، غناها الرفاق في زنازن غبيلة بكراج علال، حيث كان الصمود أغنيةً تُغنَّى بالهمس واليقين.

تذكّرت واقعة الفرار من مستشفى ابن سينا، حين فرّ الشهيد رحّال ورفاقه، وكان من بينهم الفقيد ـ الشهيد المعطي سيون أسيدون، عريس لحظتنا الأليمة، ورفيق الجميع داخل عائلة اليسار المتعدد، وقريبُ البعض المستنير في الضفة الأخرى.

هرولت الدمعات من مآقي الأوفياء وشرفاء القضية، انحدرت على الخدود كما تنحدر فصول الوداع على وجه الوطن، وتركَت آثارها علامةً على الوجوه، إيذانًا بأن مرحلةً تنقضي وأخرى تتشكل. فلكل مرحلةٍ رجالها ونساؤها، ولكل الناس محطاتهم التي لا تُقاس بالعمر بل بالمعنى.

وأمام باب الميعارة، حين سكنت الجموع وارتفعت التساؤلات، راودني مشهدٌ غريب في رمزيته: كيف لشهيدنا، ومعه الفقيد إبراهام السرفاتي، أن يتواصلا في الأبدية مع شهدائنا في مقبرة الشهداء التي لا تفصلها عن تكنة الوقاية المدنية سوى أمتار معدودة؟ تلك التكنة التي تؤوي في حفرة جماعية جثامين شهداء انتفاضة يونيو 1981.

إنها الجغرافيا وهي تبوح بسخرية التاريخ، حين تلتقي الذاكرة العبرية بذاكرة اليسار، في مسافة قصيرة تُلغي حدود المعتقد والسياسة، وتفتح سؤال المعنى: من نحن حين يجمعنا التراب ولا تفرقنا السرديات؟.

هناك، في ذلك الصمت المضيء، بدا المشهد كأنه مرآة لوطنٍ يتعلّم ببطء كيف يرثي أبناءه دون أن يقتل الأمل فيهم. رثاء اللحظة البشرية ليس حنينًا للماضي، بل وعيًا بما تبقّى فينا من قدرة على الفهم والاتصال. فكل وداعٍ حقيقي هو تمرينٌ على استشراف المستقبل الإنساني، وكل فقدٍ عميق هو نداءٌ للمصالحة مع ذواتنا ومع تاريخنا.
لقد علمتنا المقبرة أن الأجساد تمضي، لكن القيم لا تُدفن، وأن الإنسانية هي المعبر الأخير الذي يلتقي فيه المختلفون على بساطٍ واحد من الذاكرة، لا بوصفهم خصومًا أو شهداء متنافرين، بل كبشرٍ يبحثون عن خلاصٍ جماعي في عالمٍ مثقلٍ بالفقد.

ذلك هو المعنى الأسمى للرثاء: أن نحزن بوعي، ونحلم بمسؤولية، ونستشرف الغد بعينٍ دامعةٍ لا تزال تُبصر الضوء.

غادرتنا اللحظة نفسها حاملين معنا وعودا متبادلة ، تستدعي منا كل اليقظة المطلوبة لدعم بعضنا البعض والوطن ، تفاديا لأي تيه يشوب البوصلة بين ثنايا موج الأطلسي وكثبان رمال الصحاري المتحركة والمتحررة .

*مصطفى المنوزي

أكمل القراءة

على مسؤوليتي

محمد الطالبي.. وفقدت الكوفية معتمرها اسيدون

نشرت

في

شيّع المئات من المواطنات والمواطنين، إلى جانب شخصيات من مختلف الأطياف السياسية والفكرية والحقوقية بالمغرب، بعد زوال اليوم، جثمان المناضل الراحل سيون أسيدون، في جنازة مهيبة احتضنتها المقبرة اليهودية بمدينة الدار البيضاء.

وقد حضر هذا الوداع المؤثر عدد من رموز العمل الوطني والحقوقي والإعلامي، تقديراً لمسار الرجل الذي ظلّ حتى آخر أيامه صوتاً حرّاً ومدافعاً شرساً عن فلسطين والكرامة الإنسانية، ومؤمناً بقيم العدالة والمواطنة والانفتاح.

كان الراحل سيون أسيدون من القلائل الذين جمعوا بين الانتماء الصادق للمغرب والالتزام المبدئي بقضية فلسطين، إذ نذر حياته للتصدي لكل أشكال النسيان والتغاضي عن الحقائق التاريخية والقيم الإنسانية، وكرّس فكره وجهده لترسيخ ثقافة المقاومة المدنية والتضامن مع الشعوب المقهورة. عرفته الساحات والندوات والمنتديات كمثقف ملتزم وكمواطن صادق لم يساوم يوماً على المبادئ، وشخصية قوية لا تعرف الاستسلام أمام التحديات والمحن.

وخلال مراسم الوداع، أُلقيت كلمات مؤثرة من رفاقه وأصدقائه وممثلي هيئات حقوقية ومدنية، استحضرت مناقب الفقيد ونزاهته الفكرية وصلابته الأخلاقية، وتفانيه في الدفاع عن القضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. وشهدت المقبرة أداء الصلاة عليه وفق الطقوس المعمول بها، في أجواء من الخشوع والاحترام المتبادل بين جميع الحاضرين.

مرّت الجنازة في نظام محكم وتنظيم راقٍ، وسط أجواء من التأثر العميق، حيث رُفعت الأعلام الفلسطينية ورددت الحناجر شعاراتٍ تطالب بالحرية لفلسطين، في مشهد مؤثر وغير مسبوق داخل المقبرة اليهودية، جسّد بعمق روح التعدد الفكري والسياسي وحرية التعبير التي تميز المغرب.

هكذا، إذا تبقى الأصوات النظيفة والصادقة تحمل قيم النضال والوفاء، فحتى في جنازته وداخل صرح المقبرة كان صوت الوفاء وصوت الشعارات لفلسطين، والحرية، والتحرير، وحقوق الإنسان.

ستفقد الكوفية أحد معتمريها، في شوارع وأزقة مدن المغرب، وفقده هذا يمثل فراغاً كبيراً لكل من عرفه أو تأثر بمواقفه ونضاله.

فنم قرير العين، وسيحفظ التاريخ تراثك النضالي ومواقفك المشرفة للأبد.

أكمل القراءة
رياضة منذ 10 ساعات

مدرب منتخب إسبانيا يوجه تحذيرا صارما للامين جمال

رياضة منذ 10 ساعات

ميسي يقود الأرجنتين الى الفوز على أنغولا 2-0 وديا

رياضة منذ 12 ساعة

هذه تشكيلة المنتخب الوطني أمام الموزمبيق

رياضة منذ 12 ساعة

منتخب الفتيان يطيح بالولايات المتحدة ويتأهل إلى ثمن نهائي المونديال

منوعات منذ 14 ساعة

المهرجان الوطني للمسرح بتطوان ينطلق وسط غضب عارم للمسرحيين المغاربة

رياضة منذ 15 ساعة

تشكيلة المنتخب الوطني لاقل من 17سنة امام الولايات المتحدة الأمريكية

سياسة منذ 16 ساعة

وزان .. مشاورات موسعة لإعداد برامج التنمية الترابية المندمجة

اقتصاد منذ 17 ساعة

خط جوي جديد يربط بين أمستردام والرباط

رياضة منذ 18 ساعة

مونديال الناشئين.. موعد والقنوات الناقلة لمباراة المغرب وأمريكا

رياضة منذ 19 ساعة

مونديال 2026: فرنسا إلى النهائيات للمرة الثامنة تواليا

رياضة منذ 20 ساعة

المنتخب المغربي يختتم تحضيراته بطنجة قبل ودية الموزمبيق

سياسة منذ 21 ساعة

بووانو: هذه الحكومة نجحت فقط في توسيع طبقة “الفراقشية”

سياسة منذ 22 ساعة

مجلس النواب يصادق على الجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2026

رياضة منذ 23 ساعة

رونالدو يطرد في انتصار أيرلندا على البرتغال بتصفيات كأس العالم

واجهة منذ 23 ساعة

طقس الجمعة.. تساقطات مطرية ورياح قوية بهذه المناطق

دولي منذ يومين

اغتيال مهندس نووي مصري بـ13 طلقة وسط الشارع في الإسكندرية

دولي منذ يومين

مخابرات: صراع وشيك بين إسرائيل وإيران

اقتصاد منذ يومين

عجز في الميزانية يقدر بـ55,5 مليار درهم عند متم أكتوبر

واجهة منذ يومين

تفكيك شبكة لنقل المخدرات بين المغرب وإسبانيا باستخدام مسيّرات

واجهة منذ يومين

طقس الخميس.. أمطار قوية وثلوج بهذه المناطق

إعلان

الاكثر مشاهدة