على مسؤوليتي
من أجل ترسيخ الشرعية القانونية قبل المشروعية الأخلاقية
نشرت
منذ سنتينفي
بواسطة
مصطفى المنوزي
مساهمة في النقاش المعرفي القانوني المفتوح حول تعديل مدونة الأسرة من خلال تعليق على حكم أسري إبتدائي * قضى بسماع ثبوت الزوجية إستنادا إلى قرار صادر عن محكمة النقض :
أولا موجز لوقائع وإجراءات القضية : تقدمت مدعى عليها أصليا بمقال مضاد تطلب بمقتضاه الحكم بسماع زوجيتها من المدعي أصليا وذلك كمقابل لدعواه الأصلية والتي طالب بمقتضاها الإشهاد له بتراجعه عن الإقرار ببنوة طفل بعلة أنه حرره تحت الضغط والإكراه ( أي قابل للإبطال لعيب الإكراه ) .
وقد قضت المحكمة وفق مقال المدعية فرعيا وردت المقال الأصلي وذلك باعتماد قرارين صادرين عن محكمة النقض .
ثانيا : المناقشة والتعليق :
نخصص المقالة هاته للتعليق على الشق الصادر في شأن الحكم بسماع دعوى الزوجية والحكم بثبوتها .
عقب المدعي اصليا على المقال المضاد بدفع سبق البت من طرف نفس الهيأة داخل نفس المحكمة والتي قضت بعدم قبول الدعوى لإنصرام أجل سماعها ، والذي انقضى بحلول يوم 19 /02 /2019 طبقا للمادة 16 من مدونة الأسرة .
المحكمة قضت بقبول الدعوى بعلة أنه رغم سبق رد الدعوى شكلا ؛ فإنه من حق المحكمة أن تراجع موقفها في ضوء صدور قرار لمحكمة النقض يوجز قبول دعوى سماع ثبوت الزوجية ، وهو القرار عدد الصادر بتاريخ .. في الملف رقم ..
قبل مناقشة القرار لا بأس من التأكيد على أن المحكمة لم تأخذ بالدفع بسبقية البت ولا يمكنها مراجعة الموقف بعد أن سبق وإن ردت دعوى نفس الطرف ولنفس السبب والموضوع وعلى أساس أن الأجل المسموح في نطاقه تقديم الدعوى إنصرم بقوة القانون . كما لا بمكنها تعليل هذا التراجع وتمديد الأجل ، رغم صراحة وإلزامية نص اامادة 16 من مدونة وتعليل تراجعها بعلة الإستناد إلى قرار لمحكمة النقض يمدد الأجل .
نبسط مضمون المادة 16 م أسرة ونناقش كل مقتضى على حدة وفق مايلي :
الفقرة الاولى :
” تعتبر وثيقة الزواج الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج ” .
العبارة واضحة بأن وثيقة الزواج أي عقد الزواج الموثق تعد الوسيلة ( المشرع أكد على التعريف ولم يقل وسيلة ، هذه الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج ، والمشرع أكد على التعريف ولم يقل مقبولة ، وبالتالي فمعنى الصريح أنه لا يقبل لإثبات الزواج إلا بوثيقة الزواج . وهذا هو القاعدة والأصل .
الفقرة الثانية :
إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد ، في وقته ، تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الإثبات وكذا الخبرة .
هذه الفقرة تعتبر مقتضى يشذ عن الأصل اي تشكل إستثناء للقاعدة ، وهذا يعني أن الاصل هو وثيقة الزواج والإستثناء هو سماع دعوى الزوجية في حالة وجود أسباب قاهرة ؛ والتي توظف فيها سائر وسائل الإثبات وكذا الخبرة ؛ أي أن الدعوى تسبق الوسائل ، وأن الدعوى لا يمكن سماعها إلا بعد إثبات أسباب القوة القاهرة التي حالت دون توثيق عقد الزواج .
الفقرة الثالثة :
تأخذ المحكمة بعين الإعتبار ، وهي تنظر في دعوى الزوجية وجود أطفال أو حمل ناتج عن العلاقة الزوجية ، وما إذا رفعت في حياة الزوجين .
يبدو جليا بأن هذه الفقرة لا يمكن تفعيلها كإستثناء من القاعدة ، أي أنه لا يصل القاضي إلى هذه المرحلة إلا بعد ثبوت وجود أسباب قاهرة ، وبالتالي أنه على الطرف مدعي الزوجية أن يبين بالحجة بأن هناك أسباب قاهرة حالت دون إستطاعته توثيق عقد الزواج ( طبعا توثيق العقد يتم لدى العدلين ) .
الفقرة الأخيرة من المادة 16 :
يعمل بسماع دعوى الزوجية في فترة إنتقالية لا تتعدى خمس سنوات ، إبتداء من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ .
وجبت الإشارة إلى أن الفترة مددت بمقتضى القانون وصار آخر أجل لا يمكن سماع الدعوى بعده وهو 05 /02 /2019 .
إذن المشرع أجاز سماع دعوى الزوجية بصفة إستثنائية شريطة إثبات وجود اسباب القوة القاهرة وداخل أجل لا يتعدى إنصرام الفترة الإنتقالية وهي المحددة في خمس سنوات وتم تمديدها إلى 05 /02 / 2019 ، وكل دعوى لم تودع خلال هذه الفترة الإنتقالية لا تسمع ، وهذا ما انضبطت له المحكمة الإبتدائية في حكمها السابق عندما قضت بعدم قبول الدعوى لإنصرام وانقضاء الفترة الإنتقالية ؛ ويمكن ملاحظة ان المشرع أكد على سماع دعوى ثبوت الزوجية محددة بصفة إستثنائية خلال فترة إنتقالية أي مؤقتة وذلك لتمكين من فاتتهم الفرصة لتحرير وتوثيق عقد الزواج في وقته ، وعبارة في وقته المقصود أصلا قبل صدور مدونة الأسرة والتي اعتبرت وأكدت على أن عقد الزواج هو الوثيقة المقبولة لإثبات الزواج ، ورغم ذلك فأغلب الدعاوى التي قدمت تتعلق بعلاقات غير موثقة جاءت لاحقة على صدور المدونة ولاحقة بعضها على الأجل الوقت المحدد في خمس سنوات وبعد تمديده .
ويبدو أن صياغة نص المادة 16 لم تكن موفقة على مستوى تدرج المقتضيات وأهميتها ومنهجيتها ، من الشكل والأجل إلى إثبات وجود السبب القاهر اوتبرير الإستثناء ثم إنتهاءً بوسائل الإثبات فإعمال السلطة التقديرية والأخذ بعين الإعتبار بالظروف المضمنة في الفقرة الثالثة كنتيجة وآخر مطافى لإستكمال عملية سماع الزوجية .
والآن لنبسط ولنناقش محتوى القرار الذي اعتمدته المحكمة الإبتدائية اولا للتراجع عن موقفها القانوني السابق ، وثانيا لتفتح أجلا لم تنص عليه المادة 16 من مدونة الأسرة .
يلاحظ بأن الحكم الإبتدائي إستنجد بقرار فريد لمحكمة النقض بدعوى أن غرفة الأحوال الشخصية المصدرة له اعتمدت المادة 400 م أ دون أن يعلل لجوءه هذا ، والحال أن القرار تم تأويل محتواه وأبعاده وهذا ما سيتم توضحه وفق مايلي :
ذلك إن غرفة الأحوال الشخصية لدى محكمة النقض قضت فعلا في قرارها رقم 358/1 بتاريخ 21/06/2022 في الملف الشرعي عدد 372/2/1/2022 بنقض قرار إستئنافي في موضوع ثبوت الزوجية وفق التعليل التالي :
“لما قضت بعدم قبول طلب الطاعنين بعلة أن أجل سماع دعوى الزوجية يجب أن يتم قبل 5 فبراير 2019 (وهو أجل انتهاء العمل بالترخيص القانوني المؤقت بإقامة دعاوى ثبوت الزوجية الذي كانت تنص عليه المادة 16 من مدونة الأسرة)، وأن تقديمها الدعوى بتاريخ 14-08-2021 (أي خارج فترة سريان المادة 16)، والحال أن الزواج المدعى به يعود لسنة 2007، أي في الزمن الذي كانت فيه المادة 16 ماتزال سارية المفعول (انتهت في 5/2/2019)، تكون قد خرقت المادة المذكورة”.
ويبدو جليا أن التعليل تعلق بنقطة خرق المادة 16 من المدونة لأن الزوجية المراد إثباتها تعود لزمن لا زالت فيه المادة 16 مدونة الأسرة سارية المفعول أي سنة 2007 ، وبالتالي فنطاق تطبيق المادة 16 الزمني لا زال ساريا . وهنا إنتهى التعليل الذي بموجبه تم نقض القرار الإستئنافي .
أما الحيثية المضافة والتي جاءت في نفس القرار فهي علة زائدة ؛ ذلك أن غرفة الأحوال الشخصية أضافت لاحقا في نفس القرار :
“وأنه حتى على فرض انتهاء الفترة الانتقالية، ودونما وجود نص يحدد تاريخ سماع دعوى الزوجية، فإنه يُرْجَع حينئذ للنظر فيها، طبقاً للمادة 400 من مدونة الأسرة، إلى المذهب المالكي والاجتهاد القضائي الذي يراعَى فيه تحقيق العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف”.
من هنا يتضح بأنه في التعليل الأول حسم الأمر بإقرار غرفة الأحوال الشخصية بأن واقعة الزوجية تمت داخل الأجل ؛ ثم جاء في العلة المضافة الزائدة ؛ لأن القرار الإستئنافي نقض دون حاجة إليه ، جاء فيها بأنه ” على فرض إنتهاء الفترة الإنتقالية ” ثم تلته جملة اعتراضية ” ودونما وجود نص يحدد تاريخ سماع دعوى الزوجية ” أي في حالة عدم وجود نص قانوني يحدد الأجل ، يرجع حينئذ ( أي حينما لا يوجد نص ) للنظر في ثبوت الزوجية إلى المذهب المالكي والإجتهاد القضائي .
إن الحكم الإبتدائي وإن إستدل بالقرار نفسه ؛ فإنه فيما يخص نازلتنا الحال فإدعاء واقعتي العلاقة بين الطرفين وتقديم دعوى ثبوت الزوجية جاءا معا في تاريخ لاحق على تاريخ توقف فيه سريان المادة 16 ، وبالتالي فالشق الأساسي من التعليل لا ينطبق لعدم تماثل النازلتين . في حين يظل الأخذ بالعلة الزائدة مشروطا بإنعدام وجود النص والحال أن المادة 16 من مدونة الأسرة حسمت نقطة الأجل . فبغض النظر عن كون الحكم الإبتدائي لم يراع نسبية القرار لأن النازلة تتعلق بإرادة الزوجين معا وتعد النيابة العامة خصمهما ، وفي هذا يكفي توارد وتوافق إرادتهما ؛ والحال أنه في نازلتنا الأمر مختلف تماما حيث المدعية فرعيا تطلب سماع الزوجية في مواجهة العارض مع تسجيل إعتراض المتدخلة في الدعوى أي الزوجة الشرعية للعارض ؛ بصرف النظر عن ذلك ؛ فإن المحكمة الإبتدائية لم تعلل لجوءها إلى استعمال المادة 400 م أسرة ، في ظل وجود المادة 16 م أ ، كما لم توضح أي فقه تبنت من بين مذاهب الفقه المالكي وهو متعدد ومختلف الإتجاهات .
لذلك وجب التساؤل حول مدى وجود فراغ قانوني من عدم وجود نص قانوني يؤطر القضية ويلزم القضاء الإستنجاد بالمادة 400 من مدونة الأسرة ؟ .
مضطرون والحالة هاته للتفصيل في نقطة اللجوء إلى الفقه المالكي ، لأن السؤال يظل عالقا حول الرأي الفقهي المناسب ، خاصة وأن الحمل والولادة لم يقعا إلا بعد أكثر من سنة من إدعاء الزوجية بطقوس الخطبة على علتها . لأن الآراء في المذهب المالكي قد تكون مختلفة، ويمكن لقاض أن يعمل برأي محدد، وقاض آخر يعمل في حدود المذهب برأي مخالف لرأي المذهب الأول، وهذا من شأنه خلق تنازع فقهي ومعرفي ، مما قد يسبب في حصول انفلات أو محاولة انفلات بعض السادة القضاة من نصوص المدونة، للارتماء في أحضان المذهب المالكي في بعض النوازل التي عرضت على المحاكم . فعلى سبيل المثال صعوبة تطبيق قاعدة ” لا نسب مع حد “، وهي حالة تنطبق على نازلتنا ! وقد صدر عن محكمة النقض ( قرار محكمة النقض عدد 275/ 1 الصادر بتاريخ 29 /09 /2020 . في الملف الشرعي رقم 36 / 2 /1 / 2018 والذي جاء فيه :
“” بناء على الفصل 32 من الدستور الذي ينص على أن ” الأسرة القائمة على الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع ” ، وبما أن المادة 148 من مدونة الأسرة تنص على أنه لا يترتب على البنوة غير الشرعية بالنسبة للأب أي أثر من آثار البنوة الشرعية ؛ فإن المطالبة بالحكم بثبوت الأبوة البيولوجية غير الشرعية للبنت مع المطلوب في النقض مع إنقطاع النسب بينهما لا موجب يبرر الحكم لا شرعا ولا قانونا . والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما عللت ما جرى عليه منطوق قرارها بأنه ثبت لها أن العلاقة التي كانت تجمع كرفي النزاع هي علاقة فساد ؛ وأن إبن الزنا لا يلحق بالفاعل ولو ثبت بيولوجيا أنه تخلق من نطفته لأن هذه الأخيرة لا يترتب عنها أثر يذكر ؛ وأن البنت تعتبر أجنبية عن المطلوب في النقض ولا تستحق أي تعويض ؛ لأنها ناتجة عن فعل غير مشروع كانت امها طرفا فيه . وأن المحكمة لما طبقت القواعد القانونية وقواعد الفقه المعمول به ، وهي بمثابة قانون يقرر بأن ولد الزنا يلحق بالمرأة لانفصاله عنها بالولادة ، بغض النظر عن سبب الحمل هل هو وطء بعقد شرعي أو شبهة او زنا ويكون منقطع النسب من جهة الأب ولا يلحق به بنوة ولا نسبا . وعللت قرارها تعليلا سليما ولم تخرق المحتج به . ”
لقد.بسطنا هذا القرار للتأكيد على االجوء إلى تطبيق المادة 400 من مدونة الأسرة قد لا يفي دائما بالمطلوب ؛ فالشرعية القانونية أقوى حجة على مشروعية التطبيق والإجتهاد ، في ظل توفر إرادة لبناء ومأسسة دولة القانون الضامنة للحقوق ، حيث يرجح الحق في الأمن القانوني على مطلب الأمن القضائي ، والذي لا يعني ، بالنسبة لحكمة المشرع الدستوري ، سوى أن الأجل ، بصفة إنتقالية وإستثنائية ؛ فتح لسماع دعوى الزوجية كفرصة لشرعنة الزوجية التي حالت أسباب قاهرة دون توثيقها ، وبذلك في ظلال نذرة عدد القرارات الصادرة بقبول دعوى الزوجية غير المتواترة ، ولا يمكن أن تشكل إجتهادا ؛ في ظل ورش الإصلاح المفتوح حول مدونة الأسرة وفق تحفظ صريح للمَلك بصفته أميرا المؤمنين ومحتكر الشرعية الدينية والذي يؤكد مرارا لا يمكن تحليل ما حرم الله ولا تحريم ما حلل الله ، وبالمقابل يعتبر أن التحديث والإنفتاح ضروريين لنكريس دولة القانون واامؤسسات ، رغم أن العبارة / الشعار يستعملهما بعض المتشددين بإنتقائية وحسب الأهواء ، كلما تعلق الأمر بتزويج القاصرات والإذن بالتعدد ، متجاهلين أن الفقه المالكي متعدد وشديد الإختلاف ، وهذا ينعكس على التعدد الجاري فيما بين القضاة ، ناهيك عن ضرورة إستحضار الفرق الجوهري بين العمل القضائي والإجتهاد القضائي وبين آثارهما ، مما يتطلب ضرورة صدور قرار عن الغرف مجتمعة ، وإلى ذلك الحين لا يعقل الأخذ بل الخضوع لقرار فريد أسيء تأويله وصارت تتبناه بعض المحاكم الإبتدائية دون تمحيص بإستحضار النسبية والخصوصية، فقد ذاع صيت القرار لمجرد أنه ورد ضمن تقرير / كلمة السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى خلال افتتاح السنة القضائية في يناير 2023 ، وفي نظري المتواضع أن هناك توجيه لفتح المجال والأجل لآخر مرة قبل حذف مقتضى ثبوت الزوجية من نص المادة 16 م أ بثغة نهائية لقطع الطريق على كل تعسف في إستعمال هذا الحق، ولأن المناسبة شرط فإن الحكم موضوع نازلتنا رد الدفع المتعلق بكون دعوى سماع الزوجية ، والتي قدمت بعد صدور حكم بعدم قبول دعوى الإذن بالتعدد ، بكون الزواج سابق على التعدد وبالتالي لاتنطبق شروط مسطرة التعدد ، رغم أن العكس هو الحاصل، و في هذا الصدد صدر القرار عدد 128 الصادر بتاريخ 25 مارس 2009 في الملف عدد 558 / 2/ 2008 والذي انبنى على خلفية عدم جواز استعمال دعوى الزوجية لتجاوز مسطرة التعدد فقد جاء فيه:
المحكمة لما قضت بثبوت الزوجية بناء على شهادة المستمع اليه دون بيان السبب القاهرة الذي حال دون توثيق العقد في إبانه ، ودون ان تتحقق من تطبيق النصوص القانونية المنظمة للتعدد في مدونة الأسرة ، قد خرقت مقتضيات القانون . وبذلك فإن التعليل بأن مسطرة التعدد غير مطلوبة بعد ثبوت الزوجية ، تعليل ناقص عن درجة الإعتبار لأن الزوجية لا تثبت إلا بعد صدور حكم يقضي بها ، بدليل أن المحكمة بصدد النظر في توفر شروط الزوجية ، وإلا فحكمها سابق لأوانه باعتباره منح صفة الزوجة لطالبة ثبوت الزوجية . وهو حكم مسبق شرعن لعلاقة ( ما ؟ ) قبل التثبت من شروط قبول سماعها ، لم تكلف المحكمة نفسها، قبل الحكم به ، عناء البحث والتحري عن الأسباب المنصوص عليها في الفقرتين 2 و 3 من المادة 16 . وبذلك يتضح بأن الحكم الإبتدائي موضوع النازلة ، مدد الأجل والحال انه ممنوع حتى في التعاقد المدني ، وبالأحرى بالنسبة للقانون ، وذلك في المبدأ الدستوري المقر بفصل السلطات ، وبالتالي لا يمكن التشريع محل السلطة التشريعية أو المالك دستوريا للمبادرة التشريعية ، أي لا يمكن قانونا منح أو تمديد فترة خارجة عن الأجل المحدد بمقتضى نص قانوني ؛ وبالتالي فحتى المادة 400 م الأسرة تم خرقها فهي تنص صراحة على ضرورة الرجوع إلى اجتهادات المذهب المالكي في حالة عدم وجود نص قانوني يؤطر قضية ما، والذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف .
لكن إن هذا النص إشترط ” حالة عدم وجود نص قانوني يؤطر القضية ” ، فأليست المادة 16 مدونة الأسرة هي النص المؤطر للقضية ؟ ، فهي التي اعتبرت أن عقد الزواج هو الوثيقة المقبولة ويمكن قبول سماع دعوى الزوجية في حالة ثبوت سبب قاهر حال دون توثيق الزواج ( بواسطة شاهدين عدلين ) وداخل أجل محدد قانون انقضى بحلول يوم خامس فبراير 2019 ، ولم يتم تمديده قط منذئذ . ثم إنه و في إطار توازي الشكليات والوسائل لا يمكن إلغاء أو نسخ نص قانوني إلا بنص قانوني ؛ وليس بمجرد قرار قضائي فريد ، هو نفسه لم يعلل الأساس الذي اعتمده لصرف النظر عن نص قانوني لا زال قائم الذات ودائم الأثر القانوني ! ناهيك عن كون الفصل 128 ق ل ع والذي جاء فيه بالحرف :
“” لا يسوغ للقاضي أن يمنح أجلا أو ان ينظر إلى ميسرة ما لم يمنح هذا الحق بمقتضى الإتفاق او القانون .
إذا كان الأجل محددا بمقتضى الإتفاق أو القانون لم يسغ للقاضي ان يمدده ما لم يسمح له القانون بذلك . “”
وعلى سبيل الإحتياط وااتحفظ فإنه وجب تأكيد مسألتين جديرتين بالإعتبار : اولا الإستنجاد بالمادة 400 من مدونة الأسرة لا يتم إلا في حالة وجود فراغ قانوني ( والحال أن النص متوفر بمقتضى المادة 16 ) وثانيا المادة 400 تنص على اعتماد الفقه المالكي ، و إن الحكم خال من أي موجب للإنتقال من المادة 16 إلى 400 في ظل غياب أي مقتضى يحيل هكذا ! لأن المادة 400 مدونة الأسرة تشترط حالة ” عدم وجود نص يعالج القضية ” والحال أن النص موجود وهو المادة 16 م أ والذي حدد أجلا ، وهنا لا يمكن للمحكمة أن تبت في نازلة خارج الأجل المحدد والذي انقضى ، والذي لا يمكن تمديده إلا بمقتضى نص قانوني يعدل ويتمم المادة 16 المشار إليها ، والتي تم القفز عليها وإحلال مقتضى قضائي محل نص قانوني وفي ذلك خرق لقاعدة “” لا إجتهاد مع وجود النص “” ، ناهيك عن كونه يمس بمبدأ فصل السلطات ، فالأحكام القضائية قد تعتبر مصدرا للتشريع في حالة تواترها ولا يعقل أن تكون مبررا ووسيلة للتشريع وصنع القانون .
وقد وجب التنويه على أن اعتماد وجود ” الحمل ” أو ” أطفال هو وسيلة فرعية لأجل ” المراعاة ” وليست وسيلة لإثبات الزوجية ، وإن الحكم الإبتدائي تماهت لديه الأمور وتداخلت ؛ أي أنها معطيات فرعية تابعة وتبعية من حيث العلاقة السببية ، و مدعمة للشروط الواردة في المادة 16 مدونة الأسرة والتي وجب توفرها ، بعد فحص الأجل ومدى توفر السبب القاهر الذي حال دون إبرام الزواج في وقته . و في جميع الحالات لا يمكن ترجيح الفرع على الأصل والإستثناء على القاعدة إلا بنص قانوني ، وفي هذا لا يكفي التذرع بالمصلحة الفضلى للأطفال وبالعمل على تحويل هذا المعطى ( النتيجة ) وهو ثمار علاقة غير شرعية ، إلى سبب موجب لسماع الزوجية ، لأن العلاقة السببية مفارقة ؛ ناهيك عن تجاهل مصالح وحقوق بنات العارض ( والمتدخلة في الدعوى نفسها الرافضة للتعدد المقنَّع ) في حالة ترتيب الآثار القانونية الحكم بثبوت الزوجية . وكنتيجة فإن قرار محكمة النقض المستدل به من قبل المحكمة والمعتمد كتعليل ، له خصوصيته ، أولا لأنه يتعلق بقضية سابقة على إنقضاء الأجل ، ناهيك عن إستحضاره للمصلحة الفضلى للطفل والذي لا ينكره والداه ( نازلة مراكش ) ، والحال أن عقد الزواج كوثيقة مقبولة قانونا لإثبات الزواج لا يمكن قبول غيرها إلا بشروط وداخل الأجل ؛ وأن عبارة ” مراعاة ” قد تستهدف ( من طرف قرار محكمة النقض المستدل به ) حماية الأطفال الناتجين عن زواج الفاتحة من ضياع حقوقهم.
لكن تنبغي الإشارة إلى أن مقتضيات المدونة تسمح بإثبات نسبهم في هذه الحالة بسهولة اعتمادا على الإقرار بالنسب، وكذا اعتمادا على شبهة الخطوبة. وهو إطار منظم بإستقلال عن دعوى ثبوت الزوجية ؛ وبالتالي لا يعقل الخلط تعسفيا بين الوسائل وبين الظروف المتعين مراعاتها وفق للسلطة التقديرية للقضاء ، والتي لا يمكن أن تتعارض مع حرفية نص المادة 16 ؛ هذه. المادة 16 من مدونة الأسرة التي تم التحايل عليها بتجاهل وجودها وإلزاميتها ، وذلك من شأنه أن يجعل من أي تأويل خارجها تعسفا بل خرقا للقانون وشذوذا عن تواتر العمل القضائي . ذلك أن المسلم به أنه متى كانت عبارة النص القانوني واضحة لا لبس فيها ولا غموض فإنها تعد تعبيرا صادقا عن إرادة المشرع ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل أيا كان الباعث على ذلك، وهو ما يعبر عنه علم أصول الفقه بأنه لا اجتهاد مع صراحة النص وضدا على روحه ، فالأصل في النصوص التشريعية هو ألا تحمل على غير مقاصدها وألا تفسر عباراتها بما يخرجها عن معناها، أو بما يؤول إلى الالتواء بها عن سياقها، كما أنه من المستقر عليه كذلك أن المادة 16 من مدونة الأسرة لا يجوز التوسع في تفسيرها أكثر مما تحتمل فهي تشترط أجلا لا يمكن تمديده بأي وسيلة أو علة أو ذريعة إلا بمقتضى قانوني وليس بقرار محكمة النقض الذي يحتاج إلى قرارات عديدة متواترة ؛ تسند نشازه وعدم إرتكازه على أساس قانوني يرخص له سماع الزوجية خارج الأجل المحدد.
لربما وجب تقدير ” وجود موقف إنساني بخلفية سياسية ” دفع مروجي وموظِفي قرار محكمة النقض إلى مراعاة المصلحة الفضلى للأطفال الناتجين عن زواج الفاتحة من ضياع حقوقهم ، لكن تنبغي الإشارة إلى أن مقتضيات المدونة تسمح بإثبات نسبهم في هذه الحالة بسهولة اعتمادا على الإقرار بالنسب، وكذا اعتمادا على شبهة الخطوبة وبالتالي لم يكن من الداعي استعمال المادة 16 من مدونة الأسرة بل يمكن مباشرة ضمان هذه الحماية والمصلحة الفضلى خارج دعوى ثبوت الزوجية والتي لها شروطها الصريحة ، وبنفس القدر يؤاخذ على نفس المحكمة إستنجادها بالمادة 400 في دعاوى ثبوت الزوجية ؛ باللجوء إلى الفقه المالكي ، لكن ؛ ويا المفارقة ، لا تعتمد مقتضياتها فيما يخص مسطرة التطليق للشقاق بالوكالة ، وهو إجراء فيه مساس بحق الدفاع ومشوب بشبهة إنكار العدالة .
والموضوع عودة وبقايا !
* مصطفى المنوزي
محام بهيأة الدارالبيضاء
رئيس أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي .
* ملحوظة :
تعمدنا عدم الإشارة إلى مراجع الملف حفظا لكل الحقوق .
على مسؤوليتي
مصطفى المنوزي: نحو سيادة منفتحة وتكامل مغاربي مسؤول
نشرت
منذ 3 أيامفي
نوفمبر 12, 2025بواسطة
مصطفى المنوزي
تشكل قراءة الصحفي علي أنوزلا للصورة الجماعية التي جمعت مستشاري الملك ووزيري السيادة برؤساء الأحزاب السياسية نموذجًا لـــ”السيميائيات السياسية النقدية” التي تحاول تفكيك رموز السلطة عبر العلامات البصرية.
وقد لا نختلف مع الزميل علي فيما يخص تحصيل الحاصل من طبيعة النظام السياسي ، ولكن ليس من الضروري أن نعاين دون التفكير في البديل وتفعيل المنشود ، في ظل لحظة وطنية نحن المعنيين أكثر بها ؛ فعلا ، لقد استطاع أنوزلا، بذكاء بصري لافت، أن يحول الصورة إلى نصٍّ سياسي، يكشف توازنات الحضور والغياب، الضوء والظل، المركز والهامش. غير أن هذه القراءة، رغم قوتها الوصفية، تبقى حبيسة منطق التشخيص المأزوم أكثر من انفتاحها على أفق التحول الممكن الذي تتيحه المقاربة التشاركية، كما تمت الإشارة إليه في نص حررته سالفا “من الاستثناء إلى الاستدراك”.
فقراءة الزميل أنوزلا تنطلق من فرضية أن الصورة تجسد تراتبية السلطة في المشهد السياسي المغربي؛ فالإضاءة المنخفضة توحي بالتحكم، والموقع المكاني يعكس المركزية، وطاولة الاجتماعات تتحول إلى حاجز رمزي بين الفاعل الموجّه والمفعول به. أما تفاصيل مثل الحلوى وكؤوس الشاي، فليست في نظره مجرد مكونات بروتوكولية، بل رموز لضبط الإيقاع وتجميل الصرامة، حيث يتحول الطابع الاحتفالي إلى قناعٍ للسلطوية الناعمة.
هذا التحليل السيميائي يلتقط جوهر المشهد، لكنه يغفل بعدًا أعمق يتعلق بطبيعة التحولات السياسية في المغرب، إذ أن السلطة، وإن ظلت مركزية في تدبير اللحظة، فإنها تتحرك داخل سياق تراكمي من الاستدراك التشاركي، حيث يتم الانتقال تدريجيًا من الدعوة إلى الإصغاء، ومن التوجيه إلى التشاور، وإن ظل ذلك نسبيا ومشروطًا بميزان اللحظة.
من هنا يصبح التفكير النقدي التوقعي ضرورة لفهم الصورة لا كمشهد مغلق، بل كعلامة على مرحلة انتقالية في تمثّل الدولة لطبيعة التوافق الوطني حول الصحراء المغربية. فبدل أن تُقرأ الصورة كمشهد تراتبي، يمكن تأويلها كتعبير عن محاولة تدبير تلك المركزية في إطارٍ منظم يزاوج بين الاستقرار والتمثيلية، بين القرار السيادي والشرعية التشاركية. التفكير النقدي التوقعي لا يكتفي بوصف ما هو قائم، بل يسائل ما يمكن أن يصير، أي كيف يمكن تحويل المشهد السلطوي إلى مشهد تشاركي ناضج، يُستبدل فيه منطق الاستدعاء بمنطق الاستماع، وتتحول فيه الهرمية إلى فضاء دائري للحوار.
على هذا الأساس، لا ينبغي أن ينحصر التحليل السيميائي في تشخيص التفاوت بين الدولة والأحزاب، بل أن يُفتح النقاش حول سيميولوجيا جديدة للثقة، تجعل من الرموز أدوات تفاعل لا أدوات تثبيت. فالاختلاف في مواقع الجلوس لا يُقرأ فقط كترتيب سلطوي، بل كإشارة إلى أدوار متفاوتة داخل سيرورة سياسية تتلمس طريقها نحو حوكمة تشاركية. فالصورة، في النهاية، لا تختزل لحظة الحكم المركزي بقدر ما تكشف عن إمكانية إعادة تأويل السلطة ضمن تصور أكثر إدماجًا للمكونات الحزبية والمدنية، في انسجام مع ما دعت إليه المقاربة التشاركية بوصفها انتقالًا من القاعدة إلى القمة، ومن القرار الأحادي إلى القرار المشترك.
إن قراءة أنوزلا، وإن بدت دقيقة ومتماسكة، تصلح لأن تُدرّس في مناهج العلوم السياسية، ليس بوصفها إدانة بل بوصفها تمرينًا على تربية النظر النقدي في السياسة البصرية. فالمطلوب اليوم ليس فقط تفكيك الصورة السلطوية، بل إعادة إنتاج الصورة التشاركية عبر وعي جمعي يجعل من الفضاء العام منصة للتفاعل والمساءلة، لا مسرحًا للولاء والانضباط.
ونحن في مقاربتنا لا نؤمن بقطعية المسلمات، فكل نظام سياسي، مهما بدا متماسكًا، قابل للتغيير النسبي بحكم التنازلات الموسمية التي تفرضها عليه بعض القضايا المصيرية لفك الحصار الخارجي أو إعادة ترتيب الأولويات، في ظل هشاشة المشهد الحزبي وقواه المنخورة ، وليس أمامنا سوى البحث عن خيوط الأمل ؛ ولهذا فدورنا، كسلالة للحركة الوطنية وامتداد للصف الديمقراطي، أن نستثمر اللحظة الوطنية الراهنة للتوافق مع الدولة على إتاحة هامش من الانفتاح يخدم استرداد أنفاس العمل السياسي والمدني. وليس الأمر، في تقديرنا، مجرد لقاء لتزكية موقف جاهز، بل هو فرصة للدولة نفسها كي تُعيد شرعنة وشرعة التفكير في تفعيل مقترح الحكم الذاتي، الذي كان في لحظة ما ورقة ظرفية لتدبير التوتر، قبل أن يتحول اليوم إلى مدخل لبناء سيادة منفتحة وتوافقية.
فلنكن إيجابيين، ولتُوسّع الأحزاب، رغم علّاتها، دائرة الضوء بدل أن تبقى حبيسة ظل الطاولة الطويلة. فـما لا يُدرك كله لا يُترك جله، وما يُمكن التقاطه من إشارات الانفتاح، ولو جزئية أو رمزية، يمكن أن يُراكم في اتجاه تحولٍ أوسع نحو مشاركة مسؤولة. وبين قراءة أنوزلا التي تفضح المفارقة، والمقاربة التشاركية التي تبني الجسر، يمكن أن نؤسس لتفكير نقدي توقعي يعيد وصل الصورة بالسياسة، والسياسة بالمعنى، في أفق يربط بين الذاكرة الوطنية والسيادة التشاركية والمغاربية المتكاملة.
* مصطفى المنوزي
منسق ضمير الذاكرة وحوكمة السرديات الأمنية
على مسؤوليتي
في رثاء اللحظة البشرية واستشراف المستقبل الإنساني
نشرت
منذ 5 أيامفي
نوفمبر 10, 2025بواسطة
مصطفى المنوزي
من وحي حفيف الأعلام الفلسطينية التي رُفعت خفّاقةً بالتحدي والعزيمة، وهي ترفرف في صمتٍ مفعمٍ بالرحمة والحزن، انبثقت لحظة إنسانية نادرة داخل المقبرة العبرية، أو الميعارة كما نسميها بالدارجة المغربية. كان الصمت يتكلم، وكانت الوجوه تُنصت لِما لا يُقال. هناك، حيث تمتزج الأرض بالذاكرة، تدافعت الكلمات في داخلي، وأحسست أن البوح صار ضرورة أخلاقية، لا مجرد انفعال عابر.
كانت فسيفساء الحضور مشهداً مهيباً؛ أطياف متعددة ومتنوعة اجتمعت على احترام الطقوس، في انضباطٍ نادر يجمع بين الوقار والدفء. حضر الجميع بصوتٍ واحدٍ من الصمت، إلا من منعتهم الأعذار أو كبّلهم التردد. ودّعنا الرفيق إلى مثواه الأخير، وودعناه فينا، في تلك المسافة الرقيقة بين الحقيقة والرمز، وبين الفقد والأمل. شعرنا بالغصّة ذاتها التي تسكن القضايا المصيرية حين تبقى معلّقة، لكننا تمسّكنا ببذرة التفاؤل، علّها تُثمر حلولاً عادلة وديمقراطية لمعضلات هذا الوطن الذي لا يشيخ إلا بالخذلان.
رحل عنا دون أن يُشاور في أمره العظيم، كما قال الرفيق عبد اللطيف الهاشمي يوم استشهاد الرفيق رحّال جبيهة: «اليوم يسقط رجل آخر، يرحل دون أن يُشاور في أمره العظيم». كانت تلك العبارة لحنًا وذاكرة، غناها الرفاق في زنازن غبيلة بكراج علال، حيث كان الصمود أغنيةً تُغنَّى بالهمس واليقين.
تذكّرت واقعة الفرار من مستشفى ابن سينا، حين فرّ الشهيد رحّال ورفاقه، وكان من بينهم الفقيد ـ الشهيد المعطي سيون أسيدون، عريس لحظتنا الأليمة، ورفيق الجميع داخل عائلة اليسار المتعدد، وقريبُ البعض المستنير في الضفة الأخرى.
هرولت الدمعات من مآقي الأوفياء وشرفاء القضية، انحدرت على الخدود كما تنحدر فصول الوداع على وجه الوطن، وتركَت آثارها علامةً على الوجوه، إيذانًا بأن مرحلةً تنقضي وأخرى تتشكل. فلكل مرحلةٍ رجالها ونساؤها، ولكل الناس محطاتهم التي لا تُقاس بالعمر بل بالمعنى.
وأمام باب الميعارة، حين سكنت الجموع وارتفعت التساؤلات، راودني مشهدٌ غريب في رمزيته: كيف لشهيدنا، ومعه الفقيد إبراهام السرفاتي، أن يتواصلا في الأبدية مع شهدائنا في مقبرة الشهداء التي لا تفصلها عن تكنة الوقاية المدنية سوى أمتار معدودة؟ تلك التكنة التي تؤوي في حفرة جماعية جثامين شهداء انتفاضة يونيو 1981.
إنها الجغرافيا وهي تبوح بسخرية التاريخ، حين تلتقي الذاكرة العبرية بذاكرة اليسار، في مسافة قصيرة تُلغي حدود المعتقد والسياسة، وتفتح سؤال المعنى: من نحن حين يجمعنا التراب ولا تفرقنا السرديات؟.
هناك، في ذلك الصمت المضيء، بدا المشهد كأنه مرآة لوطنٍ يتعلّم ببطء كيف يرثي أبناءه دون أن يقتل الأمل فيهم. رثاء اللحظة البشرية ليس حنينًا للماضي، بل وعيًا بما تبقّى فينا من قدرة على الفهم والاتصال. فكل وداعٍ حقيقي هو تمرينٌ على استشراف المستقبل الإنساني، وكل فقدٍ عميق هو نداءٌ للمصالحة مع ذواتنا ومع تاريخنا.
لقد علمتنا المقبرة أن الأجساد تمضي، لكن القيم لا تُدفن، وأن الإنسانية هي المعبر الأخير الذي يلتقي فيه المختلفون على بساطٍ واحد من الذاكرة، لا بوصفهم خصومًا أو شهداء متنافرين، بل كبشرٍ يبحثون عن خلاصٍ جماعي في عالمٍ مثقلٍ بالفقد.
ذلك هو المعنى الأسمى للرثاء: أن نحزن بوعي، ونحلم بمسؤولية، ونستشرف الغد بعينٍ دامعةٍ لا تزال تُبصر الضوء.
غادرتنا اللحظة نفسها حاملين معنا وعودا متبادلة ، تستدعي منا كل اليقظة المطلوبة لدعم بعضنا البعض والوطن ، تفاديا لأي تيه يشوب البوصلة بين ثنايا موج الأطلسي وكثبان رمال الصحاري المتحركة والمتحررة .
*مصطفى المنوزي
على مسؤوليتي
محمد الطالبي.. وفقدت الكوفية معتمرها اسيدون
نشرت
منذ 5 أيامفي
نوفمبر 9, 2025بواسطة
محمد الطالبي
شيّع المئات من المواطنات والمواطنين، إلى جانب شخصيات من مختلف الأطياف السياسية والفكرية والحقوقية بالمغرب، بعد زوال اليوم، جثمان المناضل الراحل سيون أسيدون، في جنازة مهيبة احتضنتها المقبرة اليهودية بمدينة الدار البيضاء.
وقد حضر هذا الوداع المؤثر عدد من رموز العمل الوطني والحقوقي والإعلامي، تقديراً لمسار الرجل الذي ظلّ حتى آخر أيامه صوتاً حرّاً ومدافعاً شرساً عن فلسطين والكرامة الإنسانية، ومؤمناً بقيم العدالة والمواطنة والانفتاح.
كان الراحل سيون أسيدون من القلائل الذين جمعوا بين الانتماء الصادق للمغرب والالتزام المبدئي بقضية فلسطين، إذ نذر حياته للتصدي لكل أشكال النسيان والتغاضي عن الحقائق التاريخية والقيم الإنسانية، وكرّس فكره وجهده لترسيخ ثقافة المقاومة المدنية والتضامن مع الشعوب المقهورة. عرفته الساحات والندوات والمنتديات كمثقف ملتزم وكمواطن صادق لم يساوم يوماً على المبادئ، وشخصية قوية لا تعرف الاستسلام أمام التحديات والمحن.
وخلال مراسم الوداع، أُلقيت كلمات مؤثرة من رفاقه وأصدقائه وممثلي هيئات حقوقية ومدنية، استحضرت مناقب الفقيد ونزاهته الفكرية وصلابته الأخلاقية، وتفانيه في الدفاع عن القضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. وشهدت المقبرة أداء الصلاة عليه وفق الطقوس المعمول بها، في أجواء من الخشوع والاحترام المتبادل بين جميع الحاضرين.
مرّت الجنازة في نظام محكم وتنظيم راقٍ، وسط أجواء من التأثر العميق، حيث رُفعت الأعلام الفلسطينية ورددت الحناجر شعاراتٍ تطالب بالحرية لفلسطين، في مشهد مؤثر وغير مسبوق داخل المقبرة اليهودية، جسّد بعمق روح التعدد الفكري والسياسي وحرية التعبير التي تميز المغرب.
هكذا، إذا تبقى الأصوات النظيفة والصادقة تحمل قيم النضال والوفاء، فحتى في جنازته وداخل صرح المقبرة كان صوت الوفاء وصوت الشعارات لفلسطين، والحرية، والتحرير، وحقوق الإنسان.
ستفقد الكوفية أحد معتمريها، في شوارع وأزقة مدن المغرب، وفقده هذا يمثل فراغاً كبيراً لكل من عرفه أو تأثر بمواقفه ونضاله.
فنم قرير العين، وسيحفظ التاريخ تراثك النضالي ومواقفك المشرفة للأبد.
مدرب منتخب إسبانيا يوجه تحذيرا صارما للامين جمال
ميسي يقود الأرجنتين الى الفوز على أنغولا 2-0 وديا
هذه تشكيلة المنتخب الوطني أمام الموزمبيق
منتخب الفتيان يطيح بالولايات المتحدة ويتأهل إلى ثمن نهائي المونديال
المهرجان الوطني للمسرح بتطوان ينطلق وسط غضب عارم للمسرحيين المغاربة
تشكيلة المنتخب الوطني لاقل من 17سنة امام الولايات المتحدة الأمريكية
وزان .. مشاورات موسعة لإعداد برامج التنمية الترابية المندمجة
خط جوي جديد يربط بين أمستردام والرباط
مونديال الناشئين.. موعد والقنوات الناقلة لمباراة المغرب وأمريكا
مونديال 2026: فرنسا إلى النهائيات للمرة الثامنة تواليا
المنتخب المغربي يختتم تحضيراته بطنجة قبل ودية الموزمبيق
بووانو: هذه الحكومة نجحت فقط في توسيع طبقة “الفراقشية”
مجلس النواب يصادق على الجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2026
رونالدو يطرد في انتصار أيرلندا على البرتغال بتصفيات كأس العالم
طقس الجمعة.. تساقطات مطرية ورياح قوية بهذه المناطق
اغتيال مهندس نووي مصري بـ13 طلقة وسط الشارع في الإسكندرية
مخابرات: صراع وشيك بين إسرائيل وإيران
عجز في الميزانية يقدر بـ55,5 مليار درهم عند متم أكتوبر
تفكيك شبكة لنقل المخدرات بين المغرب وإسبانيا باستخدام مسيّرات
طقس الخميس.. أمطار قوية وثلوج بهذه المناطق
المنتخب الوطني لاقل من 17 يستعد للقاء اليابان
كل ما ترغبون في معرفته بخصوص خطة المغرب للحكم الذاتي في الصحراء
مونديال قطر لأقل من 17 سنة .. المنتخب المغربي ينهزم أمام نظيره البرتغالي بسداسية
نقابة مهنيي الفنون الدرامية ترحب بالقرار الأممي و تثمن الخطاب الملكي السامي
الملك يدشن مركب الرباط الاستشفائي الجامعي
الجيش الإسرائيلي يعلن بدء شن غارات على أهداف لحزب الله في جنوب لبنان
ارتفاع تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج إلى 92,73 مليار درهم
الخط الفاصل مع الصحراء المغربية يختفي من خرائط غوغل
عصبة الأبطال .. نهضة بركان يتأهل لدور المجموعات بفوزه على أهلي طرابلس (2-1)
الملك محمد السادس يقرّ 31 أكتوبر عيدا وطنيا جديدا باسم “عيد الوحدة”
طقس الأحد.. أمطار خفيفة وطقس غائم
مؤسسة ولي العهد ودسترة الملكية البرلمانية.. 1/2
بووانو: فئة المتقاعدين لم تستفد شيئا مع حكومة عزيز أخنوش
نجحنا ولم ننتصر: تفكيك وصم تصفية الاستعمار واستعادة معنى التحرر
وفاة المناضل سيون أسيدون بعد غيبوبة دامت زهاء 3 أشهر
وفاة سيون أسدون ناتجة عن مضاعفات تعفنية..الوكيل العام للملك
هذا مضمون رسالة مسيحيي المغرب الموجهة لترامب
إسرائيل تعلن تسلم جثماني رهينتين من غزة
سعيد الكحل: بيان “عدلاوة” تنكّرٌ للنصر وتبخيسٌ للفرحة
فيلم “زاز”.. الكوميديا تعود بروح جديدة إلى القاعات المغربية
🔴 مباشر | الخطاب الملكي السامي
الدار البيضاء.. انطلاق المرحلة الرابعة من سباق التناوب الرمزي المسيرة الخضراء
الخبير جمال العلمي يكشف أسرار ” صومعة المكانة” La Tour de l’Horloge
“الدوري الأول للراحلة حليمة مرجان”..الرياضة في خدمة العمل الخيري
الرباط تكرّم الراحل يونس رودياس أحد رموز كرة السلة بنادي الفتح الرياضي
الوداد الرياضي يحتفل بذكراه الـ88.. ليلة وفاء وتكريم لأساطير الأحمر
المغرب يدخل عصر العلاج الثوري لسرطان البروستاتا بتقنية HIFU
في حفل تأبيني مؤثر.. سبور بلازا يكرم روح الراحل كمال لشتاف
نادي “النور اولاد صالح” ينظم الدوري السنوي للكرة الحديدية
تفاصيل مؤامرة الجنرال أوفقير على رفاقه في الجيش وعلى الحسن الثاني
محمد لومة يحكي عن أخطر جرائم أوفقير في حق الوطن والشعب
للمرة الثانية الرباط تحتضن التجمع التدريبي الافريقي BAL في كرة السلة
هكذا اقتطعت الجزائر أجزاء من التراب المغربي و التونسي بدعم من فرنسا ( فيديو)
بالفيديو..تفاصيل محاولة اغتيال الحسن الثاني سنة 1972
1981: مقترح “الاستفتاء” حول الصحراء..عندما قال عبد الرحيم بوعبيد “لا” للحسن الثاني
محمد لومة يكشف مراحل الصراع بين الحسن الثاني و عبد الرحيم بوعبيد (الجزء الأول)
تفاصيل تحكى لأول مرة عن اغتيال الشهيد عمر بن حلون (الحلقة الثانية)
و شهد شاهد من أهلها..حقائق تكشف لأول مرة عن اغتيال الشهيد عمر بن جلون
حورية أجدور..صوت مجدد صاعد في سماء الأغنية الأمازيغية “فيديو “
تهلاو فالصحيحة :الدكتور عماد ..هذه هي الفوائد الصحية للجبن” فيديو”
الاكثر مشاهدة
-
على مسؤوليتي منذ 6 أياممؤسسة ولي العهد ودسترة الملكية البرلمانية.. 1/2
-
مجتمع منذ 7 أياموفاة سيون أسدون ناتجة عن مضاعفات تعفنية..الوكيل العام للملك
-
مجتمع منذ 6 أيامهذا مضمون رسالة مسيحيي المغرب الموجهة لترامب
-
على مسؤوليتي منذ 5 أيامفي رثاء اللحظة البشرية واستشراف المستقبل الإنساني
-
على مسؤوليتي منذ 5 أياممحمد الطالبي.. وفقدت الكوفية معتمرها اسيدون
-
رياضة منذ 6 أيامكأس العالم لكرة القدم للسيدات لأقل من 17 سنة – كوريا الشمالية تتوج بلقبها الرابع بفوزها في النهائي على هولندا 3-صفر
-
اقتصاد منذ 7 أيامالمغرب يستقبل 16.6 مليون سائح حتى أكتوبر 2025
-
رياضة منذ 7 أياممنتخب أقل من 17 سنة يلعب آخر أوراقه أمام كاليدونيا الجديدة
