على مسؤوليتي
تعطيل المشاريع التنموية بالدار البيضاء.. “إخلال بالواجب وخيانة”
غادر الملك محمد السادس، يوم الاثنين 15 أبريل 2024، مدينة الدارالبيضاء، وقد لا أغامر إذا قلت إنه يغادرها وفي نفسه “شيء من الغضب” من منتخبيها الذين لا يريدون أن يفهموا أن التدبير العمومي يحتاج مسؤولين يتفانون في القيام بمهامهم، وليس أولئك الذين همّهم هو البحث عن المنافع والريع وقضاء المصالح الخاصة.
زيارة الجالس على العرش، هذه المرة، للعاصمة الاقتصادية، لها وضع آخر مغاير، فهي تأتي بعد التغيير، الذي أحدثه في الهيكلة الترابية، بتعيين والي جديد، بتعليمات واضحة هي أن تأخذ الإدارة الترابية بزمام الأمور، وهو ما لمسه الملك وهو يتجول بمختلف أحيائها، حين وقف على أن العديد من المشاكل ذات البُعد الترابي الولائي، وفكِّ اليد التي كانت مغلولة لعمّال مقاطعاتها، وجدت طريقها إلى الحلول الناجعة والمنتجة، بعد عدة سنوات عجاف.
لكن المعضلة الكبرى في النخبة المسيرة للمجالس المنتخبة، مازالت مستمرة، بل تزيد في الاستفحال، دون أدنى مراعاة لا لتطلّعات المواطنين، ولا لانتظارات ملك البلاد، الذي يعرف الجميع المكانة الخاصة، التي تتبوّأها الدارالبيضاء في نفسه، إلى درجة أن البيضاويين باتوا معتادين على رؤية الملك يتجوّل على متن سيارته في شوارعها وأزقتها، ويتفقّد عن كثب مآل المشاريع التنموية، التي أطلقها، منذ سنوات، ولم ترى النور بعد.
لقد قضى الملك في هذه المدينة، أغلب أيام رمضان، إذ بقي في العاصمة الإدارية الرباط إلى حين حلول اليوم العاشر من رمضان 1445، لزيارة ضريح جده محمد الخامس، والترحم على روحه… لينتقل، بعد ذلك مباشرة، إلى العاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء، حيث مكث فيها طوال ما تبقى من أيام رمضان، وأحيى فيها ليلة القدر بمسجد الحسن الثاني، فيما أدى صلاة عيد الفطر المبارك بالمسجد المحمدي بحي الأحباس، مرفوقا بولي العهد الأمير مولاي الحسن، والأمراء مولاي رشيد ومولاي أحمد ومولاي إسماعيل.
خلال مقامه بالدار البيضاء ظلّ الملك محمد السادس، يتجول بسيارته وسط شوارعها وأحيائها… وقد غادر اليوم العاصمة الاقتصادية وهي بوجهين: وجه الإدارة الترابية، التي تغيّرت، وتحرّكت، وحرّكت الكثير من المياه الراكدة، التي تدخل في دائرة اختصاصاتها و أكثر… ووجه ثان مغاير ومتعثّر للمجالس المنتخبة، لن يختلف اثنان في أن مختلف الأوراش، التي تشرف عليها، مازالت معطّلة، أو معرقلة، أو متوقفة، إلى درجة أن الجالس على العرش، رغم كل هذه الفترة، التي قضاها في الدارالبيضاء، لم يدشن فيها سوى مستشفى القرب بحي لساسفة، لكن لم يدشّن ولا مشروعا واحدا من سلسلة المشاريع التنموية، التي يتحمّل مسؤوليتها مسؤولات ومسؤولو المجلس الجماعي للدارالبيضاء، الذين يبدو وكأنهم يتمرّدون على التوجيهات الملكية، ولا يبالون بالتحذيرات القوية، التي أطلقها الملك غيرما مرة في خطابات متعددة، شدّد فيها على أن “أخطر ما يواجه تنمية البلاد، والنهوض بالاستثمارات، هي العراقيل المقصودة”، بل وصل الأمر إلى وصف هذه العراقيل بالخيانة، عندما قال إنه “عندما يقوم مسؤول بتوقيف أو تعطيل مشروع تنموي أو اجتماعي (…)، فهذا ليس فقط إخلالا بالواجب، وإنما هو خيانة”.
لقد تجوّل الملك محمد السادس في العديد من مناطق وساحات وشوارع مدينة الدارالبيضاء، مما جعله يقف بنفسه على مآل الأوراش المفتوحة، وكيف تحوّلت إلى مشاريع متعثّرة، وبالتأكيد ستقدّم سلطات الدارالبيضاء سطات، تقارير مدقّقة عن طبيعة العراقيل المسجلة والمسؤولين المباشرين عنها، خصوصا أن الوالي الجديد، منذ تعيينه في أكتوبر الماضي، وهو يقوم صحبة عمّاله بزيارات تفقدية إلى متخلف الأقاليم والعمالات بالجهة، بالإضافة إلى الوقوف على الملفات العالقة بها، كما أنه حرص، قبل الزيارة الملكية، على عقد الاجتماعات المطولة بخصوص المشاريع المتعثرة داخل نفوذه الترابي، من أجل البحث عن سبل تسريع الخروج من دوامة العراقيل.
عدم جاهزية المشاريع تنم عن غضبة ملكية جديدة قد تكون مناسبة لإجراء وقفة مغايرة، حاسمة وصارمة، لوضع اليد على الأسباب الحقيقية وراء المشاريع المعرقلة والمتعثّرة والمتوقفة، وكذا فرصة لإعمال المبدأ الدستوري، الذي يقرن المسؤولية بالمحاسبة، من خلال فتح تحقيق معمق حول المسؤولين المعرقلين أو المتعثّرين وترتيب الجزاءات الضرورية.
* مراد بورجى
على مسؤوليتي
زيارة الدولة الأولى لإيمانويل ماكرون إلى المغرب واستمرار الملك في فضح حكومة “موروكومول”!!
* مراد بورجى
اتضحت معالمُ ارتداء الملك محمد السادس بذلة غير داكنة مع ربطة عنق حمراء، لأول مرة في مناسبة رسمية، تجلت في “تنزيل” الملك لرغبة رئيس الحكومة عزيز أخنوش في إجراء تعديل حكومي، يوم الأربعاء 23 أكتوبر 2024، طبقاً لما يخوّله له دستور 2011.
استقبال الملك جرى بقاعة العرش بالقصر الملكي بالرباط، في غياب لافت لولي عهده الأمير مولاي الحسن وكذا لمستشاره السياسي فؤاد عالي الهمة، وبربطة العنق الحمراء، التي ترمز إلى القوة والثقة والسلطة، لتنقل إشارة قوية تجمع بين العزيمة والحسم في رسالة تحذير لمن يهمّهم الأمر (…)، مفادها أن المغرب دخل مرحلة الحسم مع التسيّب واللامسؤولية، مع دخول ولي العهد على الخط… فما علاقة زيارة الدولة، التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب، وتعديل أخنوش الحكومي؟.
المثير أن لائحة المرشحين للاستوزار سيطّلع عليها القصر بفرنسا، ولعلّ رئيس الحكومة عزيز أخنوش لم يفهم كيف أن الملك محمد السادس موجود في باريس ويبعث به ليمثّله في القمة التاسعة عشرة للفرنكوفونية، التي انطلقت أشغالها يوم الجمعة 4 أكتوبر بفيلاركوتري (Villers-Cotterêts)، المدينة الجميلة، التي واكبتُ منها فعاليات القمة، وتنقلتُ منها إلى العاصمة الفرنسية، التي لا تفصلها عنها سوى 77 كلم، دون أن يلتقي به أحد من مستشاري الملك ليتفاعل معه حول الأسماء المقترحة للاستوزار كما جرت العادة، يجري هذا ورئيس الحكومة يعلم أن يوم الجمعة الموالي (11 أكتوبر)، سيكون الملك محمد السادس قد عاد إلى المغرب ليترأس افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان. وقبل ذلك، سيكون الملك قد وضع اللمسات الأخيرة على زيارة الدولة التي سيقوم بها الرئيس الفرنسي إلى المغرب، وما تتطلبه من إجراءات وإعدادات لعُدّةٍ ضخمة من الاتفاقيات والاستثمارات مع مختلف الفاعلين والمتدخلين وفي مختلف المجالات… ولعلّ زيارة ماكرون كانت مناسبة أخرى لفضح “حكومة موروكومول”، عندما توالى عدد من وزرائها على الطاولة لتوقيع اتفاقيات ضخمة بلغت 22 اتفاقية باستثمارات ضخمة بلغت 10 ملايير أورو، تشمل مجالات متنوعة، من اندماج سلاسل القيمة والأنظمة الصناعية، إلى الطاقة الخضراء، ومن البنيات التحتية، إلى الشباب والابتكار وإدارة تدفقات الهجرة، وصولا إلى الفضاء الإفريقي… كان وزراء يوقعون على أوراش لا يعلمون عنها شيئا، كيف دُرست وروجعت وعُدّلت ودُقّقت قبل أن تأخذ شكلها الجاهز للتوقيع وللانخراط الفاعل في عمليات التنزيل… هل كانت إشارة أخرى إلى أن العد العكسي لسقوط “الحكومة الموروكومولية” قد انطلق في مسارها الزمني نحو محطة الوصول: انتخابات سابقة لأوانها؟ .
المثير أكثر أن الملك محمد السادس خصص خطاب افتتاح البرلمان، على غير عادته، وحصْريا، لزيارة الدولة، ولقضية الصحراء المغربية، مبرزا الخطوط العريضة لمستقبل المغرب، من خلال التحول الذي سيطرأ عليه بهذه الزيارة التي اعتبرها مفترق طرق بين حاضر المغرب وهذا المستقبل، واستعمل لذلك عبارات لها معانيها وخلفياتها… يقول الملك في خطابه: “ندعو إلى المزيد من التنسيق بين مجلسي البرلمان، بهذا الخصوص، ووضع هياكل داخلية ملائمة، بموارد بشرية مؤهّلة، مع اعتماد معايير الكفاءة والاختصاص، في اختيار الوفود، سواء في اللقاءات الثنائية، أو في المحافل الجهوية والدولية”… فهل كان الملك يوجّه رسالة سلبية، وإن تضمّنت مختلف الأحزاب، لكنّها كانت تتوجه على وجه التحديد إلى أحزاب الأغلبية الحكومية، التي تهيمن، بأغلبيتها العددية، على الديبلوماسية الحزبية الموازية، في البرلمانات وكذا المنتديات الإقليمية والدولية، التي حوّلها البعض إلى ريع ومجال للسياحة والتفسّح بأموال المغاربة، مما يعلّل الحضور الضعيف في العديد من الملتقيات التي تهيمن فيها وفود الجزائر وجنوب إفريقيا وإيران في دعم وفد حركة البوليساريو الانفصالية، عوض أن يعتمدوا “موارد بشرية مؤهّلة”، بناء على “معايير الكفاءة والاختصاص”؟!.
كل هذا لم يُثنِ السي عزيز أخنوش و”الشريفة” فاطمة الزهراء المنصوري وصهرها نزار بركة ليغيروا من منطق التعامل مع تعديل حكومي رفضه الملك في نصف الولاية، قبل أن يعطي الإشارة ليمرّ ولم يتبقَّ على نهاية الولاية سوى أقل من 18 شهراً، حتى أنه جاز فيهم قول الملك في أحد خطاباته: “يستغلون التفويض، الذي يمنحه لهم المواطن لتدبير الشأن العام، في إعطاء الأسبقية لقضاء المصالح الشخصية والحزبية، بدل خدمة المصلحة العامة”.
كان الملك قد أخذ علما بالمنحى المهزوز، الذي سيمضي فيه التعديل، وفق مخطط قادة أحزاب الأغلبية الحكومية، الذي ظهرت معالمه عندما أصرّ أولئك الثلاثة، عشية الخطاب الملكي، على التخلّي عن النعم ميارة في انتخاب رئيس مجلس المستشارين للنصف الثاني من ولايته التشريعية، وإسنادها إلى محمد ولد الرشيد، النجل الأكبر لمولاي حمدي ولد الرشيد القيادي البارز في حزب الاستقلال، وأعلنوا عن هذا القرار في يوم ترؤس الملك لافتتاح البرلمان…! لا يتعلّق الأمر، هنا، بالأسماء، فمحمد ولد الرشيد كفاءة شابّة في عالم السياسة وفي عالم المال والأعمال، وهو منتوج حزبي استقلالي وليس كائنا مصبوغا، وإنما يتعلّق بالتدبير، الذي تغلب عليه علائق مطبوعة بعوامل ذاتية، وليس بمعايير موضوعية تأخذ بالاعتبار الإطار المجتمعي العام في اتخاذ القرار، بالإبقاء على هذا أو بتغيير ذاك، بناء على معطيات الواقع، واستنادا إلى أن الأمر لا يجب على الإطلاق أخذه بالساهل أو على الخفيف، لأنه يتعلق بمنصب الرجل الرابع في الهرم البروتوكولي للدولة، وهذا ما لم يحصل، لأن معطيات الواقع تفيد أن النعم ميارة حقّق الكثير من المكتسبات لحزبه ولأغلبيته، إلى درجة أن أحزاب الأغلبية الثلاثة، إلى حدود عشية الدخول الاجتماعي في شتنبر الماضي، كانت قد قررت الاحتفاظ برشيد الطالبي العلمي رئيسا لمجلس النواب، مثلما كانت متفقة ومتوافقة على الاحتفاظ بميارة، رئيسا لمجلس المستشارين، خصوصا بعدما حقّق، أيضا، مكتسبات مهمة لوطنه، إذ صار يمثّل الملك في المنتديات والمحافل الدولية، وهو أيضا رئيس منتخب لبرلمان البحر الأبيض المتوسط، حيث سيصبح الآن رئيسا بصفة شخصية لهذه المنظمة البرلمانية الإقليمية الفاعلة والمؤثرة، والتي أسستها البرلمانات الوطنية لبلدان المنطقة الأورومتوسطية… وفي علم الرياضة، كما في علم السياسة، ليس من الذكاء في شيء تغيير الفريق الرابح!
ميكانيزمات التغيير، لدى أغلبية أخنوش، إذن، تقع خارج منطق السياسة، وهذا ما تأكد لما اطّلع القصر على لائحة الاستوزار، لقد كان أخنوش وصحبُه ينتظرون من القصر مباركة اللائحة ليتحمّل الملك، بدوره، وِزْر التعديل، قبل أن يتفاجأوا بقرار الملك الذي ترك لرئيس الحكومة كل الصلاحيات… فهل جاء القرار الملكي ليفضح “حكومة موروكومول” مما يُعتبر مقدمة للإطاحة بها؟.
أقول “الفضح” لأنه بفضل قرار الملك هذا، أصبح المغاربة اليوم على بيّنة من حقيقة وخلفيات ونوايا الرئيس أخنوش والصهرين بركة والمنصوري، الذين يعطون الأولوية لمصالح ذاتية ضيقة، أكثر من مصالح الوطن ومن مستقبل الدولة والمجتمع، الأمر الذي يعكس صورة ومستوى هذه النخبة القيادية، ومستوى أحزابها، ومستوى منتخبيها، الذين أدين بعضهم وتحوم شبهات فساد حول العديد منهم، ولعلّ مواجهة هذا الوضع هي ما يعلّل حركية الإدارة الترابية الواسعة لعدد مهم من الولاة والعمال، الذين أشرف الملك على تعيينهم، بالتزامن مع تعيينات التعديل الحكومي، ليأخذوا بزمام الأمور لتأهيل مدن المغرب لاحتضان كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، وحتى لا يتركوا الحبل على الغارب لـ”فئة محظوظة” من المنتخبين تراموا على مواقع مؤثّرة في بنيات وهياكل الأحزاب، من أجل الولوج إلى مراكز حزبية يغطّون بها على ممارساتهم في النهب والاغتناء اللامشروع.
الولاة والعمال المعيّنون، الذين يعوّل عليهم الملك في مواكبة تنزيل وتطوير المشاريع الملكية الكبرى، لديهم مهمة أخرى في غاية الأهمية والخطورة، وتتعلّق بالورش الملكي المتعلّق بالتخليق، الذي حصدت فيه حكومة أخنوش الفشل الذريع، وفي صدارة هذا الورش نجد التخليق السياسي، ومقدمته النزاهة الانتخابية، أي أن الولاة والعمّال المعينين لن يتسامحوا ولن يغمضوا العيون على المرشحين “المشبوهين”، الذين ستُقطع عليهم الطريق، فضلا عن الإشراف على تنفيذ توجيهات الملك المتعلقة بتحصين وتخليق الانتخابات، حتى لا تنتج لنا برلمانيين ورؤساء جماعات ومستشارين تلاحقهم ملفات ذات صلة بجرائم الأموال.
التوجيهات الملكية المتعلقة بالتخليق تنبني على قضيتين أساسيتين، أولا مواجهة الفساد والمفسدين، باعتبارهم يهددون التنمية المجتمعية، ويهدّدون استقرار الدولة، ويهدّدون تماسك المجتمع، وثانيا تحقيق النزاهة الانتخابية، التي تنطوي على تعليمات استباقية لما يجب أن تكون عليه الانتخابات ولسلوك المنتخبين والناخبين، من أجل أن يتحمّل الجميع مسؤولياته في شكل وبنية التركيبة السياسية لحكومة المغرب المقبلة.
في القضية الأولى المتعلقة بمواجهة الفساد، يظهر أن الحكومة “الموروكومولية” تعاكس إرادة الملك في التصدي للفساد والمفسدين، ولعلّ أبرز نموذج على هذه المعاكسة هي الاحتفاظ بوزير العدل، الذي صار “يشرّع” خارج أوامر وتوجيهات الملك الرامية إلى تحميل الدولة والمجتمع معًا كامل المسؤولية في التصدي للفساد وفضح المفسدين… في خطاب الذكرى 17 لعيد العرش (30يوليوز 2016)، كان الملك واضحا وصريحا وهو يخاطب المغاربة بالقول إن: “مفهومنا للسلطة يقوم على محاربة الفساد بكل أشكاله: في الانتخابات والإدارة والقضاء، وغيرها”، قبل أن يشدّد على أن “محاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع: الدولة بمؤسساتها، من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة، وتجريم كل مظاهرها، والضرب بقوة على أيدي المفسدين. والمجتمع بكل مكوناته، من خلال رفضها، وفضح ممارسيها، والتربية على الابتعاد عنها”… الجالس على العرش يؤكد، بوضوح وبلا أدنى لُبس، على تحميل مسؤولية محاربة الفساد، كذلك، إلى “المجتمع بكل مكوّناته”، محدّدا هذه المسؤولية في “رفض الفساد” وفي “فضح ممارسي الفساد”، وهذا بالذات ما تقوم به العديد من الجمعيات، وبفضلها تفجّرت العديد من ملفات الفساد، بعضها قال فيها القضاء كلمته، وبعضها مازالت قيد نظره.
لكن وهبي يسبح في تيار آخر، في إعداده لمشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية، حين يصرّ على منع جمعيات حماية المال العام من تقديم شكايات ضد المنتخبين والشخصيات العامة في قضايا اختلاس المال العام، من خلال منع إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية بشأن جرائم الأموال إلا بناء على طلبٍ، حصريا، من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيس النيابة العامة… ومبرّر وزير العدل هو أن “هذه الجمعيات تستغلّ هذه الشكايات للابتزاز وتصفية الحسابات السياسية”، وهذا حُكم خطير ليس من حق الوزير، الذي سيُدخل به المغرب إلى محاكم تفتيش الضمير وتقرير مصير ما بذات الصدور عوض الثقة في القضاء، الذي له وحده إصدار حكم بالبراءة أو الإدانة!!! وهذا تناقض جوهري مع إرادة ملك البلاد المعلنة والمؤكّدَة في مواجهة الفساد.
وفي القضية الثانية المتعلقة بالتخليق الانتخابي والسياسي والحزبي، نجد أن الملك، الذي يضع نفسه جنبا إلى جنب مع الشعب، خصوصا في سؤال الثروة وفي فقدان الثقة في النخب المستخلدة في الأحزاب، (نجده) يحمّل الشعب مسؤولية قرارات الحكومة المرفوضة، فالحكومة هي نتاج أصوات الشعب، وبالتالي، فإن تفريط الشعب في إرادته وأصواته، عبْر الاستنكاف عن المشاركة في التصويت، وعبْر كذلك الخضوع للمتاجرين في الضمائر والذمم في الانتخابات، هو الذي يعطيهم حكومة تشبههم وسياسات لاشعبية تنهك أوضاعهم… الملك يريد مشاركة مكثّفة للناخبين، من أجل استعمال أصواتهم في تقرير مصيرهم ومصير بلادهم… ومن أجل ألا يتركوا للأحزاب العبث بأوضاعهم في حاضرهم ومستقبل أبنائهم، ومن أجل أن يشاركوا في بروز جيل جديد لديه من الكفاءة ما يكفي للمساهمة في بناء المغرب الجديد.
وهذا ما نجده حاضرا بقوة في خطاب الذكرى 62 لثورة الملك والشعب (20 غشت 2015)، الذي بلور فيه الملك ما يمكن أن نسميه “المفهوم الجديد للانتخاب”، حذّر فيه من أن الهدف من الانتخابات “لا ينبغي أن يكون هو الحصول على المناصب، وإنما يجب أن يكون من أجل خدمة المواطن فقط”… وفي مواجهة حالات استبلاد وتحقير المواطنين المفقّرين في عمليات بيع وشراء الأصوات والذمم، سيتوجّه الملك إلى المواطنين ليدركوا قوّة أصواتهم، من خلال الإشارة إلى أن “الصوت” هو “السلطة التي يتوفر عليها المواطن، للحفاظ على مصالحه، وحل بعض مشاكله، ومحاسبة وتغيير المنتخبين”، ليخاطب المواطنين مباشرة بالقول: “إن التصويت حق وواجب وطني، وأمانة ثقيلة عليكم أداءها، فهو وسيلة بين أيديكم لتغيير طريقة التسيير اليومي لأموركم، أو لتكريس الوضع القائم، جيدا كان أو سيئا”، ليصارحهم بالقول: “عليكم أن تحكّموا ضمائركم وأن تحسنوا الاختيار. لأنه لن يكون من حقكم غدا، أن تشتكوا من سوء التدبير، أو من ضعف الخدمات التي تقدّم لكم”.
من المؤكد أن حركية الولاة والعمال الجديدة تندرج في هذا الإطار، أي تنزيل التوجيهات الملكية الرامية إلى تأمين النزاهة الانتخابية… فهل ستكون الانتخابات السابقة لأوانها المرتقبة سدّا أمام عودة “الحكومة القائمة” بعد سقوطها؟ المؤكد أن هذا الاستحقاق الدستوري سيشكّل، هذه المرّة، امتحانا قويا لكل الأحزاب المغربية، من لم يستوعبه سيُبقي على “الخشب المسندة” إلى أن يجرفها تيار الانحدار، ومن يدرك آفاقه، سيبادر إلى تحريك المياه الراكدة لدى النخبة المهيمنة على المشهد الحزبي، لعلها تنخرط في ثورة داخلية سياسية وتنظيمية، من شأنها أن تنتج أحزابا مؤهّلة وقيادات جديدة تفرز للمغرب منتخبين لديهم تمثيلية حقيقية للناخبين، ونخبة بديلة بكفاءات عالية تحقّق النجاح المنشود لتمكين البلاد من مؤسسات قوية وقادرة على تحقيق إصلاحات جوهرية ورفع التحديات المصيرية لمغرب الغد، مغرب ولي العهد، ومغرب “الحسن الثالث”.
على مسؤوليتي
تعديل أخنوش الحكومي..هل يستعد المغرب لانتخابات سابقة لأوانها؟
* مراد بورجى
غابت بصمة الملك محمد السادس عن التشكيلة الجديدة للمؤسسة التنفيذية، التي استقبل أعضاءها مساء أمس الأربعاء، في أول تعديل تعرفه حكومة أخنوش، استقبال مليء بالدلالات والإشارات، إذ لوحظ غياب ولي العهد الأمير مولاي الحسن “الثالث”، ومستشار الملك المكلف بمهمة التفاوض السياسي، والتقاط صورة للملك بغير لباسه الداكن المعتاد.
تعديل أخنوش الحكومي بات يضم، فضلا عن الرئيس المُعدِّل، 30 وزيرا ضمنهم 6 وزراء جدد، مضافا إليهم 6 كتاب دولة، واللافت أن تركيبة القطاعات السيادية (الداخلية والخارجية والأوقاف والشؤون الإسلامية) لم يلحقها أي تعديل، بعدما بصم وزراؤها الثلاثة، عبد الوافي لفتيت وناصر بوريطة وأحمد التوفيق، على نتائج إيجابية وجيدة لمختلف الملفات، التي يشتغلون عليها، تحت إشراف مباشر من رئيس الدولة، واستباق الملك لتثبيت وزير السيادة شكيب بنموسى مكان أحمد لحليمي الذي وشح صدره بوسام ملكي على ما أداه من وظائف…
وليس من الصدفة أن يتزامن التعديل الحكومي مع “تعديل ترابي” هو الذي يعوّل عليه الملك في مواكبة الأوراش الكبرى المفتوحة في عدد من القطاعات الحيوية، من خلال حركية الإدارة الترابية لمجموعة من الولاة والعمال، حركية تسعى إلى “عصرنة تدبير الموارد البشرية للرفع من أدائها وتوجيهها، للتكيف مع المتغيرات الوطنية والإقليمية، واستيعاب التطورات القارية والعالمية، والمساهمة في رفع التحديات التنموية”، التي تواجه البلاد في ما تبقّى من سنوات 2025 إلى 2030.
التعديل الترابي الواسع، يعكس أنه مدقّق ومخطط، وأن رئيس الدولة يراقب، عن كثب، تدبير الإدارة الترابية لمعايير الكفاءة والاستحقاق والاختصاص، من أجل إضفاء “دينامية فعالة تجعل الإدارة في خدمة المواطنين، وتواكب حاجياتهم، وتراعي مصالحهم”، كما قال بلاغ وزارة لفتيت، الذي أطّر العملية في “تنفيذ التوجيهات الملكية المتعلقة بتدعيم الحكامة الترابية الجيدة”، بما في ذلك السهر على تأمين النزاهة والمصداقية في تمثيلات المنتخبين، التي عادة ما كانت تعرف عمليات بيع وشراء الأصوات والذمم، مما كان ينتج كائنات انتخابية تضع اليد على المجالس الجماعية، للكد والجد والاجتهاد في خدمة المصالح الذاتية الضيقة، الأمر، الذي ينتهي بالعديد من رؤساء الجماعات والمستشارين إلى فضائح الفساد، التي عرضت وتعرض على محاكم جرائم الأموال.
إن قراءة لخلفيات التعديلين، الحكومي والترابي، تضعنا أمام سؤال ملح وحارق: هل يكون المغرب بصدد التهيّؤ لإجراء انتخابات سابقة لأوانها؟ ليس مرد السؤال فقط معطى تعامل الملك مع التعديل الحكومي، الذي منح فيه كل الصلاحيات لرئيس الحكومة، ولا غياب الأمير مولاي الحسن والمستشار الملكي فؤاد عالي الهمة، ولكن وأساسا علامات الفشل الملحوظ للسلطة التنفيذية في تدبير الكثير من الملفات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فضلا عن بنية الفساد، التي زادت تغلغلا في العديد من المؤسسات الدستورية، وفي صدارتها المؤسسات المنتخبة، فهناك عدد كبير وخطير من رؤساء الجماعات ومن المستشارين، الذين يوجدون رهن الاعتقال أو قيد المتابعة، والأمر نفسه، بل أخطر بكثير نجده في البرلمان، المؤسسة التي يفترض فيها أنها تشرّع للمغاربة وتراقب الحكومة، فإذا بالعشرات من النواب والمستشارين يوجدون اليوم خلف القضبان، إضافة إلى آخرين ملاحقين بالمتابعات ومهددين بالاعتقال، مما يطرح أكثر من سؤال حول الجدوى السياسية من مواصلة الولاية التشريعية الحالية، وعدد كبير من أعضائها مدانون بقضايا فساد، وعدد أكبر متابعون بتهم الفساد؟! وبالتالي، فإن اتساع مساحة الفاسدين والمتابعين بالفساد يفرض سقوط البرلمان، ومعه الحكومة، كما يفرض الانطلاق في التحضير لانتخابات سابقة لأوانها، تتوفّر فيها كل شروط النزاهة والمصداقية، وتنبثق عنها مؤسسات تمثيلية قوية، قادرة على إحداث الإصلاح المجتمعي المنشود، وتعكس بأمانة وبصدقية آمال وتطلّعات الأجيال المقبلة، وفي الصدارة جيل ولي العهد.
وبالعودة إلى “لعنة” التعديل الحكومي عند البعض، و”نعمته” عن البعض الآخر، سنجد أنه مسّ فقط الأحزاب الثلاثة المشكلة للائتلاف الحكومي (الأحرار والبام والاستقلال)، التي يتحمّل أمنائها العامون وحدهم، مسؤولية الأعطاب البنيوية، التي كشف عنها تدبيرها الفاشل للسلطة التنفيذية، مما أثار عليها غضب الشارع المغربي، منذ أول شهر في ولايتها الدستورية، وعانى خلالها السواد الأعظم من المغاربة من الإحباط والمعاناة والبطالة والمرض والحكرة وقلّة الشي أمام الارتفاعات الصاروخية في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية..
وأعتقد أن هذا التعديل هو الأول من نوعه، الذي ترك فيه الملك كل أمور تركيبته، حقائب وأسماء، لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، الذي دبّر مع حليفيه قرارات الإبعاد وكذا مسارات الاستقدام، بين وزراء وكتاب دولة، ليتبيّن للمتفحّص، ولو دون عناء تمحيص، أن البناء الأساسي للتعديل جاء لتلبية طلبات ورغبات ونَزَعات الزبناء في “المتاجر الممتازة”، حتى لا نقول “الدكاكين”، الحزبية (!!!)، وهذا ما يؤكده فحص سريع للسير الذاتية لأغلب المعينين الجدد، بالعلاقة مع سابقيهم، أو بصلة مع القطاعات، التي عُيّنوا لتدبيرها… ودون الدخول في مجمل تفاصيل التعديل الحكومي، وما طبعه من غبار وشبهات حول أسماء بعينها، يمكن أن نورد، في هذا الصدد، القطاعات التالية على سبيل المثال لا الحصر:
– قطاع الصحة، الذي كان يقوده البروفيسور خالد أيتالطالب، وهو طبيب جراح وأستاذ جامعي، ويعتبر أول من أدخل النظام المعلومياتي للمستشفيات المغربية، إضافة إلى نظام التوزيع الأوتوماتيكي للأدوية داخل المستشفى، فضلا عن إدخال تقنية الإنسان الآلي الجراحي (الروبوت) في العمليات الجراحية، سيتمّ تعويضه بمستخدم لدى زوجة رئيس الحكومة، أمين التهراوي، المتخصّص في مجال التجارة والأعمال، والذي كان يشغل منصب نائب الرئيس التنفيذي لمجموعة “أكسال” المملوكة لسلوى أخنوش! ولنتصوّر أن مستخدم زوجة رئيس الحكومة هو الذي سيشرف على تدبير الورش الحسّاس والعملاق للملك حول الحماية الاجتماعية!.
– قطاع التعليم، الذي تحيط به العواصف والزوابع والتوابع من كل مكان، سيوضع بين يدي صديق رئيس الحكومة، المعروف بـ”مول الفانيد والمصاصات”، امحمد سعد برادة، صاحب العديد من الشركات الغذائية والدوائية، فهو، مثلا، “مول” أو صاحب شركة “ميشوك” المتخصصة في الحلويات الصناعية، وصاحب شركة “فارما بروم” المتخصصة في الأدوية، وصاحب شركة “سافيلي” المتخصصة في الحليب ومنتجات الألبان المعقّمة، التي غيّرت اسمها إلى “جبال”، والمنتشرة في السوق المغربية… دون إغفال الأساسي وهو أن سعد برادة عضو في مجلس إدارة شركة “إفريقيا غاز” المملوكة لمجموعة “أكوا” لصاحبها عزيز أخنوش!.
– قطاع الفلاحة، لا يضع فيه رئيس الحكومة إلا ذوي ثقته “المطلقة”، لأن مصائب الوزارة، التي ظل يسيّرها عزيز أخنوش منذ حكومة عباس الفاسي سنة 2007، إلى حكومة سعد الدين العثماني، مرورا بسلفه عبد الإله بنكيران، لا يمكن أن يتركها بين أيدي “أجنبية”، بالنظر لما تحبل به من كوارث لا تعد ولا تُحصى، لا يشكّل منها إلا جزءا يسيرا ما ورد في تقرير قضاة المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2018، الذين خصّصوا أكثر من 400 صفحة لتشريح ما عرفته وزارة الفلاحة من انزلاقات واختلالات عديدة وبنيوية، سيزكيها تقرير للبنك الدولي، الذي سجّل خلاصة خطيرة جدا وهي أن المغرب أصبح، بسبب تضخم أسعار الغذاء، يشهد نموا متسارعا لمعدل انتشار “انعدام الأمن الغذائي”، وأن المغرب هو البلد الوحيد ضمن بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي لم يقم بإجراءات فعالة لمواجهة آثار التضخم لحماية السكان من آثاره الوخيمة، وفي مقدمتها تآكل القدرة الشرائية… وبذلك، وعلى سبيل “التغيير”، الذي سيكون شكليا، إذ سيبقى تحت نظر أخنوش، وبواسطة صديقه محمد الصديقي، سيأتي بأحد أصدقائه المقربين، أحمد البواري، الذي استقدمه لقطاع الفلاحة ليولّيه مسؤولية مدير الري وإعداد المجال الفلاحي بالوزارة، لينقله التعديل من منصب مدير إلى رتبة وزير، ليس بهدف بنائي من قبيل البحث عن حلول مبتكرة للنهوض بالفلاحة المغربية ولتأمين التدابير الاستعجالية الضرورية لمواجهة آثار نقص التساقطات المطرية وغير ذلك مما ينتظره رئيس الدولة، وإنما لتنفيذ ما يريده رئيس الحكومة، وهو الإبقاء على أسرار القطاع الفلاحي تحت السيطرة وتحت الكتمان حتى لا تنفجر ما بداخله من ملفّات مشتعلة!.
– قطاع الصيد البحري، وُضع بين يدي الصديقة المقربة من رئيس الحكومة ويده اليمنى في قطاع الصيد البحري، زكية الدريوش، التي ظلت تعتبر هي “الآمرة الناهية” في الوزارة، وتوصف بـ”المرأة القوية”، والتي أثيرت حول تدبيرها للقطاع العديد من الاختلالات، بل وحتى “الشبهات” في ما يتعلق بـ”كوطات الريع” في صيد الأسماك، والتي كنتُ تنبّأتُ، قبل الإعلان عن حكومة أخنوش في نسختها الأولى، أن رئيس الحكومة سينقل تدبير الدريوش لقطاع الصيد البحري من “كاتبة عامة” بالنيابة إلى “كاتبة دولة”، وهو ما تحقّق في التعديل، مما سيفتح أمامها كل الأبواب مشرعة لتعمل “العمايل” في الصيد البحري، وفي تقرير مصير ثروة المغاربة السمكية، وفي الاستفراد بملفات “الكوطات”!
– قطاع الصناعة التقليدية، وهنا إشكال حقيقي في هذا القطاع، يجسّد الزبونية في أفضح صورها، إذ أن المعيّن لتدبيره، الذي نال، السنة الماضية، شهادة “الماستر” في موضوع حول السياسات المائية، هو رئيس شبيبة حزب الأحرار، لحسن السعيدي، الذي بلا تاريخ ولا حكايات غير “التملّق” لرئيس حزبه، وكل ما عُرف عنه من تخصّصٍ هو شتم المعارضة، وكَيْل الاتهامات للمخالفين، وتخوين المحتجين على أخنوش وعلى حكومته، لذلك سيكون قطاع الصناعة التقليدية بين أيدي “كاتب دولة” كل رصيده هو “التشييت” و”الشتائم”!.
لقد ترك القصر لرئيس الحكومة صلاحية أن يدبّر بنفسه تفاصيل التعديل الحكومي، دون أن يتدخّل لا في الأسماء ولا في الحقائب، وفي اعتقادي أن هذه رسالة من الملك إلى حكومة أخنوش، تتضمّن موقفا سلبيا من نتائج التدبير الحكومي، الذي فشل في تحقيق انتظارات الملك وأجهض آمال المغاربة في العيش “أحسن”، إذ لم يروا إلا ما هو “أكفس” في حكومة، تعتبر نسختها الثانية “أسوأ” و”أفدح”، ولأنهم لم يروا فيها أيّ أثر لما نادى وأمر به الجالس على العرش من توجيهات حول توخّي الجدية والكفاءة والاستحقاق والاختصاص، وكل هذا وغيره يفتح الأبواب مشرعة أمام سيناريو الانتخابات السابقة لأوانها!!!.
يتبع..
على مسؤوليتي
خطاب افتتاح البرلمان.. هل غسل الملك يديه من الأحزاب والحكومة؟
* مراد بورجى
لا أخفي، وأنا أحضر أمس الجمعة جلسة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، أنني كنت أنتظر تقريعا، مباشرا أو مبطنا، للأحزاب وللحكومة معا، خصوصا أن فترة سنة، بين افتتاح برلمان 2023 وافتتاح 2024، وقعت فيها أحداث ومواقف ومسلكيات أساءت وتسيء للأحزاب، وبالتبعية للبرلمان وللحكومة.
فمشاريع وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، المدحي من الأمانة العامة للبام، جرّت على الوزارة والحكومة بل وحتى الدولة غضبا مهنيا غير مسبوق، وصل إلى حد تسجيل أكبر حركة احتجاجية في تاريخ نضالات المحاميات والمحامين، بمقاطعة جلسات المحاكم الجنائية لمدة أسبوعين، ابتداء من يوم الاثنين الماضي 7 أكتوبر، مع مقاطعة صناديق المحاكم لأسبوعين، وتنظيم وقفات أسبوعية لمدة ساعة كل يوم خميس.
كما تورّطت فاطمة الزهراء المنصوري، التي “تغيّبت” عن حضور جلسة افتتاح البرلمان، في ممارسات حزبية تعكس الدرك السحيق الذي وصل إليه العمل السياسي “غير النبيل”… و ظل نزار بركة، الحاكم بأمر حزب الاستقلال، يكمش على الحزب وحده وعلى هياكل الحزب وفي المقدمة هيئة “اللجنة التنفيذية” التي أدخلها غرفة الانتظار لمدة ستة أشهر كاملة… ناهيك عن الشبهات، التي أثيرت حول العديد من “الشخصيات” الحزبية وحتى الحكومية، فضلا عن الفضيحة الكبرى للبرلمان، الذي يعتبر ويفترض أن يكون عدد البرلمانيين المتابعين في ملفات الفساد موجِبا لإسقاطه وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها.
لكن يبدو، على الأقل في ما أعتقد، أن الجالس على العرش عبّر عن غضبه من كل هؤلاء، من الأحزاب ومن البرلمان ومن الحكومة، بعدم الحديث بالمطلق عن الأوضاع القائمة لدى الأحزاب والبرلمان والحكومة، باعتبار بداية سنة تشريعية جديدة هي بداية للاشتغال في أوراش ملحة سياسية واقتصادية واجتماعية، إذ اختار الملك أن يثير قضية محورية وحساسة، لكن كان يمكن تأجيلها إلى عيد المسيرة يوم 6 نونبر المقبل، أو كان ممكنا أن تتصدّر الخطاب الملكي ثم تتلوها قضايا الساعة المرتبطة بافتتاح البرلمان، قضية تدخل في المجال المحصور للقصر، ويشرف عليها الملك بصفة شخصية، وبسبب ذلك أو بفضله بالأحرى، حققت بلادنا إنجازات مشهودة في القضية، بتنامي الاعترافات الدولية بالسيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية، وبتضاعف التأييدات الدولية للمبادرة المغربية للحكم الذاتي.
اللحظة الوحيدة، التي قرّر فيها الملك الحديث إلى البرلمانيين، جاءت معبّرة جدا، وتحمل “رسائل من تحت الماء” لا تخفى، إذ عندما أراد الملك دفع غرفتي البرلمان إلى الانخراط الفاعل في هذا المجهود الوطني، استعمل عبارات لها معانيها وخلفياتها، يقول الملك في خطاب افتتاح البرلمان: “ندعو إلى المزيد من التنسيق بين مجلسي البرلمان، بهذا الخصوص، ووضع هياكل داخلية ملائمة، بموارد بشرية مؤهّلة، مع اعتماد معايير الكفاءة والاختصاص، في اختيار الوفود، سواء في اللقاءات الثنائية، أو في المحافل الجهوية والدولية”…
هل عرفتم الآن لماذا ألغى الملك الأحزاب والبرلمان والحكومة من أجندة خطاب افتتاح السنة التشريعية الجديدة؟ لاحظوا المصطلحات المستعملة في المقتطف أعلاه:
– هياكل ملائِمة
– موارد بشرية مؤهلة
– اعتماد الكفاءة والاختصاص
يعني أن الأحزاب والبرلمان والحكومة لا تتوفّر على هذه المعايير الثلاثة، التي لو كانت موجودة، لكانت محل تأكيد وتنويه وإشادة من قبل الملك… الرسالة واضحة هنا، إدانة ملكية للغياب الفادح للملاءمة والتأهيل والكفاءة والاختصاص، وأن هذه الأحزاب، وهذه الحكومة لم تعد تنفع في شيء، وقد يكون هذا سبب اختيار “القصر” لهذه الآية بالذات: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}.
-
على مسؤوليتي منذ 5 أيام
زيارة الدولة الأولى لإيمانويل ماكرون إلى المغرب واستمرار الملك في فضح حكومة “موروكومول”!!
-
سياسة منذ 6 أيام
النيابة العامة تحقق مع فؤاد عبد المومني للاشتباه في “ارتكابه لأفعال جرمية”
-
دولي منذ يومين
217 قتيلا جراء فيضانات إسبانيا والملك يقطع زيارة له إثر رمي الطين عليه (فيديو)
-
اقتصاد منذ 6 أيام
المغرب يقفز للرتبة 10 في تصنيف الإيرادات السياحية العالمية
-
اقتصاد منذ 5 أيام
المغرب: العجز التجاري يرتفع بنسبة 3,9 في المائة
-
مجتمع منذ 5 أيام
بسبب “الإضراب المفتوح” للمحامين، الشلل يصيب المحاكم المغربية
-
سياسة منذ 7 أيام
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يغادر المغرب في ختام زيارة دولة للمملكة
-
مجتمع منذ 4 أيام
أرباب المقاهي والمطاعم ينزلون إلى الشارع قصد الاحتجاج