على مسؤوليتي

من طوفان الأقصى إلى طواف الإقصاء أو حين يتحول الاحتفاء إلى عائق للفهم

نشرت

في

رغم أن القضية الفلسطينية خسرت الكثير، وفقدت خيرة قيادييها وشهداءها، ما زال البعض يحتفون بذكرى طوفان الأقصى كأنه طوفان الخلاص المنتظر، متناسين أن الفعل الذي لا يراجع نفسه يتحول إلى تكرارٍ للجرح لا إلى التئامه.

فالاحتفاء في غياب التقييم ليس موقفًا منتجًا، بل طقسًا عاطفيا يجمّد التفكير ويؤجل المراجعة. وبدل أن يتحول الحدث إلى مناسبةٍ لمساءلة المسار واستشراف البدائل، يُستعمل كشعارٍ لتبرير الجمود، وكأننا نخشى أن نواجه الحقيقة: أن كثيرًا من الهزائم تختبئ تحت عباءة البطولة، وأن المأساة حين تُقدَّس تُمنع من النقد، فيتحول الوفاء إلى تكرارٍ للخطأ باسم التضامن.

إن “طوفان الأقصى” في ذاكرة البعض رمزٌ للمقاومة، لكنه في جوهره أيضًا طوفان الإقصاء: إقصاءٌ للعقل النقدي، ولحق الشعوب في الفهم قبل الانفعال، ولإرادة المراجعة داخل الذات الفلسطينية والعربية على حد سواء.
وأصدقُ أشكال الوفاء للشهداء ليس في إعادة إنتاج الشعارات، بل في تحرير المعنى من القداسة العمياء، والاعتراف بأن البطولة بلا رؤية تتحول إلى نزيفٍ دائم. فالقضية لا تُصان بالدم وحده، بل بالفكر الذي يمنع تكرار الخسارة، ويعيد للحلم الفلسطيني والضمير العربي جدواه التاريخية والإنسانية.

يحدث هذا في لحظة تتقاطع فيها مساران بارزان:
أولهما الاحتجاجات الشبيبية التي تعم ربوع الوطن بحثًا عن معنى جديد للعدالة والكرامة، وثانيهما بلوغ الصراع في غزة مرحلة التسوية المحتملة، بما تطرحه من أسئلة ملحّة حول الكلفة والمكاسب، وحول من يملك حق التقييم وجرأة المراجعة.

إنها لحظة تقتضي أن نُخرج القضية من دائرة التقديس إلى فضاء الفهم، ومن طوفان العاطفة إلى ضفاف النقد المسؤول، كي لا نُغرق ذاكرتنا في أمواج الشعور ونفقد البوصلة بين التضامن والفهم . صحيح أن القضية الفلسطينية قضية وطنية ولكن لا ينبغي للتأويل أن يتعسف على حساب أولويات استراتيجية النضال الديموقراطي والتي تقتضي أن نكرس كفاحنا لأجل دمقرطة صناعة القرار الأمني والسياسة الخارجية ، وهو مطلب لم تنخرط فيه أغلبية الأحزاب السياسية والهيئات الحقوقية بدعوى” ” كم من حاجة قضيناها بتركها .”

* مصطفى المنوزي

انقر للتعليق

الاكثر مشاهدة

Exit mobile version