Connect with us

على مسؤوليتي

في رحيل خادم الشعب والملك أحمد حرزني.. ثوري في غمرة الإصلاح “من الداخل”

نشرت

في

رحل عنّا أحمد حرزني، السفير المتجوّل والمعتقل السياسي السابق والرئيس السابق للمجلس الاستشاري لحقوق الانسان، ليلة أمس الاثنين الثلاثاء، بالمستشفى العسكري بالرباط، عن سن يناهز 75 سنة.

رحل عنّا، بصمت ودون سابق إنذار، الحقوقي الريفي ابن جرسيف، والمناضل الماوي، الذي حلم بحركة تغييرية جذرية تؤمن بالعنف الثوري، والذي كان مستعجلا لحمل السلاح في وجه نظام الملك الراحل الحسن الثاني، فانسلّ من بين رفاقه الماركسيين اللينينيين في منظمة “23 مارس”، التي كانت تُعرف بمنظمة (ب)، ليؤسس حركة “لنخدم الشعب”، التي كانت تُعرف بمنظمة (ج)، فيما كانت “إلى الأمام” تُعرف بمنظمة (أ)…، قبل أن يتحوّل “خادم الشعب”، إلى “خادم الملك”، ليكون واحدا من “خدام الدولة”، بأسلوبه الخاص، وبمرجعيته الثورية، التي انتقلت، بفعل مراجعات فكرية، إلى مرجعية “النضال الديمقراطي”، الذي اعتبره، في الظروف المجتمعية، التي كانت تعرفها البلاد، وما شهدته من تحوّلات سياسية، أداة ناجعة لتحقيق “التغيير”، الذي أصبح، عنده وعند كثير من المناضلين، مرادفًا لـ”الإصلاح”.

عندما تلقّيت خبر وفاته، أحسست بالحزن على فراقه، واستحضرت شريطا من المواقف والذكريات، التي جمعتني معه، ومنها ذكريات اعتزاز بشخصه وشخصيته، وضمنها كذلك مواقف اختلفت فيها معه حد التناقض، الذي لا يلغي، إطلاقا، أواصر التقدير والاحترام، لهذا “الحرزني”، الذي لا يعرف التواكل والاستكانة طوال مسيرته الحياتية والسياسية والحقوقية والفكرية، فعندما خرج من السجن المركزي، بعد 12 سنة وراء القضبان، سنة 1984، لم تكد تمر سنة حتى اقتحم الساحة الإعلامية والثقافية والسياسية بمجلّة “الصاحب”، وحصل على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا من جامعة كنتاكي بلكسنتون بالولايات المتحدة (1994)، واشتغل باحثا بالمعهد الوطني للبحث الزراعي بسطات (1995) والرباط (1997) وأستاذا بجامعة الأخوين بإيفران (1996) وأمينا عاما للمجلس الأعلى للتعليم (2006) ورئيسا للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان (2007)، قبل أن يعيّنه الملك سفيرا متجولا للمغرب مكلّفا بالملف الحقوقي (2016).

هكذا هو أحمد حرزني، لا يكل ولا يمل ولا يقف ولا يستكين، منذ البدايات إلى يوم الرحيل، فعندما آمن بـ”الثورة”، قال لرفاقه إن الثورة ليست أضغاث أحلام وإنما هي “حركة” و”عمل جدي”، وهو ما قاده إلى سوس العالمة، للبحث عن مقاومين سابقين للاحتلال الفرنسي كانوا يخبئون أسلحتهم، التي فضّلوا ألا يسلّموها إلى “المخزن”، عقب حلّ “جيش التحرير المغربي” والاندماج في الجيش النظامي “القوات المسلحة الملكية”، فلم يحصل منهم إلا على مسدس قديم.

ومثلما حدث لـ”الكومندانتي” إرنستو تشي غيفارا، الذي باعه رفيق سلاح قديم، فإن مأساة الحلم القديم لأحمد حرزني بإشعال “ثورة الفلاحين”، أنه باعه واحد من أولئك المقاومين، ليقع في قبضة الأمن في أكادير، ويمرّ من عذابات “الصراط المستقيم”، المؤدّي رأسا إلى غياهب السجن المركزي في القنيطرة، الذي قضى به سنوات من أزهى فترات شبابه، 12 سنة سجنا نافذا، إذ اعتقل في سنة 1972، وأفرج عنه في غشت 1984.

في مسيرته النضالية والسياسية والحقوقية، تعرّض لهجمات عنيفة من رفاقه القدامى، وصلت إلى حد اتهامه بالانتهازية و”قليب الفيستة”، بعدما صرح خلال جلسات الاستماع التي نظمتها هيئة الانصاف والمصالحة أنه رفع السلاح في وجه “المخزن” إلاّ أن أحمد حرزني لم يكن سهلا، كما يذكر جميع من عرفوه، ورغم أنه كان لطيفا وودودا، لكنه لم يكن يتردّد، عندما يطفح الكيل، فيرد الصاع، ولم يكن يختبئ وراء شعارات ومواقف، فعندما يؤمن بالفكرة، كان يعلنها ويطرحها ويؤصّل لها ويدافع عنها، ويسخر ممن يتهمونه ويقول لهم، رغم أنوفهم، إنه “ثوري في غمرة الإصلاح”، حتى أنه نشر كتابا له بهذا العنوان.

شخصيا، أعتبر هذه الخصلة من أهم الصفات التي كانت تُميّز “الحرزني” عن باقي رفاقه اليساريين، الذين كان عدد منهم يُلصق به “تيكيتة” المخزنة، فيما كان هو يواجههم بأن كل ما لديهم هو شعارات غليظة يدغدغون بها مشاعر المناضلين، وفي الدروب الخلفية يلوذون بالممارسات الملتبسة، ولعل أقوى هذه المواجهات، في تقديري، والتي جعلته يبصم على مبادرات حقوقية وسياسية صارت عنوانا لوجه النظام في عهد ملك شاب جديد، هي تلك التي خاضها عندما تحمّل مسؤولية الناطق الرسمي باسم تيار “فعل ديمقراطي”، خلال ائتلاف عدة مكوّنات يسارية في تأسيس حزب “اليسار الاشتراكي الموحد” سنة 2002… كان حرزني يريد الوضوح، والخروج من المناطق الضبابية والملتبسة، في تقييم الوضع السياسي في المغرب، كان حرزني مؤمنا بأن هناك إرادة حقيقية في التغيير، وأن دور المناضلين الديمقراطيين، في تلك الفترة، التي كانت تشهد أولى سنوات حكم محمد السادس، هو دعم والدفع بالتوجّهات الجارية للقطع مع الممارسات التعسفية وماضي الانتهاكات الجسيمة، وكان يؤاخذ على رفاقه أن أغلبيتهم يؤمنون بهذا الطرح، لكنهم لا يستطيعون الجهر به، لأنهم “يحسبون الحسابات للعواطف السهلة للمناضلين”، فيفضّلون دغدغة المشاعر بالشعارات عوض قول “الحقيقة”، وبناء التوجهات والسياسات والمواقف والسلوكات استنادا إلى مخرجات هذه “الحقيقة”… وعندما بلغ التناقض أوجه، غادر سفينة الحزب، ليواصل العمل الحقوقي، الذي ظل يمارسه، إلى جانب عدد من رفاقه الآخرين، الذين يجتمعون على “الهمّ الحقوقي” و”الأفق السياسي” المفتوح في ظل وريث عرش الحسن الثاني، وعلى رأسهم إدريس بنزكري، الذي رافقه في السجن، ورافقه في “المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف”، وفي “الهيئة الوطنية للإنصاف والمصالحة”، وصولا إلى خلافته في رئاسة المجلس الاستشاري لحقوق فضلا عن مرافقته في قوافل الحقيقة إلى عدة مواقع مغربية كانت عنوانا للزمن الرصاصي، الذي كان يطفح بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، من قبيل تازمامات وقلعة مكونة ودار المقري والكوربيس ودرب مولاي الشريف والكومبليكس وPF3، وغيرها من المواقع التي حطت فيها قوافل الحقيقة، والتي جمعتني محطاتها بالراحل أحمد حرزني، وفي هذه المحطات، كنتُ أجدني، أحيانا، وأنا أمارس مهامي الصحفية في التوثيق بمختلف أشكاله لقوافل المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والانصاف، في خلافات شديدة مع حرزني وبعض رفاقه الآخرين، سأستعرضها في المقام المناسب للمقال.

هذه الجرأة الفريدة في التعبير عن الرأي، والدفاع عن الرأي المخالف، جرّت على أحمد حرزني الكثير من الغضب والاحتجاج والنقد والاتهامات من قبل رفاقه القدامى، في العديد من المواقف، من قبيل تلك الشهادة، في إحدى جلسات الاستماع، التي أعلن فيها، أمام ضحايا سنوات الرصاص، وأمام المغاربة والعالم، ممن تابعوا الجلسات على أمواج الإذاعة وشاشات التلفزيون، ما معناه أن “كُلَّا وخبيزتو”، في توصيف الصراع بين قوى اليسار السبعيني ونظام الحسن الثاني، وقال “لا أحد منّا كان قديسا”، أي أن المناضلين كانوا يريدون الإطاحة بالنظام الملكي، فيما كان النظام يسعى إلى تصفية هؤلاء المعارضين، مع فارق مهول حدّده حرزني في أن المعركة بين الجانبين كانت غير متكافئة بالمطلق، وشبّهها حرزني بحلبة الملاكمة، فقط المناضلون دخلوها بقفازات الملاكمين، فيما النظام كان مجهّزا بقوات الأمن والجيش والأسلحة النارية والمخافر والمحاكم والسجون…

ويمكن القول، مع الحِفظ التام للدور التاريخي الذي لعبه إدريس بنزكري، إن حرزني تحمّل مسؤولية جسيمة في تجاوز الانسداد لدى جزء من الضحايا والرفاق القدامى وفي مساحة من الحياة السياسية، بين من يحدّدون السقف في “الإنصاف والمصالحة” لطي صفحة انتهاكات الماضي الجسيمة، وتجاوز منطق المساءلة ومطلب اعتذار الملك، لدى من يعتمدون مقاربة جذرية تسعى إلى الحقيقة وعدم إفلات المسؤولين عن الانتهاكات من المحاسبة، باعتبارها أساسا للعدالة الانتقالية… لقد لعب حرزني دور الجسر، أو القاطرة، لتيسير عمل هيئة الإنصاف والمصالحة، وتذليل الانسدادات من أمام هيئة بنزكري ورفاقه، التي فُتح أمامها أفق وازن لاستكمال أعمالها، التي ساهمت فيها بقدر كبير بتوثيق أرشيف ضخم من المعلومات عن الضحايا والانتهاكات، مما مكّنها من إعداد تقريرها النهائي، الذي تضمّن نتائج وخلاصات أبحاثها حول ماضي الانتهاكات، وجملة توصيات تتعلق بالإصلاحات الكفيلة بحفظ الذاكرة وضمان عدم تكرار الانتهاكات ومحو آثارها واسترجاع وتعزيز الثقة في المؤسسات واحترام سيادة القانون وحقوق الإنسان…، وهي توصيات مازال المناضلون والضحايا يطالبون باستكمال تنفيذها، في شتى مجالاتها، لتحقيق كل أهدافها، والتقدم قُدما نحو إرساء الحقيقة والعدالة في المغرب.

لكل ذلك، ولغيره كثير مما يضيق المجال في التوسّع فيه، أعتبر أن وفاة أحمد حرزني خسارة جسيمة للحركة الحقوقية المغربية، وخسارة للمناضلين ولخدام الدولة في نفس الآن، ويمكن القول، بكل ثقة وصدقية، إنه رجل المواقف الشجاعة والخيارات الصعبة، إنه “ثوري في غمرة الإصلاح”، وإنه أكثر حقوقي اؤتُمن على تراث رفيقه بنزكري، الراحل إدريس الذي قال يوما إنه يفضّل أن “يحترق شخصيا، إذا كان ذلك ثمنا لتحريك المغرب في اتجاه صحيح وجميل”… لقد احترق بنزكري، واحترق حرزني، لينضافا إلى كوكبة من المغاربة، الذين احترقوا في طريق الوطن، ومنهم من مازالوا يحترقون، وينشدون مع الشاعر الفلسطيني محمود درويش: “أموت اشتياقاً.. أموت احتراقاً.. وشنقاً أموت.. وذبحاً أموت.. ولكنني لا أقول مضى حبنا وانقضى.. حبنا لا يموت”.

إعلان
انقر للتعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

على مسؤوليتي

الأرشيف المغربي بين أمن الدولة وحق المجتمع في الحقيقة

نشرت

في

في التاسع والعشرين من أكتوبر 1965، اختُطف المناضل المهدي بنبركة في قلب باريس، في واحدة من أكثر القضايا إيلامًا في تاريخ المغرب السياسي الحديث.

واليوم، بعد مرور ستين سنة على تلك الواقعة، يلتقي الزمن الرمزي بالتاريخ القانوني: فالمهلة التي يحددها القانون المغربي لرفع السرية عن الوثائق المرتبطة بـ“أسرار الدفاع الوطني” و“أمن الدولة” قد انقضت.

لكن السؤال ما زال معلقًا في الهواء: هل ستفتح الدولة أرشيفها أم ستُمدِّد زمن الصمت؟.
وهنا يأتي دور الحقوقيين والمؤرخين وذوي حقوق الضحايا للنضال من أجل كشف الحقيقة من خلال إجبار الدولة على رفع السرية .

ذاكرة مؤجلة وزمن أمني

ينص القانون على أن الوثائق ذات الطابع الأمني والسيادي لا يمكن الاطلاع عليها قبل مرور ستين سنة.

إلا أن مرور هذا الأجل لا يعني بالضرورة رفع السرية فعليًا، إذ غالبًا ما يُمدَّد المنع أو يُعاد تأويل مفهوم “السرية” بما يخدم منطق الحجب.

هكذا يتحول الزمن إلى أداة لتأجيل الحقيقة، لا لاكتشافها، وتتحول الذاكرة إلى ملف إداري خاضع للمزاج السياسي أكثر مما تخضع لمبدأ الحق في المعرفة.

الستون سنة، في هذه الحالة، ليست رقمًا جامدًا، بل حدًّا رمزيًا بين جيل الشهود وجيل الباحثين عن الحقيقة.

ومع تقادم الشهود، تتقادم إمكانيات العدالة، فتُختزل القضايا في الشعارات بدل التوثيق والمكاشفة.

الأمن لا يعني السرية الدائمة

إن مفهوم “أسرار الدفاع الوطني” يجب ألا يُستعمل لتبرير طمس الذاكرة أو حجب الوقائع ذات الصلة بانتهاكات حقوق الإنسان.

فالأمن، في معناه الحديث، لا يقوم على الخوف من الحقيقة، بل على الثقة في قدرتنا على مواجهتها.

والكشف عن الأرشيف لا يُهدد الدولة، بل يحصّنها من تكرار الأخطاء ويمنحها شرعية أخلاقية أمام مواطنيها.

فالحق في الحقيقة جزء لا يتجزأ من الأمن الإنساني، كما تنص على ذلك المواثيق الدولية وتجارب العدالة الانتقالية.

من أمننة الأرشيف إلى دمقرطة الذاكرة

إن استمرار حجب الأرشيف المتعلق بالاختفاءات القسرية والملفات السياسية القديمة، وعلى رأسها قضية المهدي بنبركة، يضع المغرب أمام مفارقة تاريخية:
هل نريد أن نبرهن أننا تجاوزنا منطق الدولة السرّية، أم أننا نعيد إنتاجه في صيغ جديدة؟
إن فتح الأرشيف أمام الباحثين والمؤرخين وأسر الضحايا يشكل خطوة حقيقية نحو حوكمة الذاكرة، أي نحو إدارتها بشفافية ومشاركة، بدل الاكتفاء بتدبيرها بخلفية أمنية.
فالذاكرة الوطنية لا تُبنى على الحجب، بل على المشاركة في استحضار الماضي وفهمه، بما يسمح بتحويل الألم إلى معرفة والمأساة إلى درس.

من بنبركة إلى المانوزي: سؤال الحقيقة المستمر

رفع السرية عن قضية بنبركة لن يكون مجرد إجراء إداري، بل اختبارًا للضمير الوطني وقدرة الدولة على المصالحة مع ماضيها.

فالحقيقة لا تُهدد الاستقرار، بل تُرسخه على أسس الثقة والشفافية.
وإذا كانت الذكرى الستون لاختطاف المهدي بنبركة تذكّرنا بما لم يُقل بعد، فإنها تفتح أيضًا باب السؤال الأخلاقي المفتوح:
فهل سننتظر مرور الأمد نفسه لكي تُرفع السرية عن حقيقة اختطاف المناضل الحسين المانوزي من تونس منذ 29 أكتوبر 1972؟.

إن ستين سنة من الصمت تكفي لتقول إن الحجب لم يعد يحمي الدولة، بل يجرّدها من ذاكرتها.
لقد آن الأوان للانتقال من حراسة الماضي إلى المصالحة معه، ومن أمننة الأرشيف إلى دمقرطة الذاكرة، لأن الحقيقة، في نهاية المطاف، ليست ضد الوطن، بل من أجل أن يبقى الوطن قابلاً للتصالح مع ذاته.

. مصطفى المنوزي
منسق دينامية ضمير الذاكرة وحوكمة السرديات الأمنية

أكمل القراءة

على مسؤوليتي

لحظة الحسم في الصحراء: من احتكار الدولة إلى التشاور الوطني

نشرت

في

هناك أصوات من داخل البروباغاندا الرسمية تدعو الفعاليات الحزبية والمدنية والحقوقية إلى إبداء الرأي في قضية الصحراء المغربية، وذلك عشية الحسم في مسألة الحكم الذاتي. ويأتي هذا النداء بعد عقود من احتكار الدولة للملف، إذ ظلت شؤون الخارجية والدين والأمن مجالات محفوظة.

ولا يسع المغاربة الوطنيين إلا الإستجابة المبدئية والتعبير عن دعمهم لكل ما هو سيادي ووطني مشترك، لكن المدخل الحقيقي يتمثل في إشراك المواطنين بالمعلومة، خصوصًا فيما يتعلق بمدى استعداد المغرب الرسمي لتفعيل المقترح بعد أن كان مجرد ورقة ضمن أوراق التسوية ، حيث صار امرا واقعا ، مضطرون للتعامل معه بجدية ومسؤولية ؛ فبغض عن الكلفة الإنسانية والسياسية والمالية الباهظة ؛ فإننا سنفقد دفء تواصلنا مع عضو من جسدنا الوطني ، كمن يزوج بنته الوحيدة ، وسنختار بين الغيرة الوطنية وغيرة الفقد .

من هنا وعلى الرغم من تداول هذه الدعوات إلى دعم الدولة في هذا الخيار الفوقي ، وإطلاق التعبئة لإنجاح المبادرة ؛ فهي غير رسمية، ويظل القرار الرسمي في يد الملك الذي يمتلك السلطة لتوجيه الدعوة وتنصيب المجلس الأعلى للأمن، بما يشكل فرصة لرد الاعتبار للتشاور والتواصل وفتح النقاش العمومي حول القضايا الوطنية المصيرية ؛ فتجدر الإشارة أن حظوظ مقترح الحكم الذاتي مرتبطة بضرورة تصفية الأجواء السياسية والبيئة الحقوقية ، وبوضوح معالمه الكبرى لأجل الإقناع الداخلي والتعبئة الوطنية ، فبداية عرض المقترح كانت مؤطرة بالتقرير النهائي لهيئة الإنصاف والمصالحة وبالتوصيات الصادرة بمناسبته ، وكذا بتقرير الخمسينية حول التنمية وبملامح العهد الجديد ومشروع الحقيقة والمصالحة ، وبضمانات رئيس الدولة الشاب والطموح والذي اختار ، كمصدر للشرعية ، أن يقطع مع ماضي الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ، بعد الإعتراف بفظاعتها ، وكلها عوامل اعطت زخما للدينامية ، رغم التشويش الحاصل ، بسبب احداث 16 ماي وأحداث اكديم إزيك الشاذة عن السياق .

وكلنا يتذكر التفاعل الإيجابي مع حراك عشرين فبراير ، وهذا يدفعنا إلى التذكير بالظرفية التي طرح فيها المغرب مقترح الإستفتاء يوم 26 يونيه 1981 ، اي خمسة ايام فقط على انتفاضة عشرين يونيه من نفس السنة وما عقبها من اعتقالات ومحاكمات، حيث فرض المقترح خارج دينامية التشاور المعهودة ، وبالتالي كان موقع المغرب التفاوضي ضعيفا ، فحصل بعده ما حصل من توترات على مستوى الجبهة الوطنية الداخلية ، إلى آخر القصة المعروفة وغير المعترف بالمسؤوليات فيها .

واليوم نحن أمام لحظة مصيرية يحتاج فيها المغرب إلى اختبار وحدة الصفوف ، وذلك بالعمل على تحريكها من أجل دعم المبادرة في جميع ابعادها ، فلا حل سلمي لتوتر المغرب مع الجزائر إلا بتخطي عتبة مقترح الحكم الذاتي الذي لا زالت ملامحه التفصيلية لم تتضح بعد ، ولعل فرصة تنصيب المجلس الأعلى للأمن قد حانت شروطها الموضوعية قبل الذاتية ، وليكن الحدث أول الخطو نحو بناء المغرب الكبير ، وهو رهان اكبر ، ينتمي إلى الزمن الإجتماعي الطويل الأمد ، فلنشترك في القرار وتفعيله لكي نتقاسم جميعا المسؤولية قبل الثمن ؛ مع التذكير بأننا في مرحلة “” ما خاب من إستشار “” ، وبعدها ستنتقل الأمة بالتوافق إلى مرحلة “” قضي الأمر الذي فيه تستفتيان “” !.

. مصطفى المنوزي

أكمل القراءة

على مسؤوليتي

سعيد الكحل: العدل و الاحسان.. من شرعنة التخريب إلى تزوير المعطيات وتزييف الحقائق

نشرت

في

بواسطة

بعد فشل عدلاوة في الركوب على حركة z وتوجيهها لخدمة أهداف الجماعة، وفي مقدمتها توسيع دائرة الاحتجاجات لتعم كل المدن المغربية، ثم الدخول في مواجهات مع القوات العمومية بغرض تأجيج مشاعر الغضب والسخط حتى يسهل إطلاق شرارة “القومة”.

ها هم يعيدون المحاولة عبر بيانات، من جهة، تشرعن تخريب الممتلكات العامة والخاصة ونهب المحال التجارية وإحراق الأبناك والصيدليات والهجوم على مقر الدرك الملكي قصد الاستيلاء على الأسلحة والذخيرة، ومرة أخرى، تزوّر المعطيات وتزيّف الحقائق. وما فشل عدلاوة إلا دليل قوي على وعي الشباب المغربي بمخططات الخونة والعملاء والخوانجية وأعداء الوطن، التي تستهدف أسس الدولة والنظام المغربيين. وقد برر شباب كل المناطق والجهات المغربية انسحابه من حركة z وعدم تلبيته دعواتها للاحتجاج بـ:

1ـ “خروج الحركة عن مبدأ الاستقلالية والإدارة الذاتية وشروعها في البحث عن تحالفات غير عقلانية مع فصائل متناقضة من قبيل الحركات اليسارية وبعض الحركات الإسلامية المحظورة وهو ما يتعارض مع مبادئنا الأساسية المتمثلة في الاستقلالية”.

2 ـ “رفض القادة المؤسسين والمشرفين والمؤطرين الدائم والمتكرر الظهور العلني والكشف عن هوياتهم الحقيقية” .

3 ـ “الدعوة إلى مقاطعة مباريات المنتخب المغربي الذي نعتبره ممثلا للشعب بكل اطيافه”.

4 ـ “الدعوة المتكررة لمقاطعة كأس أفريقيا ببلادنا وهو ما نراه دعوة فاشلة لمقاطعة قطاع ناجح”.

5 ـ “تحوير مطالب الحراك من النضال على المطالب الاجتماعية: صحة، تعليم، شغل، إلى النضال ضد المؤسسات”.

شرعنة العنف والتخريب.

يشكل العنف عقيدة لدى عدلاوة وأسلوبا للانقلاب على الدولة والزحف على السلطة وفق ما حدده مرشدهم الشيخ ياسين كالتالي: (مقاومة الظلم حتى الموت ولو نشرا بالمناشير.. ثم مقاطعة الظالمين: لا نواكلهم ولا نشاربهم ولا نجالسهم. وهذه هي الصيغة المثلى للقومة. فلو قدرنا أن نتجنب استعمال السلاح ضد الأنظمة الفاسدة، ونقاطعها حتى تشل حركتها، ويسقط سلطانها، وترذل كلمتها) (ص 36 رجال القومة والإصلاح).

لهذا لم تُدِن الجماعة أعمال العنف والتخريب، بل اتهمت، عبر هيئتها الحقوقية ” الفضاء المغربي لحقوق الإنسان”، الدولة باعتقال المحتجين خارج المساطر القانونية؛ إذ جاء في بيانها: “بالرجوع إلى الوقائع المرتبطة بالنازلة “يتضح أن الأمر بخلاف ذلك” حيث إن حالات التلبس الواردة في المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية لا تنطبق في كثير من الأحيان على الوقائع موضوع المتابعات، ذلك أن توقيف مجموعة من المتابعين كان في كثير من الأحيان، بعيدا عن مكان وقوع الأحداث المتابعين من أجلها، بل إن توقيف بعض المتابعين تم في أماكن إقاماتهم”. فالجماعة تنفي عن المجرمين الأفعال المنسوبة إليهم والموثقة بواسطة كاميرات التسجيل المثبتة في المحلات المنهوبة أو مركز الدرك الملكي بالقريعة، أو الفيديوهات التي تم ضبطها بهواتف الجناة ومحادثاتهم فيما بينهم. ومن ثم فالمادة 56 تتيح، في الإجراءات الاستثنائية، لضابط الشرطة القضائية اتخاذ إجراءات استثنائية مثل القبض والتفتيش دون الحاجة لإذن قضائي مسبق في بعض الأحيان. ومادام فعل التخريب والنهب والإحراق لم يكن فرديا بل جماعيا، فإن القبض على الجناة، وهم بالعشرات، يتعذر حصوله في حينه، خصوصا وأن غالبية الجناة كانوا ملثمين. الأمر الذي يتطلب وقتا لتحديد هوياتهم عبر تفريغ كاميرات المراقبة.

تزوير المعطيات.

روجت أذرع الجماعة معطيات مزورة حول التهم التي صدرت بخصوصها الأحكام التي أدين بها عدد من المعتقلين على خلفية احتجاجات حركةz؛ بحيث أورد بيان شبيبة الجماعة أن “أحكاما قضائية صدرت في 233 حالة، منها أربع بالسجن 15 سنة، وواحدة بـ12 سنة، و31 بـ10 سنوات، وثلاث بـ6 سنوات، وحكمان بـ5 سنوات، إلى جانب مئات الأحكام الأخرى متفاوتة المدد. وتم اعتقال وتوقيف غالبية هؤلاء الشباب فقط لأنهم طالبوا بحقوقهم بسلمية وعلانية”. علما أن مشاهد النهب والتخريب وإحراق سيارات الشرطة والخواص ومعها الأبناء والصيدليات والمحال التجارية ومركز للدرك الملكي تثبت خطورة الجرائم المرتكبة التي كانت الغاية منها تدمير الدولة، ولا علاقة لها بالسلمية. فعدلاوة، بتزويرهم المعطيات، يسعون لتهييج الشباب وتحريضه ضد الدولة بعدما تأكد للجماعة انفراط عقد الحركة وتشتت جموعها. بل ذهبت شبيبة الجماعة إلى الكذب على الرأي العام لما نسبت إليه شهادة زور: “وشهِد الرأي العام كله أن أغلب هؤلاء الشباب لا يُحاكمون لأنهم خالفوا قانونا، بل لأنهم تجرأوا وحلموا بمغرب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية”. إن ما شهد الرأي العام كله هو أن الأفعال الإجرامية التي ارتكبها الجناة (إصابة 289 شرطياً بجروح متفاوتة، وتضرر 268 مركبة أمنية، منها 6 مركبات ودراجات نارية تعرضت للحرق العمدي بشكل كامل، بالإضافة إلى إحراق سيارات الخواص والمحلات التجارية والأبناك والصيدليات)، تستوجب أقصى العقوبات ولا علاقة لها بالسلمية ولا بالكرامة ولا بالعدالة الاجتماعية.

تزييف الحقائق.

لم تكتف الجماعة بتزوير المعطيات والوقائع، بل أصرت على تزييف الحقائق لما اعتبرت التحريض عبر مواقع التواصل الاجتماعي، على العنف والتخريب ومحاصرة القصر الملكي واقتحام السجون لإطلاق سراح الإرهابيين والمجرمين للاستعانة بهم في قتل وترويع المواطنين ونهب ممتلكاتهم؛ اعتبرته يدخل ضمن قانون الصحافة والنشر وليس القانون الجنائي. والجماعة، بتزييفها للحقائق، تريد دفع أسر العناصر المتورطة في ارتكاب الأفعال الإجرامية إلى تشكيل “جمعية” أو “تنسيقية” تستغلها الجماعة في المتاجرة بملفات أبنائها بهدف التشهير بالمغرب وبأجهزته الأمنية والقضائية متحالفة في ذلك مع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان خدمة لأجندات أعداء الوطن الذين ثبت تورطهم في التخطيط للاحتجاجات وتوجيهها ورسم أهدافها وآفاقها الانقلابية؛ وهو ما جعل الشباب المغربي ينسحب من الاحتجاجات ويرفض دعوات حركة جيل z212 والمتحكمين فيها.

لقد أثبت المغاربة، مرة أخرى، وخاصة فئة الشباب، أن المطالبة بإصلاح التعليم والصحة والشغل ومحاربة الفساد لا تمر عبر تدمير مؤسسات الدولة وزعزعة استقرار الوطن. فالاحتجاج السلمي، ليس فقط حقا يضمنه الدستور، بل هو سلوك حضاري يجسد وعي المجتمع بحقوقه، ووسيلة للضغط على الحكومة من أجل الوفاء بالتزاماتها الدستورية ووعودها الانتخابية.

أكمل القراءة
دولي منذ 10 ساعات

ترامب يهدد نيجيريا بعمل عسكري بسبب “قتل المسيحيين”

سياسة منذ 13 ساعة

نقابة مهنيي الفنون الدرامية ترحب بالقرار الأممي و تثمن الخطاب الملكي السامي

واجهة منذ 13 ساعة

طقس الأحد.. أمطار خفيفة وطقس غائم

رياضة منذ 23 ساعة

المنتخب الوطني لاقل من 17 يستعد للقاء اليابان

رياضة منذ 23 ساعة

عصبة الأبطال .. نهضة بركان يتأهل لدور المجموعات بفوزه على أهلي طرابلس (2-1)

رياضة منذ يوم واحد

نبيل باها يوجه الدعوة لبلال سقراط وأحمد موهوب للالتحاق بالمنتخب الوطني

سياسة منذ يوم واحد

الخط الفاصل مع الصحراء المغربية يختفي من خرائط غوغل

اقتصاد منذ يوم واحد

ارتفاع تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج إلى 92,73 مليار درهم

اقتصاد منذ يوم واحد

ارتفاع الدرهم بنسبة 0,3 بالمائة مقابل الدولار

سياسة منذ يوم واحد

كل ما ترغبون في معرفته بخصوص خطة المغرب للحكم الذاتي في الصحراء

منوعات منذ يوم واحد

مونديال 2034: صورة زائفة لملعب فوق ناطحة سحاب في السعودية تخدع العالم

دولي منذ يوم واحد

اسبانيا تفكك شبكة دولية لتهريب “غاز الضحك”

تكنولوجيا منذ يومين

” إنوي” تكشف عن شعارها الجديد “سير بعيد” عبر عرض بصري على برجي “التوين سانتر”

واجهة منذ يومين

طقس السبت.. قطرات مطرية فوق عدد من المناطق

سياسة منذ يومين

ساكنة مدينة العيون تحتفي بالقرار الجديد لمجلس الأمن في جو من الفخر والاعتزاز

سياسة منذ يومين

🔴 مباشر | الخطاب الملكي السامي

رياضة منذ يومين

الركراكي يعلن عن لائحة اللاعبين يوم 7 نونبر المقبل بسلا

مجتمع منذ يومين

توقيف شخصين بشبهة الارتباط بواقعة تخريب سيارات من قِبَل مشجعي الوداد

اقتصاد منذ يومين

عجز السيولة البنكية يتفاقم بـ 5,19 في المئة

رياضة منذ يومين

برشلونة يعود إلى كامب نو في 7 نوفمبر المقبل

إعلان

الاكثر مشاهدة