على مسؤوليتي
دولة ولي العهد و”حزب” العدل والإحسان 1/2

نشرت
منذ 7 أشهرفي
بواسطة
مراد بورجى
1/2- المجلس التأسيسي والملكية البرلمانية وإمارة المؤمنين والبيعة
* مراد بورجى
أثار مقالي عن “دولة ولي العهد وشباب جماعة العدل والإحسان ورهانات البناء والتحرير” الكثير من الجدل من العدليين ومن خارجهم.
جوهر المقال يطرح أفقا ممكنا لعلاقة مفترضة بين جماعة العدل والإحسان وبين النظام السياسي المغربي، من زاوية الانخراط الإيجابي في المشهد السياسي المغربي، أي المشاركة في مسارات بناء مغرب الغد، وهو ما أدخلته ضمن سلسلة من مقالاتي عن “دولة ولي العهد”، وارتأيت تخصيص حلقة ثانية وبعدها ستكون هناك حلقة ثالثة لمواصلة النقاش حول العدل والإحسان والنظام السياسي، من خلال قضايا الملكية والديمقراطية وإمارة المؤمنين والبيعة، على ضوء الخرجات الإعلامية لمصطفى الرميد، الوزير السابق والقيادي المستقيل من حزب العدالة والتنمية، الذي كانت له، مؤخرا، كلمة مثيرة انتشرت كالنار في هشيم الساحتين السياسية والإعلامية، عندما قال، بثبات ووثوقية، إن “المخزن العميق نعمة”!!.
لم أكن مبالغا عندما اعتبرت، في حينه، أن هذه الكلمة هي “رسالة” بعثها الرميد إلى من “يهمهم الأمر”، وهم “جماعة العدل والإحسان”، باعتباره مؤهّلا لـ”يتكلّف” بهذه المهمة، إذ هو وسيط مقبول ومناسب لأي حوار مفترض مرتقب، فهو يحوز “ثقة الدولة”، و”ثقة الجماعة”… وجدير بالذّكْر، هنا، من جهة، التذكير بالعلاقة الوثيقة بين الرميد والجماعة، التي سأعود إليها في فقرات لاحقة، ومن جهة ثانية، الإشارة إلى أن المُخاطب الموثوق لدى “المخزن” في مبادرة العفو الملكي على الصحافيين والمدوّنين والنشطاء المدنيين والعدليين كان هو الرميد، وزير العدل الأسبق وليس وزير العدل الحالي الذي أبعده المخزن عن ذلك.
عندما أكدت، في مقالي السابق، أن “رؤية” جماعة العدل والإحسان للوضع السياسي الراهن تُميّز بين العمل الدعوي والعمل السياسي، فقد كان القصد، أن “نظرة” الجماعة، من هذه الزاوية، لم تعد تحمل أي حدّ أو “فيتو” إزاء شكل النظام السياسي، رغم استمرار بعض “الزوايا الرمادية”، التي “تكلّف” الرميد بتشريحها ووضعها في سياقاتها لتذويب حواجزها، من خلال خرجاته الإعلامية، التي باتت تتعدّد وتتوالى في الفترة الأخيرة، منها مثلا أنه في بداية شهر يونيو الفارط، كانت له خرجة في فاس، خلال مشاركته في ندوة نظمتها هيئة المحامين بفاس والجمعية المغربية لحماية المال العام، حول “ربط المسؤولية بالمحاسبة وتجريم الإثراء غير المشروع”، وفي نهاية الشهر نفسه، كانت له خرجة أخرى قوية، من خلال الحوار المطوّل الذي أجراه معه موقع “صوت المغرب”، ضمن برنامج “ضفاف الفنجان”، وفي الخرجتين، كما هي عادته، أثار الرميد وراءه الكثير من الجدل.
لشخصية الرميد مواصفات كاريزمية، في عرض مواقفه، والدفاع عن طروحاته، وحشد المناصرين. بيد أن هذه الكاريزمية تحد من انطلاقتها “الحماسة الزائدة” في ممارسته للسياسة، “حماسة” يصفها هو بـ”الالتزام” و”المبدئية”، بينما ينعتها خصومه ومنافسوه بـ”المشاكسة” و”المشاغبة” و”الاندفاعية”، التي كانت تخلق له متاعب شتى مع شركاء حزبه السياسيين، من أحزاب وحكومة، بل كان يخوض، أحيانا، صراعات قوية حتى مع زملائه في قيادة العدالة والتنمية، وطالما فاجأهم بخرجات إعلامية قوية، يطلق فيها تصريحات “نارية”، وأحيانا كان يضطر إلى الدخول في عملية “اعتزال سياسي” معلنة، يقاطع خلالها اجتماعات الأمانة العامة للحزب، قبل أن يرسو به المآل اليوم على وضع مسافة “نهائية” بينه وبين العمل السياسي العملي والميداني، متحررا من الالتزام الحزبي، وزاده ذلك تحررا في التعبير عن أفكاره السياسية، التي لا يلتزم فيها دائما بلغة التحليل “الباردة”، بل قد تتخلّلها عواطف جيّاشة، كما فعل في الحوار مع “صوت المغرب”، حين أدلى باعتراف حابل بكتلة مشاعر إنسانية فيّاضة عندما قال: “أحب جلالة الملك”.
في خرجاته الإعلامية، قدّم الرميد بعض الإضاءات عن تأسيس الحركة الإسلامية في المغرب، من الشبيبة الإسلامية إلى رابطة المستقبل الإسلامي وحركة الإصلاح والتجديد ثم حركة التوحيد والإصلاح فحزب العدالة والتنمية، كما قدّم بعض التحليلات والمواقف تتعلّق بجماعة العدل والإحسان، وببعض القضايا الخلافية، وفي صدارتها طبيعة النظام السياسي، وضمنه الحديث عن مطلب الملكية البرلمانية.
الرميد، الذي ناقش معي غير ما مرّة بعض مقالاتي السياسيّة حول النظام السياسي المغربي، حرص على أن يستعرض رؤيته لأفق الملكية البرلمانية، بطرحٍ تقاطعَ، بشكل كبير، مع عدد من الأفكار، التي عبّرتُ عنها حول الموضوع، خصوصا ما يتعلّق بجدارة الأحزاب المغربية، التي يفترض أن تنكبّ على مراجعة الذات والتوجّهات وآليات ووسائل وسبل الاشتغال، من أجل أن تلبّي انتظارات عموم الشعب المغربي، وأن تفهم أن المغرب في حاجة إلى أحزاب قوية تكون في مستوى متطلبات اللحظة المجتمعية، وقادرة على تدبير المرحلة وتحصين الممارسة السياسية، ومؤهّلة للارتقاء إلى مرحلة أعلى من الممارسة الديمقراطية، لتكون حاضنة لأفق الملكية البرلمانية.
في هذا السياق، أعتقد أنه من المفيد أن نفرد، هنا، وقفة عند هذا الموضوع (الملكية البرلمانية)، وبالتبعية قضايا (وضع الدستور) و(المجلس التأسيسي) و(البيعة) و(إمارة المؤمنين)، كما وردت في خرجات الرميد الإعلامية، لما لها من أهمية في تحوّلات السياسة المغربية، وانسجاما مع جوهر مقالاتي حول “إلى أين يسير القصر بالمغرب؟”، ذلك أن حديث الرميد عن هذه القضايا وفي ارتباط بجماعة العدل والإحسان، في نظري، له أكثر من دلالة ومن إشارة ومن رسالة، ولا أعتقد أنه يحتمل قراءة بسيطة أو عرَضية كحديث عابر… ولذلك وجب الوقوف عند هذه القضايا.
الرميد وعبد السلام ياسين والمجلس التأسيسي للدستور:
لنعد إلى البدايات، فخلال التجاذبات والتقاطبات الأولى، التي رافقت تشكّل الحركة الإسلامية، سيتحدث الرميد، في حوار “ضفاف الفنجان”، عن علاقة قريبة ومتميزة مع الشيخ الراحل عبد السلام ياسين، إلى درجة أن “المرشد الراحل”، خلال سنة 1982، استقدم الرميد من الدارالبيضاء للاجتماع معه في مراكش، ليعرض عليه الانضمام إلى مجموعته لتأسيس حركة إسلامية، أسماها “أسرة الجماعة”، هي التي ستتحوّل، في مرحلة تالية، إلى “جماعة العدل والإحسان”.
الرميد مضى مباشرة إلى خلافه الجوهري مع توجّهات جماعة العدل والإحسان، فهو لم يتحدث لا عن المرجعيات ولا العمل الدعوي ولا الحركي، إذ أن حجر زاوية الخلاف، بالنسبة للرميد، هو شكل النظام السياسي، أي الملكية وإمارة المؤمنين، ويعتقد الرميد أن العدليين لا يرون، نصب أعينهم، إلا “الخلافة”، لكن مع التشديد من طرف الرميد على أنهم ما داموا لم يخرجوا عن الإجماع الوطني “علانية”، ولا يُؤْذون بلادهم، وهم ضد العنف، فليس هناك أي إشكال في وجود هذا التفكير المخالف، والذي يؤكد الرميد أنه هو نفسه يخالفه جوهريا، مقدما نموذجا لذلك بـ”العتبة”، التي وضعتها الجماعة، والمتمثّلة في مطلب “المجلس التأسيسي”، لوضع دستور جديد للبلاد… يقول الرميد إنها مسألة غير واقعية تجعل “وثيقتهم” مجرّد “منبر للتواصل” لا أكثر، فمطلب المجلس التأسيسي، بحسب الرميد، لا يمكن أن يفتح بابا مع المؤسسات، مشدّدا على أن المجالس التأسيسية لا يمكن إلا أن تكون في سياقات صعبة مثل الثورات أو حروب أهلية أو انفلاتات كبرى.
الرميد سيذهب أبعد من ذلك، ويفترض جدلا أنه في حالة اعتماد خيار المجلس التأسيسي، باعتبار أنه أرقى شكل ديمقراطي، فإن الديمقراطية تفرض تشكّله بالانتخاب، وليس بالتوافق أو التعيين، ليشير إلى أن من سيفوز في هذه الانتخابات، بناء على معطيات الواقع الراهن، هم الأعيان وأصحاب الأموال، وعموما “دهاقنة” الانتخابات، داعيا بذلك إلى اعتماد الواقعية والمساهمة في البناء والإصلاح والتغيير من داخل المؤسسات الدستورية، باعتبار ذلك، كما يرى الرميد، الخيار الأسلم في هذه المرحلة السياسية الدقيقة.
ولعلّ ذلك ما دعا الرميد إلى أن يُصدر ما يشبه “حكم القيمة” على الوثيقة السياسية لجماعة العدل والإحسان، وعلى إمكانية أن تفتح أفقا لانخراط الجماعة في العمل السياسي، حينما اعتبر أنها “غير كافية”! والحال أن المسألة، بالنسبة للجماعة، لا تتعلّق بتقدير لحجم التنازلات وهل ستكون كافية أو غير كافية، بقدر ما تمثّل الوثيقة مرحلة أو محطة من التطوّر الجمعي لتفكير الجماعة في مغرب الغد، ومحاولة استكشاف واستفتاح لأبواب تتيح مشاركة جميع المغاربة في تقرير حال مغرب اليوم ومآل مغرب الغد، كما سبق التنويه بذلك في مقالي عن دولة ولي العهد وشباب جماعة العدل والإحسان، وفي ما طرحته الوثيقة السياسية من مواقف تكاد تتطابق مع التوجّهات والتوجيهات الملكية، من قبيل الانتقادات اللاذعة، التي يوجّهها الجالس على العرش إلى الأحزاب المغربية.
الملكية البرلمانية وتطور النظام السياسي المغربي:
الانتقادات الموجهة إلى الأحزاب، في نظري، هي التي دفعت الرميد إلى القول، في حواره مع “صوت المغرب”، إن النظام السياسي المغربي القائم هو ما يستحقّه المغاربة اليوم، قبل أن يمضي مباشرة إلى عوائق قضية “الملكية البرلمانية”، على أساس أن “المعضلة” تتمثّل في ما يمكن أن أسميه “البنية التحتية الأساسية” للملكية البرلمانية، وهي الأحزاب السياسية، التي قال الرميد، كما قلنا ذلك مرارا، إنها غير مؤهّلة، وتساءل بإنكار: هل نؤسس الملكية البرلمانية على فراغ؟ هذا الأفق، أي الملكية البرلمانية، في حاجة إلى أحزاب حقيقية ونقابات حقيقية وصحافة حقيقية ومجتمع مدني حقيقي، يقول الرميد قبل أن يتابع مستدركا: “مازلنا نتلمّس طريقنا في بناء المؤسسات، التي يجب أن يتأسس عليها أي تطور نوعي للنظام السياسي”، وضمن هذه المؤسسات، طبعا، الأحزاب المغربية.
هذا الوضع “المخنوق”، الذي توجد عليه الأحزاب، يطرح، كذلك، مسؤولية “السلطة” على هذا المآل، فالأحزاب المغربية تخضع للسلطة، وتحديدا لوزارة الداخلية… والنموذج الأبرز، هنا، هو التأريخ الذي قدّمه الرميد، كما حكاه في خرجاته الإعلامية، لظهور وتشكّل الخلايا الأولى لإسلاميي المغرب، والذي يستعرض فيه ظروف الاتصالات، التي كان قادة الحركة الإسلامية يجرونها مع وزارة الداخلية، ومنها حديث الرميد عن “أول تواصل” له مع إدريس البصري، خلال النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي، وكيف راسل وزير الداخلية القوي، آنذاك، مستأذنا إجراء “لقاء” مع مسؤول من السفارة الفرنسية، أعقبها إنجاز “تقرير” حول اللقاء رفعه الرميد للبصري، قبل أن يستدعيه هذا الأخير لـ”يناقش” معه آفاق حركتهم الإسلامية، كما تطرّق الرميد إلى عملية “التوحيد” بين “رابطة العمل الإسلامي”، التي كان الرميد والريسوني من أبرز قادتها، وبين “حركة الإصلاح والتجديد”، التي كان يتزعّمها عبد الإله بنكيران، في إطار حركي جديد باسم حركة التوحيد والإصلاح… وفي هذا التأريخ، ستغيب العديد من التفاصيل والمعطيات، حول خلفية ظهور الوليد الجديد، حزب العدالة والتنمية، الذي تأسس من قِبَل “إسلاميي المخزن” بتوجيه ومباركة من طرف السلطة.
رسائل الرميد إلى إخوان محمد عبّادي:
الحكاية، التي رواها الرميد عن البصري وطرحه لموضوع “الإسلاميين” مع الملك الراحل الحسن الثاني، مهمة جدا ليس فقط من الزاوية التأريخية، ولكن أساسا لرسالتها السياسية. فقد سأل الحسن الثاني وزيره القوي: “كم سيحصلون من مقاعد إذا دخلوا الانتخابات؟”، أجاب البصري: “بين ثمانية وعشرة مقاعد”، فأذن له الحسن الثاني… كان الرميد يشير إلى مشاركة سياسية “مراقَبَة”، دون استعمال صريح للكلمة، ليبيّن، وفي هذا البيان “رسالة تحت الماء” يوجّهها لجماعة العدل والإحسان، أن الحزب الذي بدأ محتشما، ثم دخل البرلمان هامشيا، سرعان ما سيتبوّأ المشهد السياسي، ويتولّى رئاسة الحكومة، خلال ولايتين متتاليتين، من خلال تفاعله الإيجابي مع تحوّلات وتطوّرات المرحلة السياسية.
نفس “الرسالة” سنجدها في حديث الرميد عن “الملكية البرلمانية”، وكيف كان من أشد مؤيديها في بداية التسعينيات، ليقول إنه بعدما خبر الكثير من المعطيات والتطوّرات، أصبح له موقف مغاير، واقعي وعقلاني، يأخذ بالاعتبار المصلحة العليا للمغرب والمغاربة… وتحوّل ما كان يصفه، هو وبنكيران وإخوانه الإسلاميون، بـ”الدولة العميقة”، أو “العفاريت والتماسيح”، إلى “نعمة”، جاد بها الله على البلاد، وفي هذا إعادة قراءة لتاريخ تأسيس “البيجيدي”، الذي لم يكن مفروشا بالورود، إذ اكتنفته العديد من محطّات التوتّر مع السلطة، أو حتى مع القصر، كما جرى تصريفها، مثلا، في محطتي إقالة (استقالة) الرميد من رئاسة الفريق البرلماني، وكذا إقالة (استقالة) أحمد الريسوني من رئاسة حركة التوحيد والإصلاح، الجناح الدعوي لـ”البيجيدي”، عندما “أفتى” بعدم “شرعية” الملك محمد السادس لخلافة الملك الراحل الحسن الثاني في “إمارة المؤمنين”، ما دعا الأمانة العامة للحزب، بضغط من القصر، إلى التحرّك على عجل وإرغام الريسوني على الاستقالة من رئاسة الحركة، وفق ما ذكرتُ في مقال سابق، كنت تعرضتُ فيه لهذه الواقعة، التي كنت شاهدا على بعض فصولها ومحطاتها.
سماح نظام الحسن الثاني بدخول هؤلاء الإسلاميين إلى السياسة، كان مقابل “الخضوع” لأجندة القصر، ليكونوا عونا له في مواجهة القوى اليسارية، التي كانت فئة منها تسعى إلى الإطاحة بالنظام الملكي… وأن هذه الأجندة هي التي كانت وراء غضبة القصر على الرميد نفسه.
الملكية البرلمانية وغضبة القصر على الرميد ومناصرة العدل والإحسان:
حاول الرميد، في خرجاته الإعلامية، تفادي الوقوف عند غضبة القصر عليه، إذ اكتفى بالقول: “الدولة كانت لديها قراءة معينة لأداء الرميد، وكانت ترى أنه ليس ذلك المسؤول، الذي يصلح لأن يكون في الواجهة بالنسبة لحزب إسلامي”.
لكن ما لم يقله الرميد، هنا، أن غضبَ القصر عليه ودفعَه إلى الاستقالة من رئاسة الفريق البرلماني للبيجيدي سنة 2003، كانت بسبب تصريحاته المؤيدة، أحيانا، لموكّليه المتهمين في الاعتداءات الإرهابية ليوم 16 ماي، في ما عُرف بتيار السلفية الجهادية، إلى حد أنه اتهم الدولة بالوقوف وراء التفجيرات الإرهابية، إضافة إلى تصريحاته ومطالباته المتعددة بـ”الملكية البرلمانية”.
في هذه المحطة الدقيقة، التي تداعى فيها البيجيدي إلى التبرير والدفاع لامتصاص “غضب المخزن”، سيجد الرميد مناصرة قوية من جماعة العدل والإحسان، وسينبري الموقع الرسمي للجماعة للدفاع عنه، معتبرا أن “جريمة مصطفى الرميد، المغضوب عليه لدى السلطات العليا، هي تجرُّؤه عندما قال في إمارة المؤمنين برأي يخالف المسلمات المخزنية”. ويورد الموقع ما قاله الرميد حرفيا، مقتطعا من ورقة منشورة بعنوان “تدقيق المقالة في ما ينبغي أن يكون بين الإسلام والملكية والديمقراطية من علاقة”، قال فيها الرميد بالحرف إن “صفة إمارة المؤمنين لا تمنح صاحبها سلطات مطلقة، ولا تجعل منه معصوما غير قابل للمساءلة في منظور الإسلام إذا تحمّل مسؤولية من مسؤوليات التشريع أو التنفيذ أو غيرها… ولذلك، فإن إمارة المؤمنين والبيعة، تبعا لها، لا ينبغي أن تفهم على أنها تتيح سلطات تتجاوز أحكام الدستور والقانون”، ليتساءل الموقع: “أين هو العيب في كلام الأستاذ الرميد، الذي يُعدّ في طليعة الإسلاميين المدافعين عن إمارة المؤمنين؟”.
والمثير، هنا، أن تحفّظ القصر لم يطوه النسيان ولا “بركات” 20 فبراير على العدالة والتنمية، فقد أُثير التحفّظ من جديد حول الرميد عندما اقترحه بنكيران لتولّي حقيبة العدل في حكومة البيجيدي الأولى، إذ ظل اقتراحه للاستوزار معلّقا ولم يقع إلغاء التحفظ إلا بعد أزيد من أسبوع عندما اتصل فؤاد عالي الهمة بعبد الإله بنكيران ليخبره أن الملك حقّق في القضية، وتأكد له أن الموضوع المُثار حول الرميد غير صحيح.
كانت هذه القضية طبيعية لأن كلاما كثيرا كان يُثار حول الرميد، وكانت تصريحاته تثير الكثير من الجدل، ومن ذلك، مثلا، أنه كان “الإسلامي”، دون باقي إخوانه وقومه، الذي يرفع باستمرار المطلب، الذي كان يرفعه اليسار الماركسي، حول “الملكية البرلمانية”، منذ المشاركة في المشهد السياسي المغربي نهاية تسعينيات القرن الماضي، وبالخصوص في ظرفية “ربيع” 2011 وتظاهرات حركة 20 فبراير، وفي نفس الوقت كان الرميد من أكثر المتحمّسين لخطاب الملك محمد السادس ليوم 9 مارس، الذي رأى فيه “قاعدة لتأسيس ملكية برلمانية”، وأنه أسّسَ لـ”عهد ملكي جديد”.
اللافت أن الرميد كان غير بعيد عن المناخ العام، الذي سوّقه الملك، الذي يخطط لأن “يسود ولا يحكم”، عبر مستشاريْه عبد اللطيف المنوني وعمر عزيمان، ففي الوقت نفسه (الأسبوع الأخير من يوليوز 2019)، وعشية الاحتفال بالذكرى العشرين لعيد العرش (30 يوليوز)، سيقول المستشاران الملكيان: “نحن على طريق ملكية برلمانية”، وسيقول الرميد، وهو آنذاك وزير دولة مكلف بحقوق الإنسان: “لسنا دولة مستبدة والمغرب يسير نحو الملكية البرلمانية”.
وإذن، فإن ما لم يقله الرميد، وكان من شأنه أن يكشف كل أسباب “غضبة” القصر عليه، هو ما دار في اجتماع بالرباط، في يوليوز 2003، وفي ظل مضاعفات التفجيرات الإرهابية في الدارالبيضاء (16 ماي)، بمنزل وزير الداخلية حينئذاك مصطفى الساهل، وكان مرفوقا بالوزير المنتدب لدى وزير الداخلية آنذاك فؤاد عالي الهمة، الذي قرّع كلا من الريسوني والرميد، اللذين استُدعيا للاجتماع، على مواقفهما وتصريحاتهما: الريسوني بتشكيكه في شرعية الملك محمد السادس في إمارة المؤمنين، والرميد بـ”دزينة” مواقف، أولاها بعض تصريحاته المتماهية مع دفاعه عن معتقلي السلفية الجهادية، وثانيها بعض تصريحاته “المزعجة”، آنذاك، عن “الملكية البرلمانية”، تفيد نوعا من “التشكيك في المؤسسات”، وثالثها، وأساسا، تأييده للريسوني في اجتماع لقيادة حزب العدالة والتنمية خُصّص للتعامل مع مضاعفات تصريحات رئيس حركة التوحيد والإصلاح، الذي سيتولّى، بعد ذلك، رئاسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ويغادر المغرب ويستقر في قطر، وتختفي معه تصريحاته المشكّكة في شرعية إمارة المؤمنين، التي ارتبطت بكل ملوك المغرب عن طريق “البيعة”.
البيعة وأمير المؤمنين وأمير المسلمين:
ارتبطت “البيعة”، باستمرار، بنظام الحكم الملكي “العربي” في المغرب، الذي ابتدأ مع دولة الأدارسة (788-974م)، وبُنيت الأصول الدينية والشرعية للبيعة على المذهب المالكي، الذي استقدمه معه مؤسس الدولة إدريس الأول، الذي يعود نسبه إلى الأسرة العلوية (إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب)، وشكّلت البيعة عقدا دينيا وسياسيا بين “الرعية” وبين “الحاكم”، وهو النهج، الذي مضت عليه مجمل “الدول” أو “الأسر”، التي تداولت على حكم المغرب (باستثناء الدولة المرابطية، لافتقادها إلى الانتساب إلى “آل البيت النبوي الشريف”، إذ رفض مؤسسها يوسف بن تاشفين حمل لقب “أمير المؤمنين” بداعي أنه أمازيغي صحراوي، وأن هذا اللقب لا يحمله إلا من هو متحدّر من السلالة النبوية، ليختار لنفسه لقب “أمير المسلمين”)، وصولا إلى الدولة العلوية الحالية.
حتى أن التهامي الكلاوي، عندما أراد الخروج عن السلطان (الملك) محمد بن يوسف، وكان ذلك يوم 23 دجنبر 1950، وكان السلطان، كما جرت العادة، يستقبل الوفود في فاس من كل أنحاء وجهات المغرب، بمناسبة الاحتفال بذكرى المولد النبوي، حيث تقدّم له الوفود البيعة، وكان على رأسهم الباشا التهامي باعتباره الرجل الثاني في البلاد بعد السلطان، وكان أيضا صهر الصدر الأعظم محمد المقري، ومستقويا بتأييد مسؤولي سلطات “الحماية”، وعندما لاحظ أن السلطان يقرّب إليه وفد حزب الاستقلال وهو ألدّ أعدائه، لم يتمالك نفسه أن “نهر” السلطان، وقال له: “لستم إلا ظل سلطان، لم تعودوا سلطان المغرب، أنتم سلطان حزب الاستقلال”، فكانت غضبة قوية من السلطان محمد الخامس، حيث طرده على الفور من القصر.
فعاد الكلاوي أدراجه، وصرف وفود قبائله حتى لا تقدّم تجديد البيعة، ثم وصلت الأمور إلى حد تجييش 270 توقيعا لباشوات وقواد على عريضة 19 ماي 1953، يتحلّلون فيها من البيعة، ويعلنون “إخلاصهم” للحماية الفرنسية، ومطالبتهم بـ”إبعاد” السلطان محمد الخامس.
كانت “البيعة” عمليا هي دستور البلاد، مع فارق أنها تعتبر “فوق دستورية”، ولذلك، لم يضمّنها واضعو مشروع دستور 1908 ضمن مقتضياته المؤطّرة لنظام الحكم في المغرب، وكان سيكون الحال كذلك أيضا في أول دستور سيعرفه المغرب سنة 1962، إذ أن مسودة الدستور، في البداية، التي وضعها خبراء فرنسيون، باستناد إلى تجربة وضع دستور الجمهورية الخامسة في فرنسا سنة 1958، جاءت خالية من أي إشارة للبيعة ولإمارة المؤمنين، إلى أن تدخّل الدكتور عبد الكريم الخطيب لينبه الملك الحسن الثاني إلى ضرورة النص على البيعة وإمارة المؤمنين في دستور المملكة، حسب الروايات الشائعة.
على مسؤوليتي
ذ.المنوزي: الدولة الرخوة و سيناريوهات ما بعد الوساطة

نشرت
منذ 28 دقيقةفي
يوليو 27, 2025بواسطة
مصطفى المنوزي
قبل خمس سنوات، طرحتُ على صديق أكاديمي مخضرم في علم السياسة سؤالًا بدا حينها منطقيًا في سياق ما بعد دستور 2011 وما رافقه من ديناميات سياسية مشوبة بالحذر:
هل يمكن أن تستغني دولة العهد الجديد، أو ما أسميه اختزالًا بـ”الدولة المحمدية”، عن المجتمع المدني، خاصة بعد أن استنفدت العملية السياسية، في مناسباتها الرمزية الكبرى، كل ما في جعبتها من أدوات التعبئة والاستيعاب والتدجين؟.
كان جوابه صريحًا: “لا يُعقل، ولا يمكن، الاستغناء عن المجتمع المدني، وخصوصًا الفعاليات الحقوقية، لأنهم يشكّلون أحد آخر الجسور الرمزية بين الدولة والمجتمع، وأحد آخر خطوط الدفاع ضد التصدع الاجتماعي والمؤسساتي”.
لكن بعد مضي هذه السنوات الخمس، وما حملته من مؤشرات انكماش سياسي، وتقلص مجالات التعبير، واستفحال نزعة التحكم التقني في تدبير الشأن العام، بتنا لا نُعاين فقط استغناء الدولة عن المجتمع المدني، بل ما هو أعمق: استغناء الكل عن الكل.
فالدولة أغلقت أبواب الشراكة الفعلية ووسّعت نوافذ الاستشارة الشكلية. والمجتمع المدني، الذي كان يُعوّل عليه كرافعة للوساطة والاقتراح، صار إما مُراقبًا على الهامش، أو مروضًا داخل شبكات التمويل، أو منفيًا في صحراء اللامعنى. أما النخب الحقوقية، فقد أُنهكت بالاحتواء أو أُغرقت في التفاصيل، أو هجرت مساحات التأثير الفعلي نحو فضاءات رمزية، أكثر أمانًا وأقل جدوى.
في هذا السياق، لم نعد نعيش فقط أزمة فعل، بل نعيش انهيارًا صامتًا في معمار الشرعية الرمزية للدولة؛ فلا العملية السياسية تفرز تصورات قابلة للتفاوض المجتمعي، ولا المؤسسات الدستورية قادرة على التوسط بين الإرادة العامة والسلطة الفعلية.
وهكذا، بدأنا ننجرف تدريجيًا إلى ما يمكن تسميته بـ**”فوبيا ما بعد الدولة”**:
حيث تفقد الدولة صفتها كفاعل جامع وموحد ومؤطر،
وحيث تصبح السلطة مجرد تدبير فوقي للوقائع، بلا سردية جامعة ولا أفق مشترك،
وحيث تسود حالة من الفراغ الدستوري القاتل: فراغ في التمثيل، وفراغ في المبادرة، وفراغ في المشروعية المتجددة.
وفي المقابل، يزحف علينا من الجهة الأخرى شبح “فوبيا ما قبل الفوضى”:
حيث تتآكل الوساطات التقليدية (الأحزاب، النقابات، الجمعيات…)،
ويتوسع منسوب السخرية واللامبالاة،
وتتضاعف فجوات الثقة،
وتتحول الشعارات الكبرى إلى مجرد خلفيات باهتة على جدران مدينة تتآكل من داخلها.
كل هذا يحدث في ظل ملامح دولة رخوة:
رخوة لأنها تتردد بين الانغلاق والمراوغة،
رخوة لأنها تُفضل التحكم في المعلومة بدل مشاركتها،
رخوة لأنها تُعوّض التفاوض العمومي بالتوجيه العمودي،
رخوة لأنها تُدبّر الاستقرار بمنطق الخوف، لا بمنطق الثقة.
لكن الخطر لا يكمن فقط في هذا الفراغ، بل في تطبيعه، في جعل الانفصال بين الدولة والمجتمع أمرًا عاديًا، في ترسيخ فكرة أن التواصل الدستوري ترف، وأن الفعل المدني عبء، وأن التعددية لا لزوم لها.
هنا تُطرح الأسئلة الحرجة:
ما الحاجة إلى دستور لا ينبض بالحياة المؤسسية؟
ما جدوى مجتمع مدني منزوع المخالب ومقطوع الأفق؟
ما معنى السياسة إذا لم تكن مجالًا للفعل التشاركي والمساءلة المتبادلة؟
إن الإجابة لا تتعلق فقط بالإصلاح أو التقننة أو إعادة ترتيب الأولويات، بل بإعادة بناء السردية، بإحياء المعنى الغائب، وباسترجاع فكرة الدولة كفضاء للعيش المشترك لا كأداة لضبط الإيقاع.
نحن بحاجة إلى إعادة تأسيس الثقة العمومية عبر حوكمة المعنى، لا فقط تدبير الموارد، وإلى إحياء السياسة باعتبارها التقاءً بين الإرادة والذاكرة، بين الطموح والاعتراف، بين السلطة والمجتمع.
وإلا فإننا بالفعل سنكون أمام ما بعد الدولة، لا بوصفه تحوّلًا نظريًا، بل كواقع متسلل، يهدد البنيان من الداخل، ويمهد لنمط من التفكك الناعم الذي لا تُعلَن نهايته، بل يُعاش بصمت.
* مصطفى المنوزي
منسق دينامية ضمير الذاكرة وحوكمة السرديات الأمنية
على مسؤوليتي
لسنا في حاجة لأن نُثبت أننا أحياء، نبضًا ومواقف

نشرت
منذ يومينفي
يوليو 25, 2025بواسطة
مصطفى المنوزي
الحياة ليست فقط ضربات قلب تُقاس، بل هي قدرة على الصمود وسط الزيف، وإرادة لمقاومة التآكل الداخلي أمام آلة الهدم الرمزية. نحن لا نُعرِّف ذواتنا بما يُمنَح لنا من اعتراف، ولا نقيس حضورنا بما يُسلّط علينا من أضواء زائفة. نحن نوجَد حين نرفض أن نُختزَل، ونحيا حين نُقاوم الانهيار، لا حين نُعلن عن أنفسنا بخطاب استجداء أو سجال إثبات. ففي زمن تُصادَر فيه المعاني، وتُختطف فيه السرديات، يصبح التمسك بالموقف شكلاً من أشكال الوجود.
ليس كل من يتكلم حيًّا، وليس كل من يصمت ميتًا. ففي أزمنة الهيمنة الناعمة، تُفرَض الرموز وتُصادَر الدلالات، ويُعاد تشكيل الوعي ليصير قابلاً للاستهلاك، لا للاعتراض. وهنا، تصبح المعركة في عمقها رمزية: بين من يُجبر على إعادة تدوير المعاني المفروضة، ومن يختار أن يبتكر لغته، وأن يروي ذاكرته، وأن يخطّ تاريخه بمداد التجربة لا بمداد السلطة.
نحن لسنا مجرّد ردود أفعال على منظومة تريدنا طيعين.
نحن حفَدةُ الانفلات من التصنيفات، وورثة الرفض الهادئ والمُعنّى. وفي كل مرة نحافظ فيها على موقف، أو نحمي فيها معنى من السقوط، نُعيد ترميم هويتنا، ونصدّ شبح الانهيار.
سؤالك مركّب وعميق:
“أمامنا جبهات العداء الجبرية وجُبَات الخصومات القدرية؛ فما هو الحل وما العمل؟”.
إنه استدعاءٌ فلسفي ـ سياسي لسؤال الإرادة في زمن يبدو فيه كل شيء مفروضًا: الخصومات مفروضة كأنها قدر، والعداوات قائمة كأنها قَدَرٌ لا يُردّ.
أمامنا جبهات العداء الجبرية، التي فُرضت علينا باسم التاريخ أو الجغرافيا، وجُبَات الخصومات القدرية التي صارت تُراثًا في اللاشعور الجمعي، لا بد من وقفة تتجاوز سؤال الاصطفاف نحو مساءلة أصل الاصطفاف نفسه.
ما العمل؟
ليس الحل في تأجيل الجبهات أو تزويق القدر، بل في تفكيك سرديات الجبر والقدر ذاتها: من الذي يحدد أن هذا خصم، أو أن ذاك عدو؟ من يربح من بقاء التوتر قائمًا؟ وهل نملك شجاعة صناعة “الاختلاف المفيد” بدل “العداوة المعلّبة”؟.
ما العمل؟
البدء من الذات.
تفكيك العقل الجَبري فينا، الذي يحوّلنا إلى أدوات في صراعات غيرنا، ويغرس فينا أوهام الحتمية والمظلومية بدون أفق.
العمل هو في إبداع أشكال جديدة من الفاعلية الأخلاقية والسياسية، التي لا تُختزل في الانفعال أو الانسحاب، بل تبني موقفًا نقديًا، يتجاوز منطق الثأر والتكرار، نحو منطق التحرير والتحويل.
ما العمل؟.
أن نروي الحكاية من جديد، ونكسر سطوة السردية التي تجعلنا دائمًا في موقع الضحية أو العدو أو التابع، ونعيد ترتيب الوقائع لا من باب النفي، بل من باب تحرير الذاكرة من الاستعمال السلطوي، وتحرير السياسة من شهوة الهيمنة.
* مصطفى المنوزي
على مسؤوليتي
مصطفى المانوزي: أقاوم حتى لا يتحول الشَطَط إلى استبداد

نشرت
منذ أسبوع واحدفي
يوليو 20, 2025بواسطة
مصطفى المنوزي
أعتذر عن النفس الشخصي الذي بمقتضاه أعيد صياغة نقدي الذاتي ؛ ففي ظلال حلول عيد ميلادي السادس والستين، لن أحتفي بالزمن بوصفه مجرد تقويم بيولوجي، بل كرصيد من التأمل النقدي في جدوى السيرورة، وعدالة المعنى، ومآلات الانتظار.
لقد بلغت سنًّا لا أبحث فيه عن جواب، بل أتحرى عمق السؤال. وأدركت أن “التعفن”، حين يستفحل في البنية الرمزية للنظام السياسي والاجتماعي، لا يقتل فقط الحياة، بل يعمّي البصيرة، ويُعدم التدرج الأخلاقي والمعرفي.
*الجملة المفتاحية: مرآة لسردية الانهيار الرمزي
“بسبب التعفن، يتساوى العَمَش مع العَمَى، كما يتحول الشطط إلى استبداد.”
ليست هذه مجرد استعارة. إنها بلاغة تحليلية تؤسس لسردية نقدية، تكشف كيف تُطمر الفروق الدقيقة في لحظة فساد المنظومات، وكيف يُعاد ترتيب الخطأ ليُغلف كضرورة، والانحراف ليُسوَّق كحكمة واقعية.
التأويل السيميائي: من الخلل النسبي إلى الانهيار الكلي.
1. العمش والعمى:
في زمن ما قبل التعفن، يمكن للتمييز بين النقص والبُعد أن يؤطر الفعل والنقد. أما بعده، فلا فرق بين من يرى غبشًا ومن فقد الرؤية كليًا، لأن النسق يُعيد تعريف الخلل بوصفه قاعدة.
2. الشطط والاستبداد:
حين يُترك الشطط بدون مقاومة أخلاقية أو مؤسساتية، يتجذر كعرف، ثم كشرعية، ثم كأداة للحكم. هكذا يولد الاستبداد من رحم التساهل مع الانحراف.
*السياق المغربي الراهن: من الرمزية إلى الواقعة
حين تُهدم معالم المدينة القديمة باسم التنمية،
وتُمحى الفوارق بين “المصلحة العامة” و”السطو على المجال”،
ويتحول النقد إلى جرم، والمشاركة إلى تهديد،
نكون أمام لحظة بلاغية/واقعية يتساوى فيها العَمَش بالعمى، ويتحول الشَطَط إلى استبداد.
إنه زمن سيولة المفاهيم، وتدجين الإرادة، وتعويم الانحراف.
بل زمن “إنتاج الشرعية من ركام الاستثناء”، حيث لا يبقى للشعب سوى أن “يرى ولا يرى”، أن “يُشارك دون أن يُحسب”، وأن “يُقرر ضمن شروط لا تسمح بالقرار”.
في الحاجة إلى سردية بديلة: من التشخيص إلى التأسيس
ما العمل إذن؟
إعادة تفكيك اللغة السائدة، وتحرير المعنى من تواطؤاته الرمزية.
الدفاع عن التمييز الضروري بين النقص والكارثة، بين التجاوز والخيانة، بين السلطة والمشروعية.
الانطلاق من ذاكرة النقد نحو أفق العدالة التوقعية، ليس بوصفها جبرًا للماضي، بل كــتحصين مستقبلي من تكرار الخراب.
* خاتمة في عيد الميلاد
عند ستة وستين عامًا، لا أملك ترف التفاؤل الساذج، ولا ترف التشاؤم العبثي.
لكني ما زلت أومن أن التفكير النقدي التوقعي ليس ترفًا فكريًا، بل فعل مقاومة ضد التعفن، وضد ذلك الانزلاق الذي يُسوّي العمش بالعمى، ويُجمّل الاستبداد بطلاء الشرعية.
ولذلك سأواصل المقاومة حتى لا يستفحل التعسف تحكمه وإستبدادا !
* مصطفى المنوزي
منسق ضمير الذاكرة وحوكمة السرديات الأمنية

ذ.المنوزي: الدولة الرخوة و سيناريوهات ما بعد الوساطة

طنجة.. إجهاض محاولة تهريب 4 أطنان من مخدر الشيرا على متن شاحنة للنقل الدولي

خورخي فيلدا: اللقب ضاع منا بسبب تفاصيل صغيرة

أمم إفريقيا للسيدات: نيجيريا تقلب الطاولة على المغرب وتحرز اللقب للمرة العاشرة

بدء دخول قوافل مساعدات إلى قطاع غزة عبر معبر رفح

جنود إسرائيليون يحتجزون السفينة “حنظلة” المتجهة إلى غزة

طقس حار مع قطرات مطرية متوقع اليوم الأحد

إنفانتينو.. مقر “الفيفا” بالرباط هو مكتب عالمي سيستفيد منه الجميع

لمجرد يشعل حماس جمهوره بإعلان غنائي جديد “الصورة”

الرجاء في طريقه للتعاقد مع الشرايبي بعد اجتيازه فترة اختبار في معسكر أكادير

مصر.. التحقيق مع أستاذة جامعية بعد فتوى “إباحة الحشيش”

تصفيات المونديال.. غينيا تستضيف الجزائر في المغرب

أمن لفنيدق يوقف 156 مرشحًا للهجرة السرية بينهم جزائريون وقاصرون

وفاة الفنان اللبناني زياد الرحباني

فيفا” يفتتح أول مكتب له في شمال إفريقيا بالرباط

الخبير جمال العلمي يكشف أسرار ” صومعة المكانة” La Tour de l’Horloge

ودائع البنوك تتجاوز 1.2 تريليون درهم في 2024 بدعم من التسوية الجبائية

تحذير من موجة حر بدءا من الأحد إلى الثلاثاء

انتخاب رئيس جامعة ابن طفيل نائبا أول لرئيس اتحاد الجامعات الافريقية

برنامج الأغذية العالمي: نحو ثلث سكان غزة “لا يأكلون لأيام

الخبير جمال العلمي يكشف أسرار ” صومعة المكانة” La Tour de l’Horloge

لهذا السبب انسحبت ملقة الاسبانية من استضافة مباريات مونديال 2030

مصطفى المانوزي: أقاوم حتى لا يتحول الشَطَط إلى استبداد

وفاة رئيس نيجيريا السابق محمد بخاري عن 82 عاما

أمم إفريقيا للسيدات .. المنتخب المغربي يتأهل إلى الربع نهائي بفوزه على السنغال (1-0)

الرجاء ينهي علاقته مع “1XBET” ويتجه نحو شريك تجاري جديد

“كان” السيدات.. موعد مباراة المغرب-السينغال والقنوات الناقلة لها

برادة: مشروع تنظيم المجلس الوطني للصحافة غير دستوري

حزب جاكوب زوما الجنوب إفريقي يعلن دعمه لمغربية الصحراء

ريال مدريد يستعد لافتتاح مطعمين في طنجة والدار البيضاء

الحكومة الموريتانية تنفي “مزاعم” لقاء غزواني برئيس الوزراء الإسرائيلي

فينيسيوس يتوصل إلى اتفاق مبدئي مع ريال مدريد لتمديد عقده حتى 2030

سعيد الكحل..بنكيران الخارج من كهوف التخلف والدّال عليها

أنغام ترد على شائعة “المرض الخطير” بصورة من المستشفى

شواطئ المملكة على موعد مع نسخة جديدة من مهرجان الشواطئ

موجة حر من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المغرب

انتخاب رئيس جامعة ابن طفيل نائبا أول لرئيس اتحاد الجامعات الافريقية

برنامج الأغذية العالمي: نحو ثلث سكان غزة “لا يأكلون لأيام

البرتغال تدعم المقترح المغربي للحكم الذاتي

التونسية أنس جابر تعلن الابتعاد عن ملاعب التنس

الخبير جمال العلمي يكشف أسرار ” صومعة المكانة” La Tour de l’Horloge

“الدوري الأول للراحلة حليمة مرجان”..الرياضة في خدمة العمل الخيري

الرباط تكرّم الراحل يونس رودياس أحد رموز كرة السلة بنادي الفتح الرياضي

الوداد الرياضي يحتفل بذكراه الـ88.. ليلة وفاء وتكريم لأساطير الأحمر

المغرب يدخل عصر العلاج الثوري لسرطان البروستاتا بتقنية HIFU

في حفل تأبيني مؤثر.. سبور بلازا يكرم روح الراحل كمال لشتاف

نادي “النور اولاد صالح” ينظم الدوري السنوي للكرة الحديدية

تفاصيل مؤامرة الجنرال أوفقير على رفاقه في الجيش وعلى الحسن الثاني

محمد لومة يحكي عن أخطر جرائم أوفقير في حق الوطن والشعب

للمرة الثانية الرباط تحتضن التجمع التدريبي الافريقي BAL في كرة السلة

هكذا اقتطعت الجزائر أجزاء من التراب المغربي و التونسي بدعم من فرنسا ( فيديو)

بالفيديو..تفاصيل محاولة اغتيال الحسن الثاني سنة 1972

1981: مقترح “الاستفتاء” حول الصحراء..عندما قال عبد الرحيم بوعبيد “لا” للحسن الثاني

محمد لومة يكشف مراحل الصراع بين الحسن الثاني و عبد الرحيم بوعبيد (الجزء الأول)

تفاصيل تحكى لأول مرة عن اغتيال الشهيد عمر بن حلون (الحلقة الثانية)

و شهد شاهد من أهلها..حقائق تكشف لأول مرة عن اغتيال الشهيد عمر بن جلون

حورية أجدور..صوت مجدد صاعد في سماء الأغنية الأمازيغية “فيديو “

تهلاو فالصحيحة :الدكتور عماد ..هذه هي الفوائد الصحية للجبن” فيديو”

“ذاكرة ليست للنسيان” 4/4 بسبب نزعته الانتقامية، ادريس البصري يحتفظ ب 12 تلميذا داخل معتقل ” درب مولاي الشريف” لمدة ثلاث سنوات دون محاكمة.

تعرفو على فوائد الخل الطبيعي على صحة الجسم والبشرة مع الدكتور عماد ميزاب

الاكثر مشاهدة
-
الجديد TV منذ يوم واحد
الخبير جمال العلمي يكشف أسرار ” صومعة المكانة” La Tour de l’Horloge
-
منوعات منذ يومين
أنغام ترد على شائعة “المرض الخطير” بصورة من المستشفى
-
واجهة منذ يومين
انتخاب رئيس جامعة ابن طفيل نائبا أول لرئيس اتحاد الجامعات الافريقية
-
دولي منذ يومين
برنامج الأغذية العالمي: نحو ثلث سكان غزة “لا يأكلون لأيام
-
سياسة منذ 5 أيام
البرتغال تدعم المقترح المغربي للحكم الذاتي
-
رياضة منذ 18 ساعة
إنفانتينو.. مقر “الفيفا” بالرباط هو مكتب عالمي سيستفيد منه الجميع
-
دولي منذ 5 أيام
الولايات المتحدة تنسحب من منظمة اليونسكو
-
منوعات منذ 5 أيام
اليوم الثلاثاء هو أقصر الأيام في تاريخ البشرية!