إنها مجرد محاولة لإبداء تعليق أولي على برنامج ( ذو الوجهين) ؛ على حالته كما شاهدته بل كما تم بثه ؛ تعليق قد يكون إنطباعيا ولكنه بمثابة وعد بمزيد من تعميق التحليل النقدي لاحقا.
الإنتاج /الإخراج لم يأت بجديد بل إنه جاء مخالفا لتوقعات الدعاية المضخمة ، لذلك أكتفي بالتعليق على ثقافة تضخيم الإنتظارات بمايلي معتمدا على مقولة للاستاذ المصطفى لخصاصي استنتاجا وتركيبا : ” إذا كانت البشرية قديما تساق نحو مصيرها في إطار اللاوعي التاريخي ، فهي اليوم تزداد وعيا بمسارها ” ، “”فخروب بلادنا حافظينو “”. وتفاعلا مع هذه المقولة أصيغ التأمل وفق الآتي : هل علينا معالجة الموضوع من خلال دلالة ” التاريخ ” كوقائع في الماضي أو وقائع للماضي ؛ أم من خلال دلالته كمعرفة تكونت وتراكمت حول تلك الوقائع ؟ .
أطرح هذا الإستفهام الإنكاري ، وأنا واع كل الوعي بأن المغاربة في حاجة إلى من يؤطرهم وتوجيه إراداتهم وتأهيل حماسهم ، لا لمن يحرضهم دون تحديد البوصلة والغاية مع وضوح في الوسائل ، فأعطاب تدبيرنا للصراع السياسي والإيديولجي عظيمة وقدمنا بصددها مراجعات كبيرة ولا يمكن تكرار السباحة في نفس وعاء المغامرات السياسية ، لأن ما ينقصنا هو بلورة أجوبة حول إمكانية التحديث السياسي كقنطرة لرد الإعتبار لمطلب الديمقراطية ، وكذا الجواب على حجم الإستعداد لخوض غمار معارك الحداثة والتحديث كمسارين متوازيين وطويلين .
لقد اعتمدت القناة في ما نشرته أو أذاعته على شهادات معروفة هوية المستدلين بها ، فجلهم معروفة مقاربته واتجاهه ؛ يبدو ظاهريا أنهم ( ن) مختلفون في بسط معاينتهم ولكن الصور نابت في الإستنتاج ، أو خلاصات خام ومفتوحة ، يمكن أن ينطبق عليها نفس الإستنتاج الذي خلص إليه ابن خلدون ” لا يقاس شيء من أحوال العمران على الآخر ، إذ كما اشتبها في أمر واحد ، فلعلهما اختلفا في أمور ” .
فما هي إذن القيمة المضافة بالنسبة للنخبة الوطنية وهي مترددة بل تائهة ؛ اللهم ما جاء من تأكيد بأن النظام السياسي مضطر للتكيف بشتى الوسائل عوض التحول ، فمطلب التحديث عجز عنه ، بحكم الأزمات التي عاشتها قاعدته الإجتماعية ، رغم كافة محاولات توظيف آليات التدجين والتغرير في العلاقة مع ثنائية الصراع / الطموح حول السلطة والثروة والرموز ، والتي ترددت ، تاريخيا ، وسائل تأطيرها بثنائية العنف / التسوية . إنه سجال داخلي ومعلن في نفس الوقت ، تتهدده عقدة الكلفة في العلاقة مع عقدة الهيبة . فبغض النظر عن إختلال موازين القوة لصالح مناهضي مطلب دمقرطة الدولة والمجتمع ، ناهيك عن ضعف مكونات الصف التقدمي وعجزها عن إستدراك فشل تفعيل استراتيجيا النضال الديمقراطي ، بمطالبه المتفرعة من تحديث الدولة والمجتمع والتفكير في تليين الملكية وبرلمنتها ؛ فإنه بحكم تاريخانية أصولية الدولة ؛ فإن هذه الأخيرة تعاني وتتوجس من منافسة شديدة من طرف إمتداداتها كاصوليات فرعية ، تعتبر الشرعية الدينية والشرعية الإجتماعية ( في زيها الإحساني ) مجالا محفوظا ولكن مشتركا وبالتالي مفتوحا على كل إمكانيات التنافس / التناحر العقائدي .
لقد أكدت التجربة بأن العملية السياسية التي رافقت العقد الأول من العهد الجديد قد أجهضت بفعل وحكم هذا التردد والذي دعمته التحولات الدولية بمقتضى مخطط تصدير الديمقراطية المفترى عليها والتفويض للرجعيين والمحافظين بجني ثمارها ، وكان الربيع العربي ورشا لتطبيق مقتضياته ، تتويجا لمخطط إسقاط جدار برلين والمنظومة الشيوعية ثم إسقاط بغداد رأسماليات الدولة / الأمة ، فما سمي بالحراك الفبرايري أجهض بصيص الأمل الذي تمخض عن توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة ، وأجهض نوايا شعار ” المشروع المحتمعي الحداثي والذي بلور صيغة توافقية تروم إطلاق حريات الفمر والمعتقد والتسامح كتوليفة / مدخل تشرعن لحداثة تتلاءم تدريجيا مع إكراهات التقليد ومحافظة المجتمع .
فهل من افتحاص جدي لما يجري استراتيجيا ؟ هل سنظل نضخم من اللحظات الوطنية على حساب اللحظة الديمقراطية ؟ هل يمكن اعتبار شروط تفعيل مطلب الملكية البرلمانية ، كمخرج توفيقي بين إقرار نظام ديمقراطي وبين حفظ الحقوق التاريخية لسلطة يدبرها نظام وراثي ، متوفرة ؟ وهل الشروط ناضجة للإجابة على هذه التساؤلات ، في ظل هشاشة البنيات الحزبية والديمقراطية التمثيلية ، وانعدام نجاعة آليات الوساطة السياسية والدفاع المدني وترهل هياكلها وكذا فساد النخبة وكبح المبادرات ومشاريع البدائل وإرادات الإصلاح ؛ وبالأحرى إنضاج شروط تحقيق الملكية البرلمانية ؟ وهل يعقل التأسيس لملكية برلمانية دون نزاهة برلمانية وحكامة المبادرات التشريعية ودمقرطتها بتحقيق احتكار البرلمان لمجال القانون واقعيا وكذا إستقلاليتها عن هيمنة السلطة التنفيذية بإسم العقلنة البرلمانية المستوردة من منظومة الجمهورية الخامسة ، وقد عشنا خلال الأيام الأخيرة السرديات التشريعية والتي فضخت سلبية الطابع الرئاسي للنظام الرئاسي الفرنسي المفتوح على المجهول ؟.
* توقيع مصطفى المنوزي