على مسؤوليتي

التغيير في ظل منطق الإستمرارية… فصل أم توزيع للسلط ؟

نشرت

في

هل نجح دستور فاتح يوليوز 2011 في تأطير الصراعات المصالحية ، بمظاهرها الإقتصادية والاجتماعية و كظواهر سياسية ، تأطيرا قانونيا يحيل إلى إستبعاد العنف عن العلاقات السياسية والتوجه ، تعاقديا ، إلى فاعلين قانونيين متوفرين على سلط واسعة مقننة تشريعيا ؟ .

هذا سؤال ضمن عديد من الأسئلة ظلت تؤرق الباحثين والفاعلين على السواء ، منذ إصدار ظهائر الحريات العامة في 15 نونبر 1958 . تلك الظهائر التي تزعم آنذاك انها تروم تمتيع المغاربة بحق تأسيس هيئات مدنية وأخرى سياسية ، وتضمن حق التنظيم الاجتماع وكذلك التعبير بالتظاهر والنشر ، وكل ذلك بمجرد إيداع تصريح لدى السلطات العمومية ، وفي ذلك رسالة إلى قدماء رجال المقاومة وجيش التحرير ، بإيداع السلاح وتسليمه مقابل العمل المدني والسياسي السلمي .

الظهائر شرعها ظاهريا حزب الإستقلال وفعلت مقتضياتها حكومة عبد الله إبراهيم والذي سينشق بعد أقل من سنة إثر انتفاضة الجامعات المتحدة لحزب الإستقلال، وستتحول إلى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، والذي تشكل بانضمام الحركة الشعبية وحزب الشورى والإستقلال والاتحاد المغربي للشغل وقيادات المقاومة وجيش التحرير وجميع المتمردين على قيادة حزب الإستقلال من أطر سياسية ومثقفين وقادة الحركة الوطنية. وإذا كان المنطلق التأسيسي مرتبطا بالحريات العامة ، ولم يطرح سؤال الصراع حول السلطة المستند على تنازع الشرعيات وفصل السلط ، فهل يمكن الجزم أن نفس الروح كأسباب النزول هي التي طبعت الإصلاح الدستوري الذي فرضته تداعيات حركة 20 فبراير 2011 ، على أساس أن المستجد ، كقيمة مضافة ، في دستور 2011 هو اعتبار مقتضياته مؤسسة على إستحداث باب خاص بالحريات والحقوق، في الباب الثاني المقدم على باب المؤسسة الملكية ، حيث تم اعتماد ( في التعديل ) مدخل صك الحقوق والحريات بدل مدخل فصل السلط ؟ .

وللتفاعل مع هذه التساؤلات ، لا مناص من مناقشة مدى هذا تأثير التغيير البسيط في التبويب ، على العلاقات فيما بين المؤسسات الدستورية وفي تراتبيتها !.

إن أغلب التحليلات التقييمية والنقدية خلصت إلى أن المشرع الدستوري اعتمد خيار التكيف مع التحولات المستجدة ، وطنيا وعالميا ، عوض مشروع التحول ، وهو ما أطلق عليه سياسيا وإعلاميا ب” صيغة التغيير في سياق استمرارية نفس البنية ، مما يعني أن التعديلات حافظت على نفس هندسة النصوص الدستورية السابقة ، فرغم الاعتراف للقضاء بصيرورته سلطة دستورية بديلا عن جهاز تابع للسلطة التنفيذية ، وفي هذا إعتراف له بالاستقلالية ؛ ورغم تقوية إختصاصات الوزير الاول الذي صار بها رئيسا الحكومة يعين من بين أعضاء الحزب الاغلبي الفائز إنتخابيا وصدارة ؛ ورغم الإقرار للبرلمان بتوسيع صلاحيات التشريع ؛ فإن السؤال الذي سيظل عالقا وهو هل تنازلت المؤسسة الملكية عن بعض الصلاحيات ، من خلال توسيع مجال القانون كاختصاص محفوظ للبرلمان ، أم انها فقط فوضتها بغاية استردادها كفاعل أصلي ؟ وهل يمكن الجزم بأن الملكية لم تعد تنفيذية كما ينعى عليها ام ان الأمر لا يعدو سوى إعادة توزيع السلطات عوض إقرار فصل حقيقي فيما بينها ؟ .

غير أن السؤال المركزي هو حول حظوظ وإمكانية بناء انتقال ديمقراطي في ظل استمرار نفس البنية ، وفي ظل اعتماد النظام السياسي خيار التغيير في ظلال الاستمرارية بالإبقاء على مركزية المؤسسة الملكية فوق بقية السلط ، مما يعني أن أدوار الأحزاب السياسية وبقية المؤسسات ستختص في بذل مجهودات تنافسية من أجل من سيحكم تحت مظلتها خدمات للحظات الوطنية على حساب اللحظات الديمقراطية ، حيث أثبتت التجربة على أن الرهان على الديمقراطية الانتخابية يتحقق ويستنفذ مقتضياته بمجرد تعيين رئيس الحكومة ووزرائه كملحقين بمجلس الوزراء المنفذين للسياسة العامة ، ولتظل كافة السلطات الأخرى والمؤسسات والمجالس العليا الدينية والمدنية والعسكرية والقضائية والأمنية ، تشتغل تحت السلطة الرئاسية للملك كسلطة مستقلة وغير خاضعة لدائرة فصل السلط . صحيح يمكن القول بأنه لا تماثل بين العهود ولا بين الملوك ، ولكن التمايز الحقيقي يقتضي اعتماد مقتضيات صك الحقوق كهامش / فرصة لتحقيق بعض القطائع الإنتقالية الصغرى ، على مستوى تكريس مفاهيم جديدة للعدالة والسلطة والأمن ، وفق ما يقتضي ذلك من تحديث النظام السياسي وتطهيره من التقليدانية ، تبيئة وتمهيدا للقطع مع ماضي الاستبداد والفساد والرجعية والتي لا تخدم سوى تأجيج التنازع العنيف والتنافس غير المشروع حول الشرعيات والمسؤوليات والصلاحيات .

فهل سينجح مشرع دستور يوليوز 2011 في تجاوز معيقات مطلب مأسسة الحياة السياسية ، بما يعني ذلك من إرساء بنيات وآليات لتنظيم وتأطير ممارسةالسلطة والصراع لبلوغها أو دمقرطة ممارستها ؟ وكيف سيتعامل الصف الديمقراطي مع إشكالية التحديث السياسي كمخرج بديل ، والذي صار يبدو والحالة هاته من المزاولات الغائية شبه المستحيلة في ظل تعايش الأنماط المفارقة ؟ .

* مصطفى المنوزي
رئيس المركز المغربي للديمقراطية والأمن

انقر للتعليق

الاكثر مشاهدة

Exit mobile version