على مسؤوليتي

من الدولة الأمنية إلى الدولة القوية: لحظة الانعطاف نحو جيل جديد من الإصلاحات العميقة

نشرت

في

إن تجاوز المحنة ذات الجذور البنيوية العميقة يقتضي من الدولة أن تستحضر أن مرحلة ما قبل 20 فبراير 2011 لم تُطوَ صفحاتها بمجرد صدور دستور جديد.

فالخيار الديمقراطي، الذي أُعلن عنه كقيمة مضافة في خطاب 9 مارس، لم يجد بعد طريقه إلى التفعيل الفعلي، وظل الحلقة الأضعف في مسلسل الإصلاح السياسي وقد آن الأوان، ونحن كحقوقيين وفاعلين وذوي ذاكرة من سنوات الرصاص نُذَكِّر، أن يُطلق جيل جديد من الإصلاحات السياسية والمؤسساتية والتشريعية، استكمالاً لما تبقى من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، كالتزام للدولة ورئيسها ؛ وعلى رأسها:
* ترسيخ التحول في العقيدة الأمنية، وتكريس تكافؤ الفرص في الحماية بين الدولة والوطن والمواطنين
* أنسنة ودمقرطة السياسة الجنائية من خلال استراتيجية واضحة للحد من الإفلات من العقاب،
* وضع ضمانات مؤسساتية وقانونية لعدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان،
* تعزيز استقلال القضاء بما يحمي باقي السلط من هيمنة السلطة التنفيذية وتغولها.
* دمقرطة صناعة القرار الأمني والتشريعي والمالي
* ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وتكريس أبعادها في السياسات العمومية والهويات الحزبية .
* إضفاء الطابع الإلزامي للمسؤولية الإجتماعية والإنتقال من التزام الدولة والمؤسسات ببذل عناية إلى الإلتزام بتحقيق نتيجة
* دمقرطة العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني والتعبيرات السياسية ودمقرطة الحياة الإعلامية بتمكين الجميع من وسائل التعبير والتواصل دون تمييز ومحاباة.
* سن استراتيجية الحد من الإفلات العقاب خاصة في الجرائم الاقتصادية والسياسية .

إن المصلحة الفضلى للوطن تقتضي بناء دولة قوية وآمنة، لا دولة أمنية مخيفة. والمخاطر اليوم جدية، فمظاهر الفساد والزبونية والمحسوبية باتت تنذر بانتعاش “الدولة الرخوة”. ومن ثمّ، فإن أي تفكير في الحلول لا يمكن أن يظل مؤجلاً أو مرتبطاً بروزنامة شكلية كافتتاح الدورة التشريعية، بل يتطلب إرادة عاجلة لإطلاق عملية إصلاح جراحية عميقة، تبدأ بتصفية البيئة الحقوقية موازاة مع تهيئة الأجواء السياسية، دون المساس بالسير العادي للمؤسسات الدستورية.

ولهذه الغاية فإن أول الخطوات العملية تكمن في أن تُبادر الدولة، في شخص رئاستها، إلى تفعيل دور مؤسسات الحكامة والاستشارة، وترشيد الحكامة الأمنية والقضائية، عبر تأهيل الكفاءات والموارد البشرية والمادية ؛ وتنصيب بقية المؤسسات الدستورية ( المجلس الأعلى للأمن ودمقرطة نظامه الداخلي ، ودسترة مجلس الدولة كأعلى هيأة قضائية وتنصيب المجلس الأعلى للشباب وكذا الصحة …إلخ ) فالمستقبل لن يُبنى إلا بإحداث قطائع نوعية تنتج تحولاً حقيقياً في تعميم الديمقراطية التشاركية ومعالجة أعطاب الديمقراطية التمثيلية.
لقد حان الوقت لقرارات واضحة، جريئة، ومسؤولة، تُحصّن الدولة من الانزلاق إلى منطق اللادولة، وتؤسس لمرحلة جديدة من الثقة المتبادلة بين المجتمع ومؤسساته.

* مصطفى المنوزي

انقر للتعليق

الاكثر مشاهدة

Exit mobile version