مرة أخرى أخشى أن نخلف الموعد مع التاريخ ومع الزمن التحرري ، إذا لم تتسم حيويتنا باليقظة والذكاء الكافي لالتقاط إشارات و مؤشرات التغير الحاصل في حجم ونوعية قوة جيراننا ، حتى لا نقول قدماء مستعمرينا أو حلفائنا التقليديين، الذين لسنا في نظرهم سوى قنوات وساطة للسخرة الأمنية ، وصمام أمان و كدركيين للمنطقة وجمارك للحدود وحواجز لصد تدفق الهجرات غير القانونية وغير المنتجة للمنافع المالية والإقتصادية.
صحيح أن النظام ومعه التحالف الكمبرادوري الحاكم قد يكون محرجا بحكم الخدمات المصالحية و الحمائية والأمنية المتبادلة، رغم إذعانيتها ، وصحيح أن باب التسويات البينية سيظل مشرعا ، مما يستدعي بذل كثير من العناية والحذر تجاه كل محاولات الإلتفاف على مطلب استكمال مطلب تصفية الإستعمار وفك الإرتباط مع كل التعاقدات الإذعانية والإلتزامات الدولتية كتداعيات لإنهاء عقد الحماية المسمى ” إستقلالا سياسيا ” ، لكن الذي ليس يقينيا هو أن الأمر لا يتعلق بمجرد سلوك لحكومة فرنسا أو رئيس دولتها ، إنه خيار تشتم منه رائحة مصالح الدولة العليا ، والتي قد تضحي بأي كان كبشا للفداء وامتصاص النقمة.
لذلك، فالحقيقة الوطنية تقتضي مصارحة المغاربة بنوايا الدولة الحقيقية، لأنه كلما تم تسييد التشاركية والشفافية،كلما تم إذكاء الحماس الوطني وحصل الإصطفاف دفاعا عن الوطن وكرامته ، ولا يسعنا إلا أن نؤكد على أن اللحظة الوطنية للحسم والقطع مع فلول الإستعمار وطوابيره سانحة ، وعلى الجميع تحمل المسؤولية التاريخية ، وكفانا أنصاف الحلول ، فطي صفحة الماضي مشروط بإرادة سياسية لبناء دولة وطنية قوية بمواطنيها الأحرار بدل دولة مخيفة بفزاعة الخوارج على إختلاف مشاربهم .
حقا إن المغاربة يثقون ، في سياق الأولويات ،في المؤسسات الأمنية ولكن هذه الأولوية تؤطرها فوبيا عدم الإستقرار والتوجس من المصير المجهول ، فليس الحق في الأمن ضد الخوف إلا رديفا توأما للحق في الأمن ضد الحاجة !.
* مصطفى المنوزي
رئيس المركز المغربي للديمقراطية والأمن