على مسؤوليتي
بنكيران والبيجيدي والأربعين حرامي (1/2)
نشرت
منذ 8 أشهرفي
بواسطة
مراد بورجى
* مراد بورجى
أُثير كثيرٌ من الجدل حول المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية، بعضها انتقادي لمواقفه وقراراته وضيوفه، وكذا لغياب أطروحات سياسية عميقة تعيد قراءة المشهد المجتمعي العام وتدقق تموقع البيجيدي داخل هذا المشهد، وبعضها الآخر اختار جانب الموالاة إما في حدود، وإما “بلا حدود” لدرجة التسابق في نَظْم قصائد “مديح” المؤتمر والزعيم.
بين هذا وذاك، يُطرح السؤال: هل يشكل إعادة انتخاب عبد الإله بنكيران أمينا عاما من جديد نوعا من التنفيس عن الحزب ومناضليه بسبب “البلوكاج الحكومي 2016″، الذي يعزيه البعض لـ”تمرّد” بنكيران على القصر محاولا فرض حكومة على مقاسه، فتراجع القصر للخلف تاركًا بنكيران يصطدم ب “الزعيم” الجديد للأحزاب الإدارية الصغرى، عزيز أخنوش، الذي كان قد “أُنزل” بالمظلة من فوق على رأس حزب الحمامة في أكتوبر 2016، الحزب الذي كان قد تنكر له عزيز أخنوش بعد خروج الأحرار من الحكومة للمعارضة في أكتوبر 2011، بسبب تشبّت الوزير الملياردير بالحقيبة الوزارية المثقلة بأموال المخطط الأخضر، وظل وزيراً ضمن حكومة بنكيران، الذي ما لبث الملياردير أن تنكر له بدوره بعد أن كان قد احتفظ به في حكومته ولو بدون حزب.
ثم جاء “البلوكاج الانتخابي 2021″، الذي يمكن أن نفسّر جانبه الأول بتوقيع سعد الدين العثماني على التطبيع وإن كان بصفته رئيسا للحكومة وليس أميناً عاماً للبيجيدي، أمّا الجانب الثاني المتعلق بـ”التهاوي” من 125 مقعدا في الولاية السابقة (2016- 2021) إلى 13 مقعدا في الولاية الحالية (2021-2026)، فلم يجد له الكثيرون تفسيرا لحد الآن!
وفي الحالتين معاً (بلوكاج 2017 وبلوكاج 2021)، ظل حزب الإسلاميين وفياً للقصر ولقراراته، لم يغادر الحكومة لا بعد أن تجبّر أخنوش على أمينه العام، ولا بعد أن وقّع أمينهم العام على ما يتعارض مع أوراق ومبادئ الحزب.
أمّا “تسلق” أخنوش من 37 مقعدا في انتخابات 7 أكتوبر 2016 إلى 102 مقعد في انتخابات 8 شتنبر 2021، فقد فسّره الحليفان اللدودان لعزيز أخنوش في الحكومة، عبد اللطيف وهبي ونزار بركة، باستعمال المال وأثارا معا فضائح “قفة جود”، التي “استحوذ” بها زعيمهما على كرسي رئاسة الحكومة، الذي كان وبالاً عليه.
وكما يظهر، لا أقصد، هنا، التوقّف المنحصر عند مؤتمر البيجيدي، الذي، على المستوى الشخصي، أهنئ قيادته الجديدة، من الأمين العام إلى الأمانة العامة والمجلس الوطني، متمنيا لها كل التوفيق، وإنما أريد الانطلاق في أفق أرحب، يتعلّق بأوضاع مكونات الحقل الحزبي، وبعلاقتها مع المجتمع ومع الدولة، في صلةٍ بمغرب الغد المنظور، مغرب المونديال (2030) وطبيعة حكومته التنفيذية السادسة (2026-2031) منذ اعتلاء الملك العرش سنة 1999.
بكلمة أخرى، لقد شرعت عدّة أحزاب في خوض حملات انتخابية سابقة لأوانها في سعيها، حلما أو وهما، لـ”وضع اليد” على “حكومة المونديال”، فهل الإجابة، التي قدّمها المؤتمر، تعني أن البيجيدي نفض يديه من هذا السباق رغم بعض التصريحات المتفائلة لبعض قادته، التي تربط عودة بنكيران بعودة منشودة إلى “العَشْر الخوالي”، التي قاد فيها الحزب حكومة صاحب الجلالة، مدة ولايتين، رغم أنه اشتعلت خلالهما انتفاضة الريف، وتخللتهما أحداث اجتماعية في جرادة وبوعرفة وفكيك وأوطاط الحاج وزاكورة وطانطان وسيدي إيفني، لكن بالمقابل، لم يحدث أي انقطاع أو قطيعة بين الحكومة والشعب، لقد كان هناك تواصل مع المواطنين، وكانت هناك العديد من الإنجازات والمكتسبات، التي تحقّقت لفائدة العديد من الفئات الشعبية، وعلى رأسها مئات آلاف المستضعفين المعدمين، كما تحقّقت نسب نمو لا بأس بها لم تستطع حكومة أخنوش إلى اليوم أن تصل إليها، وعموما لن أدخل هنا في أي جدل حول حصيلة البيجيدي الحكومية بما لها وما عليها، وإنما يكفي إثارة خاصية لن يختلف حولها اثنان، وهي أن قيادة البيجيدي للحكومة في ولاية بنكيران وولاية العثماني يمكن أن تُوجّه إليها كل الانتقادات وحتى الاتهامات إلا أن تُثار حولها شبهات فساد، فقد خرج كل وزرائها من الحكومة، كما دخلوا، نظيفي اليد.
فيما الولاية الحكومية الحالية، ارتبطت بانفجار فضائح الفساد، الذي قال بنكيران إن عدد ملفاته، التي تفجرت خلال ولاية حكومة أخنوش، لم يشهده التاريخ السياسي المغربي من قبل عند منتخَبِي الأغلبية بالبرلمان وبالجماعات الترابية، في ظل غياب الإرادة الحكومية في ملف محاربة الفساد، حيث عَمَدَت الحكومة في أسابيعها الأولى إلى سحب القانون الجنائي الذي تضمن تجريم الإثراء غير المشروع، ثم جمّدت الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وأردفت ذلك بتوقيف اجتماعات اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد. هذه القرارات، التي تتناقض جذريا مع التوجيهات الملكية الداعية إلى مواجهة الفساد، جاءت كمحاولة يائسة لامتصاص آثار العدد والحجم الصادمين من المتابعات والاعتقالات والمحاكمات المتتالية في حق عدد ممن يتولون مهام نيابية وطنية أو منتخبين ومسؤولين بجماعات ترابية بشبهة جرائم الفساد المالي والانتخابي والاتجار في مواد محرمة قانونا، في صدارتها المخدّرات.
صحيح أن المغاربة لا ينكرون حق نظافة اليد ويقدرونها حق قدرها، لكن الناس في حاجة أكثر إلى تدابير ملموسة تساهم في الرفع من قدراتهم المعيشية، في مجتمع يعيش فيه 1.4 مليون مغربي في الفقر المطلق و5 ملايين في وضعية هشاشة، وهذا ما يدركه جيدا تجار الانتخابات، الذين يخلقون أسواقا خفية ومعلومة لتصيّد ضحاياهم وشراء الضمائر والذمم، وعلى رأسهم باطرون المحروقات، عزيز أخنوش، الذي اتهمه حليفاه الحكوميان، البام والاستقلال، علانية، بشراء أصوات الناخبين، مثلما اتهمه حليفه اللدود عبد اللطيف وهبي بنهب 17 مليار درهم، التي قال إنه جناها، بشكل غير شرعي، من أرباح المحروقات، وطالبه بأن يرجع إلى خزينة الدولة المبلغ المنهوب، الذي وصل اليوم إلى حوالي 45 مليار درهم!!!
كان بعض الناس يأملون أن تصنع لهم “حكومة المال والأعمال” ما لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من تحقيقه لهم، قبل أن يتفاجأ المغاربة، أو على الأقل السواد الأعظم من الشعب، بجحيم هذه الحكومة التي يقودها الملياردير باطرون المحروقات عزيز أخنوش، ويشرع في “طحنهم”بسلسلة من الضربات تتراوح بين تمدّد القمع وتسرطن الفساد، وفي القمة فجائع الغلاء! لقد اكتشف المغاربة، خصوصا الذين دوّختهم وعود أخنوش، أن أغلب وأهم وأبرز تلك الوعود تبخّرت في الهواء، بدءا من الوعد الوهمي بإحداث مليون منصب شغل صاف على مدى خمس سنوات، فإذا بنسبة البطالة تتضاعف بنسبة غير مسبوقة تجاوزت 13 في المائة، وبلغ عدد المعطّلين أزيد من مليون و600 ألف شخص، وصولا إلى إقصاء 8,5 ملايين مواطن من الاستفادة من نظام التأمين الأساسي عن المرض “أمو تضامن”، والفشل في إخراج مليون أسرة من دائرة الفقر، ولم ينجح إلا في مضاعفة أعداد المفقّرين، دون الحديث عن الوعد المعاق القاضي بتوفير “مدخول الكرامة” بقيمة 1000 درهم لفائدة الأشخاص البالغين 65 سنة فما فوق!!!
هناك الكثير مما يُقال حول الحصيلة الكارثية لحكومة عزيز أخنوش، رئيس حزب الأحرار، مسنودا بمخدوميْه، الأمين العام لحزب الاستقلال نزار بركة وثلث أمينة عامة للبام فاطمة الزهراء المنصوري، مثلما هناك الكثير مما يُقال عن حصيلة المؤتمر الوطني التاسع للبيجيدي، ولذلك، سأكتفي فقط بإثارة سؤالين ملحّين مرتبطين بالمؤتمر وعلى صلة بسؤال “إلى أين يسير القصر بالمغرب”، وبطبيعة الحكومة المرتقبة:
الأول، الآن وقد انتهى المؤتمر، وعاد البيجيديون إلى قواعدهم “سالمين”، وتوصل الأمين العام للحزب ببرقية التهنئة الملكية البروتوكولية، يبقى السؤال هو: هل سيخصّص الملك محمد السادس استقبالا للأمين العام للبيجيدي؟ استقبال الملك له ستكون له دلالة.. وعدم استقباله، سيضيف عبد الإله بنكيران إلى لائحة فاطمة الزهراء المنصوري ونزار بركة ومحمد أوزين، وفي الحالين، سيكون للحديث شؤون وشجون كما يُقال، وسأكون في الموعد بمقال.
الثاني، يتعلّق بغياب أطروحة فكرية للحزب في المؤتمر، فهناك تجربة تحتاج إلى أطروحة فكرية وليس مجرد تقارير سياسية بعضها مكرور عن الهوية والمرجعية، وبعضها يستنجد بالشعاراتية الظرفية، والسؤال هنا هو: هل إن البيجيدي يدرك مسبقا أن المرحلة المقبلة (حكومة المونديال) هي مرحلة ملكية بامتياز، ولذلك لم يكلّف نفسه عناء مناقشتها أصلا في مؤتمره الوطني، وأحرى إجراء قراءة جديدة لمشروعه السياسي والفكري وإعادة صياغة برنامجه المجتمعي للمرحلة المقبلة، التي يلخّصها بنكيران بصورة بليغة في كون الملك هو من سيقوم بتسييرها؟ تُرى ماذا يعني هذا؟.
للإجابة على السؤال، من المفيد جدا إثارة السياق العام في عدة إشارات نختزلها في رؤوس أقلام.
في انتخابات 2007، تميز المشهد السياسي بالهجوم على البيجيدي، ضمن حملة عامة، إقليمية ودولية، تستهدف الحركات الإسلامية باعتبارها تعطّل التنمية وتغذّي الإرهاب، وأفرزت نتائج الاستشارة الشعبية تصدّرا تناوبيا بين حليفي الكتلة الديمقراطية الاستقلال (الأول) والاتحاد الاشتراكي (الخامس)، فيما حل حزب العدالة والتنمية ثانيا، وآلت قيادة الحكومة إلى عباس الفاسي، التي ستضع لها حدا حركة 20 فبراير زمن الربيع العربي (2011)، التي سيعرف البيجيدي كيف يستعملها دون أن يكون مشاركا فيها ليحصد الصدارة في الانتخابات السابقة لأوانها في نونبر 2011، لتؤول رئاسة “حكومة الربيع المغربي” إلى عبد الإله بنكيران.
في انتخابات 2011، سيتميز المشهد السياسي بهجومٍ، بعضه منظم وبعضه عشوائي، على حزب الأصالة والمعاصرة، ضمن حملة متنوعة رفعت شعار “مواجهة التحكّم”، وأبدع له بنكيران عدة أسماء وألقاب حتى أنه أدخل للحقل الحزبي المغربي صفات “العفاريت” و”التماسيح”… بيد أن البام، رغم ذلك، ستصنّفه النتائج رابعا، بعد البيجيدي والاستقلال والأحرار، متبوعا بالاتحاد الاشتراكي خامسا.
في انتخابات 2016، سيعرف المشهد السياسي المغربي حالة قصوى من الصراع الحزبي، سينحرف أحيانا إلى صراع شخصي، عندما تصدّر قيادة البام أمين عام جديد، كانت المجالس والصالونات تعْرفه وتُعرّفه بـ”الثعلب الذي يظهر ويختفي”، في إشارة إلى أنه “سياسي محتال”، اسمه إلياس العمري، هو الذي سيلوّث الساحة المغربية بادّعاءات القرب من جهات عليا، كما وصفه عبد الحميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال آنذاك، بأقدح الصفات (…)، وتبعه بنكيران، الذي شرع يصف إلياس بأنه “محتال” و”صعلوك”… فيما ركّز “الثعلب” على استثمار فشل ثورات الربيع واندحار إخوان مصر ليهاجم البيجيدي ضمن حرب شعواء أعلنها على الإسلاميين، عرف خصومه كيف يستثمرون تصريحاته الرعناء لتقديمه عاريا أمام الشعب باعتباره يحارب الملّة والدين ويستحق أن تُسلّط عليه لعنة الإسلام والمسلمين… نتائج هذه الانتخابات ستضع في الصدارة الحزبين الغريمين، البيجيدي أولا والبام ثانيا، ليُعيّن بنكيران رئيسا لـ”حكومة الريف” قيد التشكيل، وخلال المشاورات الحكومية، التي كانت تجري كلها ببيت بنكيران، ستندلع الأحداث الاجتماعية في الحسيمة عقب الموت المأساوي لتاجر السمك محسن فكري يوم 28 أكتوبر 2016، وتواصلت الأحداث وحدثت اعتقالات وانطلقت محاكمات، قبل أن تتوقف مشاورات “البلوكاج” يوم 15 مارس 2017، بإعفاء بنكيران وتعيين سعد الدين العثماني، الذي سيقود “حكومة التطبيع” ويبصم “مكرها” على “اتفاقات أبراهام” في 10 دجنبر 2020.
في انتخابات 2021، سيعرف المشهد السياسي المغربي “انقلابا” بنسبة 180 درجة، أفرزت هيمنة سياسية غير مسبوقة تخنق البلاد والعباد بعدما “تصدّر” الأحرار نتائج الانتخابات (102 مقعد)، متبوعا بالبام (86 مقعدا) والاستقلال (81 مقعدا)، وبهذه الأغلبية الساحقة، سيهيمن هذا التحالف الأغلبي الثلاثي على البرلمان، فضلا عن هيمنته على باقي المؤسسات الدستورية المنتخبة، الأمر الذي أدّى إلى نوع من “الخنق السياسي” تمارسه ثلاثة أحزاب سياسية، في عملية استئصالية للمنافسين وإقصائية للمعارضين!!!
انتخابات 2021، كان يُفترض أن تنبثق عنها “حكومة رجال ونساء الأعمال”، على أساس أن رئيسها الملياردير سيشكّل فريقا مغايرا لكل الحكومات السابقة، تُسيّر فيها الإدارة العمومية، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا، بأحدث أساليب التسيير والتدبير وبعقليات المال والأعمال والاستثمار، وهذا ما جرى فعلا وبـ”نجاح باهر”، إذ أصبحنا أمام حكومة تدير شؤون البلاد بعقليات الاستثمار المنتجة والمثمرة، لكن ليس لفائدة الدولة والمجتمع، وإنما لفائدة أباطرة الرأسمال المتوحّش، الذي تغتني منه “فئة محظوظة”، والذي يغذّي التفشي الفاحش للفساد، الذي خلقته السياسات المتبعة من قبل الحكومة وأحزابها الثلاثة، وبقيادة مباشرة لعزيز أخنوش وتزكية تواطؤية لفاطمة الزهراء المنصوري ونزار بركة، حكومة وفّرت بيئة مناسبة لاحتضان وتفريخ لوبيات وﺷﺑﻛﺎت اﻟرﯾﻊ واﻟﻔﺳﺎد واﻹﻓﺳﺎد، من خلال سحب قوانين وتعديل أخرى وإقرار العديد من النصوص القانونية التراجعية ومحاولة فرضها من خلال ﻣﺷروع ﻗﺎﻧون اﻟﻣﺳطرة اﻟﻣدﻧﯾﺔ وﻣﺷروع ﻗﺎﻧون اﻟﻣﺳطرة اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ، حيث تعتمد الحكومة على أغلبيتها العددية لضرب العديد من المكتسبات القانونية ومن المبادئ الدستورية، إلى حد شرعنة تضارب المصالح، الذي بات جاريا لدى حكومة لا يرفّ لها جفن أمام اكتساح رئيسها للعديد من الصفقات العمومية الضخمة، ولا تحرّك ساكنا أمام لوبيات اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ واﻻﺣﺗﻛﺎر وتفشي المضاربات وإشعال النار في الأسعار ورفض ﺗﺳﻘﯾف أثمان اﻟﻣﺣروﻗﺎت، فضلا عن الفضائح، التي أطبقت الآفاق، حول توزيع مبالغ الدعم العمومي الطائلة،معزّزة بإﺟراءات اﻹﻋﻔﺎء ﻣن رﺳوم اﻻﺳﺗﯾراد واﻟﺿرﯾﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﯾﻣﺔ اﻟﻣﺿﺎﻓﺔ لاستيراد المواشي واللحوم.
وفي هذا الصدد، وبغضّ النظر عن التموقف من تجربة حزب العدالة والتنمية ومن خلاصات مؤتمره الوطني، يجب الاعتراف أن البيجيدي، الذي لا يتوفر إلا على مجموعة نيابية يقودها عبد الله بوانو، كان الأكثر حركة وفعالية في فضح مظاهر الفساد الحكومي أمام البرلمان، برلمان عملت فيه الهيمنة العددية للأغلبية الحكومية على تهميش المعاضة تهميشا مهولا لا مثيل له في تاريخ الولايات البرلمانية منذ أول انتخابات (الولاية التشريعية الأولى في المغرب المستقل) في 18 نونبر 1963!
والسؤال هنا، بعد “حكومة الربيع” سنة 2011، و”حكومة التطبيع” سنة 2017، و”حكومة الملياردير” سنة 2021، تُرى كيف سيكون شكل حكومة 2026، وأي “وصفة سياسية” ستميّز المشهد السياسي في أفق “انتخابات المونديال”؟.
هذا سيجرّنا إلى رصد سلوك الملك محمد السادس مع حكومة بنكيران، ثم حكومة العثماني، وكيف كان يتتبّع كل كبيرة وصغيرة، وينبّه ويتدخل بين الحين والآخر، وكيف استنكف عن التدخّل في العلاقة مع حكومة أخنوش، حتى أنه ترك لها الحبل على الغارب ففعلت ما تشاء إلى أن أنتجت “حكومة موروكومول”… تُرى، ما دلالات كل ذلك؟
وبين بنكيران والعثماني وأخنوش، كان مسار الجالس على العرش يتّجه، أولاً، إلى الإلحاح الملكي على دعوة الناخبين إلى “المشاركة المكثّفة في الانتخابات، وإلى حُسنِ استعمال أصواتهم في تقرير مصيرهم ومصير بلادهم… ومن أجل ألا يتركوا للأحزاب فرصة العبث بأوضاعهم في حاضرهم ومستقبل أبنائهم…”! ويصرّ، ثانياً، على خطاب ربط المسؤولية بالمحاسبة، حينما قال الملك محمد السادس: “حان الوقت للتفعيل الكامل لهذا المبدأ. فكما يُطبق القانون على جميع المغاربة، يجب أن يُطبق أولا على كل المسؤولين بدون استثناء أو تمييز، وبكافة مناطق المملكة”… ولتسليط الضوء على هذا المسار الملكي، يتطلّب الأمر استعادة السياق الدستوري، من خلال استحضار “حادثة البلوكاج”، التي “لم تكن على بال المشرّع”، الأمر الذي “فجّر” جدلا كبيرا حول قراءة الفصل 47 من الدستور حول تعيين الملك لرئيس الحكومة، خصوصا بعدما لوّح الملك باللجوء إلى خيارات أخرى، لعل من أبرزها التحوّل إلى تعيين رئيس الحكومة من حزب آخر، إلى غير ذلك من القضايا المحورية، التي ستكون موضوع وقفةِ تأمل وتحليل واستشراف في المقال المقبل.
على مسؤوليتي
سعيد الكحل: تثمين العمل المنزلي عُقدة الإسلاميين
نشرت
منذ 21 ساعةفي
ديسمبر 15, 2025بواسطة
سعيد لكحل
أخرجت توصيات اليوم الدراسي الذي نظمه مجلس النواب بشراكة مع وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة وصندوق الأمم المتحدة للسكان والوكالة الإسبانية للتعاون من أجل التنمية حول موضوع: “تثمين العمل المنزلي للنساء بالمغرب: من الاعتراف إلى التمكين”، يوم 26 نونبر 2025، أخرجت إسلاميي البيجيدي من وضعية “الاطمئنان” وانتظار نتائج عمل اللجنة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة، إلى حالة الهيجان لِما تضمنته ـ تلك التوصيات ـ من إحداث “اللجنة الوطنية لتثمين العمل المنزلي”، ولجنة برلمانية خاصة لمراقبة تنفيذ توصيات اليوم الدراسي ودمج مخرجاته في عمل اللجان الدائمة، وإصدار تقرير سنوي مشترك تصدره الوزارة ومجلس النواب وصندوق الأمم المتحدة للسكان حول تتبع التوصيات والتقدم المحرز”. إذ عبرت “الأمانة العامة عن استغرابها ورفضها لقبول المؤسسة التشريعية والحكومة بتوصياتٍ من هذا القبيل تهم مختلف السياسات الوطنية العمومية والقطاعات الحكومية والجماعات الترابية”.
لقد أدرك البيجيدي أن مناهضته الشرسة لتثمين العمل المنزلي واطمئنانه إلى كون لجنة تعديل المدونة ستتجاوب مع مطالبه الرافضة لهذا التثمين، باتت دون جدوى بعد أن تم الالتفاف عليها بانخراط البرلمان والقطاعات الحكومية في إستراتيجية تثمين العمل المنزلي وإلغاء كل أشكال العنف القائم على النوع، وفي مقدمته العنف المادي والاقتصادي. خصوصا ما ورد في الكلمة الافتتاحية للسيد رئيس مجلس النواب من تأكيد على أن “هذا الموضوع يقع في صميم الرؤية الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي جعل من العدالة الاجتماعية والمساواة ركيزتين أساسيتين لبناء الدولة الاجتماعية الحديثة. وشدد على أن إدراج العمل المنزلي ضمن منظومة الاعتراف الاقتصادي والاجتماعي ليس مطلباً حقوقياً فحسب، بل هو اختيار يعكس عمق المشروع المجتمعي المغربي الرامي لتحقيق الإنصاف والتوازن”.
إنها إستراتيجية واضحة أملتها الإرادة الملكية “وفي مغرب اليوم، لا يمكن أن تحرم المرأة من حقوقها.
وهنا، ندعو لتفعيل المؤسسات الدستورية، المعنية بحقوق الأسرة والمرأة، وتحيين الآليات والتشريعات الوطنية، للنهوض بوضعيتها” (خطاب العرش 2022)، والاتفاقيات الدولية، أهمها اتفاقية “سيداو” للقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة؛ ثم نضالات الحركة النسائية، فضلا عن القيمة الاقتصادية لهذا العمل غير المعترف به والتي تصل إلى 513 مليار درهم. وهذه خطوة جد مهمة من الحكومة أن تقر بالمردودية الاقتصادية للعمل المنزلي وتدرس سبل تمكين ربات البيوت من تقاعد، مهما كان مبلغه، يحفظ لهن كرامتهن.
أحكام قضائية وفتاوى فقهية منصفة.
إن المحاولات اليائسة للإسلامويين وعلى رأسهم البيجيدي وذراعه الدعوية لن توقف زحف الربيع الحقوقي للنساء؛ وما شطحاته اليوم إلا دليل نكساته السياسية وخيباته في مسار إنصاف المرأة. ذلك أن رهانه على معارضة ادخال تعديلات جوهرية على مدونة الأسرة لتثمين العمل المنزلي، رهان خاسر. فالاجتهادات الفقهية النابعة من صميم الواقع المغربي انتصرت لحق الأرملة والمطلقة فيما تراكم من ممتلكات خلال فترة الزواج نظير ما بذلته من جهد، سواء في تربية الأولاد أو القيام بأشغال المنزل أو مساعدة الزوج في الكسب.
فقد ذهب فقهاء شمال المغرب ومنهم أبو القاسم بن خجو المشهور بالقوري، وأحمد بن عرضون وأخٌوه محمد بن عرضون وغيرهم، إلى الإفتاء بحق الكد والسعاية؛ كما اشتهر فقهاء منطقة سوس، من خلال نوازلهم الفقهية، بالإقرار للزوجة بحقها فيما تراكم من ممتلكات. إذ ذكر المرحوم محمد المختار السوسي في كتابه المعسول، “أن قضاة جزواة (وهي من بلاد سوس) أنهم كانوا يحكمون بالسعاية للمرأة في كل ما يدخل إلى الدار بقدر سعايتها”.
ولا تختلف المرأة في البادية عن المرأة في المدينة فيما يتعلق بحق السعاية. إذ نجد، في هذا الباب، فتوى للفقيه الورزازي، حين سئل عن الزوجة إذا كانت تخدم في دار زوجها، هل لها فيما استفاده زوجُها من خدمته وخدمتها أم لا ؟ فأجاب : “قال الإمام ابن العطار، مذهب مالك وأصحابه، أن المرأة إذا كانت تعمل مثلا الغزل والنسج ونحوهما. فإنها شريكة للزوج فيما استفاده من خدمتها أنصافا بينهما، وكذا الأم مع أولادها، والأخت مع أختها والبنت مع أبيها، ونساء الحاضرة والبادية في هذا سواء والله اعلم”.
ومن الفتاوى المؤيدة لتثمين العمل المنزلي، فتوى الفقيه العباسي في نوازله التي ورد فيها “ومن تزوجت ووجدت عند زوجها بهائم ومكثت عنده أربعة أعوام ثم فارقها، فإنها تأخذ سعايتها فيما زادت من البهائم بقول أهل المعرفة”.
أما ما يتعلق بالأحكام القضائية التي أنصفت النساء وأقرت حقهن في الممتلكات الزوجية، فيمكن إعطاء حُكمين على سبيل الذكر لا الحصر:
1 ـ الحكم الصادر عن محكمة الشرع بتزنيت سنة 1959 والذي قضى “بقسم قيمة الجميع نصفين: نصف للدمنة كما هو الجاري به العمل بهذه البلاد، والنصف الباقي يقسم بين المدعية (ر بنت (م) وبين المدعى عليه (م بن ع) لكونهما وحدهما في الدار والسعاية لهما فقط “.
وعللت المحكمة حكمها هذا بكون “العمل جرى بثبوت السعاية للنساء في البوادي كما بين في شرح العمليات، خصوصا ما كانت عليه نساء الأزواج المسافرين إلى فرنسا ويتركون أزواجهم يقمن مقامهم في تربية البهائم والأولاد وفي الحرث والحصد ومقابلة أملاكهم، بل ويحضرون في المحاكم يدافعن عن أملاك أزواجهن “. فالمحكمة وسّعت من دائرة الأعمال التي تخوِّل للزوجة حق السعاية، في إطار تثمين العمل المنزلي، وجعلتها على ثلاثة أصناف: أولها ويتعلق بالعمل الفلاحي المتمثل في الحرث والحصاد وتربية الماشية وغير ذلك. وثانيها العمل المنزلي المعبر عنه بتربية الأولاد، وثالثها ويتعلق بالعمل الإداري والقانوني والقضائي المتمثل في تحمل أعباء حل المشاكل الإدارية لأملاك الزوج أو الدفاع عنها أمام القضاء أو التقاضي بخصوصها لحمايتها من الترامي أو التضييع.
2 ـ قرار محكمة الاستئناف بالرباط رقم 244 الصادر بتاريخ 04.04.2000 بشأن الملف العقاري عدد1999/6323 ، والذي ذهب إلى أن “الكد والسعاية من لدن المرأة سواء في البادية أو الحاضرة المعتبر للتعويض عنه، هو المترتب من عمل مكتسب وافر على الحاجيات الشخصية يصب في ثروة مادية أنشئت اثناء الحياة الزوجية”.
واضح مما تقدم، أن الفقهاء والقضاة الذين تصدوا بالفتيا أو الحكم لمسألة تثمين الأعمال التي تقوم بها النساء في المنازل، إنما فعلوا وفق ما تمليه عليهم ضمائرهم الحية، ولم يتعاملوا مع مؤسسة الزواج “كشركة تجارية”، أو “علاقة مشغِّل وأجير داخل البيت” كما يزعم البيجيدي. بل إن حرمان الزوجة من حقها فيما ساهمت فيه من ممتلكات زوجية لهو الظلم بعينه لأنه يدخل ضمن “أكل أموال الناس بالباطل” المنهي عنه في الإسلام.
إن رفض البيجيدي تثمين العمل المنزلي للنساء يجسد عداءه لحقوق النساء. لهذا نجده يناهض حق ولاية المرأة على نفسها في الزواج، وحقها في التطليق وحل رابطة الزواج، وحقها في ملكية جسدها وفي الإجهاض غير المرغوب فيه؛ كما يصر على شرعنة الاستغلال المادي والجنسي للنساء بالتشبث بتزويج الطفلات، وبقاعدة التعصيب التي تحرم الإناث من كامل حقهن في التركة، وكذا حرمانهن مما ساهمن في تكوينه ومراكمته من ممتلكات خلال فترة الزواج. وها هو اليوم يعارض سعي الحكومة إلى تثمين العمل المنزلي باعتباره عملا منتِجا.
على مسؤوليتي
السياسة : في الحاجة إلى المعنى في زمن التفاهة
نشرت
منذ يوم واحدفي
ديسمبر 15, 2025بواسطة
الجديد TV
لم تعد التفاهة في الحقل السياسي المغربي مجرد انزلاق لغوي أو ضعف تواصلي لدى بعض الفاعلين، بل أصبحت نمطًا اشتغاليًا يُعاد إنتاجه بشكل شبه منتظم داخل الفضاء العمومي.
الأخطر في هذا التحول ليس رداءة الخطاب في حد ذاتها، بل كونها تُقدَّم باعتبارها سياسة، وتُسوَّق بوصفها قربًا من المواطن، بينما هي في الواقع تفريغ ممنهج للفعل السياسي من محتواه المعرفي والأخلاقي.
السياسة، في معناها الفلسفي، تفترض القدرة على تحويل الواقع الاجتماعي إلى موضوع للنقاش العقلاني، وعلى بلورة اختيارات واضحة تُعرض للنقد والمساءلة. غير أن الممارسة السائدة تُظهر انتقالًا واضحًا من سياسة البرامج إلى سياسة الانطباعات. في الحملات الانتخابية، على سبيل المثال، نادرًا ما يشهد النقاش العمومي تفكيكًا حقيقيًا للسياسات العمومية أو تقييمًا للأثر الاجتماعي للقرارات السابقة. بدل ذلك، يهيمن خطاب شعاراتي فضفاض، يُكثر من الوعود العامة دون تحديد الوسائل، ويعتمد على سرديات شخصية، أو على استعراض “القرب” من المواطن عبر صور وأساليب تواصلية لا تحمل أي مضمون سياسي فعلي.
هذا الاختزال يتجلى بوضوح في النقاشات البرلمانية التي تتحول، في كثير من الحالات، إلى مشاهد خطابية موجهة للاستهلاك الإعلامي. أسئلة آنية تُطرح دون متابعة، سجالات لفظية تُستثمر للتصفيق أو للانتشار الرقمي، بينما تغيب النقاشات العميقة حول السياسات القطاعية، أو تقييم البرامج الحكومية، أو محاسبة الاختيارات الاقتصادية. البرلمان، هنا، لا يُعطَّل، لكنه يُفرَّغ من وظيفته التداولية، ويُعاد تعريفه كفضاء عرض لا كفضاء تفكير.
في الفضاء الرقمي، تتخذ التفاهة السياسية شكلًا أكثر فجاجة. تصريحات مبتورة، مقاطع قصيرة خارج سياقها، ومواجهات كلامية تُقدَّم بوصفها “نقاشًا سياسيًا”. سياسيون يراكمون الحضور عبر الإثارة لا عبر الفكرة، ويُقاس وزنهم بقدرتهم على إثارة الجدل لا بقدرتهم على صياغة بدائل. وهنا يتحقق منطق خطير: السياسة تُكافَأ حين تكون سطحية، وتُعاقَب حين تكون معقدة. المواطن لا يُمنع من الاهتمام، بل يُستنزف في متابعة لا تُفضي إلى فهم.
من منظور سوسيولوجي، لا يمكن فصل هذه الظاهرة عن أزمة الثقة المتراكمة. فحين يغيب المعنى، يصبح العزوف موقفًا عقلانيًا. التفاهة السياسية لا تُقصي المواطن قسرًا، بل تدفعه إلى الانسحاب الهادئ، لأنه لا يرى في الخطاب المعروض ما يستحق الاستثمار الذهني أو العاطفي. وهكذا، تتحول المشاركة السياسية إلى طقس انتخابي محدود، لا إلى انخراط واعٍ في الشأن العام.
الأخطر أن هذا النسق لا يعمل ضد السلطة السياسية فقط، بل ضد السياسة ذاتها. فالتفاهة تُفرغ الصراع من مضمونه، وتحوّل الاختلاف إلى مشاحنات شخصية، وتُعيد إنتاج نفس النخب داخل نفس الدائرة الخطابية. لا أحد يُحاسَب على ضعف الفكرة، لأن الفكرة أصلًا لم تعد شرطًا. وبهذا، تُستبدل السياسة بوهم السياسة، كما وصف بودريار: تمثيل بلا أصل، وصورة بلا واقع.
في هذا السياق، تصبح مفاهيم مثل “الإصلاح” و“النموذج التنموي” و“ربط المسؤولية بالمحاسبة” جزءًا من قاموس متداول، لا من برنامج عمل. تُستعمل هذه المفاهيم بكثافة، لكنها لا تُحمَّل بمحتوى قابل للقياس أو للنقد. وهنا تتجلى تفاهة المعنى في أقصى صورها: اللغة السياسية تبدو غنية، لكنها معطّلة وظيفيًا.
إن التفاهة السياسية، بهذا المعنى، ليست فشلًا فرديًا، بل نتيجة نسق يكافئ السلامة الخطابية، ويعاقب الجرأة الفكرية. نسق لا يمنع النقاش، لكنه لا يسمح له بأن يغيّر شيئًا. وهذا ما يجعلها أداة ضبط ناعمة بالمعنى الفوكوي: ضبط عبر الإلهاء، لا عبر المنع؛ عبر الإشباع الرمزي، لا عبر القمع.
إن استعادة السياسة لمعناها في المغرب تمرّ عبر كسر هذا النسق، لا عبر تحسين لغته فقط. تمرّ عبر إعادة الاعتبار للبرنامج، وللتفكير طويل النفس، ولمساءلة حقيقية لا تُختزل في لحظة إعلامية. ففي سياق تُدار فيه السياسة بالضجيج، يصبح العمق فعلًا مزعجًا، ويغدو الدفاع عن المعنى موقفًا سياسيًا في حد ذاته. كل ذلك في انتظار معنى يعيد للسياسة شرفها.
* أوسي موح الحسن
على مسؤوليتي
سعيد الكحل: الفقيه الريسوني يعود إلى عادته القديمة
نشرت
منذ أسبوع واحدفي
ديسمبر 8, 2025بواسطة
سعيد لكحل
أصدر الفقيه الريسوني، بتاريخ 29 نونبر 2025، فتوى تحت عنوان “فتوى حول التعامل مع المحتلين والمعتدين”، يحرم فيها كل أشكال التعامل مع إسرائيل ومع الشركات والجهات الداعمة لها.
* التطاول على صلاحيات لجنة الإفتاء.
يصر الفقيه الريسوني على مخالفة إجماع المغاربة وتشبثهم، من جهة، بمرجعيتهم الدينية التي تلزمهم بطاعة ولي الأمر، ومن أخرى بوثيقتهم الدستورية التي تنص في الفصل 41 بأن “الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية. يرأس الملك، أمير المؤمنين، المجلس العلمي الأعلى، الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه. ويعتبر المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى المعتمدة رسميا، بشأن المسائل المحالة عليه، استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة”.
والفقيه الريسوني، بفتواه تلك التي تخرق الدستور وتتنكر لمذهب المغاربة وما أجمعوا عليه حفاظا على وحدتهم، يصر على تنصيب نفسه “مفتيا” في شؤون المغاربة الدينية والدنيوية. وليست المرة الأولى التي يتطاول فيها على اختصاصات المجلس العلمي الأعلى، بل سبق له أن فعلها مرات عديدة، حيث كانت أولاها يوم تصدى لمشروع خطة إدماج المرأة في التنمية، متهما واضعيه ومسانديه بمحاربة الدين وهدم ما تبقى من حصونه. إلا أن أخطرها لما طعن في أهلية الملك لإمارة المؤمنين، سنة 2003، فاضطر، ساعتها إلى تقديم استقالته من رئاسة حركة التوحيد والإصلاح. وها هو اليوم يواصل استهدافه لإمارة المؤمنين تنفيذا لمخطط تنظيم الإخوان الدولي الذي كشفت عنه رسالة مرشد التنظيم في مصر، مصطفى مشهور، إلى تنظيمات الإسلام السياسي بالمغرب سنة 1996، ومن أهدافها: ضرب الشرعية الدينية للملك ومنازعته صلاحياتها. لهذا شدد الفقيه الريسوني في فتواه على البعد الديني وذلك بالتحريم القاطع لأي تعامل مع إسرائيل.
* فتوى سياسية وليست دينية.
إن الفقيه الريسوني لم ينصّبه الدستور مفتيا ولا تم تعيينه رئيس لجنة الإفتاء. إنما هو لسان حال تنظيم الإخوان يروج لشعارات فرعه بالمغرب التي ظلت ترددها الجماعات المنتمية إليه على مدى خمس سنوات، واشتد صرخاتها مع “طوفان الأقصى” في محاولة يائسة للضغط على المغرب لقطع كل العلاقات مع إسرائيل. لم يكن هدف الريسوني ومعه إخوانه في التيار نصرة أهل غزة، بل استثمروا في مآسي الفلسطينيين أملا، من جهة، في استرجاع مواقعهم الانتخابية التي خسروها بسبب فقدانهم أصوات الناخبين، ومن أخرى سعيا إلى استهداف شرعية النظام الدينية والسياسية. ذلك أن تنظيمات الإسلام السياسي وفقهائها وعلى رأسهم أحمد الريسوني الذي تولى رئاسة “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” الذي يتشكل من الأعضاء المنتمين لهذا التيار قبل أن يستقيل مضطرا، لم يصدروا بيان إدانة ضد قطر وتركيا اللتين تربطهما علاقات قوية ومتعددة مع إسرائيل. فقد سبق لمحمد بن عبد الرحمن آل ثاني، رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، أن صرح، في لقاء صحفي لقناة “فوكس” الأمريكية أن “دولة قطر منذ التسعينيات، منذ أوسلو كانت أول دولة تقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، عندما كان هناك أمل في السلام، وفي عام 1997 وقعنا على البعثات التجارية.. حتى الآن لا تزال لدينا علاقة العمل هذه، لم تتوقف”. كما سبق لمعهد أبحاث الإعلام في الشرق الأوسط (MEMRI) أن سرّب وثائق تثبت تمويل الحكومة القطرية لمسؤولين إسرائيليين ضمن “مشروع رافين”، ومنها وثائق يرجع تاريخها إلى عامي 2012 و2018، حين قدمت قطر منحتين على الأقل، لنتنياهو، الأولى قدرها 15 مليون دولار في عام 2012 والثانية قدرها 50 مليون دولار في عام 2018. نفس الأمر فيما يتعلق بتركيا التي تربطها علاقات قوية بإسرائيل؛ إذ تشير الأرقام إلى أن قيمة صادرات تركيا من الصلب إلى إسرائيل بلغت في مارس 2024 نحو 13 مليوناً و901 ألف و470 دولاراً، مقارنة بـ153 ألفاً و400 دولار فقط في الشهر نفسه من عام 2023، أي بزياد مهمة بنسبة 8962.2%. أما قيمة صادرات الصلب خلال الربع الأول من 2024(يناير–مارس)، فقد بلغت 41 مليوناً و421 ألفاً و420 دولاراً، في مقابل 177 ألفاً و560 دولاراً في الفترة نفسها من عام 2023، أي بزيادة نسبتها 23228.1%. أما حجم التجارة بين إسرائيل وتركيا فقد بلغ 7 ملايير دولار. رغم حجم التبادل التجاري لم يهاجم الريسوني أو تنظيمات الإسلام السياسي تركيا؛ بل برروا علاقاتها مع إسرائيل ودافعوا عنها كما هو حال حركة حماس التي قالت، مباركة تلك العلاقات، إنها “تتطلع إلى مواصلة تركيا لدورها في دعم القضية الفلسطينية وإنهاء الحصار بشكل كامل”. لكن حين تعلق الأمر بالمغرب سارعت الحركة إلى الإدانة معتبرة تطبيع العلاقات مع إسرائيل “يعد خطيئة وسلوكا مضرا بمصالح الأمة وأمنها ويمثل خطرا على القضية الفلسطينية وطعنة في ظهر شعبنا وأمتنا”.
* تنظيم الإخوان لا يؤمن بالأوطان.
ليس مستغرَبا أن يتجاهل الريسوني ومعه إسلاميو المغرب ظروف المغرب وقضيته الوطنية الأولى التي تستنزف مقدراته على مدى نصف قرن؛ فهم لا يؤمنون بالوطن وعلى استعداد للتضحية بمصالحه العليا من أجل أوهامهم الإيديولوجية العابرة للحدود. وهذا ما يفسر فتح أسواق المغرب على مصراعيها أمام المنتوجات التركية رغم الأضرار الاقتصادية والاجتماعية التي تسببت فيها، فضلا عن الاستغلال الفظيع لقضية غزة لتجييش المواطنين وحشدهم في مظاهرات واحتجاجات لا تنتهي من أجل الضغط على النظام لقطع العلاقات مع إسرائيل. ذلك أن الإسلاميين لا يقدّرون المكاسب الدبلوماسية والعسكرية للدعم الأمريكي والإسرائيلي للمغرب والذي أثمر قرار مجلس الأمن 2797 المعترف بالسيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية. كما لم يكترثوا للتهديدات المتزايدة التي يشكلها النظام الجزائري على أمن المغرب وحدة أراضيه. وهذا الذي على الريسوني وإخوانه الوعي به واستحضاره حين الحديث عن “التطبيع” ومزاياه الدبلوماسية (الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء) والعسكرية (تزويد المغرب بأحدث الأسلحة الأمريكية والإسرائيلية الرادعة لأي عدوان وبتقنيات صناعتها (نموذج صناعة الدرونات الانتحاريةSPX). فمن حق المغرب أن يستفيد من الدعم العسكري الإسرائيلي مثلما استفادت منه تركيا في تطوير جيشها.
إن فتوى الريسوني بمقاطعة كل الشركات التي يضعها تنظيم الإخوان ضمن خانة “الداعمة لإسرائيل”، لا يريد بها دعم غزة بقدر ما يسعى إلى الإضرار مباشرة بالاقتصاد الوطني وبالوضع الاجتماعي للمغاربة الذي سيترتب عن إغلاق الشركات والمؤسسات الإنتاجية والخدماتية وتسريح عشرات الآلاف من العمال وحرمان خزينة الدولة من عائداتها الضريبة. إنهم يريدون خنق النظام بتأزيم الأوضاع الاجتماعية وتجفيف موارده المالية؛ وتلك إستراتيجية تعتمدها كل تنظيمات الإسلام السياسي.
إن المغرب ليس بحاجة إلى فتاوى الريسوني وأمثاله لتطوير قدراته وبناء علاقاته الدولية. والدعم المغربي الدائم والمبدئي للفلسطينيين لا يتوقف على فتوى ولا يتأثر بمواقف التنظيمات الإخوانية. وعلى سماسرة وتجار القضية الفلسطينية أن يعلموا أن المغرب هو الدولة الوحيدة التي تتحمل مسؤوليتها المالية الكاملة في تمويل بيت مال القدس. وكان حريا بالريسوني أن يتعظ مما جرّته عليه نزواته الفقهية، إذ لا يكاد يرأس هيئة حتى يُطرد منها بسبب تنطعه والإفتاء فيما لا يعنيه ولا يدخل ضمن المجال الفقهي.
* شطحات الفقيه الريسوني.
إن المتتبع لخرجات وفتاوى الريسوني سيدرك تناقضاته/شطحاته التي لا يحكمها مبدأ ثابت. فهو نفسه لم ينضبط لفتواه بتحريم أي تعامل أو “افتاق سلام” مع إسرائيل؛ إذ سبق له أن وافق، سنة 2006، عبر قناة الجزيرة على موقف أحمد ياسين، مؤسس حركة حماس، بجواز توقيع حركته على هدنة مع إسرائيل. بل ذهب الريسوني أبعد من هذا لما أفتى بإمكان حماس أن تسمي اتفاق الهدنة مع إسرائيل بأنها “اتفاقية سلام” مؤقتة. وفي غشت 2019، نشر فتوى يجيز فيها للمسلمين غير الفلسطينيين زيارة القدس والمسجد الأقصى، مع العلم أنه سبق أن أخبر الصحفي والكاتب الفلسطيني، منير شفيق، أنه “يفضل قطع رأسه على أن يطلب تأشيرة من سفارة صهيونية”.
شطحات الفقيه الريسوني لم تقتصر على العلاقة مع إسرائيل، بل شملت فتاواه قضايا أخرى منها ولاية المرأة على نفسها في الزواج؛ إذ شدد في تحريمها عبر بيانه، سنة 2000، حول مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية، ثم غيّر رأيه، في حوار صحفي، بعد ستة أشهر فقط. وحين أعلن جلالة الملك عن مضمون التعديلات التي همت مدونة الأحوال الشخصية أمام البرلمان سنة 2003، برر الريسوني موافقته على التعديلات بأن “اختيار الحاكم يرفع الخلاف”. لكنه اليوم يقرر مخالفة هذه القاعدة الفقهية والخروج عما أفتى به جمهور الفقهاء بوجوب طاعة ولي الأمر إرضاء لنزعته الأيديولوجية ووفاء لتنظيم الإخوان.
مراكش تتحتضن عرضا لمسرحية “الكمانجي” للمخرج عبد الحق الصقلي
ترامب يطالب “بي. بي. سي” بتعويض قدره 10 مليارات دولار
الطقس: نشرة إنذارية لوزارة النقل واللوجيستيك
طقس اليوم في مختلف مناطق المغرب
كأس العرب: الأردن إلى النهائي على حساب السعودية
لجنة المعطيات الشخصية تنفي رفضها نشر لوائح الصحفيين
المغرب يتغلب على الإمارات بثلاثية نظيفة ويتأهل لنهائي كأس العرب
فيضانات آسفي.. اجتماع طارئ وتعبئة شاملة لمواجهة الأزمة
سعيد الكحل: تثمين العمل المنزلي عُقدة الإسلاميين
تشكيلة المنتخب الوطني الرديف امام الإمارات
درعة-تافيلالت.. تعليق الدراسة مؤقتا بسبب سوء الأحوال الجوية
فيضانات آسفي.. النيابة العامة تفتح بحثا في الأسباب
المخرج سعيد بن الثقة يكشف الستار عن فيلمه الجديد الكوميدي “3 دقايق”
آسفي : تعليق الدراسة بالمؤسسات التعليمية لثلاثة أيام
(لارام) تفتح تسعة خطوط جوية مباشرة في اتجاه كل من أوروبا، وإفريقيا وأمريكا
النقابة الوطنية للصحافة تتضامن مع أسر ضحايا فيضانات آسفي
فيضانات آسفي: ارتفاع حصيلة الخسائر البشرية إلى 37 وفاة
السياسة : في الحاجة إلى المعنى في زمن التفاهة
ريال مدريد يفوز على ديبورتيفو ألافيس 2-1
الفيضانات الاستثنائية بإقليم آسفي: تعداد 21 حالة وفاة إلى حدود اللحظة
مدينة الصويرة تحتفي بأحد أبنائها البررة..محمد عبيد
إطلاق الدورة العاشرة للمنتدى الدولي للإعلام بواشنطن
سعيد الكحل: سقوط الأقنعة عن تجار الفتنة
كاس العرب 2025: المنتخب الجزائري حامل اللقب يكتفي بالتعادل مع السودان صفر-صفر
نحو إلزام الأحزاب الإسلامية بميثاق قانوني لوقف توظيف الدين وخطاب الكراهية
اختراق أمني يستهدف بيانات مستخدمي ChatGPT
أمريكا تقلص مدة انتظار التأشيرة بالمغرب إلى شهرين استعدادا لمونديال 2026
سعيد الكحل: الفقيه الريسوني يعود إلى عادته القديمة
هيئات نقابية صحافية تجدد رفضها القاطع لمشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة
هذه هي الشروط الجديدة لدعم ترشح الشباب في الانتخابات
قرعة مونديال 2026: المغرب يقع في مجموعة البرازيل
وزير الداخلية يذكر باستمرار تسجيل الناخبين
محكمة فرنسية تقرر تأجيل محاكمة سعد لمجرد بتهمة الاغتصاب
غوغل تكشف عن تحديث يتيح للشركات الاطلاع على رسائل الموظفين النصية!
مجلس التعاون الخليجي يجدد التأكيد على مغربية الصحراء ويرحب بقرار مجلس الأمن 2797
الجديدة: 90 سنة سجنا للمتابعين الستة في قضية اغتصاب قاصر
مدريد تشيد بالعلاقات “الرائعة” بين المغرب وإسبانيا
مراكش.. توقيف متورطين في سرقة سائحة أجنبية
كأس العرب 2025… البطولة تنطلق اليوم بمواجهتين مثيرتين
هؤلاء هم أفضل هدافي كأس أمم إفريقيا عبر التاريخ
