Connect with us

على مسؤوليتي

سعيد الكحل: ملاحظات على البيان الختامي للمؤتمر9 للبيجيدي

نشرت

في

إن البيان الختامي الصادر عن المؤتمر التاسع لحزب العدالة والتنمية، ونظرا لدقة الظرفية التي يمر بها الحزب، والمرتبطة بوضعيته السياسية بسبب فشله في الانتخابات التشريعية التي أزاحته عن صدارة النتائج وعن قيادة الحكومة بعد عِقد من الرئاسة، ليحتل المرتبة الثامنة فيلتحق ـ كرهاـ بالمعارضة؛ ثم وضعيته التنظيمية التي أفقدته نصف أعضائه وقيادات بارزة من الصف الأول؛ يسمح ــ البيان ــ بتسجيل الملاحظات التالية:
1 ـ هاجس إبراء ذمة الحزب: شكل توقيع الحزب، في شخص أمينه العام ورئيس الحكومة السابق، السيد سعد الدين العثماني، على اتفاقية أبراهام واستئناف العلاقات مع إسرائيل مقابل اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة المغربية على الصحراء، حرجا كبيرا للحزب الذي اتخذ من القضية الفلسطينية أسّا جوهريا في منظومته الإيديولوجية وشعارا مركزيا في كل معاركه السياسية. ومن أجل التخلص من هذا الحرج وإبراء ذمته من تبعاته السياسية والتنظيمية والإيديولوجية، ركز المؤتمر، سواء في كلمة أمينه العام أو في بيانه الختامي، على محورية القضية الفلسطينية بالنسبة للحزب، دفعا لك مَعرّة أو شبهة. لأجل هذا خصص المؤتمر حيزا مهما في البيان الختامي، للقضية الفلسطينية.
*القضية الفلسطينية 36 سطر، 5 فقرات
*كلمة فلسطين 18 مرة
*الصهيونية 11 مرة
*الإبادة 4 مرات
*غزة 3 مرات

إن مصدر الحرج ليس القضية الفلسطينية ومسألة “التطبيع”، بل رهان الحزب على توظيف القضية كأصل تجاري يزايد بها على خصومه السياسيين، وتُمكّنه من استغلال التعاطف الشعبي مع القضية في كسب أصوات الناخبين. وهذا ما نوه به المؤتمر في بيانه الختامي “وإذ يشيد المؤتمر بالمسار الإيجابي الذي عرفه الحزب منذ المؤتمر الاستثنائي لسنة 2021، وما حققه من مكاسب على طريق استعادة الحزب للمبادرة واسترجاعه لمكانته ودوره وإشعاعه خاصة في القضايا الرئيسة التي تهم الأمة والوطن”.

لم يستطع الحزب إعادة ترتيب القضايا ذات الأولوية بالنسبة إليه، إذ ظل يضع القضية الفلسطينية على رأس القضايا متقدمة عن قضية الوحدة الترابية للمغرب، رغم إشادته بمواقف جلالة الملك، رئيس لجنة القدس، الداعمة للفلسطينيين والمشددة على حقهم في إقامة دولتهم المستقلة. فبيان المؤتمر لم يُول قضية الوحدة الترابية نفس الأهمية والمركزية التي خصصها للقضية الفلسطينية. ذلك أن البيان خصص للصحراء المغربية فقرتين من 11 سطرا، وتكررت كلمة الصحراء ثلاث (3) مرات فقط.

2 ـ هاجس رد الاعتبار للحزب: (أنا وحدي نضوي البلاد).
لم يستسغ الحزب الهزيمة المدوية التي مني بها في انتخابات 8 شتنبر 2021، والتي أساء قراءتها بإرجاع أسبابها إلى تدخل الدولة بدل الإقرار بفشله في تحقيق وعوده الانتخابية وتحسين مستوى عيش المواطنين. ولعل الغصة التي تسببت فيها هزيمة 8 شتنبر، جعلت الحزب يحكم على المسار السياسي بالفشل الذريع: “يسجل المؤتمر للأسف تعرض مسار البناء الديموقراطي ببلادنا في السنوات الأخيرة لتراجعات مست مصداقيته”. وقد ركز المؤتمر في بيانه الختامي على مسألتين اعتبرها المؤتمرون أساسيتين:
أ ـ الأداء الحكومي الذي هاجمه بشدة مخصصا له حيزا أوفر في البيان (163 سطرا من أصل 188 سطر المخصصة للجانب السياسي). إذ لم يكتف البيان بانتقاد الحكومة، بل حمّلها نتائج قرارات حزب العدالة والتنمية التي اتخذها حين كان يقودها: “يعتبر المؤتمر أن الفشل الحكومي برز بشكل أكثر حدة في المجال الاقتصادي والتنموي، سواء من خلال عجز الحكومة عن مواصلة وليس إطلاق الإصلاحات الكبرى وخاصة المقاصة والتقاعد، أو في اعتماد سياسة ضريبية جمركية محفزة للاستثمار وإنتاج الثروة او في حماية المالية العمومية من الانهيار”. وقد بالغ البيان في اعتبار إزاحة البيجيدي عن صدارة الانتخابات وقيادة الحكومة فشلا وانتكاسة “للمسار الديمقراطي”. فمعيار الديمقراطية ومصداقية المؤسسات التمثيلية وشرعيتها، حسب البيان، هو استمرار البيجيدي على رأس الحكومة: “يسجل المؤتمر للأسف تعرض مسار البناء الديموقراطي ببلادنا في السنوات الأخيرة لتراجعات مست مصداقيته، وأثرت سلبا على ثقة المواطن في جدوى المشاركة السياسية والعملية الانتخابية وما تفرزه من مؤسسات هشة فاقدة للثقة والمصداقية وبدون شرعية حقيقية”.
ب ـ تجربة البيجيدي الحكومية التي جعل منها المؤتمر مرجعا ونموذجا للنجاح في تدبير الشأن العام: “وإذ يذكر المؤتمر بالعمل الجاد والمسؤول والشجاعة السياسية لحكومة العدالة والتنمية لما تمكنت اليوم هذه الحكومة من التوفر على 100 مليار درهم من اعتمادات مالية بفضل إصلاح نظام المقاصة لتمويل الاستثمار والتعليم والصحة وورش تعميم الحماية الاجتماعية، فإن الحكومة اليوم عاجزة عن بلورة وتنزيل إصلاح طموح وشجاع ومسؤول لاستكمال إصلاح منظومة المقاصة”.

لقد تجاهل المؤتمر في بيانه مسؤولية الحزب على رأس الحكومة في توفير أسباب الغلاء والفساد والتهرب الضريبي بما اتخذه من قرارات وإجراءات مست مباشرة بالقدرة الشرائية لغالبية المواطنين، وفي مقدمتها تحرير أسعار المحروقات دون اتخاذ التدابير اللازمة لمنع تغول شركات التوزيع.

حبل الكذب قصير.
إن تركيز بيان المؤتمر على انتقاد الحكومة بسبب “تراجع بلادنا في مؤشر إدراك الفساد، من المركز 86 في سنة 2020 إلى المركز 99 في سنة 2024، يفقد مصداقيته. ذلك أن هذا التراجع لم يقترن بتجربة حكومة عزيز أخنوش، وإنما وفرت له حكومة البيجيدي، طيلة عقد من الزمن، كل أسباب التردي وتفشي الفساد والرشوة.

إذ لم تشكل تلك الفترة قطيعة مع الفساد ولا حربا ضد الفاسدين؛ بل ظل المغرب يحتل المراتب المتدنية في مؤشر الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية (احتل المغرب المرتبة 88 عالمياً سنة 2015، وفي 2016 احتل المرتبة 90 عالمياً، وفي 2017 احتل الرتبة 81، وفي 2018 احتل المرتبة 73، وسنة 2019 احتل الرتبة 80، ثم الـمرتبة 86 عالميا سنة 2020، وفي 2021، وهي آخر سنة من ولاية حكومة البيجيدي، احتل المغرب المترتبة 87). علما أن حكومة البيجيدي كانت تتوفر على الاستراتيجية الوطنيـة لمكافحة الفسـاد (تم وضعها سنة 2015 وتم تحيين صيغتها سنة 2018) فضلا عن مؤسسات الحكامة بما في ذلك الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومؤسسة الوسيط ومجلس المنافسة.

لقد فشلت حكومة البيجيدي فيما فشلت فيه حكومة أخنوش. لهذا تفقد الانتقادات التي يوجهها البيجيدي للحكومة موضوعيتها، كما تفقد وعوده “الإصلاحية” مصداقيتها مادام لم يف بما رفعه من شعارات وما قدمه من وعود سنة 2011، ومنها “تحسين ترتيب المغرب في مؤشر مناهضة الفساد العالمي إلى 40 “؛ علما أن رتبة المغرب سنة 2010 كانت 85. ومن أجل بيان فشل حكومة البيجيدي الذريع، نذكّر أصحاب البيان أنهم تسلّموا المغرب وهو يحتل المركز 114 في مؤشر التنمية سنة 2011، وسلّموه لحكومة أخنوش وهو يحتل المركز 121 من أصل 189 دولة شملها التصنيف سنة 2020. أما بخصوص معدلات النمو فيجدر تذكير قيادة البيجيدي أن المغرب حقق معدلات نمو اقتصادي مهمة قبل 2012: 7.57 % سنة 2006 ، 5.92 % سنة 2008 و 5.2 % سنة 2011. وما أن تسلم الحزب رئاسة الحكومة حتى بدأت نسب النمو في الانهيار: 3 % خلال سنوات 2012 و2014 و2018 حسب أرقام البنك الدولي، 1.06 % سنة 2016.

الديون الخارجية. يقول المثل الشعبي “الشبكة تضحك على الغربال”. وهذا ينطبق على البيجيدي الذي انتقد الحكومة وحذرها من “مغبة استنزاف المالية العمومية واللجوء المفرط إلى الاستدانة”. وقد تناسى الحزب كيف أغرق البلاد بالديون الخارجية في مدة زمنية قصيرة، دون أن ينعكس ذلك إيجابيا على القدرة الشرائية للمواطنين. علما أن البيجيدي ألغى صندوق المقاصة وحرر أسعار المحروقات. ورغم ذلك ارتفعت الديون الخارجية للمغرب من 22.04 مليار دولار نهاية 2011 إلى 32.08 مليار دولار سنة 2016، أي في عهد حكومة بنكيران (2012 بلغت 25.22 مليار دولار، 28.8 مليار دولار في 2013، لترتفع إلى 30.72 مليار دولار سنة 2014). أما حكومة سعد الدين العثماني فقد أنهت ولايتها بوصول الدين الخارجي سنة 2021 إلى 65.373 مليار دولار. لم يستحضر البيان تحذير المندوبية السامية للتخطيط، بعد أن وصل إجمالي ديون المغرب العمومية نحو 81.6 في المائة من الناتج الإجمالي عام 2017.

التطبيع والوحدة الترابية. “يأكلون الغلة ويسبون الملة”.
لم يكن منتظرا من البيجيدي أن يغير موقفه من التطبيع واستئناف المغرب للعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، ولا كان منتظرا منه أن يجعل الوحدة الترابية قضيته الأولى، كما هي عند جميع المغاربة باستثناء لخوانجية وذيولهم المتياسرة؛ إلا أن تثمينه للنجاحات التي حققتها الدبلوماسية المغربية وتوالي الاعتراف بمغربية الصحراء من دول وازنة لها عضوية دائمة بمجلس الأمن، ليس إلا نفاقا وتنكّرا للدعم الأمريكي والإسرائيلي للمغرب ولقضيته الوطنية الأولى، التي باتت قاب قوسين أو أدنى من الحل النهائي: “ننوه ونثمن ما شهدته هذه القضية الوطنية من تطورات دالة تحت قيادة جلالة الملك وذلك على طريق الحسم النهائي لهذا الملف في إطار المسار الوحيد المعتمد داخل الأمم المتحدة والمتمثلة في المواقف الإيجابية لعدد من الدول الأساسية كإسبانيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وقبلهم الولايات المتحدة الأمريكية”. لهذا، وبكل خسة وصفاقة، دعا البيان إلى “إغلاق مكتب الاتصال الصهيوني كما حصل في نهاية سنة 2000 عندما تم الاعتداء على المسجد الأقصى، وحل ما يسمى زورا لجنة “الصداقة” البرلمانية مع الكيان الصهيوني الغاصب، وإلغاء كل الاتفاقيات مع العدو الصهيوني وإنهاء كل شكل من أشكال التعامل معه”.

بهذه الدعوة الخسيسة يثبت البيجيدي أن قضية الوحدة الترابية لا تعنيه قدر ما تعنيه قضية غزة التي يتاجر بها لأهداف لا علاقة لها بغزة ولا بفلسطين. فالحزب الذي تحمّس أمينه العام للجهاد في أفغانستان دون فلسطين لا تهمه إطلاقا غزة ولا تازة. لهذا وجب تذكير أصحاب البيان الذين هم مجرد محررين لما يمليه عليهم بنكيران، بأن هذا الأخير ساند سعد الدين العثماني بعد التوقيع على “التطبيع” وانتصر له بمبرر أنه “لا يمكن خذلان الدولة في قضية حرجة”، وأن “المغرب يعرف ما يفعل وجلالة الملك يعرف مصلحة البلاد”.

فما الذي تغير حتى ينقلب بنكيران على نفسه إلا أن يكون نفاقا أو متاجرة بغزة. وفي الحالتين فإن مؤتمر البيجيدي يخرج عن الإجماع المغربي وعن الثوابت الوطنية، ويرفض اعتبار الصحراء المغربية هي النظارة التي يرى ويتعامل بها تطبيقا للتوجيهات الملكية، خصوصا بدعوته أحد أعداء وحدتنا الترابية ـ ولد الددوـ إلى حضور مؤتمره، ثم نعت أمينه العام لمخالفيه وحَمَلة شعار “تازة قبل غزة” بأقذع النعوت: “خونة”، “حمير”، ميكروبات”. ولكن ” كن كان الخيْر فْ مُوكَا ﯕاعْ ما يْخلّيوْها الصّيَّادة”.

إعلان
انقر للتعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

على مسؤوليتي

سقوط حكومة بايرو: قراءة في أزمة الجمهورية الخامسة و مصير العقلنة البرلمانية

نشرت

في

1. حدث استثنائي في سياق استثنائي
إن سقوط حكومة فرانسوا بايرو بعد تصويت الجمعية الوطنية بحجب الثقة (364 ضد و194 مع) ليس مجرد حدث عابر في التاريخ السياسي الفرنسي، بل هو محطة فارقة تكشف عن اهتزازات عميقة في بنية النظام السياسي للجمهورية الخامسة. لأول مرة منذ 1958، تعجز حكومة عن الحفاظ على ثقة البرلمان، رغم أن النظام صُمم أصلاً ليجعل السلطة التنفيذية، خصوصًا رئيس الجمهورية، في موقع قوة شبه مطلقة.

2. البعد الدستوري: اهتزاز “الاستثناء الديغولي”
أراد الجنرال ديغول عند صياغة دستور 1958 أن يحصّن السلطة التنفيذية ضد تقلبات البرلمان التي طبعت الجمهوريات السابقة. وقد مُنحت لرئيس الجمهورية سلطات واسعة لتفادي “عدم الاستقرار الوزاري”. لكن سقوط حكومة بايرو يطرح سؤالًا جوهريًا: هل ما يزال النموذج الديغولي قادرًا على الصمود أمام الضغوط الحزبية والانقسامات المجتمعية؟.

3. الأزمة الديمقراطية والتمثيلية
النتيجة الكاسحة ضد الحكومة تعبّر عن أكثر من مجرد رفض برنامج سياسي؛ إنها انعكاس لأزمة تمثيل أعمق:
انعدام الثقة بين النخب السياسية والقاعدة الشعبية، وهو ما تبلور في احتجاجات “السترات الصفراء” وأزمات التضخم.
تآكل الوساطة الحزبية: لم تعد الأحزاب قادرة على إنتاج توافقات مستقرة، بل تحولت إلى جزر متنافرة تشتغل بمنطق المزايدة.
انقسام داخل الأغلبية الرئاسية نفسها، إذ لم تعد قادرة على توفير شبكة أمان سياسي لرئيس الوزراء.

4. تداعيات على موازين القوى
سقوط حكومة بايرو سيؤدي حتمًا إلى إعادة ترتيب المشهد:
المعارضة اليسارية ستسعى إلى تعزيز خطابها الاجتماعي كبديل جدي، أما اليمين التقليدي واليمين المتطرف سيستثمران الحدث لإظهار فشل “المركزية الماكرونية”؛ مما يطرح احتمالية انتخابات تشريعية مبكرة تلوح في الأفق إذا تعذّر تشكيل أغلبية صلبة، مما سيزيد من درجة المخاطرة السياسية لماكرون.

5. الأبعاد الرمزية والتحول في الثقافة السياسية
إن فشل الحكومة تحت رقابة البرلمان يعيد فرنسا، جزئيًا، إلى منطق “البرلمانية الكلاسيكية” التي كان ديغول يعتبرها سبب الضعف والفوضى في الجمهورية الرابعة. هذا التحول الرمزي يعني أن البرلمان لم يعد مجرد غرفة تسجيل للخيارات الرئاسية، بل أصبح فاعلًا مركزيًا يعيد فرض نفسه على ساحة القرار السياسي.

6. الاستشراف: نحو تعديل دستوري أم إعادة هندسة سياسية؟
السيناريو الأول: أن ينجح ماكرون في إعادة تشكيل حكومة توافقية تُعيد بعض الاستقرار، مع الحفاظ على قواعد اللعبة الديغولية.

السيناريو الثاني: أن يدخل النظام الفرنسي في أزمة مؤسسية ممتدة، بما يفرض نقاشًا واسعًا حول ضرورة تعديل الدستور أو الانتقال إلى “الجمهورية السادسة”.

السيناريو الثالث: أن تتسع رقعة عدم الاستقرار، بما يعيد فرنسا إلى حالة من المراوحة بين الشرعية البرلمانية والشرعية الرئاسية.

من هنا فإن سقوط حكومة بايرو ليس حدثًا إجرائيًا فحسب، بل مؤشر على أزمة عميقة في بنية النظام السياسي الفرنسي: أزمة شرعية، أزمة تمثيل، وأزمة ثقة. فالجمهورية الخامسة، التي بُنيت على توازن مائل لصالح الرئاسة، تجد نفسها لأول مرة مهددة بالعودة إلى منطق التعددية البرلمانية المتنازعة. إنها لحظة مفصلية قد تحدد ملامح مستقبل الديمقراطية الفرنسية بين خيارين: إما إعادة الترميم المؤقت، أو الشروع في هندسة دستورية جديدة تفتح الباب أمام “جمهورية سادسة”.

من باب الاستشراف: إلى أين تتجه “العقلنة البرلمانية”؟
إن سقوط حكومة بايرو لا يضع فقط علامة استفهام حول متانة النظام الرئاسي–البرلماني في فرنسا، بل يعيد أيضًا إحياء النقاش حول جدوى “العقلنة البرلمانية” التي شكّلت حجر الزاوية في دستور 1958. فإذا كانت هذه العقلنة قد وُلدت كأداة لتأمين الاستقرار التنفيذي وتحصين الحكومة من تقلبات الأغلبية، فإن ما جرى يبيّن أن فعاليتها أصبحت نسبية أمام تحولات الخريطة الحزبية والأزمات الاجتماعية المتفاقمة.

وقد يقود هذا التحول إلى أحد مسارين:
إما مزيد من التشديد الدستوري في محاولة لإنعاش العقلنة عبر منح السلطة التنفيذية أدوات إضافية، أو تآكل تدريجي للعقلنة أمام ضغط البرلمان وصعود النزعة التمثيلية المباشرة، بما قد يفتح الباب نحو برلمانية أكثر كلاسيكية. لكن الدرس الأعمق هو أن العقلنة ليست مجرد تقنية دستورية، بل هي بالأساس ثقافة سياسية تقوم على التوافق والثقة المتبادلة بين الفاعلين. من دون تجديد للوساطة الحزبية، ومن دون إعادة بناء الشرعية التمثيلية، ستظل العقلنة البرلمانية حبراً على ورق، وسيجد النظام السياسي نفسه مضطراً إلى التفكير في إعادة هندسة أوسع قد تمهّد للجمهورية السادسة.

مصطفى المنوزي
رئيس أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي

أكمل القراءة

على مسؤوليتي

ذ.مصطفى المنوزي: العفو بين الذاكرة والسياق الراهن

نشرت

في

بين الفينة والأخرى، يُطرح الحديث عن احتمال تكرار سيناريو العفو الذي شمل قادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية خلال ستينيات سنوات الرصاص. يومها، صدرت أحكام قاسية وصلت إلى الإعدام، لكن العفو جاء في سياق سياسي مضطرب: أحداث 23 مارس 1965، حالة الاستثناء، ثم التحضير لاختطاف الشهيد المهدي بنبركة. لم يكن العفو آنذاك بلا مقابل، بل جزءًا من تسوية أملتها موازين القوى.

الشيء نفسه حصل مع عفو محمد آجار بونعيلات، الذي ارتبط بتداعيات الانقلابين العسكريين الفاشلين، وفقدان النظام لقاعدته الاجتماعية، مما اضطره إلى استيعاب قدماء المقاومة وجيش التحرير، وتأسيس المجلس الوطني لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير ، بعضوية سعيد بونعيلات ورئاسة عبد الكريم الخطيب وإطلاق سياسة “مغربة الأراضي” كرد فعل على الشبهات المحيطة بالدور الفرنسي في أحداث الإنقلابين وكذا على رفض فرنسا في عهد بومبيدو دعم الدولة لمواجهة أحداث مارس 1973.

ودون أن نغفل واقعة إختطاف الحسين المانوزي من تونس في 29 أكتوبر 1972 (نفس اليوم والشعر بالنسبة للمهدي ) ، وتوجيه رسائل ملغومة لكل من عمر بنجلون ومحمد اليازغي في نفس الفترة ، لكن، هل يمكن القياس بين الأمس واليوم؟ الوقائع مختلفة، الأشخاص مختلفون، والمشاريع متباينة قطعيا والسياقات مغايرة جذريًا. إذا كانت هناك كلفة سياسية أو أمنية، فمن سيتحملها؟ وبأي سقف؟ صحيح أن الردع اليوم أكثر نعومة، لكن الكلفة ما تزال باهظة.

إن استدعاء منطق الرهائن أو الكلفة السياسية لم يعد يجدي في زمن جديد. الحل لا يكمن في محاكاة الماضي، بل في تبني مقاربة إنسانية وحقوقية، تُعيد بناء الثقة وتفتح أفقًا حقيقيًا للإنصاف والمصالحة.وإذا كان لابد من تشبيه فنموذج مدينة إيفني أولى وأفضل وأقرب ؛ ولكن بعد تأهيل الإختلالات وتقويم الأعطاب.

* مصطفى المنوزي
منسق منتدى ضمير الذاكرة وحوكمة السرديات الأمنية

أكمل القراءة

على مسؤوليتي

سعيد الكحل: صحيفة لوموند والحنين إلى الهيمنة الاستعمارية

نشرت

في

بواسطة

صحيفة الابتزاز والاستفزاز.
لم يكن صدفة أن تخصص صحيفة “لوموند” سلسلة مقالات مستهدفة ملك البلاد وعلاقة الشعب به وبالملكية. ذلك أن هذه الصحيفة درجت على مهاجمة الملكية في المغرب والتحريض ضدها طيلة عقود. إلا أن مقالاتها الأخيرة تجاوزت كل الحدود بخوضها في أعراض جلالة الملك ومستقبل الملكية في المغرب عبر الترويج لأضغاث أحلام مموليها والمتحكمين في خط تحريرها.

لم تستفد الصحيفة من التاريخ لمّا حاول الاحتلال الفرنسي تعيين ابن عرفة مكان الملك الشرعي محمد الخامس فتصدى له الشعب المغربي بكل حزم. إن الشعب ذاته لا يزال وسيبقى وفيا للملكية، ولا يقبل عنها بديلا لضمان أمنه ووحدته واستقراره. وما يزيد المغاربة تمسكا بالملكية: أولا، وعيهم التام بأهميتها في تقوية اللحمة الوطنية الجامعة لكل مكونات الشعب المغربي؛ وثانيا، تجسيدها لهويتهم التاريخية والوطنية على مدى قرون؛ ثالثا، المآلات الفاشلة التي انتهت إليها الثورات أو الانقلابات العسكرية على الأنظمة الملكية في الدول العربية. وقد أظهر المغاربة بكل عفوية، عبر تريند “فخورون بملكنا” الذي غصت به مواقع التواصل الاجتماعي، مدى تعلقهم بالملك وحبهم له، كجواب مباشر على استفزازات الصحيفة.

تزعم الصحيفة “الحياد” و”الاستقلالية”، لكن الوقائع المسجلة خلال عقود أثبتت أنها تعتمد الابتزاز والتضليل والافتراء أسلوبا لتحقيق الربح على حساب المبادئ والحقيقة. ففي سبعينيات القرن الماضي، كشفت وثائق أرشيف “ميتروخين” الشهيرة حول أنشطة المخابرات السوفييتية، أن صحيفة لوموند كانت منفذا أساسيا للدعاية السوفييتية ونشر معلومات مضللة لصالح السوفييت.

ولعل قائمة الأحكام القضائية ضد الصحيفة تثبت متاجرتها بالأعراض وترويج الأكاذيب (في1998 أدان القضاء الفرنسي الصحيفة لصالح الملك الحسن الثاني رحمه الله، في 2014، قضت المحكمة العليا في إسبانيا بتغريم الصحيفة لصالح ريال مدريد وبرشلونة بعد أن اتهمتهما أنهما على علاقة بالطبيب الإسباني إيوفيميانو فوينتس، المدان الرئيسي في “عملية بويرتو” الخاصة بالمنشطات. وفي 2016 أُدينت صحيفة واثنان من صحافييها بتهمة التشهير، بعد أن كتبوا أن الممثل الأميركي جون مالكوفيتش لديه حساب مصرفي مخفي في سويسرا).

مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس.

لازال التيار الاستعماري في فرنسا يحن إلى ماضيه البغيض رغم الضربات المتتالية الأخيرة التي تلقاها الوجود الفرنسي في دول الساحل؛ إذ بات مبغوضا في عموم إفريقيا. بل إن هذا التيار لم يستوعب مقولة السيد ناصر بوريطة، وزير الخارجية المغربي، أن “مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس”. لهذا يتمادى هذا التيار في أسلوب الابتزاز والاستفزاز. أكيد لم يستوعب أن مغرب اليوم صار قوة إقليمية وازنة وجسرا أساسيا بين إفريقيا وأوروبا. واستهداف النظام الملكي هو استهداف لاستراتيجية متكاملة وضع أسسها الملك محمد السادس الذي يسهر على ترسيخ موقع المغرب كشريك إستراتيجي للقارة الإفريقية من خلال مبادرة الأطلسي، أنبوب الغاز المغرب ـ نيجيريا، الاستثمارات (ثاني مستثمر في إفريقيا)، البنوك المغربية تتواجد في 26 بلدا إفريقيا لدعم الاستثمارات وتمويل المشاريع، التعاون العسكري والأمني والاستخباراتي، بالإضافة إلى التكوين الجامعي ( المغرب يستقبل 19 ألف طالب من 49 دولة إفريقية، 90 في المائة منهم يستفيدون من منح دراسية مقدمة من الدولة المغربية)، فضلا عن التكوين الديني للأئمة.

فالمغرب لاعب جديد ومنافس حقيقي شعاره “إفريقيا للأفارقة” ومبدؤه “رابح/رابح”. وقد أشادت دول الساحل على لسان السيد Hassan Adoum Bakhit Haggar, سفير تشاد في المغرب، بالدور المغربي الذي تحتضنه شعوبها ووقوفه إلى جانبها “ما نبحث عنه، نحن الأفارقة هو شريك وفيّ في السراء والضراء، في فترات الشدة وفترات الرخاء هذه هي المصداقية التي نريد. فالمغرب كان دائما إلى جانب الدول الإفريقية، وأن جلالة الملك قدم لإخوانه في جنوب الصحراء التسهيلات في البنية التحتية لتعويض النقص الذي تواجهه اقتصاداتهم. المواد الأولية نتوفر عليها، إدارتها نتوفر عليها كذلك، يبقى كيف يتم تسويقها لتخفيض كلفة نقل المواد الأولية، وهذا العرض يوفر لنا فرصة مهمة جديرة بالتقدير”.

إن إستراتيجية المغرب في إفريقيا تختلف جوهريا عن إستراتيجية فرنسا أو الدول التي استعمرت إفريقيا. وقد حدد جلالة الملك ما تمثله إفريقيا للمغرب في خطاب 20 غشت 2016: “فنحن لا نعتبر إفريقيا سوقا لبيع وترويج المنتوجات المغربية، أو مجالا للربح السريع، وإنما هي فضاء للعمل المشترك، من أجل تنمية المنطقة، وخدمة المواطن الإفريقي. وفي هذا الإطار، يساهم المغرب إلى جانب الدول الإفريقية، في إنجاز مشاريع التنمية البشرية والخدمات الاجتماعية، التي لها تأثير مباشر على حياة سكان المنطقة”. أكيد أن هذه الإستراتيجية المغربية لن ترض عنها الدوائر الإعلامية المرتبطة بالتيار الاستعماري التوسعي التي ترى فيها منافسا حقيقيا لمصالحها وتهديدا مباشرا لها.

يا جبل ما يهزك ريح.

بقدر المؤامرات والمخططات العدائية التي تستهدف وحدة المغرب الترابية واستقراره السياسي، بقدر ما يزداد، من جهة، المغرب قوة وصمودا في دفاعه عن وحدة ترابه وتحقيق المكاسب الدبلوماسية بتوالي الاعترافات بسيادته على الصحراء ومصداقية مقترح الحكم الذاتي، ومن أخرى، تشبث المغاربة بالنظام الملكي وانخراطهم البنّاء في مشروع الإصلاح والتحديث والعصرنة. ولعل المحاولات اليائسة التي يلجأ إليها كابرانات الجزائر بالتحالف مع التيار الاستعماري الأوروبي، تدل على فشلهم الذريع في عزل المغرب عن مجاله الطبيعي والحيوي الإفريقي. بل انقلب سحرهم عليهم لما قررت دول الساحل تطويق الجزائر من الجنوب واسترجاعها لسيادتها ونديتها أمام فرنسا بعد طرد جيشها وفك الارتباط بنظامها المالي والعسكري.

ولا شك أن سُعار كابرانات الجزائر وصحفيي صحيفة لوموند التي يساهم عسكر الجزائر في رأسمالها، ومن ثم التحكم في خط تحريرها المعادي للمغرب، اشتد مع إعلان الرئيس الفرنسي، ماكرون، الاعتراف بمغربية الصحراء والتزامه بالدفاع عنها في المحافل الدولية. شكّل هذا الاعتراف صدمة قوية للكابرانات الذين ظلوا يراهنون على دوام الابتزاز الفرنسي والأوروبي للمغرب لنهب ثرواته. لهذا يسخّر حكام الجزائر، بالتنسيق مع التيار الاستعماري الأوروبي، خاصة في فرنسا وإسبانيا، كل الوسائل الخبيثة للإساءة إلى العلاقات الجيدة بين المغرب وفرنسا بعد اعترافها بمغربية الصحراء. تلك أوهامهم التي كانت وستكون وبالا عليهم.

إن النهضة الشاملة التي حققها المغرب في عهد الملك محمد السادس على المستويات التنموية والاقتصادية والصناعية والدبلوماسية والعسكرية والأمنية والرياضية والبنيات التحتية، شكلت كابوسا لحكام الجزائر الذين صرفوا “مال قارون” بتعبير رئيسهم تبون، لتقسيم المغرب وإسقاط نظامه وتدمير اقتصاده دون جدوى. فعلاقة الشعب المغربي بملكه غير خاضعة لإرادة القوى الخارجية، كما أنها عصيّة على المخططات العدائية. وما محاولتهم البئيسة اليوم إلا مثالا لحالة اليأس التي وصلوا إليها بعد استنفاد كل مخططاتهم. وكان أجدر بصحيفة لوموند، بدل اجترار وإعادة تدوير هرطقات الغربان وترّهات الخائنين، أن تتذكر، أولا، أن الأجهزة الأمنية المغربية التي تشيع عنها الأراجيف هي التي أمّنت أولمبياد فرنسا بعد أن لجأ لخدماتها وزير الداخلية الفرنسي، وهي التي تم توشيح رئيسها السيد عبد اللطيف حموشي، بميدالية وبراءة وسام جوقة الشرف من درجة ضابط، الذي منحته السلطات الفرنسية، وهي التي جنبت فرنسا حمّامات دم، بفضل خبرتها في رصد وتفكيك الخلايا الإرهابية. ثانيا، أن تنشغل، من جهة، بالانهيار الوشيك لفرنسا اقتصاديا بعد أن بلغت ديونها الخارجية مستوى قياسي: 3.9 تريليون دولار، أي ما يعادل 113 % من الناتج الوطني الخام؛ ومن أخرى، بالأزمة السياسية التي تنخر النظام الجزائري والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان إلى جانب النهب الفظيع والمتسارع لثروات الشعب الجزائري الذي بات محكوما عليه بالاصطفاف في طوابير ماراثونية من أجل العدس والحليب والزيت. سيبقى المغرب شوكة في حلق خصومه وأعدائه.

أكمل القراءة
دولي منذ 53 دقيقة

وضع رؤوس خنازير أمام مساجد في باريس يستفز مشاعر مسلمي فرنسا

منوعات منذ ساعتين

محكمة مصرية تؤيّد إيداع نجل محمد رمضان دار رعاية

دولي منذ ساعتين

انفجارات الدوحة وقعت في مجمع تابع لحركة حماس

دولي منذ ساعتين

الجيش الإسرائيلي يستهدف “قيادة حركة حماس” في الدوحة

دولي منذ 4 ساعات

إسبانيا تمنع وزيرين إسرائيليين من دخول أراضيها

رياضة منذ 4 ساعات

رسميا.. الفتح الرباطي يستقبل الرجاء بالقنيطرة

واجهة منذ 4 ساعات

هذا توضيح وزارة النقل حول خلفيات مخالفات صفائح السير الدولي

دولي منذ 5 ساعات

أسطول المساعدات المتجه إلى غزة ستهدف “بهجوم بمسبرة” قبالة سواحل تونس

واجهة منذ 10 ساعات

طقس الثلاثاء.. ضباب وأمطار رعدية ورياح قوية

دولي منذ 20 ساعة

محكمة استئناف تثبت حكما قضى بدفع ترامب 83 مليون دولار على خلفية قضية تشهير

على مسؤوليتي منذ 22 ساعة

سقوط حكومة بايرو: قراءة في أزمة الجمهورية الخامسة و مصير العقلنة البرلمانية

دولي منذ 23 ساعة

أزمة سياسية تهدد فرنسا مع حجب النواب الثقة عن حكومة بايرو

رياضة منذ يوم واحد

مونديال 2026 .. المنتخب المغربي يتغلب على نظيره الزامبي (0 – 2) ويواصل تحقيق العلامة الكاملة

رياضة منذ يوم واحد

مونديال 2026: تونس تبلغ النهائيات للمرة السابعة في تاريخها

منوعات منذ يوم واحد

وفاة المعلم الكناوي مصطفى باقبو

دولي منذ يوم واحد

مدريد تستدعي سفيرها من إسرائيل

رياضة منذ يوم واحد

ورطة لامين يامال.. جواز سفره مفقود في تركيا (فيديو)

واجهة منذ يوم واحد

صفقة القرن للمغرب: مقاتلات إف-16 بلوك 72 الأمريكية الحديثة تصل قريبًا

دولي منذ يوم واحد

هجوم بإطلاق النار في القدس الشرقية يوقع خمسة قتلى

رياضة منذ يوم واحد

التوقيت والقنوات الناقلة لمباراة المغرب ضد زامبيا

إعلان

الاكثر مشاهدة