Connect with us

على مسؤوليتي

سرديات مصطفى المنوزي: هدم قسري لذاكرة غير آيلة للسقوط

نشرت

في

” سرديات رمضانية ”
الحلقة 21 :
مقاومة مأسسة سرديات هدم قسري لذاكرة غير آيلة للسقوط

ظل التقرير، رغم غموض كثير من المعطيات الواردة فيه يؤرق مضجع سمية ، فقد تأثرت كثيرا لفظاعة ما جرى ، فاستأذنت زوجها أحمد لكي يدعمها مرة أخرى في قضية ضحايا التعذيب ، اعتذر لها ، فهو مشغول ولديه مواعيد كثيرة . ويوم غذه ، وفي صباحٍ بارد من صباحات آذار، تجمعت ليلى مع صديقاتها سمية ومريم عند محطة الحافلات القديمة في الحي الذي نشأن فيه ؛ كان الجو مشحونًا برائحة الغبار والتراب، وكأن المدينة تستعد لحدثٍ كبير. فليلى، التي كانت دائمًا صاحبة الأفكار الجريئة، اقترحت عليهن زيارة صديقهن كريم العوني،( الذي اعتُقل منذ أشهر في أحد أكبر سجون العاصمة الاقتصادية) . لم تكن الزيارة مجرد محاولة لرؤيته والإطمئنان على صحته ، بل كانت أيضًا رحلة لاستكشاف ما يحدث في المدينة التي بدت وكأنها تتغير بسرعةٍ مخيفة.

عندما ركبن سيارة الأجرة، بدأت الرحلة بحديثٍ عابر عن الطقس والأخبار اليومية. ولكن سرعان ما انتبهت الفتيات إلى المشهد الذي كان يتكشف خارج النوافذ. على طول الطريق الساحلي، كانت هناك أوراش عمل ضخمة، ورافعات عملاقة تلتهم عماراتٍ كانت قائمة منذ عقود. كانت الجدران تتهاوى كأنها أوراقٌ يابسة، والغبار يتصاعد ليغطي السماء بستائر رمادية. لم تكن تلك مجرد عمليات هدم عادية، بل كانت أشبه بمحوٍ شاملٍ لمعالم المدينة.

“ما هذا الذي يحدث؟” سألت سمية، وهي تحدق في المشهد بذهول. “أين ذهب كل هؤلاء الناس الذين كانوا يعيشون هنا؟”.

لم تكن الإجابة واضحة. ولكن سائق السيارة، الذي بدا وكأنه يحمل في عينيه قصصًا كثيرة، بدأ يتحدث بصوتٍ خافتٍ مليء بالحزن. “هذه الأماكن كانت مليئة بالحياة، بالذكريات، بالناس الذين عاشوا هنا لعقود. ولكن الآن، يقولون إنها آيلة للسقوط، أو أنهم يريدون بناء شوارع جديدة تليق بمدينة ذكية”.

“مدينة ذكية؟” قاطعت مريم بدهشة. “هل الذكاء يعني محو الماضي؟”.

ضحك السائق بمرارة. ” هذا الذكاء أمني ،و هو هنا يعني أنهم يريدون أن ننسى. أن ننسى كل ما حدث هنا، كل الذكريات، كل القصص. هذه الأماكن كانت شاهدة على أحداثٍ كثيرة، على صراعات، على أحلام. ولكن الآن، يريدون أن يبنوا فوقها مدينة جديدة، مدينة لا تعرف شيئًا عن ماضيها”.

كانت كلمات السائق تثير في نفوس الفتيات شعورًا بالغضب والحيرة. سمية ، التي كانت دائمًا أكثر الفتيات تفكيرًا في القضايا الكبيرة، قالت: “هذا ليس مجرد هدم لعمارات، هذا هدم للذاكرة. إنهم يريدون أن يمحوا تاريخنا، أن يمحوا كل ما يجعلنا نذكر من نحن”.

عندما وصلن إلى السجن، كانت المشاهد التي رأينها في الطريق لا تزال تلاحقهن. كريم، الذي بدا عليه الإرهاق من فعل التعنيف، استقبلهن بابتسامةٍ حزينة. وعندما سألنه عن رأيه فيما يحدث، أجاب بصوتٍ خافت: “هذا ليس جديدًا. لقد فعلوا ذلك من قبل، بعد أحداث 1965 و1981 ، عندما قرر الصدر الأعظم معاقبة سكان المدينة عقابا جماعيا ، وقرر ترحيل أحياء بكاملها ، بدعوى أن أهالي ” شهداء كوميرا ” لم يربوا أولادهم مليا ؛ وهذه السردية الأمنية تتكرر في شكل ملهاة ؛ إنهم يزعمون بأنهم يريدون أن يبنوا مدينة جديدة، مدينة لا تعرف شيئًا عن المقاومة ومناهضة الظلم ، وعن الصراعات السلمية ، وعن الأحلام التي كانت هنا”.

كانت كلمات كريم تفتح أبوابًا جديدة من التفكير. ليلى، التي كانت دائمًا مهتمة بالتاريخ، قالت: “إنهم يريدون أن يمحوا كل ما يجعلنا نذكر من أين أتينا. ولكن الذاكرة لا تموت بسهولة. إنها تخلد فينا، في سردياتنا التاريخية ، في أحلامنا”.

اعتذرن لكريم فقد راغبت في معرفة التفاصيل عن التعذيب الذي تعرض له ، ولكن حالت واقعة الإعدام الذي تتعرض له الذاكرة الجمعية دون ذلك ، فأرشدهن إلى فاعل حقوقي سبق له أن صاغ تقريرا تفصيليا عما جرى له .

في طريق العودة، كانت الفتيات تتحدثن عن التغييرات التي تجري في المدينة، ولكن هذه المرة بنظرة نقدية أعمق. “إنهم يبنون مدينة لا تاريخ لها، مدينة خالية من الذكريات، مدينة لا تذكر ماضيها.” قالت مريم، وهي تحاول ربط الأمور ببعضها البعض.

أضافت ليلى، التي كانت دائمًا صاحبة الرؤية : ” لقد نقضوا توصيات هيئة الحقيقة المصالحة ، ولم يحفظوا الذاكرة ، وماعلينا سوى أن نحافظ على ذاكراتنا، على سرديتنا في مواجهة السردية الأمنية ؛ لأنها تحاول مأسسة النسيان ، أي تدفعنا و تجعلنا نتناسى من نحن ؛ من هنا لا يمكن للمدينة أن تُبنى فقط على أساس التحديث والتطور دون أن تحتفظ بما شيد جذورها وبنى أمجادها ، بما مرّت به. هذا ليس فقط هدمًا للأبنية، بل هو تخريب ومحاولة طمس لجزء من الهوية.”

توقف السائق عند أحد التقاطعات، وقال بصوت هادئ: “فعلا ، أحيانًا، تأتي التغييرات بشكل قسري. فبعض الأحياء القديمة تكون حاملة لذكريات قد تكون غير مريحة لبعضهم، تاريخًا قد لا يرغبون في تذكره. ولكن في النهاية، كل شيء يعود إلى ما يريده من يملكون السلطة في تشكيل هذا الواقع.”

عند وصولهم إلى نقطة النهاية، كانت الفتيات قد تخلّصن من حالة الحيرة الأولية، وحلّت مكانها مشاعر مختلطة من التمرد والوعي. هل يُمكن بناء المدينة الحديثة مع الحفاظ على ذاكرة الشعب؟ هل يمكن دمج ماضي المدينة مع حاضرها المتغير دون أن نفقد الأمل في المستقبل؟ “الذاكرة لا تموت”، قالت ليلى أخيرًا، وهي تُحدق في المستقبل بشغف، “وعلينا أن نتمسك بها، لأن الذاكرة هي ما يُشيد المدن الحقيقية.”
وفي طريق العودة، كانت الفتيات تتحدثن عن المستقبل، عن المدينة الجديدة التي يريدون بناءها، ولكن هذه المرة، مدينة تحمل في طياتها ذاكرة الماضي، مدينة تعرف من أين أتت، وإلى أين تريد أن تذهب ، لكن كيف في ظل غياب التشاركية المتبجح بها ؟ .

عندما التقى زوج سمية، أحمد، مع صديقه الصحافي ياسين، كانت الأجواء مشحونة بحديث الفتيات عن ما شهدنه في الطريق إلى السجن. أحمد، الذي كان يستمع باهتمام، بدأ يستحضر في ذهنه معطياتٍ عميقة حول ما يحدث في المدينة. ياسين، بصفته صحافيًا، كان يحمل نظرةً تحليليةً أكثر تفصيلًا، فبدأ يربط الأحداث بسياقاتٍ أوسع، مستحضرًا مفاهيم مثل “سيكولوجيا المال” و”سيميولوجيا محو الذاكرة”.

“ما يحدث ليس مجرد هدم لعمارات،” قال ياسين بصوتٍ هادئ لكنه حازم. “هذا اعتداء على الذاكرة، على الهوية، وعلى التاريخ. عندما تُنزع الملكية من الناس تحت ذرائع مثل التطوير أو بناء مدينة ذكية، فإنهم لا يفقدون فقط منازلهم، بل يفقدون جزءً من أنفسهم.”

أحمد، الذي كان يستمع بتركيز، أضاف: “هذا صحيح. المال والممتلكات ليست مجرد أشياء مادية. هي جزء من هوية الإنسان. عندما تُنزع الملكية، يشعر الناس بالاغتراب، وكأن جزءً من ذواتهم قد سُلب منهم.”
ياسين واصل حديثه، مستحضرًا مفهوم “سيكولوجيا المال”: “المال والممتلكات يرتبطان ارتباطًا وثيقًا بالهوية النفسية. عندما تُنزع الملكية، خاصة إذا كانت بطريقة غير عادلة، فإن الناس يشعرون بالظلم والخيانة. هذا ليس مجرد فقدان مادي، بل هو اعتداء على الذات. السلطة العمومية هنا تستخدم المال كأداة للتحكم، بل وكمبرر للاعتداء على حقوق الناس.”

أحمد أومأ برأسه موافقًا، ثم أضاف: “وهذا يقودنا إلى مفهوم ‘سيميولوجيا محو الذاكرة’. الأماكن التي يتم هدمها ليست مجرد جدران وأسقف، بل هي رموز تحمل ذكريات وتاريخ. عندما تُهدم هذه الأماكن، يتم محو جزء من الذاكرة الجماعية. هذا ليس مجرد تغيير في المشهد الحضري، بل هو محو للتاريخ والثقافة.”

ياسين، الذي بدا متحمسًا لتحليله، تابع: “بالضبط. الذاكرة الجماعية مرتبطة بالأماكن. عندما تُهدم الأحياء القديمة، يتم محو الروابط العاطفية والثقافية التي تربط الناس بتلك الأماكن. هذا ليس مجرد تغيير في الجغرافيا، بل هو تغيير في الهوية. إنهم فلول النظام البائد يبعثون نرجسياتهم الجماعية ، وبإسم سردية التقدم وإستخدام أمننة التحديث الحضري و التطوير كأداة لإعادة تشكيل الذاكرة الجماعية، لصياغة تاريخ جديد يخدم رؤيته.”

أحمد، الذي بدأ يفكر بشكل أعمق، قال: “في الصدد هناك عمليات واسعة للإعتداء على ملكية المواطنين ، وذلك بالشرعنة بإسم القانون ، ولهذا يختفون وراء قانون نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية ؛ والأمر ليس في عمقه مجرد عملية اقتصادية أو قانونية، بل هو أداة للسيطرة النفسية والاجتماعية. عندما تُنزع الملكية، يتم تقويض ثقة الناس في النظام ، ويتم تدمير الروابط الاجتماعية التي تربطهم بماضيهم مقابل تعويضات زهيدة أومخارجات بواسطة اعتمادات أو عقارات إعادة إسكان دور الصفيح ”

ياسين أضاف: “وهذا بالضبط ما تريده السلطة العمومية . عندما يتم محو الذاكرة الجماعية، يصبح من السهل إعادة تشكيل الهوية وفقًا لرؤية إستئصالية مع الجذور . هذا ليس مجرد تطوير حضري، بل هو إعادة هندسة اجتماعية وسياسية.”

أحمد، الذي بدا وكأنه يربط كل الخيوط، قال: “إذن، ما يحدث هو أكثر من مجرد هدم لعمارات. هو اعتداء على الذاكرة، على الهوية، وعلى التاريخ. النظام هنا يستخدم التطوير كأداة لشرعنة الاعتداء على حقوق الناس، وعلى ذاكرتهم الجماعية.”

أومأ ياسين برأسه، ثم قال: “وهذا هو الخطر الحقيقي. عندما يتم محو الذاكرة، يتم محو تاريخ المقاومة التي واجهت المعمرين في عهد الحماية . الناس الذين يفقدون ذاكرتهم الجماعية يصبحون أكثر عرضة للسيطرة. هذا ليس مجرد تغيير في المدينة، بل هو تغيير في المجتمع.”

تدخل أحد المارة وعلق عابرا بكلام عابر :” قد تكون السلطة على حق ولكن لا ينبغي التعسف في إستعمال الحق ” .

شكراه معا واعتبرا كلامه عميقا وليس عابرا ، فقد شعر أحمد وياسين بأن الرسالة وصلت ؛ ثم أردف ياسين بأن لديه وثائق شفاهية ومكتوبة حول سرديات محو الذاكرات ، تدون فظاعات أفظع مما يجري في حق المدينة ، فالمدينة ليست فقط عبارة عن إصطفاف عمارات وبنايات ولكنها عبارة عن فوارق و مفرقات ، لذلك لم يعد الأمر مجرد هدم لعمارات، بل هو معركة وصراع تنافسي وتناري حول الذاكرة، وعلى الهوية، وطبعا بالنتيجة صراع حول من يملك المستقبل.

وفي خضم هذا الفهم، أدركا أن المقاومة ليست فقط في الحفاظ على الأماكن، بل في الحفاظ على الذاكرة، على السرديات ، وعلى التاريخ الذي لا أساس له دون ذاكرة حية بوقائعها ومواقعها ؛ وانهى ياسين حديثه مقترحا على صديقه أحمد زيارته ببلدته في الريش كي يمده بما يفيد فضوله ويطفئ ظمأه المعرفي الشديد بمياه دافقة حول الذاكرة والأرشيف والتاريخ جرت فوق الجسر وتحته تحت أعين جيل القنطرة الذي سيظل يردد لازمة ” كان يا ما كان ” المتلازمة .

* مصطفى المنوزي

إعلان
انقر للتعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

على مسؤوليتي

مصطفى المانوزي: أقاوم حتى لا يتحول الشَطَط إلى استبداد

نشرت

في

أعتذر عن النفس الشخصي الذي بمقتضاه أعيد صياغة نقدي الذاتي ؛ ففي ظلال حلول عيد ميلادي السادس والستين، لن أحتفي بالزمن بوصفه مجرد تقويم بيولوجي، بل كرصيد من التأمل النقدي في جدوى السيرورة، وعدالة المعنى، ومآلات الانتظار.

لقد بلغت سنًّا لا أبحث فيه عن جواب، بل أتحرى عمق السؤال. وأدركت أن “التعفن”، حين يستفحل في البنية الرمزية للنظام السياسي والاجتماعي، لا يقتل فقط الحياة، بل يعمّي البصيرة، ويُعدم التدرج الأخلاقي والمعرفي.

*الجملة المفتاحية: مرآة لسردية الانهيار الرمزي
“بسبب التعفن، يتساوى العَمَش مع العَمَى، كما يتحول الشطط إلى استبداد.”
ليست هذه مجرد استعارة. إنها بلاغة تحليلية تؤسس لسردية نقدية، تكشف كيف تُطمر الفروق الدقيقة في لحظة فساد المنظومات، وكيف يُعاد ترتيب الخطأ ليُغلف كضرورة، والانحراف ليُسوَّق كحكمة واقعية.
التأويل السيميائي: من الخلل النسبي إلى الانهيار الكلي.

1. العمش والعمى:
في زمن ما قبل التعفن، يمكن للتمييز بين النقص والبُعد أن يؤطر الفعل والنقد. أما بعده، فلا فرق بين من يرى غبشًا ومن فقد الرؤية كليًا، لأن النسق يُعيد تعريف الخلل بوصفه قاعدة.

2. الشطط والاستبداد:
حين يُترك الشطط بدون مقاومة أخلاقية أو مؤسساتية، يتجذر كعرف، ثم كشرعية، ثم كأداة للحكم. هكذا يولد الاستبداد من رحم التساهل مع الانحراف.

*السياق المغربي الراهن: من الرمزية إلى الواقعة
حين تُهدم معالم المدينة القديمة باسم التنمية،
وتُمحى الفوارق بين “المصلحة العامة” و”السطو على المجال”،
ويتحول النقد إلى جرم، والمشاركة إلى تهديد،
نكون أمام لحظة بلاغية/واقعية يتساوى فيها العَمَش بالعمى، ويتحول الشَطَط إلى استبداد.

إنه زمن سيولة المفاهيم، وتدجين الإرادة، وتعويم الانحراف.

بل زمن “إنتاج الشرعية من ركام الاستثناء”، حيث لا يبقى للشعب سوى أن “يرى ولا يرى”، أن “يُشارك دون أن يُحسب”، وأن “يُقرر ضمن شروط لا تسمح بالقرار”.

في الحاجة إلى سردية بديلة: من التشخيص إلى التأسيس
ما العمل إذن؟
إعادة تفكيك اللغة السائدة، وتحرير المعنى من تواطؤاته الرمزية.

الدفاع عن التمييز الضروري بين النقص والكارثة، بين التجاوز والخيانة، بين السلطة والمشروعية.

الانطلاق من ذاكرة النقد نحو أفق العدالة التوقعية، ليس بوصفها جبرًا للماضي، بل كــتحصين مستقبلي من تكرار الخراب.

* خاتمة في عيد الميلاد
عند ستة وستين عامًا، لا أملك ترف التفاؤل الساذج، ولا ترف التشاؤم العبثي.

لكني ما زلت أومن أن التفكير النقدي التوقعي ليس ترفًا فكريًا، بل فعل مقاومة ضد التعفن، وضد ذلك الانزلاق الذي يُسوّي العمش بالعمى، ويُجمّل الاستبداد بطلاء الشرعية.

ولذلك سأواصل المقاومة حتى لا يستفحل التعسف تحكمه وإستبدادا !

* مصطفى المنوزي
منسق ضمير الذاكرة وحوكمة السرديات الأمنية

أكمل القراءة

على مسؤوليتي

محمد الطالبي : وسعوا النوافذ ..ففي البدء كانت الكلمة

نشرت

في

في البدء كانت الكلمة.
ومنذ تلك اللحظة، لم يكن الكون صامتاً أبداً. كانت الكلمة فعلاً خلاقاً، وكانت الحرية شرط وجودها. فليس ثمة معنى لكلمة تُولَد في القيد، ولا فائدة من صوتٍ لا يُسمع إلا بإذن.

*الكلمة التي لا تملك حق التحرك، لا تملك القدرة على التغيير.
الحرية ليست ترفاً ثقافياً، ولا موهبة سياسية تُمنح وقت الرخاء وتُسحب ساعة الغضب ولا مرتبطة بتغير عقارب الساعة اثناء تيهانها ، إنها الأصل الأول في الوجود الإنساني، وقلبُ الفعل الإعلامي.

الحرية هي ما يجعل من الصحافة سلطة رقابية حقيقية، لا تابعة. وهي ما يمنح الكاتبة والكاتب شرعية السؤال، والمواطن حق المعرفة، والمجتمع مناعة ضد الكذب والتضليل.

لكن يبدو أن هناك من لم يهضم بعد هذه الحقيقة. وان العهد الجديد وتوجهاته وتاطيره ربما ما زال البعض لم يهضمه ويتمثله في مسلكياته، فهناك من يتربص بالكلمة، وينظر إلى حرية الصحافة كخطر يجب تحييده، لا كأداة لبناء مجتمع واعٍ ومتين.

وهناك من يحاول – في صمت ماكر – أن يُعيد تشكيل المشهد المغربي ليصبح أكثر انضباطاً، لا بمعايير المهنية، بل بمعايير الولاء، والصمت، والاصطفاف.

في الأفق حديث “سري” لكنه يتسلل إلى العلن، عن تقنين التعبير، وضبط الكلام، وتقييد النشر، ومراقبة ما يُقال، ومن قاله، ولمن قاله.

هناك حديث لا عن من يمثل اصحاب وصاحبات الكلمة بقدر ما يُمثل عليهم.
حديث لا يُكتب بالحبر بل بالمقص، وعن “قوانين جديدة” تُفصّل لتمنح الشرعية للمراقبة، وتُشرعن التهديد، وتُدخلنا في عهد جديد عنوانه: الإعلام بلا روح.

لكننا نعلم – من تجارب الشعوب – أن القوانين حين تفقد صلتها بالعدالة، تتحول إلى أدوات للقمع.
وأن القانون بلا حرية، يشبه الجسد بلا روح، والدستور بلا احترام، لا قيمة له.

لا أحد فوق الدستور، ولا أحد تحته. الدستور ليس جداراً يُعلّق عليه الخطاب الرسمي، بل عقد اجتماعي يحفظ كرامة الأفراد ويصون حرياتهم.

وإن فقد الدستور وظيفته، فإن باقي القوانين تصبح بلا معنى وتفقد بعدها الأخلاقي.
المتسلطون ليسوا دائماً من يرفعون الهراوة، بل غالباً من يبتسمون وهم يكتبون تقارير …، ويرتبون جلسات التأديب، ويضعون الكلمة تحت المجهر.

أعداء الحرية يلبسون ثياب المسؤولية، يتحدثون باسمنا الجمعي ، ويقدمون أنفسهم كحماة لنا حتى من انفسنا .

لكن الحقيقة أن أكثر ما يهددنا هو الخوف.
الخوف من السؤال، الخوف من النقد، الخوف من الإعلام الحر، الخوف من مواطن لا يُصفق، بل يُفكر.

الحرية لا تخيف الدولة بل بعض من الجهات التي لا تؤمن بقوتها. بل تخيف فقط من يعرف في قرارة نفسه انه لا ينتمي الى عهدنا الجديد .

ولهذا، فإن معاداة حرية التعبير ليست مؤشراً على القوة، بل على الرعب من الانكشاف.
ألم نرَ كيف يُصنع “مجلس” لتمثيل الإعلاميين، ثم يُفرغ من روحه ليتحول إلى جهاز وصاية؟
هذه حكاية سنمار تتكرر كل مرة .

لكن من يقرأ التاريخ جيداً يعرف أن الزمن لا يعود إلى الوراء، وأن الصحافة، كلما خُنقت، خرجت من ثقب آخر أكثر جرأةً ووضوحاً.

قد يقال: هذا كلام مثالي. لا يراعي “الواقع”، ولا يفهم “التوازنات”.
لكننا لسنا دعاة فوضى. نحن فقط نعرف أن السكوت لا يصنع حقيقة ، وأن الرأي الواحد لا يبني مجتمعاً، وأن المواطن الذي لا يعرف، لا يستطيع أن يختار، ولا أن يشارك، ولا أن يدافع عن نفسه.
الحرية ليست اختياراً، بل شرط حياة.

هي التي تبني العقول، وتحمي الدولة من الغرق في مستنقع التزلف والتضليل.
الإعلام ليس عدواً للدولة، بل صمام أمانها.

وحين يُخنق الإعلام، وتُربط الكلمة، تُفتح أبواب أخرى للخوف، وللإشاعة، وللشعبوية، وللانفجار الصامت.

*في البدء كانت الكلمة، وفي النهاية لا يصمد إلا الأحرار.
من تَحكَّم في الكلمة لحظةً، لن يستطيع أن يكبح جموح الزمن، ولا أن يُوقف صوت شعبٍ وُلد ليقول، لا ليُصفّق.

الكلمة الحرة لا تموت. حتى إن خُنِقت، تولد من جديد في أول صرخة، وأول منشور، وأول مقال يكتبه صحفيٌّ لا يخاف، ولا يبيع صوته .

أكمل القراءة

على مسؤوليتي

د.عبد الرزاق مساعد يكتب عن الأعطاب الجنسية عند الرجل

نشرت

في

بواسطة

“الاستيهام والخيال، ضروريان لإتمام العملية الجنسية”: و بالتالي، فإن المرأة و الرجل اللذين لم يمارسا الاستمناء في فترة المراهقة، سيتعرضان حتما، لاضطرابات جنسية تظهر على علاقاتهم الجنسية، مع شركاءهم أو العكس.

الشيء الذي يجب ان نعرفه، هو أن أكثر من خمسين في المائة من الرجال، يصابون بالفشل الجنسي في فترة من حياتهم ، هناك من يستطيع أن يعرف كيفية التعامل، مع الفشل او العطب الجنسي الذي أصيب به. وعندما أقول أن عددا كبيرا من الرجال استطاعوا تجاوز فشلهم الجنسي، بتبسيط المشكل، فبالمقابل، هناك أشخاص عند حدوث الفشل او العطب الجنسي، يشعرون بإحباط شديد و كأن حياتهم انقلبت رأسا على عقب، و بالتالي يصبحون أشخاصا خائفين من الممارسة الجنسية و هذا هو الاحساس الذي يجعلهم يسقطون في فخ العجز الجنسي في النهاية.

فعندما يصاب الرجل بالفشل الجنسي ويقتنع أنه لن يعود الى حالته الطبيعية، يتهرب من الممارسة الجنسية بتقديم أعذار : كأن يقول لزوجته تارة أنا مريض و تارة يدخل منزله متأخرا حتى تنام زوجته أو يدخل لبيته مبكرا ويخلد للنوم قبل الجميع ، لكن عندما يضطر للقيام بالواجب الزوجي أو يمارس الجنس مع زوجته تلبية لرغبتها ، يذهب للمارسة منهزما لأنه يقول لنفسه “عندك ماتدير والو” وهكذا يستحضر الخوف و يقع الفشل. للأسف هذا هو واقع الحال عند العديد من الرجال ، بحيث أن الخوف يقلص من حجم الشرايين بفعل “هرمونات الخوف”. و في هاته الحالة، تزداد نبضات القلب و يرتفع الضغط الدموي ويصاب بالعرق ، وبالتالي يقع فقدان أو عدم الانتصاب، لأن الانتصاب يحتاج الى تمدد الشراين، لتصبح أوسع مما هي عليه، مع ارتفاع الصبيب الذي يصل إلى عشرين مرة أكثر من العادي.

الشئ الثاني، هو ان الفشل الجنسي، يغير من سلوك الرجل و يصبح له سلوك مغاير أثناء العلاقة الجنسية، بحيث لايقاسم شريكته المداعبة، بل يستعمل جسدها لكي يخلق الانتصاب ، فيصبح تركيزه أثناء الممارسة على قضيبه، وبالتالي يوجه تفكيره نحو قضيبه، هل سينتصب ام لا؟ في الوقت الذي كان عليه ان يداعب شريكته.

هذه العينة من الرجال، يصبح تفكيرها منصبا فقط، على القضيب طوال الوقت، أثناء العمل، خلال تناول الطعام ، و في كل وقت إلى أن يسقط في فخ العجز الدائم، وهو الأمر الذي ينعكس سلبا على العلاقة الزوجية، و بالتالي، فمن الطبيعي أن يدفع مثل هذا السلوك، الكثير من الزوجات إلى التعبير صراحة عن تضايقهن من هكذا وضع.

هذا الامر، يتعلق أكثر بشخصية كل رجل، و بشكل خاص، عندما تكون شخصية الرجل ضعيفة، فحتما لن يحسن المعاملة مع الخوف وعندئذ، يقول مع نفسه:” أنا غير قادر على واجبي الزوجي، و ربما ستذهب زوجتي عند رجال اخرين باحثة عن ما يلبي رغبتها الجنسية”، و هو الأمر الذي سيؤثر حتما على نفسيته. وهنا افتح قوسا لأقول:” أن الحياة الزوجية ليست جنس فقط ، هي أخذ وعطاء، تبادل الحب والحنان و مؤازرة الاخر، و الجنس يتوج كل هاته الأشياء”.

لكن للأسف، فإن بعض النساء، يدهبن عكس دلك، بحيث يسيطر عليهن الشك، و يتجه تفكيرهن، نحو تبرير تصرف أزواجهن، بوجود علاقات جنسية خارج إطار الزوجية، الشيء الذي سيضاعف لا محالة المشكل عند الزوج، حيث يصبح مضطرا للقيام بالعملية الجنسية تفاديا للمشاكل بينه و بين زوجته، فيصاحب هذا الاضطرار الخوف من عدم إتمام العملية الجنسية وهذا يؤدي بهذه الأخيرة الى الفشل و هذا يأتي بطبيعة الحال كرد سلبي للزوجة.

ماذا يمكن ان نقول للزوجة، التي أصيب زوجها بفشل أو عطب جنسي. يجب على المرأة أن تساعد زوجها عند شعوره بالفشل و العطب الجنسي وأن يكون سلوكها إيجابيا وليس سلبيا وأن تخفف من معاناته : كأن تقول له مثلا :” هذا شيء عادي و سنتجاوزه و أن الطبيب المختص قادر على أن يرجعك الى حالتك الطبيعية” أو ما شابه دلك، لأن الرجل عندما يصاب بفشل جنسي فانه يشعر بإحباط كبير، ربما يكون السبب المباشر في إصابته بالعجز الدائم.

زيارة الطبيب طبعا ضرورية، إن لم يحسن الرجل معاملته مع المشكل. لأننا لاحظنا في أغلب الأحيان الرجال المصابون بفشل جنسي، لايزورون الطبيب مباشرة بعد الإصابة، إنما ينتظرون سنة بعد سنة لعل المشكل يتم تجاوزه بشكل تلقائي، وهذا خطأ والمرأة للأسف، هي الاخرى لاتشجع الزوج على زيارة الطبيب وهكذا يتضاعف المشكل ويكبر الى ما لا تحمد عقباه، حيث يتم زيارة الطبيب بعد تفاقم المشكل العلاقاتي و يصبح الزواج مهددا بالطلاق.

من بين أسباب تطور مثل هده المشاكل الزوجية، عدم وجود الحوار والتواصل بين الزوجين، حول هذا الموضوع بالضبط و كذلك عدم زيارة الطبيب عند غياب الحوار. فغياب الحوار، يعتبر سببا واضحا في تطور مشكل الفشل الجنسي وهنا أعود الى شخصية الرجل و المرأة و من له الجرأة للحديث في الموضوع وبدون حرج للوصول الى حل ايجابي ، أما الصمت فمن الواضح أن نتائجه حتما ستكون سلبية.

* الدكتور عبد الرزاق مساعيد..أخصائي في المشاكل الجنسية

أكمل القراءة
دولي منذ 48 دقيقة

زلزالان عنيفان يضربان كامتشاتكا الروسية

منوعات منذ ساعتين

ندوة: دور الدبلوماسية الثقافية والفنية والإعلامية في تجسير العلاقات بين البلدان

اقتصاد منذ 3 ساعات

الاتحاد الأوروبي يتفاوض مع المغرب على شراكة شاملة لمكافحة الهجرة

دولي منذ 4 ساعات

غزة: مقتل 44 فلسطينيا من منتظري المساعدات بنيران إسرائيلية

على مسؤوليتي منذ 5 ساعات

مصطفى المانوزي: أقاوم حتى لا يتحول الشَطَط إلى استبداد

رياضة منذ 6 ساعات

أمم إفريقيا سيدات.. جنوب إفريقيا تفوز على السنغال بضربات الترجيح 4-1

سياسة منذ 7 ساعات

اليوم: مسيرة وطنية بالرباط ضد تجويع سكان غزة

دولي منذ 8 ساعات

أكثر من ألف قتيل جراء أعمال العنف في جنوب سوريا

واجهة منذ 9 ساعات

طقس الأحد: انخفاض في درجات الحرلرة مع هبوب رياح قوية

دولي منذ 20 ساعة

روتايو يطالب بنهج سياسة حازمة مع الجزائر

رياضة منذ 21 ساعة

أم صلال القطري يعلن تعاقده رسميا مع عادل تاحيف

واجهة منذ 21 ساعة

النيابة العامة بالدار البيضاء: لا صحة لادعاءات سرقة أعضاء بشرية

منوعات منذ 22 ساعة

بعد 19 سنة.. مصطفى الآغا يودع برنامج “الحلم”

رياضة منذ 23 ساعة

إنفانتينو: المغرب أصبح مركزًا عالميًا لكرة القدم

منوعات منذ 23 ساعة

وفاة الأمير النائم ” الوليد بن خالد” بعد غيبوبة دامت 21 سنة

مجتمع منذ 24 ساعة

اندلاع حريق بغابة قرب مركز باب برد

مجتمع منذ يوم واحد

إدارة سجن الناظور تكشف حقيقة وفاة أحد السجناء

اقتصاد منذ يوم واحد

مندوبية التخطيط: 76% من الأسر المغربية تُقرّ بتدهور مستوى معيشتها

دولي منذ يوم واحد

ترامب يعلن الإفراج قريبا عن 10 أسرى إسرائيليين

منوعات منذ يوم واحد

هذه تفاصيل دعم مشاريع إنتاج أعمال سينمائية برسم الدورة الثانية من 2025

إعلان

الاكثر مشاهدة