Connect with us

على مسؤوليتي

لا حياة لمن تنادي في جريمة المحروقات

نشرت

في

رغم تراجع ثمن برميل النفط الخام ، منذ زلزال الأطلس ، بحوالي 10 دولار أمريكي، بقيت أسعار الغازوال مثبتة في حوالي 14 درهم للتر وأسعار البنزين في حوالي 15.5 درهم! مع تقارب مفضوح بين كل الفاعلين الكبار والصغار، مع استفادة تجار الجملة بتخفيضات بأكثر من درهم للتر الواحد.

ولو لم يحرر بنكيران أسعار المحروقات، فلكان سعر الغازوال والبنزين لن يفوق ، حوالي 12 درهم منذ زلزال الاطلس في شتنبر الماضي.

ونحن بصدد المناقشات بين الحكومة وأغلبيتها المخدومة، فلا يظهر أثر في مقترحات تحد من هذا الاستنزاف المتواصل للقدرة الشرائية لعموم المواطنين، من جراء الأسعار الملتهبة للمحروقات، بل الأخطر من ذلك أن الحكومة قررت المرور لرفع الدعم التدريجي للغاز في أفق تحرير أسعاره، حتى تضاف حراءق الغاز على حراءق المحروقات، وتكتمل الضربة القاضية لحق المغاربة في العيش الكريم.

إن المحافظة على استقرار البلاد في ظل المخاطر المتعددة بسبب الاضطرابات العالمية، تتطلب التقيد بحس المسؤولية والإنتباه لتداعيات تحرير المحروقات والغاز، على المعيش اليومي للمواطنين وعلى القوة التنافسية للمقاولات وعلى توفير المواد الاستهلاكية الأساسية وفق ما يناسب ضعف الأجور والدخولات لجميع المواطنين.

ونعود لنؤكد مرة أخرى وبدون ملل، بأن تخفيض أسعار المحروقات بالمغرب، يتطلب التشجيع على التنقيب على البترول والغاز وإحياء التكرير بمصفاة المحمدية ومراجعة الضرائب المطبقة على المحروقات وإلغاء تحرير أسعار المحروقات إلى حين توفير شروط التنافس والقضاء على السيطرة على السوق من طرف الرواد الكبار بقيادة علامة رءيس الحكومة.

* الحسين اليماني رءيس الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول

انقر للتعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

على مسؤوليتي

من المازوط الى البوطان.. ويستمر مسلسل تفقير الشعب المغربي

نشرت

في

بموجب الدستور، فالدولة مسؤولة على ضمان العيش الكريم للمواطنين وتوفير الصحة والتعليم والشغل للجميع.

ومن أجل ذلك ، وغداة الاستقلال، تأسس صندوق المقاصة ، بغاية تقديم الدعم لذوي الدخل المحدود ، لضمان اقتناء المواد الأساسية من السكر والدقيق والزيت والغاز والمحروقات ، إلى أن جاءت حكومة بنكيران، فقررت الشروع في تصفية صندوق المقاصة ، تحت شعارات توهم في ظاهرها بخدمة مصالح الفقراء، ولكن في عمقها تفتح الطريق أمام اغتناء اللوبيات المتحكمة في الاسواق في ظل البنيات المغلقة للسوق المغربية.

فقد وعد بنكيران ابان حذف الدعم وتحرير أسعار المحروقات ، بأنها ستكون الفرصة لتوجيه الدعم لمستحقيه مع تنزيل الأسعار وتوجيه ميزانية الدعم الى تطوير الخدمات العمومية في الصحة والتعليم وتوفير الشغل، الا أن الواقع المعاش اليوم، ومن بعد 8 سنوات على التحرير، يكذب كل هذه الشعارات، فالمستفيد الوحيد من ذلك، هم شركات توزيع المحروقات التي ضاعفت ارباحها بأكثر من 3 مرات، في حين أنه تم تخريب التعليم العمومي والصحة العمومية ووصل التضخم والبطالة سقوفا لم يعرفها المغرب في تاريخه…اوليس كل ما وقع في جريمة المحروقات، كافيا حتى يستحي بنكيران وحزبه من نفسه ويقدم اعتذارا للمغاربة.

وها هو أخنوش اليوم، يمر للسرعة القصوى وبنفس مبررات بنكيران وغيرها، من أجل القضاء على دعم الغاز في أفق تحرير سعره والوعد هذه المرة، بتقديم الدعم المباشر للمستحقين يبتدا من 500 درهم في الشهر.

وبقراءة بسيطة في استهلاك واستعمالات واسعار غاز البوطان، يتبين بأن الزيادة في استهلاك الغاز ستصل في المتوسط الى حوالي 250 درهم في الشهر لعائلة من 5 أفراد، وحينما نضيف لذلك الارتفاع المرتقب للأرباح الفاحشة للفاعلين في توزيع الغاز ، حيث أن نسبة التركيز في سوق الغاز تفوق بكثير سوق المحروقات (فاعل واحد يحتكر الاستيراد عبر ميناء طنجة وميناء الجديدة)، وحينما نضيف كذلك تداعيات ارتفاع أسعار الغاز على كلفة الإنتاج في الفلاحة وتربية الدواجن وغيرها، فإن مجموع الزيادات المباشرة وغير المباشرة في استهلاك البوطاغاز، لن تقل عن 1000 درهم شهريا للعائلة من 5 أفراد.

ومن هنا يظهر من الوهلة الأولى ، بأن الغرض من حذف الدعم وتحرير سعر الغاز، لن يستفيد منه في الاخير سوى الفاعلون في القطاع وأساسا الماركة التي تسيطر على أكثر من 50٪ من السوق، وأما عموم الشعب المغربي فسيكون ضحية وللمرة الثانية بمناسبة تحرير الغاز.

إن تحرير أسعار الغاز بدعوى توجيه الدعم لمستحقيه، لا يصمد أمام الاحصائيات التي تشير بأن 60٪ من الاستهلاك يوجه للاغراض المنزلية و40٪ للاغراض غير المنزلية وخصوصا الفلاحة، وحينما سنضيف تداعيات الجفاف على صعوبة استخراج مياه السقي واللجوء أكثر لاستهلاك الغاز (في انتظار البدائل التي طال انتظارها) ، سيزيد الطين بلة، في اشتعال أسعار المنتوجات الفلاحية التي يتغذى بها عموم الشعب المغربي ، وأساسا البصل والبطاطس والطماطم، وحينءذ لن ينفع الدعم لمن توصل به وسيزيد الضغط على من لم يتوصل به، ولنا المثال في الدعم بمناسبة الكورونا والحصول على بطاقة الراميد، حيث كانت تستفيد منه ثلة من غير المحتاجين على حساب المحتاجين المنسيين في القرى والجبال والمداشير.

إن الدفع في اتجاه رفع كلفة الطاقة عبر رفع الدعم وتحرير الأسعار ، تتراكم تداعياته على كلفة الإنتاج بالمقاولة وعلى القدرة الشرائية للمواطنين وخصوصا الفقراء والطبقة المتوسطة، وأما الاغنياء فهم سيعكسون كل هذه الزيادات في ثمن الطاقة وسيستمرون في مراكمة الثروات، فتارة باسم المغربة وتارة باسم الخوصصة وتارة باسم اتفاقيات التبادل الحر وتارة باسم تحرير الأسعار ، ولكن بالنسبة لعامة الشعب، فقد خسر كل شيء في الدعم للمواد الأساسية وفي توفير الصحة والتعليم والشغل، الى درجة نتساءل عن ما ذا بقي للدولة من أدوار.

إن المطلوب اليوم، هو الكف من توسيع جمهور الفقراء والحد من دفع الطبقة المتوسطة للانزلاق تحت خط الفقر، مقابل التحلي بالشجاعة اللازمة لتحصيل ما يفوق من 140 مليار درهم من التهرب الضريبي لدى الاغنياء والعاملون خارج القانون، وهو مبلغ جد كافي لتمويل مشروع التغطية الاجتماعية وغيره دون اثقال الطبقة المتوسطة بالمزيد من التحملات، ولكن لنا اليقين بان هذه الشجاعة غير متوفرة ولن تتوفر لدى أحزاب الاعيان التي تكون الحكومة من بعد ما تم تدمير أحزاب الجماهير. ولذلك فحكومة أحزاب الاعيان او حكومة المال السياسي تشرع اليوم وفق ما يخدم مصالحها وينمي ثرواتها ولا تأبه لنداءات ومطالب المجتمع…وها هو تعليم المغاربة في حكم المجهول بعد ما تبين بأن الحكومة تعبث بالحوار مع النقابات التعليمية وتشجع على الهجرة للتعليم الخصوصي.

* الحسين اليماني/ الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز cdt

أكمل القراءة

على مسؤوليتي

أهمية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في الإقلاع الإقتصادي لإقليم بوجدور

نشرت

في

في الوقت الذي تسعى فيه الميليشيات الانفصالية البوليساريو ومموليها، أعداء الوحدة الترابية في خلق أزمات وهمية مفتعلة وبلبلة لتمويه الأمم المتحدة والمنتظم الدولي الذي اقتنع وأيد مبادرة الحكم الذاتي، لا يمكن لزوار مناطق الصحراء المغربية من مغاربة وأجانب الا ان يقفوا ويؤكدون حقيقة مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتحول الجدري الذي تعرفه مناطق الصحراء المغربية بتهيىء وتوسيع البنية التحتية والمنشات الصناعية .الفلاحية و السياحية.

و حسب مسيري الشان المحلي والفاعلين الاقتصاديين والمستثمرين، فإن هذا التحول الإيجابي تحقق بفضل تفعيل أهداف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي دخلت مرحلتها الثالثة من طرف جلالة الملك محمد السادس نصره الله في سنة 2018.

اذا كان خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء ليوم 06 نونبر 2023، قد أعطى اشارات قوية وهادفة بكون مدن الصحراء المغربية، عرفت تنمية اقتصادية واجتماعية و ستتقوى بانشاء اسطول بحري كبير سيمكن من تسهيل التواصل بين الجنوب والشمال، فإن هذا الهدف التنموي يتطلب وضع استراتيجية خاصة بالسياحة الساحلية.

في هذا الصدد، لاباس ان نقف عند اهم الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية التي حققتها مناطق الصحراء المغربية ونأخد على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر، مدينة بوجدور المعروفة بنشاطها البحري. الفلاحي والطاقة الريحية المتجددة.والصناعة التقليدية المحلية.

فبفضل برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وبشراكة مع بعض المؤسسات المالية والصناعية والجمعيات المختصة في التكوين والمواكبة استطاعت مجموعة من التعاونيات والشباب حاملي مشاريع، من الاندماج في النسيج الاقتصادي وجعلها مؤسسات ومكون فعال منتج يساهم مساهمة فعلية في تنمية اقتصادية واجتماعية للمنطقة.

بتفعيل أهداف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بمدينة بوجدور، استطاعت مجموعة من التعاونيات البحرية، الفلاحية، والخدماتية وشباب حاملي مشاريع ان تستفيد من دعم مادي. وتكوين في المجال القانوني، الاداري والمالي لتسيير وتدبير المشاريع .

وقد احدث لهذا الغرض منصة شباب بوجدور التي تعمل على استقبال الاستماع وتوجيه الشباب نحو عالم المقاولات .ومواكبتها حتى انخرطت في السوق الوطني والدولي.

بالموازاة مع مواكبة تكوين وتمويل مشاريع التعاونيات وشباب المنطقة حاملي المشاريع واهتماما بالطفل ومستقبله فان قسم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية باقليم بوجدور، يعمل مع جمعيات المجتمع المدني في تربية الاطفال والشباب بواسطة برامج تعميم التمدرس الاولي والدعم المدرسي وصقل المهارات، حيث تم إحداث 3 مراكز من الجيل الجديد للإبداع والتنشيط التربوي لممارسة الأنشطة الموازية.

و تهدف هذه المشا يع، إلى تحقيق زرع تربية وطنية للطفولة المغربية وتمكينها من تكوين الذات والشخصية، حيث تم ضمن برنامج التنمية الوطنية للتنمية البشرية ببوجدور، إحداث مؤسسات اجتماعية وترفيهية مع دعم و تحفيزات مالية ( منح ) للتلاميذ المتفوقين في الدراسة.

كل الدراسات السوسيو اقتصادية والاجتماعية، تؤكد أن تنمية اقليم بوجدور بكونه منطقة ساحلية بحرية بامتياز سيساهم في مواكبة التقدم الاقتصادي والتوسع الحضري، الذي تعرفه مدن الصحراء المغربية، خصوصا وان الخطاب الملكي السامي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء اكد على :
ضرورة مواصلة العمل على إقامة اقتصاد بحري، يساهم في تنمية المنطقة، ويكون في خدمة ساكنتها، من خلال اقتصاد متكامل قوامه، تطوير التنقيب عن الموارد الطبيعية في عرض البحر؛ ومواصلة الاستثمار في مجالات الصيد البحري؛ وتحلية مياه البحر، لتشجيع الأنشطة الفلاحية، والنهوض بالاقتصاد الأزرق ، ودعم الطاقات المتجددة.” وعلى إطلاق مبادرة على المستوى الدولي، تهدف إلى تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي”.

* ادريس العاشري
خبير اقتصادي

أكمل القراءة

على مسؤوليتي

في رحيل خادم الشعب والملك أحمد حرزني.. ثوري في غمرة الإصلاح “من الداخل”

نشرت

في

بواسطة

رحل عنّا أحمد حرزني، السفير المتجوّل والمعتقل السياسي السابق والرئيس السابق للمجلس الاستشاري لحقوق الانسان، ليلة أمس الاثنين الثلاثاء، بالمستشفى العسكري بالرباط، عن سن يناهز 75 سنة.

رحل عنّا، بصمت ودون سابق إنذار، الحقوقي الريفي ابن جرسيف، والمناضل الماوي، الذي حلم بحركة تغييرية جذرية تؤمن بالعنف الثوري، والذي كان مستعجلا لحمل السلاح في وجه نظام الملك الراحل الحسن الثاني، فانسلّ من بين رفاقه الماركسيين اللينينيين في منظمة “23 مارس”، التي كانت تُعرف بمنظمة (ب)، ليؤسس حركة “لنخدم الشعب”، التي كانت تُعرف بمنظمة (ج)، فيما كانت “إلى الأمام” تُعرف بمنظمة (أ)…، قبل أن يتحوّل “خادم الشعب”، إلى “خادم الملك”، ليكون واحدا من “خدام الدولة”، بأسلوبه الخاص، وبمرجعيته الثورية، التي انتقلت، بفعل مراجعات فكرية، إلى مرجعية “النضال الديمقراطي”، الذي اعتبره، في الظروف المجتمعية، التي كانت تعرفها البلاد، وما شهدته من تحوّلات سياسية، أداة ناجعة لتحقيق “التغيير”، الذي أصبح، عنده وعند كثير من المناضلين، مرادفًا لـ”الإصلاح”.

عندما تلقّيت خبر وفاته، أحسست بالحزن على فراقه، واستحضرت شريطا من المواقف والذكريات، التي جمعتني معه، ومنها ذكريات اعتزاز بشخصه وشخصيته، وضمنها كذلك مواقف اختلفت فيها معه حد التناقض، الذي لا يلغي، إطلاقا، أواصر التقدير والاحترام، لهذا “الحرزني”، الذي لا يعرف التواكل والاستكانة طوال مسيرته الحياتية والسياسية والحقوقية والفكرية، فعندما خرج من السجن المركزي، بعد 12 سنة وراء القضبان، سنة 1984، لم تكد تمر سنة حتى اقتحم الساحة الإعلامية والثقافية والسياسية بمجلّة “الصاحب”، وحصل على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا من جامعة كنتاكي بلكسنتون بالولايات المتحدة (1994)، واشتغل باحثا بالمعهد الوطني للبحث الزراعي بسطات (1995) والرباط (1997) وأستاذا بجامعة الأخوين بإيفران (1996) وأمينا عاما للمجلس الأعلى للتعليم (2006) ورئيسا للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان (2007)، قبل أن يعيّنه الملك سفيرا متجولا للمغرب مكلّفا بالملف الحقوقي (2016).

هكذا هو أحمد حرزني، لا يكل ولا يمل ولا يقف ولا يستكين، منذ البدايات إلى يوم الرحيل، فعندما آمن بـ”الثورة”، قال لرفاقه إن الثورة ليست أضغاث أحلام وإنما هي “حركة” و”عمل جدي”، وهو ما قاده إلى سوس العالمة، للبحث عن مقاومين سابقين للاحتلال الفرنسي كانوا يخبئون أسلحتهم، التي فضّلوا ألا يسلّموها إلى “المخزن”، عقب حلّ “جيش التحرير المغربي” والاندماج في الجيش النظامي “القوات المسلحة الملكية”، فلم يحصل منهم إلا على مسدس قديم.

ومثلما حدث لـ”الكومندانتي” إرنستو تشي غيفارا، الذي باعه رفيق سلاح قديم، فإن مأساة الحلم القديم لأحمد حرزني بإشعال “ثورة الفلاحين”، أنه باعه واحد من أولئك المقاومين، ليقع في قبضة الأمن في أكادير، ويمرّ من عذابات “الصراط المستقيم”، المؤدّي رأسا إلى غياهب السجن المركزي في القنيطرة، الذي قضى به سنوات من أزهى فترات شبابه، 12 سنة سجنا نافذا، إذ اعتقل في سنة 1972، وأفرج عنه في غشت 1984.

في مسيرته النضالية والسياسية والحقوقية، تعرّض لهجمات عنيفة من رفاقه القدامى، وصلت إلى حد اتهامه بالانتهازية و”قليب الفيستة”، بعدما صرح خلال جلسات الاستماع التي نظمتها هيئة الانصاف والمصالحة أنه رفع السلاح في وجه “المخزن” إلاّ أن أحمد حرزني لم يكن سهلا، كما يذكر جميع من عرفوه، ورغم أنه كان لطيفا وودودا، لكنه لم يكن يتردّد، عندما يطفح الكيل، فيرد الصاع، ولم يكن يختبئ وراء شعارات ومواقف، فعندما يؤمن بالفكرة، كان يعلنها ويطرحها ويؤصّل لها ويدافع عنها، ويسخر ممن يتهمونه ويقول لهم، رغم أنوفهم، إنه “ثوري في غمرة الإصلاح”، حتى أنه نشر كتابا له بهذا العنوان.

شخصيا، أعتبر هذه الخصلة من أهم الصفات التي كانت تُميّز “الحرزني” عن باقي رفاقه اليساريين، الذين كان عدد منهم يُلصق به “تيكيتة” المخزنة، فيما كان هو يواجههم بأن كل ما لديهم هو شعارات غليظة يدغدغون بها مشاعر المناضلين، وفي الدروب الخلفية يلوذون بالممارسات الملتبسة، ولعل أقوى هذه المواجهات، في تقديري، والتي جعلته يبصم على مبادرات حقوقية وسياسية صارت عنوانا لوجه النظام في عهد ملك شاب جديد، هي تلك التي خاضها عندما تحمّل مسؤولية الناطق الرسمي باسم تيار “فعل ديمقراطي”، خلال ائتلاف عدة مكوّنات يسارية في تأسيس حزب “اليسار الاشتراكي الموحد” سنة 2002… كان حرزني يريد الوضوح، والخروج من المناطق الضبابية والملتبسة، في تقييم الوضع السياسي في المغرب، كان حرزني مؤمنا بأن هناك إرادة حقيقية في التغيير، وأن دور المناضلين الديمقراطيين، في تلك الفترة، التي كانت تشهد أولى سنوات حكم محمد السادس، هو دعم والدفع بالتوجّهات الجارية للقطع مع الممارسات التعسفية وماضي الانتهاكات الجسيمة، وكان يؤاخذ على رفاقه أن أغلبيتهم يؤمنون بهذا الطرح، لكنهم لا يستطيعون الجهر به، لأنهم “يحسبون الحسابات للعواطف السهلة للمناضلين”، فيفضّلون دغدغة المشاعر بالشعارات عوض قول “الحقيقة”، وبناء التوجهات والسياسات والمواقف والسلوكات استنادا إلى مخرجات هذه “الحقيقة”… وعندما بلغ التناقض أوجه، غادر سفينة الحزب، ليواصل العمل الحقوقي، الذي ظل يمارسه، إلى جانب عدد من رفاقه الآخرين، الذين يجتمعون على “الهمّ الحقوقي” و”الأفق السياسي” المفتوح في ظل وريث عرش الحسن الثاني، وعلى رأسهم إدريس بنزكري، الذي رافقه في السجن، ورافقه في “المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف”، وفي “الهيئة الوطنية للإنصاف والمصالحة”، وصولا إلى خلافته في رئاسة المجلس الاستشاري لحقوق فضلا عن مرافقته في قوافل الحقيقة إلى عدة مواقع مغربية كانت عنوانا للزمن الرصاصي، الذي كان يطفح بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، من قبيل تازمامات وقلعة مكونة ودار المقري والكوربيس ودرب مولاي الشريف والكومبليكس وPF3، وغيرها من المواقع التي حطت فيها قوافل الحقيقة، والتي جمعتني محطاتها بالراحل أحمد حرزني، وفي هذه المحطات، كنتُ أجدني، أحيانا، وأنا أمارس مهامي الصحفية في التوثيق بمختلف أشكاله لقوافل المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والانصاف، في خلافات شديدة مع حرزني وبعض رفاقه الآخرين، سأستعرضها في المقام المناسب للمقال.

هذه الجرأة الفريدة في التعبير عن الرأي، والدفاع عن الرأي المخالف، جرّت على أحمد حرزني الكثير من الغضب والاحتجاج والنقد والاتهامات من قبل رفاقه القدامى، في العديد من المواقف، من قبيل تلك الشهادة، في إحدى جلسات الاستماع، التي أعلن فيها، أمام ضحايا سنوات الرصاص، وأمام المغاربة والعالم، ممن تابعوا الجلسات على أمواج الإذاعة وشاشات التلفزيون، ما معناه أن “كُلَّا وخبيزتو”، في توصيف الصراع بين قوى اليسار السبعيني ونظام الحسن الثاني، وقال “لا أحد منّا كان قديسا”، أي أن المناضلين كانوا يريدون الإطاحة بالنظام الملكي، فيما كان النظام يسعى إلى تصفية هؤلاء المعارضين، مع فارق مهول حدّده حرزني في أن المعركة بين الجانبين كانت غير متكافئة بالمطلق، وشبّهها حرزني بحلبة الملاكمة، فقط المناضلون دخلوها بقفازات الملاكمين، فيما النظام كان مجهّزا بقوات الأمن والجيش والأسلحة النارية والمخافر والمحاكم والسجون…

ويمكن القول، مع الحِفظ التام للدور التاريخي الذي لعبه إدريس بنزكري، إن حرزني تحمّل مسؤولية جسيمة في تجاوز الانسداد لدى جزء من الضحايا والرفاق القدامى وفي مساحة من الحياة السياسية، بين من يحدّدون السقف في “الإنصاف والمصالحة” لطي صفحة انتهاكات الماضي الجسيمة، وتجاوز منطق المساءلة ومطلب اعتذار الملك، لدى من يعتمدون مقاربة جذرية تسعى إلى الحقيقة وعدم إفلات المسؤولين عن الانتهاكات من المحاسبة، باعتبارها أساسا للعدالة الانتقالية… لقد لعب حرزني دور الجسر، أو القاطرة، لتيسير عمل هيئة الإنصاف والمصالحة، وتذليل الانسدادات من أمام هيئة بنزكري ورفاقه، التي فُتح أمامها أفق وازن لاستكمال أعمالها، التي ساهمت فيها بقدر كبير بتوثيق أرشيف ضخم من المعلومات عن الضحايا والانتهاكات، مما مكّنها من إعداد تقريرها النهائي، الذي تضمّن نتائج وخلاصات أبحاثها حول ماضي الانتهاكات، وجملة توصيات تتعلق بالإصلاحات الكفيلة بحفظ الذاكرة وضمان عدم تكرار الانتهاكات ومحو آثارها واسترجاع وتعزيز الثقة في المؤسسات واحترام سيادة القانون وحقوق الإنسان…، وهي توصيات مازال المناضلون والضحايا يطالبون باستكمال تنفيذها، في شتى مجالاتها، لتحقيق كل أهدافها، والتقدم قُدما نحو إرساء الحقيقة والعدالة في المغرب.

لكل ذلك، ولغيره كثير مما يضيق المجال في التوسّع فيه، أعتبر أن وفاة أحمد حرزني خسارة جسيمة للحركة الحقوقية المغربية، وخسارة للمناضلين ولخدام الدولة في نفس الآن، ويمكن القول، بكل ثقة وصدقية، إنه رجل المواقف الشجاعة والخيارات الصعبة، إنه “ثوري في غمرة الإصلاح”، وإنه أكثر حقوقي اؤتُمن على تراث رفيقه بنزكري، الراحل إدريس الذي قال يوما إنه يفضّل أن “يحترق شخصيا، إذا كان ذلك ثمنا لتحريك المغرب في اتجاه صحيح وجميل”… لقد احترق بنزكري، واحترق حرزني، لينضافا إلى كوكبة من المغاربة، الذين احترقوا في طريق الوطن، ومنهم من مازالوا يحترقون، وينشدون مع الشاعر الفلسطيني محمود درويش: “أموت اشتياقاً.. أموت احتراقاً.. وشنقاً أموت.. وذبحاً أموت.. ولكنني لا أقول مضى حبنا وانقضى.. حبنا لا يموت”.

أكمل القراءة

الاكثر مشاهدة