منذ إجهاض مسلسل مزايا التناوب التوافقي ، شرعت الدولة في التخلي عن التزاماتها الحقوقية ، ولم نعد نسمع عن اسطوانة المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي ، وما أحداث 16 ماي 2003 إلا عنوانا لنهاية مرحلة الانفتاح على مطلب المفهوم الجديد للسلطة ، لولا القوسين اللذين فتحا لأجل طي صفحة الماضي باسم المصالحة مع جزء من اليسار الثائب دون تحرير الحقيقة الوطنية من قبضة مأسسة النسيان.
ونعتقد أن المصلحة العامة تقتضي مرة أخرى بأن تستثمر الحوادث العابرة اشارات ومؤشرات لتحويل التوتر والغضب الى فرصة /امكانيات من أجل تركيز الاهتمام /القرار الجماعي على ضرورة مأسسة تدبير الاختلاف ضمن سياق تدبير المشترك الوطني ، بعيدا عن كل النزعات الايديولوجية والشعبوية الضيقة.
ليس الأمن الروحي، سوى وسيلة لولوج الفضاء العمومي وتوسيع هامش الافادة منه ، كمجال للتعبير والتواصل والتشاور ، مادام الهدف الأسمى هو تمثل القيم الانسانية وتكوين الشخصية الوطنية في اطار ذكاء اجتماعي تؤطره الارادة الحرة في تثوير وتطوير المجتمع وتحديث الدولة خارج منطق التحقير والاستبلاد والتفقير والاستبداد ، عبر تمارين دمقراطية تساهم في بلورة هويات منصهرة ومندمجة جدليا ، غير متطابقة بالضرورة لكن متجانسة حول الحد الأدنى الوطني المشترك ، تضبطه حرية التدين وحرية الاعتقاد تتويجا للحق في الحياة ، من جهة ، ومن جهة أخرى ، نرفض التهم التوليدية انصار العلمانية الفرانكوفونية ، أعداء السلف الوهابي الصالح ،فنحن حقوقيون كونيون ،صحيح ، لكننا مقاومون ومناهضون لكل أشكال الإكراه الديني واللغوي استمرارا على خط أجدادنا المقاومين وأعضاء جيش التحرير الوطني ، نكافح ضد الاستعمار وضد عملائه وضد صنائعه ، نناصر حرية المعتقد في ظل دولة مدنية تفصل السياسة عن الدين .
والعلمانية ليست بالنسبة لنا مبدأ حقوقيا ، ولم يثبت أن حرضنا على الإلحاد أو الإرتداد ، ولسنا قاصري التفكير والاختيار حتى تفرض علينا المذاهب والملل في شكل وصاية وارشاد دخيلين على قيمنا الروحية ، ولأن التكفير والتخوين وجهان لعملة واحدة ، فلن نقبل سوى إسلامنا المغربي الذي اعتدناه بعد أن وورثناه من أسلافنا الوطنيين والمجاهدين الأحرار ، لذلك توافقنا على أن يتولى أمير المؤمنين مهام تدبير الشأن الديني في مواجهة الأصوليين ، دون التعسف في عرقلة مسار التحديث الذاتي لدولة تطمح إلى تبوء مراتب أولى في العالم الرأسمالي في ظل مناخ ليبرالي تنافسي متعدد الأقطاب ، وليس على حساب قضايا الشعب المصيرية : التحرير والتحديث والديمقراطية .