على مسؤوليتي

ذ.المنوزي يكتب: تأملات عابرة في زمن يقتضي عبورا آمنا

نشرت

في

فاتح يناير من كل سنة نعيش لحظة استمتاع خاصة وكأننا غداة ثورة غيرت كل شيء ، وفتحت آفاقا واعدة ، مع تردد خفيف وخشية جنينية من انبعاث مقاومة خفية حتى لا نقول تمردا مضادا حول المستقبل والأحلام المسكونة .

ولأن الدربة علمتنا ألا نكون متفائلين أكثر مما يجب ويجوز ، فإننا نؤطر حماسنا (المنضبط أصلا ) بفعل تراكم الخيبات . ولربما هذه الأحاسيس التي تراودنا من اليوم الأول إلى متم النصف الأخير من هذا الشهر ، لم يعد لها نفس الحجم والأثر منذ ولجنا زمن الكهولة الأربعينية ، وها نحن على أبواب الشيخوخة الستينية ؛ حيث نُمتحن حول مدى استعدادنا لمزاولة المعيش بفن العيش الممكن ؛ وتحضرني محاضرة ميشيل فوكو حول فضائل الشيخوخة ، ضمن دروسه التي ألقاها بكوليج دو فرانس خلال السنة الجامعية 1981 \1982 ؛ فقد أسهب في التعريف بأفضلية الشيخوخة ك” هدف إيجابي ونقطة مثالية للوجود ” ، وقد استلهم جل تحليله من رسائل الفيلسوف سنيكا (رواقي كتب عن السعادة والسكينة والغضب والشجاعة .. ) ، والذي يعتبر أن الشيخوخة مرحلة تُوفر إمكانية إكتساب ( أو إسترجاع) السيادة والإستقلالية من طرف الشخص ، ولنقتبس من رسالته رقم 32 حكمة “” يجب إنجاز الحياة قبل الممات “” وذلك بوجوب بلوغ المرء حالة الامتلاء الخالص والكامل للنفس ، مما يعنيه من ضرورة تنظيم ” حياتنا ” حتى نكون شيوخا ( رتبة سامية ) ، و” علينا ” أن نسرع نحو شيخوختنا ؛ ففي اللحظة التي نعيشها ، ولو كانت آخر لحظة في عمرنا ، يجب أن نبحث عن كل سبل الوجود المستمر ، ومواجهة الموت من أجل العيش الدائم أو الحياة الأبدية ؛ وهذا لن يتأتى إلا بالإهتمام بالنفس ، وهي عملية ينبغي أن تبدأ بالتدرج منذ “مراهقتنا ” ، وهنا يلتقي فوكو مع سنيكا في موضوع الإعتناء بالذات كقضية .

وقد سبق لفوكو ، خلال دروسه سالفه ، أن أصل تحليله على موقف سقراط ، عبر تطور فكره من ” أعرف نفسك ” إلى ” اهتم بنفسك ” ؛ لكي نبلغ جميعا خلاصة ما كان يدعو له سقراط وهو يخاطب الأفراد قبل تنفيذ الحكم بالإعدام في حقه “” إذا أردت أن تحكم الآخرين ، عليك أن تهتم بنفسك “” ، ولأن ” الإهتمام بالنفس ” عملية تتطلب مجهودا كبيرا وتضحيات عظيمة ؛ فإن هذه العملية لا يستطيع أن يزاولها الجميع ، فقليل من يستطيع ذلك ، وبالتالي فالصفوة / نخبة المجتمع من يقدر ، وإنه على من ” يريد ” أن يهتم بنفسه عليه أن يعرف نفسه ، حتى يتمكن من الإقتدار او يستيطع انتزاع التمكين لفائدة الذات من الموضوع والبيئة ، ومن لم يحاول فهو عاجز أو فاشل في التمسك بالحياة .

فهل تعرفون ذواتكم ، بل هل ذواتكم تعي معرفة نفسها في صيغة مشروع للحياة ؟ وهو السؤال المفتاح الذي وجبت الإجابة عنه قبل طرح أية أسئلة أخرى ، لا أكثر ، ولذلك فمرحلة الشيخوخة هي مرحلة طرح الأسئلة التي لم يسبق طرحها حول معنى الحياة في العلاقة مع العناية بالذات ، ولعل سؤال الخلود الطيب والصمود النبيل هو الواجب بسطه ومعالجته ، والذي ينبغي أن يقترن بسؤالي التمكين والإقتدار ، لأجل إعادة ترتيب النهايات ، كمطلب راهني مقترن بكل وسائل الفوبيا التي تطوقنا ، وفي ذلك صياغة أولى لفن العيش الرغيد قبل سياسة التعايش القسري ! .

* مصطفى المنوزي

انقر للتعليق

الاكثر مشاهدة

Exit mobile version