*مقال تقييمي لتصرفات زعيم حزب المصباح وتعامل الدولة
في إطار نظرية “فرض الأمر الواقع” والتفاعل بين الدولة والفاعلين السياسيين (مثل الأحزاب أو المجتمع المدني)، يمكن تفسير خطاب الزعيم السياسي الذي يتخذ موقفًا استقطابيًا حادًا تجاه الدولة.
خاصة في قضية حساسة مثل التطبيع مع إسرائيل – من خلال عدة أبعاد تحليلية:
1. الشرعية والتنافس الرمزي:
– في الفضاء الانتقالي (كما يُعرِّف وينيكوت)، يُفترض أن يكون الحوار آمنًا لهويات الأطراف. لكن عندما يُصر الزعيم على خطاب استقطابي، قد يكون ذلك:
– استراتيجية لتعزيز شرعيته كمدافع عن “ثوابت الأمة” (مثل القضية الفلسطينية)، خاصة إذا رأى أن الدولة تتنازل عن هذه الثوابت تحت ضغوط خارجية.
– تنافسًا على تمثيل الهوية الجماعية: الدولة قد تروج لخطاب “العقلانية والواقعية”، بينما الحزب يطرح نفسه كحامٍ للقيم المطلقة (القدسية)، مما يخلق توترًا في شرعية التمثيل.
– اعتقاد مهندسي العقل الحزبي بانهم لن يتخلوا عن الزعيم بناء على سردية ” لن نترك لكم أخانا ” وهي مجربة كثيرا ، على أساس وجوب أخذ العبرة من تجربة ” الوردة ” ، حيث غادر الزعيم وحل محله الزعيم بالنيابة ، فتداعت للحزب مخلفات ، وبذلك حصل التوقع بتجنب ” التكرار ” .
2. الفضاء الانتقالي المُختَلّ:
– الفضاء الانتقالي يفترض حوارًا غير مهدد، لكن إذا شعر الحزب بأن الدولة **تفرض أمرًا واقعًا** (مثل التطبيع) دون تفاوض حقيقي، قد يتحول خطابه إلى:
– أداة مقاومة رمزية: لرفض “التطبيع القسري” وإجبار الدولة على الاعتراف بشرعيته كطرف معارض.
– تعبئة الجماهير: عبر استغلال الفجوة بين سياسات الدولة ومشاعر الشارع (خاصة في القضايا العاطفية مثل فلسطين).
3. الديناميكية القسرية لنظرية الأمر الواقع:
– إذا كانت الدولة تفرض سياساتها بأدوات قسرية (إعلام، قانون، قمع)، قد يلجأ الحزب إلى:
– التصعيد الخطابي كتعويض عن العجز عن الفعل المادي، مما يمنحه وجودًا في المشهد السياسي.
– اختبار حدود التسامح: لمعرفة مدى قدرته على تحدي الدولة دون مواجهة مباشرة (مثل التهميش المؤسسي أو التلويح بالحظر بحكم هشاشة مكتسب تأسبس حزب ” ديني ” أو الملاحقة بالقانون الجنائي في باب القذف او عدم التوقير ).
4. القضية الفلسطينية كـ”تابو” سياسي:
– في العديد من المجتمعات العربية، تُستخدم فلسطين كورقة ضغط أخلاقية:
– الدولة قد تبرر التطبيع بـ”المصلحة العليا”، لكن الحزب يستغل القدسية الرمزية للقضية لتحقيق مكاسب:
– كسب الشعبية عبر خطاب العاطفة.
– تحويل النقاش من “الواقعية السياسية” إلى “الشرعية الأخلاقية”، مما يُضعف حجج الدولة.
5. التكلفة السياسية للاستقطاب:
– إذا تجاوز الخطاب حدوده، قد: – يُفقد الحزب مصداقيته إذا اتُهم بالشعبوية أو العدمية. – تستقطب الدولة الخطاب عبر تبني جزء منه (مثل التنديد بالاحتلال ودعم الشعب الفلسطيني ماليا ، مع المضي في التطبيع)، مما يعزل الحزب.
وكخلاصة ، إن الخروج الخطابي الحاد للزعيم السياسي يمكن فهمه كـرد فعل دفاعي في فضاء انتقالي مُختلّ، حيث:
– الدولة تفرض أمرًا واقعًا (التطبيع) بشرعيتها الخاصة ( منها ترأس لجنة القدس وربطه بقضايا حيوية ومصيرية )
– والحزب يستخدم الرمزية المطلقة (فلسطين) لتعويض ضعفه التفاوضي، مع تحويل القضية إلى ساحة صراع على الشرعية.
وهذا قد يُنتج توازنًا هشًا: الدولة تتسامح مع الخطاب طالما لا يهدد استقرارها، والحزب يواصل “النغص” كإثبات وجوده دون القدرة على التغيير الفعلي اللهم محاولة الإستثمار إنتخابية رغم أن التقطيع الإنتخابي ينتمي للسردية “المقدسة ” ، والتي يمكن رهنها للايقين أو المجهول وتداعياته الأمنوية ، في ظل طموح شبابي داخل حزب المصباح ، سيتحول إلى ندامة سياسية ، لتفويتهم الفرصة للمصالحة مع المنظومة ، ولإختيارهم شيخا يعاني من عقدة ” الكوجيطو الجريح ” ، ولا يفكر سوى في إثبات الذات ، مدعيا عشقه للأمة والإمارة ، وكأني به يعيد صياغة سردية مناقضة لرواية ” الحب في زمن الكوليرا ” ، والحال أن التاريخ لن يعيد نفسه إلا في صيغة مأساة متضخمة السخرية .
*مصطفى المنوزي
منسق دينامية ضمير الذاكرة وحوكمة السرديات الأمنية